الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في كم كان ثمن الجمل، ففي بعضها: أوقية، وفي بعضها: أوقيتان ودرهم، أو درهمان، وفي بعضها: خمس أواق، وكلها ثابت في الأم.
رواه أحمد (3/ 375)، والبخاري (2097)، ومسلم (715)(109 - 117)، وأبو داود (3505)، والترمذي (1253)، والنسائي (7/ 297)، وابن ماجه (2205).
* * *
(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه
[1692]
عَن أَبِي رَافِعٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم استَسلَفَ مِن رَجُلٍ بَكرًا، فَقَدِمَت عَلَيهِ إِبِلٌ مِن إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَن يَقضِيَ الرَّجُلَ بَكرَهُ،
ــ
قلت: وهو كلام يخرجه فرط المحبة، والشفقة، وإرادة الخير للمسلمين، وهو على معنى الدعاء.
و(قوله: اركب باسم الله) دليل: على استحباب التبرك باسم الله عند افتتاح كل فعل، وإن كان من المباحات، فليس مخصوصًا بالقرب، فإنه كما قال صلى الله عليه وسلم في الوضوء:(توضئوا باسم الله)(1) قال هنا في الركوب: (اركب باسم الله).
(33)
ومن باب: جواز الاستقراض وحسن القضاء فيه
(قوله: استسلف بَكرًا) استسلف: طلب السَّلف، وهو القرض. ويدل: على جواز الأخذ بالدَّين، ولا يختلف العلماء في جواز سؤاله عند الحاجة إليه،
(1) رواه أحمد (3/ 165)، والنسائي (1/ 61).
فَرَجَعَ إِلَيهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ: لَم أَجِد فِيهَا إِلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ له: أَعطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحسَنُهُم قَضَاءً.
رواه مسلم (1600)، وأبو داود (3346)، والترمذي (1318)، والنسائي (7/ 65).
ــ
ولا نقص على طالبه، ولا تثريب، ولا منة تلحق فيه. ولو كان فيه شيء من ذلك لما استسلف النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان أنزه الناس، وأبعدهم عن تلك الأمور.
و(البَكر): الفتي من الإبل، وهو فيها كالغلام في الرجال. والقلوص فيها: كالجارية في النساء. وخيار الإبل والشيء: أحسنه، وأفضله. و (الرباعي): هو الذي في السَّنَة السابعة؛ لأنَّه يُلقي فيها رباعيته. وهي التي تلي الثنايا. وهي أربع رباعيات - مخفَّفة الياء- والذكر: رباع. والأنثى: رباعية.
وهذا الحديث دليل على جواز قرض الحيوان. وهو مذهب الجمهور. ومنع ذلك الكوفيون. وهذا الحديث الصحيح حجة عليهم. واستثنى من الحيوان أكثر العلماء الجواري. فمنعوا قرضهن؛ لأنه يؤدي إلى عارية الفروج. وأجاز ذلك بعض أصحابنا بشرط أن يردَّ غيرها. وأجاز ذلك مطلقا الطبري، والمزني، وداود الأصبهاني. وقصر بعض الظاهرية جواز القرض على ما لا مثل من المعيَّن، والمكيل، والموزون. وهذا الحديث حجة عليهم.
واختلف أرباب التأويل في استسلاف النبي صلى الله عليه وسلم هذا البَكر، وقضائه عنه من مال الصدقة. هل كان ذلك السَّلف لنفسه، أو لغيره؟ فمنهم من قال: كان لنفسه، وكان هذا قبل أن تحرم عليه الصدقة. وهذا فاسد؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم تزل الصدقة محرمة عليه منذ قدوم المدينة. وكان ذلك من خصائصه، ومن جملة علاماته المذكورة في الكتب المتقدَّمة؛ بدليل قصة سلمان الفارسي، فإنه عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جاءه سلمان بتمر، فقدَّمه إليه، وقال: كُل، فقال:(ما هذا؟ ) فقال: صدقة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال لأصحابه: (كلوا) ولم يأكل. وأتاه يومًا آخر بتمر وقال: هدية، فأكل (1). (2) فقال سلمان: هذه واحدة. ثم رأى خاتم النبوَّة فأسلم. وهذا واضح. وقيل: استسلفه لغيره ممن يستحق أخذ الصدقة، فلما جاءت إبل الصدقة دفع منها. وقد استبعد هذا من حيث: إنه قضاء أزيد من القرض من مال الصدقة. وقال: (إن خيركم أحسنكم قضاء) فكيف يعطي زيادة من مال ليس له؟ ويجعل ذلك من باب حسن القضاء؟ ! وقد أجيب عن هذا: بأن قيل: كان الذي استقرض منه من أهل الصدقة، فدفع الرُّباعي بوجهين: بوجه القرض، وبوجه الاستحقاق.
