الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَهْيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ". (1)
الحدود الإسلامية تحمي الضروريات الخمسة للإنسان:
المقاصد الخمسة التي لم تخلو من رعايتها ملة من الملل ولا شريعة من الشرائع هي (الدين، والنفس، والنسل أو العرض، والمال، والعقل)، وحفظ هذه المقاصد من الضروريات (2) في الشريعة الإسلامية، فتقرر لذلك الحدود لحماية هذه المقاصد الخمسة والضرورية في حياة الإنسان، ولأن الدنيا التي يعيش فيها الإنسان تقوم على هذه المصالح ولا تتوافر معاني الحياة الإنسانية الكريمة إلا إذا توافرت هذه الأمور، وهي من تكريم اللَّه للإنسان إذ قال سبحانه وتعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} (الإسراء: 70).
فهذا التحريم يقتضي وجود الأمور الخمسة والمحافظة عليها ومنع أي اعتداء يمتد إليها بتقرير العقاب الصارم ينزل بمن يقع منه الاعتداء (3).
فالدين هو أعز ما يملكه الإنسان، ودين المسلم أعز عليه وأقدس من كل ما عداه - وهو بالنسبة لمجتمع المسلمين الوطن الحقيقي وقد وضع اللَّه (الدين) في كفه وما عداه من مقدمات الحياة كلها في كفه، {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)} (التوبة: 24).
(1) أخرجه مسلم (1852).
(2)
الموافقات (1/ 28)، والإحكام للآمدي (3/ 240).
(3)
تنظيم الإسلام للمجتمع، نظام الأسرة والعقوبات - د/ رمزي نعناعة (101).
واعتبر القرآن فتنة المؤمن عن دينه أكبر من قتله وأشد {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} (البقرة: 217)، {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} (البقرة: 191).
والدين هو أولي الحرمات، والمقدم قبل جميع المقدسات، والعدوان عليه في شخص المؤمن به فتنة أو إكراهًا أكبر من العدوان على ذات نفسه (1).
فهو محفوظ بشرع الزواجر عن الردة والمقاتلة مع أهل الحرب، وقد نبه اللَّه تعالى بقوله {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (التوبة: 29)، فحفظ الدين بشرعية القتل بالردة والقتال للكفار (2).
وحفظ النفس بشرعية القصاص؛ فإنه لولا ذلك لتهارج الخلق واختل نظام المصالح، فحفظ النفس بشرع القصاص، وقد نبه اللَّه تعالى عليه بقوله:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (البقرة: 179). (3)
وحفظ العقل: بشرعية الحد على شرب المسكر، فإن العقل هو قوام كل فعل تتعلق به مصلحة فاختلاله يؤدي إلى مفاسد عظيمة، فحفظ العقل محفوظ بتحريم المسكر، وقد نبه اللَّه تعالى عليه بقوله:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} (المائدة: 91). (4)
لذا كان الحفاظ عليه من الضروريات حتى لا تناله آفة تجعل صاحبه عبئًا على المجتمع، ومصدر شر وأذى فيه، من أجل ذلك حرم الإِسلام الخمر، وكل ما من شأنه أن يؤثر في العقل تأثيرها فكل أنواع المخدرات سواء أكانت مشروبات أم كانت غير
(1) بحوث في علوم التفسير د/ محمد حسين الذهبي (439 - 440) بتصرف يسير واختصار.
(2)
المحصول للرازي (5/ 160)، وإرشاد الفحول (216).
(3)
المصدرين السابقين.
(4)
السابق.
مشروبات محرم في الإِسلام، ووضع لشرب الخمر عقابًا شديدًا؛ لأنها فوق أنها تفسد العقول في المجتمع تقطع حبال المودة فيه (1). والخمر تفقد الشارب عقله ورشده، وإذا فقد الإنسان رشده وعقله ارتكب كل حماقة وفحش، فإذا جلد كان جلده مانعًا له من المعاودة من جانب، ورادعًا لغيره من اقتراف جريرته من جانب آخر (2).
وحفظ النسل: بتحريم الزنا، وإيجاب العقوبة عليه بالحد؛ فالنسل محفوظ بشرع الزواجر عن الزنا؛ لأن المزاحمة على الأبضاع، تفضي إلى اختلاط الأنساب، المفضي إلى انقطاع التعهد عن الأولاد، وفيه التوثب على الفروج بالتعدي والتغلب، وهو مجلبة الفساد والتقاتل (3).
وحفظ المال: يكون بأحد أمرين: أحدهما: إيجاب الضمان على المتعدي؛ فإن المالك قوام العيش، وثانيهما: القطع بالسرقة؛ فالمالك محفوظ بشرع الضمانات والحدود (4).
وحفظ المجتمع كله وعدم انتهاك حرماته بحد الحرابة. لذا كان التغليظ في حدها فوق كل ما عداها، فإذا أمن الفرد على دينه ونفسه، وسلم له عقله، وعرضه، حفظ له ماله، فقد جمعت أطراف الأمن كلها.
وإذا أمن المجتمع من الخارجين عليه ممن يسمون في عصرنا (مخلين بالأمن العام) فقد تهيأ مناخ صالح يتنفس فيه الأفراد حرياتهم، وينعمون بالطمأنينة والزمان، فتنطلق الطاقات في ميادين العمل المنتج، وقد وقفت من ورائها دوافع قوية منشؤها توافر مقومات الحياة التي وضع نظام الحدود لصيانتها والحفاظ عليها حينما قال القرآن {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} (الملك: 15)، كان لا بد له من تأمين حركة الإنسان على الأرض، وإشاعة جو من الأمن والطمأنينة بحيث ينطلق الناس متحررين من الخوف
(1) تنظيم الإِسلام للمجتمع نظام الأسرة والعقوبات د/ رمزي نعناعة (102).
(2)
فقه السنة (3/ 126).
(3)
المحصول (5/ 160)، وإرشاد الفحول (216).
(4)
المصدر السابق.