الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورغم كل الإحسان الذي قدمه لهم المسلمون إلا أنهم لم يفوتوا فرصة للخيانة إلا وانتهزوها وخانوا المسلمين وهذه بعض الأمثلة من التاريخ
1 - خيانتهم في الأندلس:
عندما فتح المسلمون الأندلس كان أهلها من النصارى، وبعضهم من اليهود لم يعاملهم المسلمون معاملة الفاتح المتجبر الذي يستبيح الديار، والأعراض، ولم يكرههم على ترك دينهم إنما ترك لهم حرية الاعتقاد، وقامت دولة الإسلام في الأندلس بقوة، وتمكن خاصة في عهد الدولة الأموية، عبد الرحمن الداخل، ومن جاء بعده، وكان النصارى المعاهدون قد أصبحوا أقلية بسبب إسلام معظم أهل الأندلس بعد الفتح اختيارًا لا إجبارًا، وكانوا يعيشون آمنين مطمئنين على دارهم وأعرضهم ومالهم في ظل الحكومة الإسلامية، وكانوا يستوطنون القواعد الأندلسية الكبرى مثل قرطبة، وإشبيلية، وطليطلة، وبلنسي، وسرقسطة، ويتمتع النابهون من أبنائهم بعطف الخلفاء، وثقتهم، وتقديرهم.
فلما سقطت دولة الخلافة الأموية بالأندلس، وقامت دولة الطوائف المشؤومة على الإسلام والمسلمين. طرأ تغيير ملحوظ على أحوال النصارى المعاهدين حيث تمتعوا بحرية مطلقة في كل شيء أكبر من الأول بكثير، واعتنى ملوك الطوائف بالآخر بشدة، وأولوهم رعاية فائقة، وبذلوا جهودًا كبيرة في تأمينهم، وحمايتهم، وكسب مودتهم، وإن ملوك قرطبة، وإشبيلية، وسرقسطة يتسابقون في العطف على، وكانت بواعث هذه السياسة الودية، واضحة؛ ذلك لأن أسبانيا النصرانية في تلك المرحلة كانت بدأت تتفوق على الأندلس المسلمة، وبدأت تشن ما يسمى بـ (حرب الاسترداد)، وكان ملوك الطوائف يشعرون في المعاهدين أنهم مكمن للخطر، والدسائس، وكان بنو عباد ملوك قرطبة أكثر الناس تسامحًا معهم، وبلاط بني عباد يغص بالنصارى، واليهود، وعلى شاكلته كان باقي الملوك فهذا (عبد اللَّه بن بلقين) يصطنع النصارى، ويعتمد على الفرسان النصارى، ويتخذهم نصحاء، وأمناء، ووزراء يعاونوه في حربه ضد المسلمين! ، وهذا ابن هود نكبة
الإسلام في شمال شرق الأندلس كان أكبر ملوك الطوائف تسامحًا نحوهم، وكان هو السبب، وراء بطولة الفارس الصليبي الشهير (الكمبيادور).
هذه كانت حالهم في ظل حكم المسلمين بالأندلس رفاهية، وأمان، ورعاية، وحماية، ووزارة، وبطانة، وكلها أمور يجب أن تجعل ولاءهم الأول لهذا الحكم، وهذا المجتمع، ولكن كيف كان رد فعلهم تجاه كل هذه المزايا، والنعم؟
كان النصارى المعاهدون بالرغم من هذه الرعاية، والحماية، ، وهذا التسامح الكبير من جانب ملوك الطوائف لم يشعروا أبدًا أنهم جزء من المجتمع المسلم، ولم يشعروا قط بعاطفة من الولاء نحو تلك الحكومة المسلمة التي كانت تبذل وسعها لحمايتهم واسترضائهم بل لبثوا دائمًا على ضغنهم، وخصومتهم لها، وتبصرهم بها ينتهزون أية فرصة للإيقاع بها، وممالأة ملوك أسبانيا النصرانية، ومعونتهم بكل وسيلة على محاربتها، وتسهيل مهمتهم في غزوها، والتنكيل بها، والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
أ- حصار قلمرية سنة 456 هـ: وفيه قام النصارى المعاهدون، وقد كانوا كثرة في هذه المنطقة بدور بارز في معاونة الجيش الأسباني الصليبي، وقام رهبان دير (الورفان) القريب من قلمرية بمؤنهم المختزنة بإمداد الجيش الصليبي دلوهم على عورات المدينة حتى سقطت بيد الصليبيين.
