الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ
(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ
[1395]
عَن أبي هُرَيرَةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ في هذا الشَّأنِ؛ مُسلِمُهُم لِمُسلِمِهِم، وَكَافِرُهُم لِكَافِرِهِم.
رواه أحمد (2/ 242)، والبخاري (3495)، ومسلم (1818)(1)، والترمذي (3903).
ــ
(14)
كتاب الإمارة
(1)
ومن باب: اشتراط نسب قريش في الخلافة (1)
قوله الناس تبعٌ لقريشٍ في هذا الشأن؛ يعني به شأنَ الولايةِ والإمارةِ، وذلك أنَّ قريشًا كانت في الجاهلية رؤساءَ العرب وقادتَها، لأنَّهم أهلُ البيت والحرم، حتَّى كانت العرب تسمِّيهم أهلُ اللهِ، وإليهم كانوا يرجعونَ في أمورِهم ويعتمدون عليهم فيما ينوبُهم، ولذلك توقَّف كثيرٌ من الأعرابِ عن الدُّخولِ في الإسلامِ قبل أن تدخل فيه قريشٌ، فلمّا أسلموا ودخلوا فيه أطبقت العرب على
(1) ما بين حاصرتين ليس في الأصول، واستدرك من التلخيص.
[1396]
وَمِن حَدِيثِ جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ: النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيشٍ في الخَيرِ وَالشَّرِّ.
رواه أحمد (3/ 383)، ومسلم (1819).
[1397]
وَعَن عَبدِ اللهِ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَزَالُ هذا الأمرُ في قُرَيشٍ مَا بَقِيَ مِن النَّاسِ اثنَانِ.
رواه مسلم (1820)، وعبد الله هو ابن عمر.
ــ
الدُّخول في الدِّين بحكم أنَّهم كانوا لهم تابعينَ ولإسلامهم منتظرين - كذا ذكره ابنُ إسحاق وغيره، فهذا معنى تَبَعِيَّةِ النَّاسِ لهم في الجاهلية.
ثم لَمَّا جاء الإسلام استقر أمر الخلافة والملك في قريش شرعًا ووجودًا، ولذلك قالت قريشٌ يومَ السَّقِيفَةِ للأنصار: نحن الأمراء، وأنتم الوزراء. قال عمر في كلامه: إنَّ هذا الأمر لا تعرفه الناس إلا لهذا الحيِّ من قريش، فانقادوا لذلك ولم يخالف فيه أحدٌ، وهو إجماع السَّلف والخلف، ولا اعتبار بقول النَّظَّام (1) ولا ضرار بن عمرو وأهل البدع من الخوارج وغيرهم إذ قالوا بجواز صحتها لغير قريش؛ لأنَّهم إمَّا مُكَفَّرٌ وإما مُفَسَّقٌ، ثم إنهم مسبوقون بإجماع السَّلف ومُحجُوجون بهذه الأحاديث الكثيرة الشهيرة، ويعني بالخير في الرِّواية الأخرى ولاية قريش في الإسلام.
وقوله لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان، هذا خبرٌ عن المشروعية؛ أي: لا تنعقدُ الإمامة (2) الكبرى إلَاّ لهم متى وجد منهم واحدٌ، وفي
(1) هو إبراهيم بن سيَّار بن هانئ البصري، أبو إسحاق، من أئمة المعتزلة. توفي سنة (231 هـ).
(2)
في (ج 2): الولاية.
