الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حيث إنها امرأة؟ بل هل يتسنى، حتى مع شيء من التّحمل، الجنوح إلى هذا التفسير الذي تقف منه هذه النصوص القرآنية التي أوردناها، موقف النقيض من النقيض؟ ! .
فمصدر هذه القوامة لا يتمثل في أفضلية ذات الرجل عند اللَّه على ذات المرأة، وإنما مصدرها الأفضلية المصلحية الآتية من توافق إمكانات الرجل ووظيفته الإنفاقية، مع ما تحتاج إليه الأسرة في مجال الرعاية والسهر على مصالحها الخطيرة. كما أن إسناد مهام رعاية الطفولة المتمثلة في الحضانة والرضاعة وجزء كبير تستقل به المرأة عن الرجل في التربية، ليس مصدره أفضلية ذاتية للمرأة على الرجل، وإنما مصدرها الأفضلية المصلحية ذاتها التي تتجلى في توافق إمكانات المرأة مع هذه المهام.
بل ربَّ رجل أسندت إليه مهامُّ هذه القوامة، وهو من أفسق الناس وأبعدهم عن رضا اللَّه عز وجل، ورب امرأة عاشت في ظل هذه القوامة، وهي من أفضل الناس صلاحًا وأسماهم مكانة عند اللَّه.
والذين أدركوا معنى النظام وقيمته في الحياة الإنسانية، ونُشِّئوا في ظلال النظام يعلمون هذه الحقيقة، ويتعاملون مع مؤيداتها في سائر تقلبات الحياة.
وفي إيجاز شديد نقول لهؤلاء:
إن القوامة للزوج على زوجته في ظل نظام الزواج الإسلامي ليست تسلطًا ولا اعتسافًا، وإنما هي أسلوب رشيد في الإدارة والتوجيه، ولو تجاوز أحد الأزواج هذا الأسلوب فتسلط واعتسف لكان مخالفًا لمنهج الإسلام ومفتاتًا على حق الزوجة وعاصيًا للَّه سبحانه، إذ لا يحق له أن يظلم أو يجور؛ لأن اللَّه سبحانه حرم ذلك على الناس جميعًا كما حرمه على نفسه.
الوجه الخامس: المرأة العاقلة لا يسعدها أن تتساوى مع الرجل في القوامة
.
شواهد الحياة كلها تدل -عند التحقق- على أنه قد لا يسعد المرأة سعادة حقيقية أن تتساوى بالرجل في كل شيء، بل إنني لأقول -عن تجربة ومشاهدة-: إن سعادتها الحقيقية تكمن في أن تراعي وجوه اختلافها عن الرجل فسيكولوجيا، وبيولوجيًا، وفسيولوجيًا، ولا تكمن في أي خروج على هذه الأوجه، أو تجاهل لها. وأشير إشارات سريعة -
لأسباب معروفة- إلى ما هو مشاهد ثابت من غلبة الاكتئاب المرضي، والرغبة في الانتحار -بل الإقدام عليه أحيانًا- وغلبة الشقاء النفسي، والفشل في الحياة الخاصة على كثير من المتزعمات لما يطلق عليه حركات المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، في مقابل السعادة الحقيقية التي تجنيها المرأة المتوافقة في حياتها مع طبيعة الأنثى بكل صفاتها، وأبرزها ما تختلف فيه مع الرجل من تكوين نفسي، وعضوي.
يقول GA.adfieid في كتابه علم النفس والأخلاق:
وغريزة الخضوع تقوى أحيانًا فيجد صاحبها لذة في أن يكون متسلطًا عليه، ويحتمل لذلك الألم بغبطة، وهذه الغريزة شائعة بين النساء وإن لم يعرفنها، ومن أجلها اشتهرت بالقدرة على احتمال الألم أكثر من الرجل، والزوجة من هذا النوع تزداد إعجابًا بزوجها كلما ضربها وقسا عليها. ولا شيء يحزن بعض النساء مثل الزوج الذي يكون رقيق دائمًا، لا يثور أبدًا على الرغم من تحديهن، ولا يعرف شقاء هذه العيشة إلا النسوة اللاتي جربن الحياة مع زوج من هذا الطراز.
وقريب من هذا الاتجاه، رأى الأستاذ محمد زكي عبد القادر الذي يقول فيه: المرأة تحب الرجل العصي. تحب أن تصطدم إرادتها بإرادته، تحب الصراع للظفر، ولكنها تغضب وتملأ الدنيا صياحًا، وفي قرارة نفسها حلاوة الضعف أمام قوة الرجل.