ب- سقوط طليطلة سنة 478 هـ: دأب النصارى في طليطلة على تدبير الدسائس، وبث الفتن، والاضطرابات داخل المدينة، والاتصال المستمر بألفونسو الصليبي زعيم صليبي أسبانيا، ومؤازرة الناقمين من المسلمين الأغبياء ضد الحكومة القائمة، والعمل على تحطيم كل جبهة حقيقية للمقاومة، ولعبو دورهم على أكمل وجه حتى سقطت طليطلة بيد ألفونسو الصليبي سنة 478 هـ.
ج- غزوة الأندلس الكبرى 519 هـ: هذه الغزوة تمثل قمة الاجتراء، والخيانة، وذروة نكران الجميل من جانبهم عندما قام النصارى المعاهدون باستدعاء (ألفونسو الأرجوني)
المعروف بالمحارب، وكان أخوي ملوك الصليبيين، وقتها لغزو الأندلس، واحتلالها، ووعدوه بانضمام عشرات الألوف منهم، وأرسلوا له بأسمائهم في عرايض لضمان ولائهم، ووعدوه بالمساعدة بالذخائر، والمؤن، والأرواح، والدماء، وبالفعل قام ألفونسو المحارب بغزوته الشهيرة، واخترق قواعد الأندلس يعيث فيها فسادًا، وجنود النصارى ينضمون إليه أثناء سيره يدلونه على المسالك، والطرق، ومداخل البلاد، ولكن بفضل اللَّه عز وجل وحده فشلت تلك الغزوة الجريئة، وعاد ألفونسو خائبًا فما كان من النصارى إلا أن شعرو بخطورة موقفهم ففرو في صحبة (ألفونسو) وتركو ديارهم وأهلهم.
بالجملة كان النصارى في الأندلس نكبة على البلاد، والعباد، ورغم كل ما لاقوه من عون، ورعاية، وحماية من الحكومات الإسلامية، وكانوا طابورًا خامسًا للأعداء، وهذا ما أقر به مؤرخو الصليبيين أنفسهم فهذا الأستاذ (بيدال) يقول (إن نجم المعاهدين قد بزغ ثانية عقب انحلال الدولة الأندلسية، وقيام دول الطوائف الضعيفة، واستطاعوا أن يؤدوا خدمات جليلة لقضية النصرانية، والاسترداد النصراني)، بل إن الحرية الممنوحة لهم دفعتهم للتطاول على المسلمين، وأصلهم كما نرى من الرسالة الشهيرة التي كتبها (ابن جرسيا) في تفضيل العجم على العرب سنة 450 هـ، وهي رسالة تفيض تحاملًا ضد الجنس العربي، وتنوه بوضاعة منبته، وخسيس صفاته، وحقارة عيشه، وميوله وانغماسه في شهوات الجنس، وتشيد بالعكس بصفات العجم (كل من ليس عربي)، وترفعهم عن الشهوات الدنية، وتبحرهم في العلوم، وغير ذلك، مما يوضح نتاج سياسة التسامح، واللين معهم، والجدير بالذكر أن خياناتهم، وجرائمهم المتكررة دفعت فقهاء المسلمين لئن يحملوا الحكام على عقابهم كما حدث من كبير فقهاء الأندلس (ابن رشد الجد) عندما أصدر فتوى بوجوب تغريب المعاهدين من الأندلس إلى المغرب، وذلك سنة 521 هـ، في عهد أمير المسلمين علي بن يوسف.