الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهناك من الأحرار من يوضع عليهم مسؤوليات، بل وقيود تجاه أحرار مثلهم: فالجنود عليهم مسؤوليات تجاه القائد، وكذلك الرعية مع الحاكم: فعَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَة". (1)
ولقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: " ألا واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة". (2)
قال ابن الأثير: عوان عندكم أي: أُسَرَاء، أو كالأُسَراء. (3)
إنما هن عوان عندكم جمع عانية أي أسراء. كالأسراء: شبهن بهم عند الرجال لتحكمهم فيهن، فالعاني: الأسير، وكل من ذل واستكان وخضع فقد عنا يعنو، أو هو عان، والمرأة عانية، وجمعها عوان. ليس تملكون منهن شيئًا: أي شيئًا من الملك، أو شيئًا من الهجران؛ والضرب غير ذلك أي غير الاستيصاء بهن الخير (4).
4 - الحرية من الرق هي حرية صغرى، والإسلام يريد للناس الحرية الكبرى:
فالحرية في الإسلام ليست مجرد الخروج من الرق.
قال ابن تيمية: إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته فما استرق القلب واستعبده فهو عبده.
ولهذا يقال: العبدحر ما قنع. . . والحر عبد ما طمع
وقال الشاعر: أطعتُ مطامعي فاستعبدتني
…
ولو أني قنعت لكنت حرًّا
ويقال: الطمع غل في العنق قيد في الرجل، فإذا زال الغل من العنق زال القيد من الرجل. (5)
(1) أخرجه البخاري (6609).
(2)
أخرجه الترمذي (3087)، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الكبرى (4100)، وابن ماجه (3055). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (7880).
(3)
النهاية في غريب الأثر (3/ 598).
(4)
تحفة الأحوذي (8/ 383).
(5)
العبودية (1/ 81)، إقامة الدليل على إبطال التحليل لابن تيمية (3/ 422).
قال الأصفهاني: فالحرية ضربان: الأول: من لم يجر عليه حكم الشيء نحو: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} والثاني: من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشره على المقتنيات الدنيوية، وإلى العبودية التي تضاد ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار"، وقول الشاعر: ورقُّ ذوي الأطماع رق مخلد. وقيل: عبد الشهوة أذل من عبد الرق. والتحرير جعل الإنسان حرًا، فمن الأول:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ومن الثاني {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} قيل هو أنه جعل ولده بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدنيوي المذكور في قوله عز وجل: {بَنِينَ وَحَفَدَةً} بل جعله مخلصًا للعبادة، ولهذا قال الشعبي معناه مخلصًا. وقال مجاهد: خادمًا للبيعة، وقال جعفر: معتقًا من أمر الدنيا، وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد، وحررت القوم أطلقتهم وأعتقتهم عن أسر الحبس، وحر الوجه ما لم تسترقه الحاجة، وحر الدار وسطها. (1)
قال الرازي: وفي وجه آخر لتفسير قوله تعالى {فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} : وهو أن يكون المراد أن يفك المرء رقبة نفسه بما يتكلفه من العبادة التي يصير بها إلى الجنة؛ فهي الحرية الكبرى، ويتخلص بها من النار (2).
قال الإمام ابن القيم:
هربوا من الرق الذي خلقوا له
…
فبلوا برق النفس والشيطان
لا ترض ما اختاروه هم لنفوسهم
…
فقد ارتضوا بالذل والحرمان. (3)
فمن ثمرات الشهادتين: تحرير القلب والنفس من الرق للمخلوقين، والاتباع لغير المرسلين (4).
(1) المفردات في غريب القرآن (1/ 111).
(2)
تفسير الرازي (17/ 32).
(3)
الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (2/ 72).
(4)
إقامة الحجة على العالمين بنبوة خاتم النبيين (1/ 179).