الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتسببت تلك الثورة في إضعاف الدولة العثمانية وتنازلها لروسيا عن الكثير من الموانئ والبلاد، وانفصال الشام ومصر تحت حكم العميل محمد علي باشا.
ويتضح أيضًا هذا الدور من ثورات النصارى الدائمة بأرمينيا وجورجيا الذين كانوا يرون دائمًا في الدولة العثمانية عدوًا أبديًا يجب التخلص منه.
ويتضح أيضًا هذا الدور في المحافل الماسونية التي دخلت بلاد الإسلام مع الحملة الفرنسية على مصر 1213 هـ، حيث كانت معظم هذه المحافل مكونة من النصارى، ومنها انبسقت الأفكار العلمانية والقومية فنجد أن فكرة القومية العربية التي وضعت أصلًا لضرب الولاء والبراء بين المسلمين نشأت ببيروت على يد رجال أمثال بطرس البستاني، وإبراهيم اليازجي، وغيرهم من رجال (الآخر) المشهورين.
دور اليهود في هدم الخلافة العثمانية:
إن كان للنصارى دور كبير في هدم الخلافة العثمانية فإن اليهود هم أصحاب الدور الأكبر، والأخبث في تلك المهمة القذرة؛ ذلك لأن النصارى كانوا يعتمدون سياسة الثورة والقوة التي تهدف لتحطيم الدولة عسكريًا، أما اليهود فقد كانوا يعملون في الخفاء وينخرون في جسد الأمة كالسوس يقفون بالمرصاد أمام محاولات الإحياء، والصحوة، ويروجون لكل المنظمات، والأفكار الهدامة التي من شأنها على المدى البعيد أن تقوض هذا الملك الكبير، هذا رغم كبير الجميل الذي قام به العثمانيون تجاه اليهود؛ ذلك لأنه في عهد سليمان القانوني المتوفى سنة 974 هـ، وقعت محنة محاكم التفتيش بالأندلس للمسلمين، واليهود، وتشرد من اليهود مئات الألوف، وهاموا على وجوههم، ورفضت كل البلاد استقبالهم لسابق سوء صنيعهم، وسمعتهم الشهيرة في الفساد، والشر، وكان سليمان متوجًا من امرأة يهودية كالأفعى اسمها (روكسلان) ظلت تستعطف سليمان ليتقبل اليهود ببلاده حتى وافق وأذن لهم بالاستيطان بالبلاد العثمانية، فاستوطنوا الأناضول خاصة (إزمير، سلانيك، أدرنة)، وتمتعوا بقدر كبير من
الاستقلال الذاتي، وتولوا المناصب، واقتنوا الثروات، وعاشوا في حرية ورفاهية تامة، فماذا كان رد فعلهم؟ وكيف تعاملوا مع دولتهم ومجتمعهم؟
أخذ اليهود في إنشاء جماعة خاصة بهم غرضها إفساد عقائد المسلمين والدعوة لتجميع اليهود من شتى أنحاء العالم لاتخاذ القدس مقرًا لهم وهؤلاء المعروفين (يهود الدونمة) وداعيتهم (شتباي زيفي) الذي ادعى النبوة، وذاع أمره بأوروبا، والشام، ومصر، وجاءته وفود اليهود لتبايعه، ولما أخذته الدولة العثمانية لتعاقبه ادعى الإسلام، وأظهر أنه مسلم، وسمى نفسه (محمد البواب)، وطلب من الدولة أن تأذن له في الدعوة للإسلام بين اليهود، وظل (شتباي زيفي) على يهوديته في الباطن يمارس العمل للصهيونية في الخفاء، ويظهر الإخلاص للإسلام في العلن، ويعتبر ضرته (يهود الدونمة) سياسته موجهة ضد الدولة العثمانية أكبر من كونها حركة دينية، وكان لها إسهامات عديدة في هدم الخلافة عن طريق:
أ- هدم القيم الإسلامية في المجمع العثماني المسلم، والعمل على نشر الإلحاد، والأفكار الغربية، والدعوة للعري، والاختلاط بين الرجال، والنساء خاصة في المدارس والجامعات.
