الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - شبهة: المؤلفة قلوبهم
.
نص الشبهة:
هل الأموال التي تدفع للمؤلفة قلوبهم عبارة عن أموال تقدم إلى هؤلاء تطميعًا لهم للدخول في دين الإسلام؟ .
والجواب على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: أقوال العلماء في معنى المؤلفة قلوبهم، والحكمة من إعطائهم من أموال الزكاة
.
الوجه الثاني: هل حكم المؤلفة قلوبهم باق بعد ظهور الإسلام أم نسخ؟ .
وإليك التفصيل
الوجه الأول: أقوال العلماء في معنى: المؤلفة قلوبهم، والحكمة من إعطائهم من أموال الزكاة.
قال الطبري: والصواب من القول في ذلك عندي: أن اللَّه جعل الصدقة في معنيين: أحدهما: سدُّ خَلَّة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته.
فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه؛ فإنه يُعطاه الغني والفقير؛ لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونةً للدين، وذلك كما يعطى الذي يُعطاه بالجهاد في سبيل اللَّه، فإنه يعطى ذلك غنيًّا كان أو فقيرًا للغزو لا لسدّ خلته، وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحًا بإعطائهموه أمرَ الإسلام وطلبَ تقويته وتأييده، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ أعطى مِنْ المؤلفة قلوبهم، بعد أن فتح اللَّه عليه الفتوح، وفشا الإسلام وعز أهله، فلا حجة لمحتجّ بأن يقول: لا يتألف اليوم على الإسلام أحد لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت (1).
(1) تفسير الطبري (14/ 316).
وقال ابن كثير: المؤلفة قلوبهم أقسام: منهم من يعطى ليُسلم، كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية من غنائم حنين، وقد كان شهدها مشركًا، حتى قال: أعطاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما زال يعطيني حتى صار، وإنه لأحب الناس إليّ (1).
ومنهم من يُعْطَى ليحسُن إسلامه، ويثبت قلبه، كما أعطى يوم حنين أيضًا جماعة من صناديد الطلقاء وأشرافهم: مائة من الإبل، وقال:"إني لأعطي الرجل وغيره أحبُّ إليّ منه، مخافة أن يَكُبَّه اللَّه على وجهه في نار جهنم". (2)
وقال البغوي: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} فالصنف الرابع من المستحقين للصدقة هم: المؤلفة قلوبهم، وهم قسمان: قسم مسلمون، وقسم كفار.
فأما المسلمون فقسمان:
قسم دخلوا في الإسلام ونيتهم ضعيفة فيه، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم تألفًا كما أعطى عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس، والعباس بن مرداس، أو أسلموا ونيتهم قوية في الإسلام، وهم شرفاء في قومهم مثل: عدي بن حاتم، والزِّبْرِقان بن بدر، فكان يعطيهم تألفًا لقومهم، وترغيبًا لأمثالهم في الإسلام، فهؤلاء يجوز للإمام أن يعطيهم من خمس خمس الغنيمة، والفيء سهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من ذلك ولا يعطيهم من الصدقات.
والقسم الثاني من مؤلفة المسلمين: أن يكون قوم من المسلمين بإزاء قوم كفار في موضع مُتَنَاطٍ لا تبلغهم جيوش المسلمين إلا بمؤنة كثيرة، وهم لا يجاهدون إما لضعف نيتهم أو لضعف حالهم، فيجوز للإمام أن يعطيهم من سهم الغزاة من مال الصدقة، وقيل: من سهم المؤلفة، ومنهم قوم بإزاء جماعة من مانعي الزكاة يأخذون منهم الزكاة يحملونها إلى الإمام، فيعطيهم الإمام من سهم المؤلفة من الصدقات، وقيل: من سهم سبيل اللَّه.
(1) أخرجه أحمد (15339)، ومسلم (2313).
(2)
تفسير ابن كثير (4/ 167)، وانظر صحيح البخاري (27)، ومسلم (150).
وأما الكفار من المؤلفة: فهو مَنْ يُخشى شره منهم، أو يرجى إسلامه، فيريد الإمام أن يعطي هذا حذرًا من شره، أو يعطي ذلك ترغيبًا له في الإسلام.
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيهم من خمس الخمس، كما أعطى صفوان بن أمية لِمَا يرى من ميله إلى الإسلام، أما اليوم فقد أعزَّ اللَّه الإسلام -فله الحمد-، وأغناه أن يُتَألَّف عليه رجال، فلا يُعطى مشرك تألفًا بحال، وقد قال بهذا كثير من أهل العلم: أن المؤلفة منقطعة وسهمهم ساقط. رُوي ذلك عن عكرمة، وهو قول الشعبي، وبه قال مالك والثوري، وأصحاب الرأي، وإسحاق بن راهويه.
وقال قوم: سهمهم ثابت، يُروى ذلك عن الحسن، وهو قول الزهري، وأبي جعفر محمد بن علي، وأبي ثور، وقال أحمد: يعطون إن احتاج المسلمون إلى ذلك. (1)
وفي شرح الموطأ: وَأَمَّا المُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ قَوْمٌ ذُو وَعْدٍ وَسَعَةٍ وَقُدْرَةٍ عَلَى الأَدَاءِ أَجَابُوا إِلَى الْإِسْلَامِ وَلم يَتَمَكَّنْ مِنْ نُفُوسِهِمْ؛ هَذَا الَّذِي قَالَهُ شُيُوخُنَا، وَيَحْتَمِلُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ الْإِيمَانُ تَمَكَّنَ مِنْ نُفُوسِهِمْ غَيْرَ أَنَّ الطَّاعَةَ لِأَحْكَامِهِ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ نُفُوسِهِمْ، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يستألفهم بِالْعَطَاءِ، وَيُحَبَّبُ إِلَيْهِمْ الْإِيمَانَ، وَيَكُفُّ بِهِ أَذِيَّتَهُمْ، وَقَدْ انْقَطَعَ هَذَا الصِّنْفُ لَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ وَكَثُرَ. (2)
وقال ابن حجر: والمراد بالمؤلفة: ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا، وقيل: كان فيهم مَنْ لم يسلم بعد كصفوان بن أمية، وقد اختلف في المراد بالمؤلفة قلوبهم الذين هم أحد المستحقين للزكاة، فقيل: كفار يُعْطون ترغيبًا في الإسلام، وقيل: مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم، وقيل: مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم، وأما المراد بالمؤلفة هنا فهذا الأخير لقوله في رواية الزهري في الباب: "فإني أعطى
(1) تفسير البغوي (4/ 64)، وراجع النكت والعيون للماوردي (2/ 117).
(2)
المنتقى شرح الموطأ (2/ 115)، وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (6/ 377).