وقيل وجه ثالث، وهو أحسنها، إن شاء الله تعالى. وهو: أن يكون استقرض البَكر على ذمته، فدفعه لمستحق، فكان غارمًا، فلما جاءت إبل الصدقة أخذ منها بما هو غارم جملًا رباعيًا، فدفعه فيما كان عليه، فكان أداء عمَّا في ذمته وحسن قضاء بما يملكه. وهذا كما روي: أنه صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمرو أن يجهز جيشًا، فنفدت (3) الإبل، فأمره أن (4) يأخذ على قلائص الصدقة (5). فظاهره: أنَّه أخذ على ذمَّته. فبقي أن يقال: فكيف يجوز له أن يؤدِّي دينه، ويبرئ ذمته مِمَّا لا يجوز له أخذه.
ويجاب عنه: بأنه لَمَّا لم يأخذه لنفسه صار بمنزلة من ضمنه في ذمته إلى وقت مجيء الصدقة. فلو لم يجئ من إبل الصدقة شيء لضمنه لمقرضه من ماله، والله أعلم. وقد تقدَّم الكلام على الزيادة في القضاء.
(1) رواه أحمد (5/ 441 - 444)، وابن هشام في السيرة (1/ 214 - 221)، والذهبي في سير أعلام النبلاء (1/ 510).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (م).
(3)
في (ج 2): فتعذر.
(4)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(5)
رواه أبو داود (3357).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن قيل: كيف شغل النبي صلى الله عليه وسلم ذمَّته بدين، وقد قال:(إياكم والدَّين، فإنه شين، الدَّين هَمٌّ بالليل، ومذلة بالنهار)(1) وقد كان كثيرًا ما يتعوَّذ منه، حتى قيل له: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم. فقال: (إن الرَّجل إذا غرم حدَّث فكذب، ووعد فأخلف)(2). لا يقال: إنما استقرض عند الحاجة والضرورة؛ لأنا نقول: لم يكن في ضرورة إلى ذلك، فإن الله تعالى خيَّره بين أن يجعل له بطحاء مكة ذهبا، كما رواه الترمذي (3) من حديث أبي أمامة، واستحسنه؛ ومن كانت هذه حاله لم يكن في ضرورة، ولا حاجة. ولذلك قال الله تعالى له:{وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغنَى}
قلت: أما الأخذ بالدَّين عند الحاجة، وقصد الأداء عند الوجدان: فلا يختلف في جوازه. وقد يجب في بعض الأوقات عند الضرورات المتعينة. وأما النهي عن أخذه -إن صحَّ -: فإنما ذلك لمن لم تدعه إليه حاجة، لما يطرأ من تحمله من الأمور التي ذكرتها، من الإذلال، والمطالبة، وما يخاف من الكذب في الحديث، والإخلاف في الوعد. وقد عصم الله نبينا صلى الله عليه وسلم من ذلك كله، فلم يحوجه إلى شيء من ذلك، ولا أجراه عليه.
وأما قولهم: إنه لم يكن في ضرورة؛ لأن الله خيَّره. فجوابه: إن الله تعالى لما خيَّره، فاختار أن يجوع ثلاثًا، ويشبع يومًا؟ أجرى الله تعالى عليه ما اختاره لنفسه، وما أشار إليه به صفيَّه، ونصيحه جبريل صلى الله عليهما وسلم، فسلك الله تعالى به من ذلك أعلى السبيل، ليصبر على المشقات والشدائد، كما صبر أولو العزم من الرسل، ولينال أعلى المقامات
(1) رواه البيهقي في شعب الإيمان (5554) دون قوله: "فإنه شين". ورواه مالك في الموطأ (2/ 770) بلفظ: "إياكم والدين؛ فإن أوَّله همٌّ، وآخِرَهُ حَرْبٌ".
(2)
رواه أحمد (6/ 88 - 89)، والبخاري (832) و (3397)، ومسلم (580/ 109)، وأبو داود (880)، والترمذي (3495)، والنسائي (3/ 56)، وابن ماجه (3838).
(3)
رواه الترمذي (2347).
[1693]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ، فَأَغلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالَا. فَقَالَ لَهُم: اشتَرُوا لَهُ سِنًّا فَأَعطُوهُ إِيَّاهُ. فَقَالَوا: إِنَّا لَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا
ــ
الفاخرة. ألا تسمع قوله لعمر رضي الله عنه: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ )(1) ثم لَمَّا أخلص الله جوهره. وطيَّب خُبرَهُ وخَبَرَهُ؛ أغناه بعد العيلة، وكثَّره بعد القلة، وأعزه (2) به بعد الذلة. ومن تمام الحكمة في أخذه صلى الله عليه وسلم بالدِّيون ليقتدَي به في ذلك المحتاجون.
