الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بغضنا، وتكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم، وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا، واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل ليمنعنا ذلك الاستحضار من الود الباطن لهم المحرم علينا خاصة، لا لأن نظهر آثار تلك الأمور التي نستحضرها في قلوبنا من صفاتهم الذميمة؛ لأن عقد العهد يمنعنا من ذلك (1).
الوجه العاشر: لم يكن الإسلام أول الأديان والملل أخذًا للجزية
بل هي شريعة معهودة عند أهل الكتاب يعرفونها كما يعرفون أبناءهم، فها هم بنو إسرائيل عندما دخلوا بأمر الرب إلى الأرض المقدسة مع نبيهم يشوع أخذوا الجزية من الكنعانيين، فيقول النص في سفر يشوع (16: 10): (فَلَمْ يَطْرُدُوا الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ. فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِ أَفْرَايِمَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، وَكَانُوا عَبِيدًا تَحْتَ الْجِزْيَةِ).
وفي سفر القضاة (1: 1) نجد أن بني إسرائيل سألوا الرب قائلين: (مَنْ مِنَّا يَصْعَدُ إِلَى الْكَنْعَانِيِّينَ أَوَّلًا لِمُحَارَبَتِهِمْ؟ " 2 فَقَالَ الرَّبُّ: "يَهُوذَا يَصْعَدُ. هُوَذَا قَدْ دَفَعْتُ الأَرْضَ لِيَدِه)، وفي الأعداد (30 - 33) نجدهم يضعون الجزية على الكنعانيين. وعلى سكان قطرون وسكان نهلول وسكان بيت شمس وسكان بيت عناة وغيرهم ونجد في كتابهم المقدس أيضًا أن نبي اللَّه سليمان عليه السلام متسلطًا على جميع الممالك من النهر إلى أرض فلسطين وإلى تخوم مصر. وكانت هذه الممالك تقدم له الجزية وتخضع له كل أيام حياته. ملوك الأول (4: 21).
فيقول النص كما في ترجمة كتاب الحياة: (فكَانَتْ هَذِهِ المَمَالِكُ تُقَدِّمُ لَهُ الجِزْيَةَ وَتَخْضَعُ لَهُ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ) وفي ترجمة الفانديك: (كَانُوا يُقَدِّمُونَ الْهَدَايَا وَيَخْدِمُونَ سُلَيْمَانَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهِ.)
بل إن كتابهم المقدس فيه من الشرائع والأحكام ما هو أشد وأعظم بكثير من حكم الجزية، فالرب مثلًا يأمر أنبياءه أن يضعوا الناس تحت نظام التسخير والعبودية بخلاف الجزية التي أهون بكثير من هذا النظام فعلى سبيل المثال نجد في سفر التثنية (20: 10) أن الرب يأمر
(1) تهذيب الفروق، والقواعد السنية في الأسرار الفقهية (3/ 23)، الفروق (3/ 14 - 15).
نبيه موسى قائلًا: (حِينَ تَقْرُبُ مِنْ مَدِينَةٍ لِكَيْ تُحَارِبَهَا اسْتَدْعِهَا إِلَى الصُّلْحِ، فَإِنْ أَجَابَتْكَ إِلَى الصُّلْحِ وَفَتَحَتْ لَكَ، فَكُلُّ الشَّعْبِ الْمَوْجُودِ فِيهَا يَكُونُ لَكَ لِلتَّسْخِيرِ وَيُسْتَعْبَدُ لَكَ).
ويقول كاتب سفر صموئيل الثاني 8: 1 كما في ترجمة كتاب الحياة عن نبي اللَّه داود:
(وَضَرَبَ الْمُوآبِيِّينَ وَقَاسَهُمْ بِالْحَبْلِ. أَضْجَعَهُمْ عَلَى الأَرْضِ، فَقَاسَ بِحَبْلَيْنِ لِلْقَتْلِ وَبِحَبْل لِلاسْتِحْيَاءِ. وَصَارَ المُوآبِيُّونَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ يُقَدِّمُونَ هَدَايَا). وفي العدد: (وَكَانَ الرَّبُّ يَنْصُرْ دَاوُدَ حَيثُمَا تَوَجَهَ).
لقد كانت الجزية من شرائع التوراة والمسيح عليه السلام لم يذكر كلمة واحدة لإلغائها أو استنكارها. وقد نقل العهد الجديد شيوع هذه الصورة حين قال المسيح لسمعان: (مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ الأَرْضِ الجِبَايَةَ أَوِ الْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ الأَجَانِبِ؟ " قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: "مِنَ الأَجَانِبِ". قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "فَإِذًا الْبَنُونَ أَحْرَارٌ). (متى 17/ 24 - 25).
