الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} هو كقوله: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ} ، وأن المراد به المملوك، وليس المراد الحر المشرك وقد تقدم ذلك.
وقوله: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} الإشارة إلى المشركات والمشركين إذ لا وجه لتخصيصه بالمشركين خاصة لصلاحيته للعود إلى الجميع والواو في {يَدْعُونَ} واو جماعة الرجال ووزنه (يفعون) وغلب فيه المذكر على المؤنث كما هو الشائع والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا لتعليل النهي عن نكاح المشركات وإنكاح المشركين، ومعنى الدعاء إلى النار: الدعاء إلى أسبابها، فإسناد الدعاء إليهم حقيقة عقلية، ولفظ {النَّارِ} مجاز مرسل أطلق على أسباب الدخول إلى النار، فإن ما هم عليه يجر إلى النار من غير علم. (1)
وقال سيد قطب: فأما الأمر في زواج الكتابي من مسلمة فهو محظور؛ لأنه يختلف في واقعه عن زواج المسلم بكتابية -غير مشركة- ومن هنا يختلف في حكمه، إن الأطفال يدعون لآبائهم بحكم الشريعة الإسلامية، كما أن الزوجة هي التي تتنقل إلى أسرة الزوج وقومه وأرضه بحكم الواقع، فإذا تزوج المسلم من الكتابية (غير المشركة) انتقلت هي إلى قومه، ودعي أبناؤه منها باسمه، فكان الإسلام هو الذي يهيمن ويظلل جو المحصن، ويقع العكس حين تتزوج المسلمة من كتابي، فتعيش بعيدًا عن قومها، وقد يفتنها ضعفها ووحدتها هنالك عن إسلامها كما أن أبناءها يدعون إلى زوجها، ويدينون بدين غير دينها، والإسلام يجب أن يهيمن دائمًا، على أن هناك اعتبارات عملية قد تجعل المباح من زواج المسلم بكتابية مكروهًا (2).
الوجه الثاني: أقوال فقهاء المذاهب في زواج المسلمة بالكافر
.
(1) التحرير والتنوير (1/ 620).
(2)
في ظلال القرآن (1/ 225).
قَالَ السرخسي: وَإِذَا تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمَةً حُرَّةً فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وَلقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى". (1)
فَاسْتَقَرَّ الْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَةَ لَا تَحِلُّ لِلْكَافِرِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَلَالًا فِي الِابْتِدَاءِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَيُوجَعُ عُقُوبَةً إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا. (2)
وقال الكساني: لَا يَجُوزُ إنْكَاحُ الْمُؤْمِنَةِ الْكَافِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} ، وَلأَنَّ فِي إنْكَاحِ المُؤْمِنَةِ الْكَافِرَ خَوْفَ وُقُوعِ المُؤْمِنَةِ فِي الْكُفْرِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَدْعُوهَا إلَى دِينِهِ، وَالنِّسَاءُ فِي الْعَادَاتِ يَتْبَعْنَ الرِّجَالَ فِيمَا يُؤْثِرُونَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَيُقَلِّدُونَهُمْ فِي الدِّينِ إلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ فِي آخِرِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ عز وجل:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} : لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ المُؤْمِنَاتِ إلَى الْكُفْرِ، وَالدُّعَاءُ إلَى الْكُفْرِ دُعَاءٌ إلَى النَّارِ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ النَّارَ، فَكَانَ نِكَاحُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى الْحَرَامِ فَكَانَ حَرَامًا، وَالنَّصُّ وَإِنْ وَرَدَ فِي المُشْرِكِينَ لَكِنَّ الْعِلَّةَ وَهِيَ الدُّعَاءُ إلَى النَّارِ يَعُمُّ الْكَفَرَةَ أَجْمَعَ فَيَتَعَمَّمُ الْحُكْمُ بِعُمُومِ الْعِلَّةِ، فَلَا يَجُوزُ إنْكَاحُ المُسْلِمَةِ الْكِتَابِيَّ كَمَا لَا يَجُوزُ إنْكَاحُهَا الْوَثَنِيَّ وَالمُجُوسِيَّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ وَلَايَةَ الْكَافِرِينَ عَنْ المُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (النساء: 141)، فَلَوْ جَازَ إنْكَاحُ الْكَافِرِ الْمُؤْمِنَةَ لَثَبَتَ لَهُ عَلَيْهَا سَبِيلٌ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ. (3)
وَلَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ المُسْلِمَةِ من مُشْرِكٍ وَلَا كِتَابِيٍّ. (4)
وقال الشافعي: ويحل نكاح حرائر أهل الكتاب لكل مسلم؛ لأن اللَّه تعالى أحلهن بغير استثناء، وأَحَبُّ إِلَيَّ لو لم ينكحهن مسلم. أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريح عن أبي الزبير أنه
(1) أخرجه البخاري معلقًا (1/ 454)، وحسنه الألباني في الإرواء (1268).