وكتبت كاتبة أمريكية وهي تقول: إذا كانت لي ابنة لأوصيتها بأنه لا ينبغي لها أن تعد نفسها مساوية لزوجها في المقام والمنزلة، ولو أحبها زوجها حبًا جمًا واحترمها، إن هناك نساء يعملن في المصانع ومصالح الحكومات، وربما يكسبن من عملهن عائدات تعادل عائدات أزواجهن، ومع ذلك عليهن أن يقدرن محبة أزواجهن، فلا تزعمن أنهن أصبحن مثل أزواجهن في مقام العمل. صحيح إن بعض النساء نلن في المنزلة العلمية والفكرية ما ناله الرجال في المقام، ومع ذلك فإن ادعاء الانفراد والأنانية لا يجوز أبدًا للنساء.
عندما زار وفد المغتربين العرب سورية جرت محادثة صحفية بين أحد الصحفيين في دمشق، وإحدى المغتربات حول المرأة، فكان مما قالته المغتربة عن الحياة في الغرب، وعن المرأة فيها، بعد أن تنهدت ألمًا وحرقة:
ليت رحلتنا تدوم، أو ليت البقاء يكتب لي هنا، وأشارت بيدها إلى البعيد وتابعت:
هناك. . حيث، بعيدًا، بعيدًا. . حركة وضجيج، ومادة، وسرعة، وتعايش غير إنساني، كل إنسان يريد أن يفهم الدنيا كسبًا، وأن ينتهبها لذة، وأن يسيطر عليها نفوذًا، وما أصعب الحياة الصاخبة، وما أحلى أن يعيش الإنسان في حدود إنسانيته، يفعل ما يرى أنه بحاجة إليه نابعًا من ذاته، ويعمل ما يريد؛ لأن المجتمع أراد، ويتحمس لما لا يحسن؛ لأن المجموعة متحمسة، ويخالف ضميره ومزاجه ومبادئه في كثير من الأحيان، لأن سنة السرعة والحركة تفرض عليه هذا، ولا يستطيع الهرب أو الانطلاق من السلسة التي تطوقه.
ثم تابعت حديثها بلغة عربية غير سليمة، ولكنها مفهومة تجيب على سؤال الصحفي حين سألها عن المرأة. وهل هي متزوجة؛ فأجابت: لم أتزوج بعد، لأنني لم أجد الزوج الذي يقدس المرأة ويميزها، ويقدمها على نفسه ويعرف قدرها كالزوج العربي، هناك يعامل الزوج زوجته على قدم المساواة مع أي جار أو صديق! إنها شيء في حياته يجوز الاستغناء عنه، وفي أحسن الحالات يجوز أن يتساوى معه، أما هنا فالزوجة والمرأة بشكل عام، مفضلة، مدللة، محترمة المكانة يسعى الرجل لإسعادها قبل أن يسعد نفسه، وعندما قال الصحفي الدمشقي للمغتربة: إن النساء هنا لا يرضين عن هذه المعاملة، إنهن يطالبن بالمساواة مع الرجل. . ضحكت المغتربة ساخرة، وقالت: لو ذهبن إلى أمريكا وأذعن ما يطالبن به هنا لضحكت كل النساء الأميركيات من هذه المطالب. . إن المرأة الأمريكية تحسد المرأة العربية، وتتمنى حياة زوجية كحياتها.
وهذه فرانسواز ساغان المستشرقة الفرنسية تقول:
أيتها المرأة الشرقية إن الذين ينادون باسمك ويدعون إلى مساواتك بالرجل إنهم يضحكون عليك وقد ضحكوا علينا من قبلك! !
جاء في جريدة المنار (6/ 149) ما تستحسنه المرأة في الرجل: القي هذا الموضوع على كثيرات من نخبة الكاتبات الأنكليزيات فكتبت سارة يولى تقول: إن المرأة تعجب بشجاعة الرجل واستقلاله وتود أن يكون زوجها متسلطًا عليها ولقد كان ذلك شأنها منذ العصور الغابرة وإن كان العمران الحاضر قد ساوى في الحقوق، لكن الاعجاب بقوة الرجل لا يزال ديدن المرأة ولذلك تراها تعجب بالجنود؛ لأنهم يمثلون القوة البدنية وبخدمة الدين؛ لأن لهم سلطة أدبية ودينية.
