الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(26) باب الولد للفراش
[1521]
عَن عَائِشَةَ قَالَت: اختَصَمَ سَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبدُ بنُ زَمعَةَ فِي غُلَامٍ فَقَالَ سَعدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابنُ أَخِي عُتبَةَ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ
ــ
الأصالة على المشهور. وهو الصحيح لِعُرُّوِّ أنكحتهم عن الشروط الشرعية.
وقد تقدَّم من حكاية الحسن: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستبرئون المسبيَّة بحيضة. وأمَّا على قول من يرى أن أنكحتهم صحيحة - وهو الشافعي، وأبو حنيفة - فتعتد عدَّةً كاملةً؛ لأنها قد انفسخ عنها نكاح صحيح كان، لولا أن عارض السَّبِي قَطَعَه، وهي أولى بذلك على مذهب الحسن الذي يقول: إن نكاحها ينفسخ بطلاق، فتكون مطلقة من زوج في نكاح صحيح، وتعتدّ عدَّة كاملة. وهل تعتد على مذاهب هؤلاء عدَّة الأمة، أو عدَّة الحرَّة؛ فيه نظر على أصولهم.
(26)
ومن باب: الولد للفراش
(قوله: اختصم سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة في غلام) سببُ هذا الاختصام: أنهم كانوا يبتاعون الإماء في الجاهلية، ويستأخرونهن للوطء، ويُلحقون النسب بالزنى، فمن ألحقته المزنيُّ بها التحق به، ومن ألحقه بنفسه من الزناة بها التحق به إذا لم ينازعه غيره. فكان عتبة بن أبي وقاص قد وقع بأَمَةِ زمعة؛ فحملت فولدت غلامًا، فلمَّا حضرت وفاةُ عتبة عَهِدَ لأخيه سعدٍ بأن يأخذه إليه، لأنه ابنه، ثم مات عتبة على شركه، فحينئذٍ تخاصم سعد مع عبد بن زمعة في ذلك الغلام، فاحتجّ سعد باستلحاق أخيه عتبة له على عاداتهم في الاستلحاق بالزنى. وتمسَّك عبدٌ بفراش أبيه، وكأنَّ عبدًا كان قد سمع: أن الشرع يُلحق بالفراش. وإلَاّ فلم تكن عادتهم الإلحاق به. فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالولد لصاحب الفراش، وقطع الإلحاق بالزنى بقوله:(وللعاهر الحجر).
عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابنُهُ انظُر إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبدُ بنُ زَمعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِن وَلِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبدُ؛
ــ
و(قول عبد بن زمعة في الغلام: أخي، وابن وليدة أبي) تمسَّك به الشافعي: على أن الأخ يستلحق، ومنعه مالك وقال: لا يستلحق إلا الأب خاصَّة؛ لأنه لا يتنزل غيره في تحقيق الإصابة منزلته. وقد اعتذر لمالك عن ذلك الظاهر بوجهين:
أحدهما: أن الحديث ليس نصًّا في أنه ألحقه به بمجرد نسبة الأخوة، فلعل النبي صلى الله عليه وسلم علم وطء زمعة تلك الأمة (1) بطريق اعتمدها من اعترافٍ، أو غيره، فحكم بذلك، لا باستلحاق الأخ.
والثاني: أن حكمه به لم يكن لمجرد الاستلحاق، بل بالفراش. ألا ترى قوله:(الولد للفراش)؟ وهذا تقعيد قاعدة، فإنه لَمَّا انقطع إلحاق هذا الولد بالزاني، لم يَبق إلا أن يلحق بصاحب الفراش؛ إذ قد دار الأمر بينهما. وهذا أحسن الوجهين.
وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة، حيث يقول: إن الولد لا يلحق إلا إذا تقدَّمه ولد سابق، على ما حكاه عنه الإمام أبو عبد الله المازري.
و(قوله: فرأى شبهًا بيِّنًا بعتبة، وقال: (هو لك يا عبد) يدلُّ على أن الشبه لا يعمل عليه في الإلحاق عند وجود ما هو أقوى منه، فإنَّه ألغاه هنا، وحكم بالإلحاق لأجل الفراش، كما ألغاه في حديث اللعان لأجل اللعان. وأمَّا في حديث القافة: فليس له هناك معارض هو أقوى منه، فأُعمِل.
و(قوله: هو لك يا عَبدُ) هكذا الرواية بإثبات (يا) النداء و (عبد) منادى
(1) في (ل 1): الوليدة.