[1398]
وَعَن عَامِرِ بنِ سَعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ قال: كَتَبتُ إِلَى جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ مَعَ غُلامِي نَافِعٍ أَن أَخبِرنِي بِشَيءٍ سَمِعتَهُ مِن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فَكَتَبَ إِلَيَّ: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَومَ جُمُعَةٍ عَشِيَّةَ رُجِمَ الأَسلَمِيُّ
ــ
حديث آخر الأَئِمَّةُ مِن قُرَيشٍ (1)، وقد استدلَ بهذا اللَّفظ وما في معناه من قوله قَدِّمُوا قُرَيشًا وَلا تَتَقَدَّمُوها (2) كُبراء أصحاب الشافعي رحمه الله على ترجيح مذهب الشافعي على غيره من حيث إنه قرشيٌّ، ولا حجة فيه؛ لأنَّه لا يصحُّ الاحتجاج به إلَاّ حتى تُحمَل الإمامةُ فيه على العموم في كل شيء يُحتاج إلى الاقتداء فيه، من الإِماَمةِ الكُبرى، وإمامة الفَتوى، والقضاء، والصَّلاة، وغير ذلك من الولايات. ولا يصح ذلك للإجماع على خِلافِه؛ إذ قد أجمعت الأمة على أن جميع الولايات تصحُّ لغير قريش ما خلا الإمامة الكبرى، فهي المقصودة بالحديث قَطعًا. وقد قدَّم النبي صلى الله عليه وسلم غير قريش على قريش، فإنه قدَّم زيد بن حارثة وولده أسامة ومعاذ بن جبل، وقدَّم سالِمًا مولى أبي حُذيفة على الصلاة بقباء، فكان يَؤُمُّهُم وفيهم أبو بكر وعمر وغيرهم من كبراء قريش، ثم إن الشافعي رحمه الله تعالى أول من ترك عموم تلك الأخبار، فإنَّه قد اقتدى بمالك واستَفتَاهُ، ومالك ليس بقرشيٍّ، وإنما هو أَصبَحيٌّ صَرِيحًا. وأيضًا: فإنَّه لم يُرو عنه أنه منع من تقليد من ليس بقرشي - فدلَّ هذا كُلُّه على أن المُستَدلَّ بذلك الحديث على تقديم مذهب الشافعي صَحِبَتهُ غَفلَةٌ قارنها من تَصمِيم التَّقليد طَيشَةٌ، وربما رووا ألفاظًا رفعوها؛ كقوله: تَعَلَّمُوا من قريش ولا تُعَلِّمُوها، وذلك لا يصحُّ نَقلًا ولا معنى لما تقدَّم، والله تعالى أعلم.
(1) رواه أحمد (3/ 183 و 4/ 421).
(2)
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 25).
يَقول: لا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَو يَكُونَ عَلَيكُم اثنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ.
ــ
وقوله لا يزال الدِّين قائمًا حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، يعني بالدِّين دين الإسلام، وهو الظاهر، ويعني بقوله قائمًا أي عزيزًا ممتنعًا (1)، كما جاء مفسرًا في الرواية الأخرى.
وقوله أو يكون عليكم قَيَّدناه على من يُوثَقُ بِتَقَيِّيدِه بالنَّصب، وتكون أو بمعنى (إلى أن)، كقوله (2):
فَقلتُ لَهُ لا تَبكِ عَينَكَ إِنَّما
…
نُحَاوِلُ مُلكًا أَو نَمُوتَ فَنُعذَرَا
وقد دلَّ على هذا الرِّواية الأخرى، وهي قولهُ لا يزال هذا الأمر عزيزًا إلى اثني عشر خليفة كلهم (3) من قريش؛ يعني به أنه لا تزال عزَّةُ دين الإسلام قائمة إلى اثني عشر خليفة من قريش، وقد اختلف فيهم على ثلاثة أقوال؛
أحدها: أنهم خلفاء العَدلِ؛ كالخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز، ولا بُدَّ من ظهور من يَتَنَزَّلُ مَنزِلَتُهم في إظهار الحق والعدل حتى يَكمُل ذلك العدد، وهو أولى الأقوال عندي (4).
وثانيها: أنَّ هذا إخبارٌ عن الولايات الواقعة بَعدَهُ وبَعدَ أصحابه، وكأنه أشار بذلك إلى مدة ولاية بني أُمَيَّة، ويعني بالدِّين الملك والولاية، وهو شرح الحال
(1) ساقط من (ع).
(2)
هو امرؤ القيس.
(3)
ساقط من (ع).
(4)
من (ج 2).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في استقامة السَّلطَنَةِ لهم لا على طريق المدح.
وقد يقال الدِّينُ على المُلكِ؛ كما قال (1):
لَئِن حَلَلتَ بِجوٍّ من (2) بني أسدٍ
…
في دِينِ عمرٍو وحَالت بيننا فَدَكُ
وقيل ذلك في قوله تعالى: {مَا كَانَ لِيَأخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ} (3)
ثم عدّد هذا القائل ملوكهم فقال: أَوَّلُهم يزيدُ بنُ معاوية، ثم أتبعه معاويةُ بن يزيد - وقال: ولم يذكر ابن الزبير لأنه صحابي، ولا مروان لأنه غاصب لابن الزبير - ثم عبد الملك، ثم الوليد، ثم سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، ثم الوليد بن يزيد، ثم يزيد بن الوليد، ثم إبراهيم بن الوليد، ثم مروان بن محمد. فهؤلاء اثنا عشر، ثم خرجت الخلافة منهم إلى بني العباس.