يقول د/ عبد اللَّه مبارك الخاطر: إن نسيت فلن أنسى خلال إقامتي في ديار الغرب صورتين متناقضتين غاية التناقض لامرأة مشهورة تعمل في المحاماة.
الصورة الأولى: توفرت في هذه المرأة الصفات التالية: قوة البنية، ذرابة اللسان، الحماسة لما تؤمن به وتعتقده، النشاط الدائب: فمره تقرأ مقالاتها في الصحف، ومرة أخرى تسمعها تتحدث في التلفاز، وتقارع فحول الرجال الحجة بالحجة. . . ومرة ثالثة تستمع إليها في المحاكم تدافع عن القضية التي نذرت نفسها من أجلها.
قد يظن القارئ الكريم أنها محامية لشركة من الشركات أو لمؤسسة من المؤسسات. لا يا أخي. إن عملها الوحيد الدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، ولهذا تجد عندها إحصائيات عجيبة عن الوزارات والمؤسسات والشركات وعن نسبة الرجال والنساء في كل منها. . وكم أرغمت هذه الجهة أو تلك على قبول عدد من النساء وفصل الزيادة من الرجال. . وكم ربحت الحكم ضد شركات أقدمت على تسريح مجموعة من النساء بسبب عدم الحاجة إليهن.
كانت هذه المرأة ذائعة الصيت، ولها مكانة كبيرة في المجتمع الغربي، كما كانت مثالًا يحتذى به للنساء، بل وللرجال الذين ينادون بالمساواة المطلقة بين الجنسين.
الصورة الثانية: صورة هذه المرأة وهي مريضة، وقد حوّلها طبيبها الخاص إلى قسم الطوارئ في مستشفى الأمراض النفسية الذي كنت أعمل به.
وقد شاهدت بعيني مشهدًا يختلف تمامًا عن المشهد الذي يراه الناس على شاشة التلفاز أو في قاعة المحكمة: شاهدت امرأة ضعيفة منهارة محطمة تشعر أنها تعيش وحدها في هذه الدنيا، ليس لها ابن ولا زوج ولا أخ ولا والد. . أما النساء فيعرفنها محامية قوية تدافع عن حقوقهن، ولا حاجة لهن بها إذا كانت مريضة في المستشفى، أو مقعدة في بيتها، أو في مأوى العجزة. . كنت أعرف مشكلتها قبل أن أسألها، ومع ذلك سألتها حيث لا بد من سؤال المريض والاهتمام بكل ما يقوله. . قلت لها: ما مرضك وبماذا تشعرين؟ فأجابت: أريد رجلًا يشاركني الحياة ويقول لي: لا! ! . . لقد مللت الحياة التي عشتها، والعمل الذي اخترته.
هذا مرضها أنقله بأمانة ودقة. . وقد قصت بواجبي وأعطيتها العلاج اللازم للمصاب بحالة الاكتئاب، ولكنني أشعر بأنها لن تشفى من هذا المرض؛ لأنها لن تجد رجلًا عاقلًا يغامر بحياته وعقله ويتزوجها، وإذا وجدت فسوف يكون من أشباه الرجال ولن يقول لها: لا! ! ومثل هذا الرجل لا يحل مشكلتها، ومن جهة ثانية، فلو شفيت من مرضها وعادت إلى عملها السابق، فسوف تعيد سيرتها الأولى؛ لأن أمثالها يبحثن عن الشهرة، والطبع عندهن يغلب التطبع. . فهي تريد أن يتحدث الناس عنها مهما كانت النتائج.
أرأيتم المرأة عندما تصطدم مع الفطرة التي فطر اللَّه الناس عليها؟ ! .
قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)} (الروم: 30).
وهذا رد أراه مفحمًا لكل ناعق بمثل هذا القول.
وهناك رد آخر هو أن الأسرة وهي الوحدة الأساسية في بناء المجتمع، وهي في الوقت نفسه مكونة من أكثر من فرد، وعملها الذي تقوم به في دعم المجتمع وقيمه وآدابه يقوم بها
أكثر من واحد -الزوج والزوجة والأبناء- فلابد من إدارة لهذه الأسرة تكون مقاليدها في يد أحد أفراد هذه الأسرة، لا في يد واحد من خارجها.
