المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

(12) باب ما جاء في كراء الأرض

[1628]

وعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن كِرَاءِ الأَرضِ.

رواه أحمد (1/ 234)، ومسلم (1547)(111)، وأبو داود (3389)، والنسائي (7/ 37).

[1629]

وعنه قال: كَانَ لِرِجَالٍ فُضُولُ أَرَضِينَ مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن كَانَ لَهُ فَضلُ أَرضٍ فَليَزرَعهَا أَو لِيَمنَحهَا أَخَاهُ، فَإِن أَبَى فَليُمسِك أَرضَهُ.

وفي أخرى: مَن كَانَت لَهُ أَرضٌ فَليَزرَعهَا، أَو لِيُزرِعهَا أَخَاهُ، وَلَا يُكرِهَا.

رواه أحمد (3/ 354)، والبخاري (2340)، ومسلم (1536)(89 و 92)، والنسائي (7/ 37).

ــ

(12 و 13) ومن باب: كراء الأرض (1)

نَهيُه صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض و (قوله: من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها أخاه، ولا يُكرِها) حجة لمن منع كراء الأرض مطلقا، وحرَّمه؛ وهم: رافع بن خديج، وابن عمر - فيما رجع إليه -، وطاوس اليماني، وأبو بكر بن

(1) شرح المصنِّف -رحمه الله تعالى- تحت هذا العنوان ما أشكل في أحاديث هذا الباب، والباب الذي يليه، باب: فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل.

ص: 406

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عبد الرحمن، والحسن البصري. وخالفهم في ذلك الجمهور. ثم هم فريقان:

الأول: أجاز كراءها بكلِّ ما يجوز أن يكون ثمنًا في البياعات من العروض، والذهب، والفضة، والأطعمة المضمونة. وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، والأوزاعي، والثوري، متمسكين بقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ} والإجارة بيعٌ، وبقول رافع: أما بالذهب والفضة فلا بأس. وفي طريق آخر: أما بشيء معلوم مضمون فلا بأس به، وبقياس إجارة الأرض على العقار، وهو من أقوى أنواع القياس، لأنه في معنى الأصل. واعتذر هؤلاء عن أحاديث النَّهي بوجهين:

أما أبو حنيفة: فعلى أصله في ترجيح القياس على خبر الواحد (1). وأما الشافعي ومن قال بقوله: فيمكن أن يقال: حملوا مطلق تلك النواهي على مقيدها، ورأوا: أن محل النهي إنما هو ما لم يكن مضمونًا، ولا معلومًا. ويمكن أن يقال: إنهم صرفوا ظاهر النهي إلى التنزه عن ترك الأولى والأحسن، كما فهمه ابن عباس حيث قال: لم ينه عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال: (يمنح أحدكم أرضه خير من أن يأخذ عليها خرَجًا معلومًا) وفي اللفظ الآخر: (لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خير له من أن يأخذ عليه كذا وكذا - لشيء معلوم -). وقوله: (لم ينه) أي: لم ينه (2) عنه نهي تحريم، بل نهي تنزيه، على ما تقرر.

الفريق الثاني: هو مالك وأصحابه. فالمشهور من مذهبه: أنه لا يجوز كراؤها بشيء من الطعام كان؛ مما تُنبته، أو مما لا تنبته؛ كالعسل واللبن وغيرهما، ولا بشيء مما تنبته ما عدا القصب والخشب. وقال ابن كنانة: لا تكرى بشيء إن أعيد فيها نبت، ولا بأس أن تكرى بغير ذلك. وبه قال يحيى بن يحيى،

(1) في (ع): الآحاد.

(2)

من (م).

ص: 407

[1630]

وعنه قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَأخُذُ الأَرضَ بِالثُّلُثِ أَو الرُّبُعِ بِالمَاذِيَانَاتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ فَقَالَ: مَن كَانَت لَهُ أَرضٌ. وذكر نحو ما تقدم.