والأنبياء عليهم السلام حين غلبوا على بعض الممالك بأمر اللَّه، ونصرته أخذوا الجزية من الأمم المغلوبة، بل واستعبدوا الأمم المغلوبة، كما صنع النبي يشوع مع الكنعانيين حين تغلب عليهم (فَلَمْ يَطْرُدُوا الْكَنْعَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي جَازَرَ. فَسَكَنَ الْكَنْعَانِيُّونَ فِي وَسَطِ أَفْرَايِمَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، وَكَانُوا عَبِيدًا تَحْتَ الْجِزْيَةِ)(يشوع 16/ 10)(1)، فجمع لهم بين العبودية والجزية.
والمسيحية لم تنقض شيئًا من شرائع اليهودية، فقد جاء المسيح متممًا للناموس لا ناقضًا له (انظر متى 5/ 17)، بل وأمر المسيح أتباعه بدفع الجزية للرومان، وسارع هو إلى دفعها، فقد قال لسمعان:(اذْهَبْ إِلَى الْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَالسَّمَكَةُ الَّتِي تَطلُعُ أَوَّلًا خُذْهَا، وَمَتَى فتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَارًا، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ)(متى 17/ 24 - 27).
ولما سأله اليهود (حسب العهد الجديد) عن رأيه في أداء الجزية أقر بحق القياصرة في أخذها (فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ تَلَامِيذَهُمْ مَعَ الْهِيرُودُسِيِّينَ قَائِلِينَ: "يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَتُعَلِّمُ طَرِيقَ اللَّهِ بِالْحَقِّ، وَلَا تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لَا تَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ النَّاسِ. 17 فَقُلْ لَنَا: مَاذَا تَظُنُّ؟ أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى
(1) سفر يشوع نقلًا عن المصدر السابق 1/ 382.
جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لَا؟ " 18 فَعَلِمَ يَسُوعُ خُبْثَهُمْ وَقَالَ: "لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي يَا مُرَاؤُونَ؟ 19 أَرُونِي مُعَامَلَةَ الجِزْيَةِ". فَقَدَّمُوا لَهُ دِينَارًا. 20 فَقَالَ لَهُمْ: "لِمَنْ هذِهِ الصُّورَةُ وَالْكِتَابَةُ؟ " 21 قَالُوا لَهُ: "لِقَيْصَرَ". فَقَالَ لَهُمْ: "أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للَّه للَّه) (متى 22/ 16 - 21).
ولم يجد المسيح غضاضة في مجالسة، ومحبة العشارين الذين يقبضون الجزية، ويسلمونها للرومان (انظر متى 11/ 19)، واصطفى منهم متى العشار ليكون أحد رسله الاثني عشر (انظر متى 9/ 9).
ويعتبر العهد الجديد أداء الجزية للسلاطين حقًا مشروعًا، بل، ويعطيه قداسة، ويجعله أمرًا دينيًا، إذ يقول: لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلَاطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلَّا مِنَ اللَّهِ، وَالسَّلَاطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَة مِنَ اللَّهِ، 2 حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللَّه، وَالمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. 3 فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لَا تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلَاحَ فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، 4 لأَنَّهُ خَادِمُ اللَّهِ لِلصَّلَاحِ! وَلكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ فَخَفْ، لأَنَّهُ لَا يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللَّهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. 5 لِذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبَ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. 6 فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضًا، إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللَّهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذلِكَ بِعَيْنِهِ. 7 فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الجِزْيَةُ. الجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ. (رومية 13/ 1 - 7).
وفى التفسير التطبيقي يقول المعلق على المادة (متى 17/ 24 - 27): وهى قوله: فإذًا البنون أحرار أجاب بطرس كعادته على سؤال دون معرفة حقيقية للإجابة، وبذلك وضع يسوع والتلاميذ في موقف حرج، ولكن الرب يسوع استخدم هذا الموقف الحرج لإثبات دوره الملكي، فكما أن الملوك لا يدفعون ضرائب لا هم، ولا عائلاتهم فلم يكن على يسوع كملك أن يدفع ضرائب، ولكنه دبر دفع الضريبة عنه، وعن بطرس لكي لا يعثر الذين لم يدركوا أنه ملك، ومع أن بطرس قد أعطى مبلغ الضريبة إلا أنه كان عليه أن يذهب