و(قوله: كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم دين، فأغلظ له) هذا الرجل كان من اليهود، فإنهم كانوا أكثر من يعامل بالدَّين. وحكي: أن القول الذي قاله، إنما هو: إنكم يا بني عبد المطلب مُطل. وكذب اليهودي؛ لم يكن هذا معروفًا من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أعمامه. بل المعروف منهم: الكرم، والوفاء، والسَّخاء. وبعيد أن يكون هذا القائل مسلمًا؛ إذ مقابلة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أذى للنبي صلى الله عليه وسلم وأذاه كفر.
و(قوله: فهمَّ به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أي: بأخذه لِيُقام عليه الحكم.
و(قوله لأصحابه: دعوه (3)) دليل: على حسن خلقه، وحلمه، وقوة صبره على الجفاء مع القدرة على الانتقام.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: إن (4) لصاحب الحق مقالا) يعني به: صولة الطلب، وقوَّة الحجة، لكن على من يمطل، أو يسيء المعاملة. وأما من أنصف من نفسه: فبذل
(1) رواه أحمد (3/ 139 - 145). وانظر: مجمع الزوائد (10/ 326).
(2)
في (م) و (ل 1): وأعزَّ به.
(3)
هذه اللفظة لم تردْ في رواية مسلم، ولكنها في رواية البخاري الحديث (2306).
(4)
في (ع) و (ل 1): فإن. وهي رواية البخاري في الحديث المذكور آنفًا.
هُوَ خَيرٌ مِن سِنِّهِ؟ قَالَ: فَاشتَرُوهُ فَأَعطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ مِن خَيرِكُم أَو خَيرَكُم أَحسَنُكُم قَضَاءً.
رواه البخاري (2392)، ومسلم (1601)، والترمذي (1316)، والنسائي (7/ 291).
[1694]
عَن جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ عَبدٌ فَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الهِجرَةِ وَلَم يَشعُر أَنَّهُ عَبدٌ،
ــ
ما عنده، واعتذر عما ليس عنده، فيقبل عذره، ولا تجوز الاستطالة عليه، ولا كهره (1).
و(قوله: اشتروا له سنًّا فأعطوه إياه) دليلٌ على أن هذا الحديث قضية أخرى غير قضية حديث أبي رافع. فإن ذلك الحديث يقتضي: أنه أعطاه من إبل الصدقة، وهذا اشتري له.
وفيه دليل: على صحة الوكالة في القضاء.
وفيه: جواز الزيادة فيه. وقد تقدَّم تفصيله، وذكر الخلاف فيه.
و(قوله: خيركم أحسنكم قضاء) هذا هو اللفظ الفصيح الحسن. وقد روي: (أحاسنكم) وهو جمع: أحسن. ذهبوا به مذهب الأسماء، كأحمد، وأحامد. وقد وقع في الأم في بعض طرقه:(محاسنكم) بالميم، وكأنَّه جمع: مَحسِن، كمطلِع ومطالع. وفيه بُعد. وأحسنُها الأول، والله تعالى أعلم.
و(قوله: جاء عبدٌ فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولم يشعر: أنَّه عبد) فيه دليل: على أن الأصل في الناس الحرِّية، ولذلك لم يسأله؛ إذ حمله على ذلك
(1) قال في اللسان: كهَرَهُ: زَبَره، واستقبله بوجهٍ عابسٍ، وانتهره تهاونًا به.
فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: بِعنِيهِ. فَاشتَرَاهُ بِعَبدَينِ أَسوَدَينِ،
ــ
الأصل، حيث لم يظهر له ما يخرجه عن ذلك. ولو لم يكن الأمر كذلك لتعيَّن أن يسأله. وهذا أصل مالك في هذا الباب. فكل من ادعى ملك أحد من بني آدم كان مدفوعًا إلى بيان ذلك، لكن إذا ناكره المدعي رقَّه، وادعى الحرية، وسواءٌ كان ذلك المدَّعى رقُّه ممن كثر ملك نوعه، أو لم يكن. فإن كان في حَوز المدعي لرقِّه كان القول قوله؛ إذا كان حَوز رِقٍّ، فإن لم يكن فالقول قول المدَّعى عليه مع يمينه.
و(قوله: فجاء سيِّده يريده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعنيه) لم يرد في شيء من طرقه: أنه صلى الله عليه وسلم طالب سيِّده بإقامة بينة. فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم صحة ملكه له حين عرفَ سيِّده. ويحتمل أن يكون اكتفى بدعواه، وتصديق العبد له. فإن العبد بالغٌ عاقل، يُقبل إقراره على نفسه. ولم يكن للسيِّد من ينازعه، ولا يستحلف السيِّد، كما إذا ادعى اللقطة وعرف عفاصها (1)، ووكاءها، أخذها ولم يستحلف لعدم المنازع فيها.