وفي أخرى: قَالَ: كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَنُصِيبُ مِن

ــ

وقال: إنه من قول مالك. وقال ابن نافع: تكرى بجميع الأشياء كلها؛ ما أكل منها وما لم يؤكل؛ خرج منها، أو لم يخرج؛ إذا كان ما تكرى به بخلاف ما يزرع فيها، وكأن مالكا رحمه الله جمع بين الأدلة، فحمل أحاديث النهي على كرائها بالطعام أو بما تنبت. وأدلة الإباحة على ما عدا ذلك، وفهم: أن علة المنع: الرِّبا. وذلك: أن الأرض تكرى ليخرج منها الطعام، فجعل لها حكم الطعام، فلا يجوز أن تكرى بطعام؛ لأنه يضارع طعامًا بطعام إلى أجل. وقد شهد بصحة ما رآه ما جاء في بعض ألفاظ حديث رافع بن خديج؛ فيما خرَّجه أبو داود: أنه زرع أرضًا فمرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسقيها، فسأله:(لمن الزرع؟ ولمن الأرض؟ ) فقال: زرعي بيدي وعملي، لي الشطر، ولبني فلان الشطر. فقال:(أربيتما، فرُدَّ الأرض إلى أهلها، وخذ نفقتك)(1). وهذا صريح: في أن ذلك من باب الربا وجهته. وهذا في الطعام واضح. وأما فيما ليس بطعام مما تنبته فسدٌ للذريعة على أصله، والله تعالى أعلم. وهذا القدر كاف. وقد كتبنا في هذه المسألة جزءًا حسنا.

و(قوله: كنا نأخذ الأرض بالثلث والربع في الماذيانات) الماذيانات معروفة - بكسر الذال-، وقد فتحت وليست عربية، ولكنها سوادية. قاله الإمام. وهي: مسايل الماء. والمراد بها ها هنا: ما ينبت على شطوط الجداول، ومسايل الماء. وهو من باب تسمية الشيء باسم غيره إذا كان مجاورًا له أو كان منه بسبب.

و(أقبال الجداول) - بفتح الهمزة -: أوائلها. و (الجداول): السواقي.

(1) رواه أبو داود (3402).

ص: 408

القِصرِيِّ وَمِن كَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن كَانَت لَهُ أَرضٌ. وذكر نحوه.

رواه مسلم (1543)(95 و 96).

ــ

ويسمى الجدول: الربيع. ويجمع: ربعان. وقال الخليل: الأربعاء: الجداول. جمع ربيع.

ومعنى هذا: أن صاحب الأرض كان يؤاجر أرضه بالثلث، أو بالربع، وبأن يكون له ما يزرع على جوانب الأنهار والجداول، وعلى أفواهها، وكان منهم من يؤاجر أرضه بالماذيانات خاصة، كما قال في الرواية الأخرى.

وفي هذا الحديث حجة للجمهور وأئمة الفتوى: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة. وهو مذهب ابن عباس، وابن عمر، ورافع بن خديج على منع كراء الأرض بجزء مما يخرج منها على من أجاز ذلك؛ وهم: الليث بن سعد، وابن أبي ليلى، وسفيان الثوري، والحسن بن حي، والأوزاعي. وهو مذهب علي وعمار، وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص. ووجه الاستدلال بذلك: أن هذه كانت مزارعاتهم، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك نهى عنها، وبين ما يجوز فعله في الأرض، وهو: أن يزرعها بنفسه، أو يزرعها غيره، أو يكريها بشيء معلوم مضمون، كما قد بيناه، ولأن ذلك هي المخابرة المنهي عنها، كما تقدَّم، ولما فيه من الجهالة، والغرر، والخطر، بل قد جاءت نصوص في كتاب أبي داود بتحريم ذلك:

فمنها: ما رواه عن زيد بن ثابت قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة. فقيل له: وما المخابرة؟ قال: أن تأخذ الأرض بنصف، أو ثلث، أو ربع (1). وهذا نصٌّ من تفسير الصحابي، وهو أعلم بالحال، وأقعد بالمقال. وقد روي أيضًا من حديث جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يذر المخابرة فليأذن (2) بحرب من الله ورسوله) (3).

(1) رواه أبو داود (3407).

(2)

في الأصول: (فليُؤذن) وأثبتنا ما في سنن أبي داود.

(3)

رواه أبو داود (3406).