وثالثها: أن هذا خبر عن اثني عشر (4) خليفة من قريش يجتمعون في زمان واحد في آفاق مختلفة كما قد وقع، فقد كان بالأندلس منهم في عصر واحد بعد أربعمائة وثلاثين سنة ثلاثة كلهم يَدَّعيها ويَلَقَّب بها، ومعهم صاحبُ مصر وخليفة بغداد، فكذلك يجوز أن يجتمع الاثنا عشر خليفة في العصر الواحد، وقد دلّ على هذا قوله صلى الله عليه وسلم سيكون خلفاء فتكثر (5)، وكلٌّ محتمل، والأول أولاها لبُعده عن الاعتراض.
(1) القائل: زهير بن أبي سُلمى.
(2)
في (ج 2): في.
(3)
ما بين حاصرتين مستدرك من (ج 2).
(4)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(5)
رواه أحمد (2/ 297)، والبخاري (3455)، ومسلم (1842).
وَسَمِعتُهُ يَقول: عُصَيبَةٌ مِن المُسلِمِينَ يَفتَتِحُونَ البَيتَ الأَبيَضَ بَيتَ كِسرَى أَو آلِ كِسرَى.
وَسَمِعتُهُ يَقول: إِنَّ بَينَ يَدَي السَّاعَةِ كَذَّابِينَ، فَاحذَرُوهُم.
ــ
وقوله عُصَيبَةٌ من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى، العُصَيبَة تصغير العِصابة، وهي الجماعة من الناس، قيل: أقلهم أربعون. ويحتمل أن يكون هذا التصغير للمفتتحين لقلة من يباشر فتح البيت - أعني بيتَ كسرى - فإنه يروى أن سعد بن أبي وقاص خاض دجلة - وهي مطلع إلى دار كسرى - فما بلغ الماء إلى حزام الفرس، وما ذهب للمسلمين شيء، ووجدوا قبابًا مملوءة سلالًا فيها آنية الذهب والفضة، ووجدوا كافورا كثيرا فظنوه ملحًا فعجنوا به فوجدوا مرارته، وكان في بيوت كسرى ثلاثة آلاف ألف ألف ألف دينار (1) - ثلاث مرات.
ويحتمل أن يكون تصغيرهم بالنسبة إلى عدوهم، ويحتمل أن يكون تصغيرهم على جهة التعظيم، كما قالوا:
. . . . . . . . . . . . . .
…
دُوَيهِيَّة تَصفَّرُ منها الأنامل (2)
ووصف بيت كسرى بالأبيض لأنه كان مبنيًا بالجص ومزخرفًا بالفضة، والله تعالى أعلم.
وقوله إن بين يدي السَّاعة كذابين، هذا يفسّره الحديث الآخر الذي قال فيه لا تقوم السَّاعة حتى يخرج ثلاثون كذّابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين (3).
(1) زيادة من البداية والنهاية (7/ 66).
(2)
البيت للشاعر لبيد، وصدره: وكلُّ أناسٍ سوف تدخل بينهم.
(3)
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 315).
وَسَمِعتُهُ يَقول: أَنَا الفَرَطُ على الحَوضِ.
وَسَمِعتُهُ يَقول: إِذَا أَعطَى اللَّهُ أَحَدَكُم خَيرًا فَليَبدَأ بِنَفسِهِ وَأَهلِ بَيتِهِ.
وفي رواية: لا يَزَالُ هذا الأمر عَزِيزًا إِلَى اثنَي عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُم مِن قُرَيشٍ.
رواه أحمد (5/ 90)، والبخاري (7223)، ومسلم (1821)(8)، و (1822)(10)، والترمذي (2223).
* * *
ــ
وقوله إذا أعطى الله أحدكم خيرًا فليبدأ بنفسه وأهل بيته، خيرًا يعني به مالًا، وهذا كما قال في الحديث الآخر ابدأ بمن تعول (1)، وكقوله في حديث آخر إذا أنعم الله على عبد نعمة أحبَّ أن يرى أثر نعمته عليه (2).
ومعنى هذا الأمر الابتداء بالأهم فالأهم والأولى فالأولى، وقد بينّا هذا المعنى في كتاب الزكاة.
وقوله أنا الفرط على الحوض فتح الراء، وهو المتقدّم إلى الماء ليهيئه ويصلحه، وهو الفارط أيضًا.
والفَرطُ - بسكون الراء - السَّبق والتقدّم.
* * *
(1) رواه النسائي (5/ 61)، وابن حبان (3341).
(2)
ذكره ابن عبد البر في التمهيد (3/ 254)، وانظر: إتحاف السادة المتقين (4/ 180).