و(قوله: فاشتراه منه بعبدين) هذا إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى مكارم أخلاقه، ورغبة في تحصيل ثواب العتق، وكراهية أن يفسخ له عقد الهجرة. فحصل له العتق، وثبت له الولاء. فهذا المعتق مولى للنبي صلى الله عليه وسلم غير أنه لا يعرف اسمه.
وفيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلًا نقدًا. وهذا لا يختلف فيه. وكذلك في سائر الأشياء ما عدا ما يحرم التفاضل في نقده من الرِّبويات على ما قدمناه.
وأما بيع ذلك بالنسيئة ففيه تفصيل وخلاف نذكره. فذهب الكوفيون إلى منع ذلك في الحيوان. فلا يجوز عندهم فرس بفرسين. ولا شاة بشاتين مطلقا إلى أجل، اختلفت صفاتها أو اتفقت؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
(1) عرف عفاصَها: أي وعاءَها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خرَّجه البزار (1) من حديث ابن عباس.
والترمذي (2) من حديث الحسن، عن سَمُرة. وقال: إنه حسن صحيح.
قلت: ويلزمُهم على هذا: ألا يجيزوا بيع الحيوان بمثله، ولا بخلافه. فلا يجيزون بيع شاة بشاة، ولا بفرس إلى أجل. ويلزمهم عليه ألا يجيزوا فيه القرض (3)، وكل ذلك معلوم البطلان من الشرع. ويدل على خلاف ما قالوه ما روي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي: أنه صلى الله عليه وسلم أمره أن يجهز جيشًا فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ البعير بالبعيرين إلى الصدقة (4). ومنع مالك ذلك في الجنس الواحد. والجنسية المعتبرة عنده هي اتفاق الأغراض والمنافع، دون الخلق والألوان، مخافة الوقوع في سلف يجرّ نفعًا. فإذا تباينت المقاصد، واختلفت المنافع؛ جاز ذلك. فيجوز عنده حمار فارهٌ في حمارين من حواشي (5) الحمر إلى أجل، ونقدًا. ولا يجوز في مثليه إلى أجل؛ لأنه سلف جرَّ نفعًا. وكذلك في الثياب وسائر العروض. وقد روي نحو ذلك عن عليّ، وابن عمر، والزهري. وأجاز الشافعي ذلك كله مع الاتفاق والاختلاف. وتابعه على ذلك الثوري، وأبو ثور. وروي عن ابن عباس مثله لحديث عبد الله بن عمرو المتقدم. ولم يروا: أنَّه يلزم منه ما حذره مالك. وقد انفصلت المالكية عن حديث عبد الله بن عمرو بأنه محمول على مختلفَي الجنسين بحسب اختلاف الأسنان والمقاصد، بدليل قوله فيه: أمره أن يأخذ في قلائص الصدقة البعير بالبعيرين. فلو كان البعير المأخوذ
(1) رواه البزار كما في المجمع (4/ 105).
(2)
رواه الترمذي (1237).
(3)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع) و (ل 1).
(4)
رواه أبو داود (3357).
(5)
في (ع): وحشي.
ثُمَّ لَم يُبَايِع أَحَدًا بَعدُ، حَتَّى يَسأَلَهُ: أَعَبدٌ هُوَ؟ .
رواه أحمد (3/ 349)، ومسلم (1602)، وأبو داود (3358)، والترمذي (1239)، والنسائي (7/ 150).
* * *
ــ
ناجزا من جنس البعيرين المأخوذين إلى أجل لكان هذا السلف الجارّ نفعًا المتفق على منعه؛ لأنه لم يقترن به صيغة بيع، ولا شيء يدل عليه. فالصورة صورة القرض، ولا مفرق بينها وبين البيع فيمنع، فلا بدّ أن يُقدر فيها اختلاف الجنسين.
وبهذا التأويل يصح الجمع بين الأحاديث؛ أعني: بين هذا الحديث، وبين النهي عن سلف جرّ نفعًا. والجمع أولى من الترجيح. فإن لم يقبل هذا التأويل؛ فالقضية محتملة، مترددة بين أن يكون البعير من جنس البعيرين، أو من غير جنسهما على حدٍّ سواء. فالتحق بالمجملات، فلا يكون فيه حجة لهم. ونبقى نحن متمسكين بالقاعدة الكلية؛ التي هي: حماية المحرَّمات، والله تعالى أعلم.
و(قوله: فلم يبايع أحدًا بعد حتى يسأله: أعبد هو؟ ) يعني: أنه لما وقعت له هذه الواقعة أخذ بالحزم والحذر، فكان يسأل من يرتاب فيه. وفيه من الفقه: الأخذ بالأحوط.
* * *