ب- قام يهود الدونمة بدور فعّال في نصرة القوى المعادية للسلطان عبد الحميد، والتي تحركت من (سلانيك) لعزله، وهم الذين سمموا أفكار الضباط للشباب، وتغلغلوا داخل صفوف الجيش.
ج- قام اليهود بالتأثير في جمعية الاتحاد والترقي، تحكموا فيهم، وحركوهم كالدمى حتى ينفذوا مخططهم الشرير في عزل عبد الحميد، وتطبيق الدستور العلماني.
د- أسسوا المحافل الماسونية داخل الدولة العثمانية، واستخدموا شعارات خادعة مثل الحرية، ومكافحة الاستبداد، ونشر الديمقراطية لاجتذاب البسطاء، وترويج الأفكار الهدامة.
ويعتبر (شتباي زيفي) والذي هلك سنة 1678 م - 1067 هـ، أول من نادى باتخاذ فلسطين وطن قومي لليهود، ويعتبر المؤسس الحقيقي للصهيونية العالمية، وذلك قبل
(تيودور هيرتزل) بثلاثة قرون، ويكفي أن نعرف أن (مصطفى كمال) ينتسب إلى هذه الطائفة اليهودية الخبيثة لندرك مدى دورهم في تحطيم الخلافة العثمانية.
ويعتبر اليهودي (موئيز كوهين) مؤسس الفكر القومي الطوراني، وكتابه في القومية الطورانية هو الكتاب المقدس للسياسة الطورانية التي قوضت الخلافة العثمانية، وأحبطت فكرة الجامعة الإسلامية، واليهود ويؤكدون على دورهم في تحطيم الخلافة العثمانية بإرسال أحد كبار اليهود، وهو (إيمانويل قراصو) وهو من قادة الاتحاد، والترقي ليسلم السلطان عبد الحميد قرار عزله كنوع من التشفي، والانتقام، وإظهار عاقبة رفض عبد الحميد لطلبهم باستيطان فلسطين.
هذه كانت جولة سريعة في أحداث التاريخ السابقة التي ربما تكون غائبة عن ذهن المسلمين الآن كعادتهم مع تاريخهم التليد، وضحنا فيها موقف أهل الذمة من المسلمين الذين طالما أحسنوا إليهم. أما واقعنا الحاضر وتاريخنا القريب فهو مليء أيضًا بالمواقف التي تبرهن لنا على حقيقة موقف الآخر في مجتمعه المسلم نذكر منها رؤوس أقلام للتذكرة والتنبيه:
- ما جرى منهم في بلاد البوسنة، والهرسك، والمجازر البشعة التي ارتكبت في حق المسلمين لا لشيء إلا لأنهم أرادوا أن يكون لهم دولة خاصة ترفع شعار الإسلام.
- ما جرى منهم في بلاد كوسوفا ومقدونيا.
- ما جرى منهم في الشيشان.
- ما جرى منهم في جنوب السودان وجنوب نيجيريا وساحل العاج وأثيوبيا وإريتريا.
- ما جرى منهم في لبنان وخيانة الآخر الكبيرة بتكوين جيش صليبي بقيادة أنطوان الدحداح.
وما زالت دماء المسلمين تراق كل يوم وليلة في شتى بقاع الأرض على يد اليهود والنصارى والذين نعموا مئات السنين تحت حكم الإسلام.
مما سبق عرضه من تلك الدراسة التاريخية الموجزة، والعرض السريع لأحداث التاريخ القديم والمعاصر يتضح لنا أن إعطاءهم الجزية عن يد وهم صاغرون بجريان أحكام الإسلام عليهم هو السبيل الأوحد للأمن، والأمان، والسلام في العالم. أما سيادة هؤلاء فليس فيها إلا الدماء، والأشلاء لمن لم يوافقهم حتى لو كان من أهل ملتهم ولا تزال جعبة التاريخ مليئة لمن أراد أن يستفرغ منها ما يدلل بها سلامة المنهج الإسلامي في التعامل مع الآخر، وعلى فشل الآخر في حسن التعامل مع غيره (1).
* * *
(1) انظر: كتاب (لماذا يمزق القرآن؟ ) لعلي نايف الشحود؛ فصل موقف الآخر من قضية الولاء والبراء.