ص: 409

[1631]

وعَن نَافِعٍ: أَنَّ ابنَ عُمَرَ كَانَ يُكرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِي إِمَارَةِ أَبِي بَكرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثمَانَ، وَصَدرًا مِن خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، حَتَّى بَلَغَهُ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ: أَنَّ رَافِعَ بنَ خَدِيجٍ يُحَدِّثُ فِيهَا بِنَهيٍ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ عَلَيهِ وَأَنَا مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنهَى عَن كِرَاءِ المَزَارِعِ، فَتَرَكَهَا ابنُ عُمَرَ بَعدُ، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنهَا بَعدُ قَالَ: زَعَمَ ابنُ خَدِيجٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنهَا.

قال مُجَاهِدٍ قَالَ ابنُ عُمَرَ: لَقَد مَنَعَنَا رَافِعٌ نَفعَ أَرضِنَا.

رواه أحمد (4/ 140)، والبخاري (2343)، ومسلم (1547)(108 و 109)، والنسائي (7/ 45)، وابن ماجه (2453).

[1632]

وعَن رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا نُحَاقِلُ الأَرضَ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنُكرِيهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ المُسَمَّى، فَجَاءَنَا ذَاتَ يَومٍ رَجُلٌ مَن عُمُومَتِي فَقَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن أَمرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا،

ــ

(القِصري) - بكسر القاف والراء، وسكون الضاد -: هو الرواية الصحيحة؛ وهو ما يبقى من الحبوب في سنبله بعد الدَّرس. وهي لغة شامية. قاله ابن دريد. وقد قيده بعضهم بفتح القاف مقصورًا، وبعضهم بضمها مقصورًا.

و(قول ابن عمر: (كنا نكري الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمارة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وصدرًا من خلافة معاوية) يدل على أن ذلك كان أمرًا معمولًا به، مشهورًا. وهو محمول على أنهم كانوا يكرونها بشيء معلوم، مضمون. وأمَّا بالجزء مما يخرج منها فلا، لما تقدَّم، ثم إن ابن عمر ترك ذلك لما بلغه حديث رافع (1) ترك ورع وتقية، لا أنه جزم بالتحريم. ويظهر من قوله التوقف

(1) في (ع) و (ل 1): حديث النهي.

ص: 410

فَطَوَاعِيَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنفَعُ لَنَا نَهَانَا أَن نُحَاقِلَ الأَرضَ فَنُكرِيَهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالطَّعَامِ المُسَمَّى، وَأَمَرَ رَبَّ الأَرضِ أَن يَزرَعَهَا أَو يُزرِعَهَا، وَكَرِهَ كِرَاءَهَا وَمَا سِوَى ذَلِكَ.

رواه أحمد (4/ 142)، والبخاري (2346)، ومسلم (1548)(113)، وأبو داود (3294)، والنسائي (7/ 49).

[1633]

وعَن حَنظَلَةَ بنِ قَيسٍ: أَنَّهُ سَأَلَ رَافِعَ بنَ خَدِيجٍ عَن كِرَاءِ الأَرضِ فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن كِرَاءِ الأَرضِ قَالَ: فَقُلتُ: أَبِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ؟ فَقَالَ: أَمَّا بِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ فَلَا بَأسَ بِهِ.

رواه أحمد (3/ 463)، ومسلم (1548)(115)، وأبو داود (3393 و 3397)، والنسائي (7/ 43).

[1634]

وعنه قَالَ: سَأَلتُ رَافِعَ بنَ خَدِيجٍ عَن كِرَاءِ الأَرضِ بِالذَّهَبِ وَالوَرِقِ فَقَالَ: لَا بَأسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عَلَى المَاذِيَانَاتِ، وَأَقبَالِ الجَدَاوِلِ والأنهار، وَأَشيَاءَ مِن الزَّرعِ فَيَهلِكُ هَذَا وَيَسلَمُ هَذَا، وَيَسلَمُ هَذَا وَيَهلِكُ هَذَا، فَلَم يَكُن لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلَّا هَذَا، فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنهُ، فَأَمَّا شَيءٌ مَعلُومٌ مَضمُونٌ فَلَا بَأسَ بِهِ.

رواه أحمد (4/ 140)، ومسلم (1548)(116)، وأبو داود (3392)، والنسائي (7/ 43).

ــ

في حديث رافع بن خديج، لكنه غلب حكم الورع، فعمل على عادته رضي الله عنه. وأما سكوت ابن عمر عن مدَّة إمارة عليٍّ، فلم يذكرها - والله أعلم -؛ لأن

ص: 411