(2)
المبسوط (6/ 147).
(3)
بدائع الصنائع (5/ 456).
(4)
الفتاوى الهندية (1/ 282).
سمع جابر بن عبد اللَّه يُسال عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية؟ فقال: تزوجناهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص، ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرًا فلما رجعنا طلقناهن وقال: فقال: لا يرثن مسلمًا ولا يرثوهن، ونساؤهن لنا حل، ونساؤنا حرام عليهم (1).
وقال الماوردي: فَالْمُسْلِمَةُ لَا تَحِلُّ لِكَافِرٍ بِحَالٍ سَوَاءٌ كَانَ الْكَافِرُ كِتَابِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا. (2)
وقد جاء في حاشية العدوي أن من مواضع الفرقة بين الزوجين: أن تسلم الزوجة، ويظل الزوج على كفره حتى تنقضي العدة (3).
وقال ابن حزم: وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ غَيْرِ مُسْلِمٍ أَصْلًا، وَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ أَنْ يَمْلِكَ عَبْدًا مُسْلِمًا، وَلَا مُسْلِمَةً أَمَةً أَصْلًا، برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّه عز وجل: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} ، وَقَالَ عز وجل:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} . (4)
وقال ابن تيمية: وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ، وَلَا يَتَزَوَّجُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَةَ، وَاللَّه سُبْحَانَهُ قَدْ قَطَعَ الْوِلَايَةَ فِي كِتَابِهِ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَأَوْجَبَ الْبَرَاءَةَ بَيْنَهُمْ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، وَأَثْبَتَ الْوِلَايَةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. (5)
وقال محمد رشيد رضا: وجملة القول أن هؤلاء المشركين الذين أشركوا وهم الذين بينكم وبينهم غاية الخلاف والتباين في الاعتقاد؛ لا يجوز لكم أن تتصلوا بهم برابطة الصهر لا بتزويجهم ولا بالتزوج منهم، وأما الكتابيات فقد جاء في سورة المائدة أنهن حل لنا، وسكت هناك عن تزويج الكتابب بالمسلمة وقالوا -ورضيه الأستاذ الإمام محمد عبده-: أنه على أصل المنع، وأيدوه بالسنة والإجماع، وقد بين أنه قد ترجى فائدة دينية من تزويج
(1) الأم (5/ 10)، وسنن البيهقي الكبرى (7/ 172) عن جابر رضي الله عنه.
(2)
الحاوي في الفقه الشافعي (9/ 255).
(3)
حاشية العدوي (5/ 142).
(4)
المحلى (9/ 449).
(5)
الفتاوى الكبرى (3/ 130).
المسلم بالكتابية، ولكن هذه الفائدة لا تظهر من تزويج المسلمة بالكتابي؛ لأن المرأة أسيرة الرجل لاسيما في ما ليس للنساء فيها من الحقوق ما أعطاهن الإسلام. (1)
وقال ابن بطال: قال المهلب: وأما قوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} ، فإنه خاطب الأولياء ونهاهم عن إنكاح المشركين ولياتهم المسلمات من أجل أن الولد تابع للأب في دينه بقوله تعالى:{أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} (البقرة: 221)، ولا مدعو في نفس الاعتبار يمكنه الإجابة إلا الولد، إذ هو تبع لأبيه في الدين (2).
وقال الصنعاني: خطاب للأولياء بأن لا ينكحوا المسلمات المشركين، ولو فرض أنه يجوز لها إنكاح نفسها لما كانت الآية دالة على تحريم ذلك عليهن؛ لأن القائل بأنها تنكح نفسها يقول بأنه ينكحها وليها أيضًا، فيلزم أن الآية لم تفِ بالدلالة على تحريم إنكاح المشركين للمسلمات؛ لأنها إنما دلت على نهي الأولياء من إنكاح المشركين لا على نهي المسلمات أن ينكحن أنفسهن منهم، وقد علم تحريم نكاح المشركين المسلمات، فالأمر للأولياء دال على أنه ليس للمرأة ولاية. (3)
وقال ابن حجر: قوله: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} ، ووجه الاحتجاج من الآية والتي بعدها: أنه تعالى خاطب بإنكاح الرجال ولم يخاطب به النساء، فكأنه قال: لا تنكحوا أيها الأولياء مولياتكم للمشركين (4).
وقال البدر العيني: وجه الاستدلال به أن اللَّه خاطب الأولياء ونهاهم عن إنكاح المشركين مولياتهم المسلمات (5).
(1) تفسير المنار (2/ 351) ببعض تصرف.
(2)
شرح البخاري لابن بطال (7/ 244).
(3)
سبل السلام (3/ 120).
(4)
فتح الباري (9/ 184).
(5)
عمدة القاري (29/ 299).