فبيد من تكون هذه الإدارة أو القوامة؟
أتكون لمن هيأه اللَّه وفطره على أن يقوم بأعباء هذه القوامة، وهو الرجل؟ أم تكون لغير من هيئ وفطر على ذلك، وهي المرأة؟
إن الفروق الحادة بين الرجل والمرأة في هذا المجال لا تنقص من قدر المرأة وإنما هي حكمة اللَّه وبالغ حكمته، وإلا لاعتبرنا أن تهيئة المرأة للحمل والولادة ينقص من قدر الرجل؛ لأنه لا يستطيع ذلك، ولا قائل بذلك من العقلاء.
والمقياس الدقيق في ذلك والتعليل المقبول لهذه القوامة التي أعطاها للرجل على زوجته هو ما جاءفي قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (النساء: 34).
وهذا التفضيل داخل في قوانين الفطرة التي فطر اللَّه الناس عليها، فقد فطر الرجال والنساء على أن يميل كل جنس منهما إلى الجنس الآخر، وجعل هذا الميل المنتهي أخيرًا بالزواج الشرعي سببًا في العمران، وإنشاء التمدن ونمو الحياة، وإن البداية الصحيحة لذلك هي تكوين الأسرة وما يجب أن يحاط به الأطفال من حب وحنان وحضانة.
وإن من قوانين الفاطر سبحانه وتعالى -لكي يحفظ الكل طرف حقه ويلزمه بواجبه- أن جعل القوامة للرجل على المرأة، وأعد جسده وعقله وقدراته كلها على أن تحمل أعباء تأمين احتياجات الحياة لأسرته، في حين لم تفطر المرأة على ذلك، بل هي تتعرض لحالة مرضية في كل شهر تمتد من ثلاثة أيام إلى خمسة عشر يومًا، تصيبها -كما يرى علماء الأحياء- بتبلد في الحس، وتكاسل في الأعضاء، وتراجع لقوة التركيز، ونقص في الذكاء، وضعف في الأعصاب، وإذا كان هذا في فترة الحيض في بالنا بفترة الحمل والولادة والإرضاع؟
هل يمكن مع هذه الفطرة أن تكون القوامة لها على البيت؟
نعم يوافق الإسلام على أن يتقاسم الرجل مع المرأة ما يستطيع أن يقوم به من عمل في البيت، معاونة منه لأهله وتأدبًا بأدب الإسلام الذي أوضح لنا أن رسولنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم كان في خدمة أهله.
ذلك هو المفهوم الصحيح للقوامة أن يحمل الرجل أعباء البيت من الخارج سعيًا وكذا، وأن يعين في أعبائه الداخلية تعاونًا وخدمة، وكل ما عدا هذا الفهم مما قد يشاهد عند بعض الأزواج إنما هو انحراف عن المنهج ومعصية للَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم وقعود عن واجب، أو استبداد بسلطة قد تؤدي إلى أبغض الحلال إلى اللَّه، وهو الطلاق.
وإن من نافلة القول التأكيد على أن أعداء الإسلام يخلطون عامدين بين المنهج والناس المنفذين له، ويحسبون أخطاء الناس على المنهج نفسه، وهو قياس فاسد المقدمات فاسد النتائج، ممعن في المغالطة والتضليل.
وإن الزعم بأن المرأة في الغرب تنعم بنظام زواج حسن يمكن أن يحاكى، زعم باطل شجع عليه رؤية الانحناءات أمام المرأة وتقبيل يدها من الأجانب عنها، وتلك قشرة رقيقة تخفي تحتها من امتهان المرأة ما لا يعرفه إلا الذين عاشوا هناك ورأوا مفردات الحياة الزوجية عن قرب، وعرفوا ما تحت القشرة.
إن امتهان المرأة هناك على الرغم من تلك اللامعة الخالية بلغ حد إلزامها بالعمل في المصانع والمناجم أو تموت جوعًا، وبلغ أن الزوج ليس مطالبًا بالإنفاق على زوجته وأولاده، بل إن الزوجين إذا تناولا الطعام خارج البيت -وكثيرًا ما يفعلان- دفع كل منهما ثمن طعامه من حسابه الخاص! .
إن بعض النساء الغربيات يطالبن اليوم بالتخلي عما حصلت عليه المرأة من مميزات؛ لتعود إلى بيتها تجد رجلًا قوامًا على زوجه وبيته؛ لتتفرغ هي لتربية أبنائها والعناية بهم.
وليس هنا مجال الحديث عن هذه الأخطاء فنحن لا نكتب في تاريخ نظام الزواج عند الغربيين، ولكننا نكتفي بأن نقول: