الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة
[1451]
عن عَبدَ اللَّهِ قُالُ: كُنَّا نَغزُو مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيسَ لَنَا نِسَاءٌ
ــ
(3)
ومن باب: ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة ونسخه
(قوله: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا نساء) هذا الحديث، وأكثر أحاديث هذا الباب تدلّ على أن نكاح المتعة إنما أُبيح في السفر لحال الضرورة، في مدة قصيرة، كما قال ابن أبي عمرة: إنها كانت رخصة (1) في أول الإسلام، لمن اضطر إليها، كالميتة، والدّم، ولحم الخنزير.
وقد اختلفت الروايات واضطربت في وقت إباحتها، وتحريمها، اضطرابًا شديدًا، بحيث يتعذر فيها التلفيق، ولا يحصل معه تحقيق، فعن ابن أبي عمرة: أنها كانت في أول الإسلام، كما تقدَّم.
وفي رواية: ومن رواية سلمة أنها كانت عام أوطاس.
ومن رواية سبرة: إباحتُها يوم الفتح، وهما متقاربان، ثم تحريمها حينئذ في حديثيهما.
ومن رواية علي: تحريمها يوم خيبر. وهو قبل الفتح. وفي غير كتاب مسلم عن عليّ: نهيه صلى الله عليه وسلم عنها في غزوة تبوك. وقد روى أبو داود من حديث الرّبيع بن سَبرَة: النهي عنها في حجة الوداع (2).
وروي أيضًا عن الحسن البصري: أنها ما حلّت قطُّ إلا في عمرة القضاء. وروي هذا عن سبرة أيضًا.
قلت: ولما اختلفت هذه الروايات اختلف العلماءُ في ذلك على وجهين:
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
رواه مسلم (1406)، وأبو داود (2072)، والنسائي (6/ 126)، وابن ماجه (1962).
فَقُلنَا: أَلَا نَستَخصِي فَنَهَانَا عَن ذَلِكَ،
ــ
أحدهما: ترجيح بعض هذه الروايات على بعض.
وثانيهما: أن إباحة ذلك وتحريمه تكرَّر في مواطن.
قلت: وعلى الجملة: فالروايات كلُّها متفقة على وقوع إباحة المُتعة، وأن ذلك لم يَطُل، وأنه نُسخ، وحُرِّم تحريمًا مؤبدًا.
وأجمع السَّلف والخلف على تحريمها، إلا ما روي عن ابن عباس، ورُوي عنه: أنَّه رجع عنه، وإلَاّ الرافضة، ولا يُلتَفَت لخلافهم؛ إذ ليسوا على طريقة المسلمين.
وأجمعوا: على أنَّ نكاح المتعة متى وقع فسخ قبل الدّخول وبعده، إلا ما حُكي عن زُفَر، فإنه يُلغي الأجل، ويصحَّحُ العقد، وكأنَّه رأى: أنه متى فسد ألغي الشرط؛ وَحَكَمَ بالصحة. وهو خلافٌ شاذٌّ.
واختلف أصحابنا إذا دخل في نكاح المتعة هل يُحَدُّ ولا يُلحَقُ به الولد؟ أو يُدفَعُ الحَدُّ بالشبهة، ويُلحَقُ الولدُ؟ على قولين، ولكن يُعَزَّر ويُعاقب. وإذا تقررت هذه المقدِّمة فلنبحث عن ألفاظ الأحاديث الواقعة في هذا الباب.
و(قوله: ألا نستخصي) أي: نستدعي من يفعل الخصاء، أو نحاول ذلك بأنفسنا. وقد تقدَّم تفسير الخصاء.
و(قوله: فنهانا عن ذلك) هذا النهي على التحريم. ولا خلاف في تحريم ذلك في بني آدم؛ لما فيه من الضرر (1) وقطع النّسل، وإبطال معنى الرجولية. وهو في غير بني آدم ممنوع أيضًا في الحيوان، إلا لمنفعة حاصلة في ذلك، كتطييب اللحم، أو قطع ضرر ذلك الحيوان. وسيأتي لهذا مزيد تفصيل (2).