الوَلَدُ لِلفِرَاشِ،
ــ
مفرد، يريد به: عبد بن زمعة، ولا شك في هذا. وقد وقع لبعض الحنفية:(عبدُ) بغير (يا) فنوَّنه. وفرَّ بذلك عمَّا لزمهم من إلحاق الولد من غير اشتراط ولد متقدم. وقالوا: إنما ملَّكَه إياه؛ لأنه ابن أَمَةِ أبيه، لا أنَّه ألحقه بأبيه. وهذه غفلةٌ عن الرواية واللسان. أمَّا الرواية: فقد ذكرناها. وأمَّا اللسان: فلو سلَّمنا أن الرواية بغير (يا) فالمخاطب عبد بن زمعة، وهو بلا شك: منادى، إلا أن العرب تحذف حرف النداء من الأسماء الأعلام؛ كما قال تعالى:{يُوسُفُ أَعرِض عَن هَذَا} ، وهو كثير. و (عبد) هنا: اسم علمٌ يجوز حذفُ حرف النداء منه.
و(قوله: الولد للفراش) الفراش هنا: كناية عن الموطوءة؛ لأن الواطئ يستفرشها؛ أي: يُصَيِّرها كالفراش. ويعني به: أن الولد لاحِقٌ بالواطئ. قال الإمام: وأصحاب أبي حنيفة يحملونه على أن المراد به صاحب الفراش، ولذلك لم يشترطوا إمكان الوطء في الحرَّة. واحتجُّوا بقول جرير:
باتت تعانقه وبات فراشها
…
خلق العباءة في الدماء قتيلًا
يعني: زوجها، والأول أولى لما ذكرناه من الاشتقاق، ولأن ما قدَّره من حذف المضاف ليس في الكلام ما يدلُّ عليه، ولا يُحوج إليه. وعلى ما أصَّلناه فقد أخذ بعموم قوله:(الولد للفراش) الشعبيُّ، ومن قال بقوله. فقال: الولد لا ينتفي عمَّن له الفراش لا بلعان، ولا غيره. وهو شذوذ، وقد حكي عن (1) بعض أهل المدينة، ولا حجة لهم في ذلك العموم لوجهين:
أحدهما: أنه خرج على سبب ولد الأمة، فيُقصر على سببه.
وثانيهما: أن الشرع قد قعَّد قاعدة اللّعان في حقّ الأزواج، وأن الولد ينتفي
(1) ليست في (ع).
وَلِلعَاهِرِ الحَجَرُ، وَاحتَجِبِي مِنهُ يَا سَودَةُ بِنتَ زَمعَةَ، قَالَت: فَلَم يَرَ سَودَةَ قَطُّ.
رواه أحمد (6/ 37)، والبخاريُّ (2218)، ومسلم (1457)(36)، وأبو داود (2273)، والنَّسائيُّ (6/ 180)، وابن ماجه (2004).
* * *
ــ
بالتعانهما، فيكون ذلك العموم المظنون مخصَّصًا بهذه القاعدة المقطوع بها. ولا يختلف في مثل هذا الأصل.
و(قوله: وللعاهر الحجر) العاهر: الزاني. وهو اسم فاعل من: عَهَرَ الرَّجلُ المرأة، يعهَرُهَا: إذا أتاها للفجور. وقد عهرت (1) هي، وتعيهرت؛ إذا زنت. والعهر: الزنى.
واختلف في معنى: (للعاهر الحجر). فمنهم من قال: عنى به الرَّجم للزاني المحصن. ومنهم من قال: يعني به: الخيبة؛ أي: لا حظَّ له في الولد؛ لأن العرب تجعل هذا مثلًا. كما يقولون: امتلأت يده ترابًا؛ أي: خيبة.
قلت: وكأن هذا هو الأشبه بمساق الحديث، وبسببه. وهي حاصلة؛ أي: الخيبة لكل الزناة. فيكون اللفظ محمولًا على عمومه. وهو الأصل. ويؤخذ دليل الرَّجم من موضع آخر. وحمله على الزاني المحصن تخصيص اللفظ من غير حاجة ولا دليل.
و(قوله صلى الله عليه وسلم لسودة: (احتجبي منه) يُستَدلُّ به على إعطاء الشوائب المختلفة أحكامها المختلفة؛ فإنه ألحق الولد بصاحب الفراش، وأمر سودة بالاحتجاب من الغلام الملحق، وإن كان أخاها شرعًا للشَّبَه (2). وهذا منه صلى الله عليه وسلم من باب الاحتياط، وتوقَّي الشُّبهات. ويحتمل أن يكون ذلك لتغليظ أمر الحجاب في حق سودة؛ لأنها
(1) في (ج 2): عَيْهَرَت.
(2)
أي: لشبه الغلام بـ "عتبة بن أبي وقاص".