(1) في (ج 2): الأضرار.
(2)
في (ج 2): بيان.
ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَن نَنكِحَ المَرأَةَ بِالثَّوبِ إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ قَرَأَ عَبدُ اللَّهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُم وَلَا تَعتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المُعتَدِينَ.
رواه البخاري (4615)، ومسلم (1404).
[1452]
وعَن سَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ، وجَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ قَالَا: خَرَجَ عَلَينَا مُنَادِي رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَد أَذِنَ لَكُم أَن تَستَمتِعُوا (يَعنِي مُتعَةَ النِّسَاءِ).
رواه البخاري (5117)، ومسلم (1405)(13).
[1453]
وعن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قُالُ: كُنَّا نَستَمتِعُ بِالقَبضَةِ مِن التَّمرِ وَالدَّقِيقِ الأَيَّامَ عَلَى عَهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَأَبِي بَكرٍ حَتَّى نَهَى عَنهُ عُمَرُ فِي
ــ
و(قوله: رخَّصَ لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل) وفي حديث جابر: (بالقبضة من التمر والدقيق) وليس في هذا حجة لمن قال: إن الصداق لا يتقدّر أقله بمقدار، وهو قول الشافعي؛ لأن هذا الحديث كلَّه منسوخ؛ ولأن ذلك للضرورة وعدم الوجدان لأكثر منه، ولإمكان أن تساوي القبضةُ من الدّقيق أو التمر أقل الصداق على قول من يحدّده؛ لأن تلك الأوقات أوقات المجاعات والشدائد، وكان نكاح المتعة ينفسخ بحلول الأجل، من غير طلاق، ولا يجب به ميراث. وقد قدّمنا الكلام على هذا في باب المتعة في الحج.
واستدلال عبد الله بن مسعود على إباحته بقوله: لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُم، لا حجة فيه؛ لأن الله تعالى هو الذي حَرَّمَ نكاح المتعة لا نحن. وكأنَّه ما كان إذ ذاك بَلَغَه الناسخ، وبعد ذلك بلغه، ورجع عن ذلك.
وقول جابر: (كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر - في رواية -: وعمر) ظاهر هذا: استمرار العمل عندهم، وفي أعصارهم
شَأنِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ.
رواه مسلم (1405)(16).
[1454]
وعَن أَبِي نَضرَةَ قَالَ: كُنتُ عِندَ جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ، فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ: ابنُ عَبَّاسٍ وَابنُ الزُّبَيرِ اختَلَفَا فِي المُتعَتَينِ، فَقَالَ جَابِرٌ: فَعَلنَاهُمَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ نَهَانَا عَنهُمَا عُمَرُ فَلَم نَعُد لَهُمَا.
رواه مسلم (1405)(17).
* * *
ــ
على نكاح المتعة، واشتهار ذلك إلى أن نهى عنه عمر. وهذا مخالفٌ لأكثر أحاديث هذا الباب، كما ذكره. والصحيح الأوّل، كما ذكرناه. وهذا محمول من جابر على إخباره عمن لم يبلغه الناسخ كابن عباس، فاستمر على التمسك بالإباحة الأولى في هذه الأعصار، إلى أن أوضح عمر وعبد الله بن الزبير أن ذلك منسوخ، وتقدما في ذلك، وتوعَّدا عليه بالرجم، فتبين الصبح لذي عينين، وضاءت الشمس لسليم الحاسّتَين.
وكان شأن عمرو بن حريث: أنّه تزوج امرأةً نكاح المتعة، وأنه استمر عليها إلى زمان خلافة عمر؛ لأنه لم يسمع الناسخ، فحملت منه، فأُنهِيَ أَمرُهُ إلى عمر، فنهي عن ذلك.
وقد تقدّم القول على قول جابر: (فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في باب متعة الحج.
* * *