الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام
[1658]
عَن أَبِي مَسعُودٍ الأَنصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن ثَمَنِ الكَلبِ، وَمَهرِ البَغِيِّ، وَحُلوَانِ الكَاهِنِ.
رواه البخاري (5346)، ومسلم (1567)، وأبو داود (3481)، والترمذي (1276)، والنسائي (7/ 309).
ــ
وقع بلفظ البيع، وأريد تحصيل العوض؛ الذي هو حصول ماء الفحل في محل الرَّحم، وعقوق الأنثى (1). فإنه غرر، ومجهول. وأما على معنى إجارة الفحل للطَّرق أعوامًا معلومة، أو إلى مدَّة معلومة: فأجازه مالك؛ لكمال شروط الإجارة، مع أن أخذ الأجرة على ذلك ليس من مكارم الأخلاق، ولا يفعله غالبًا إلا أولو الدناءة. ويكون هذا كالحجامة على ما يأتي بيانه -إن شاء الله تعالى -.
وقد ذهب أبو حنيفة، والشافعي، وأبو ثور: إلى منع ذلك جملة. والأرجح -إن شاء الله تعالى - ما صار إليه مالك، لما ذكرناه. وبأنه قول جماعة من الصحابة والتابعين على ما حكاه القاضي عياض.
(21)
ومن باب: النهي عن ثمن الكلب
(قوله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب) وفي الحديث الآخر: (وثمن الكلب خبيث) ظاهرٌ في تحريم بيع الكلاب كلها، ولا شك في تناول هذا العموم لغير المأذون فيه منها، لأنها إمَّا مضرّة؛ فيحرم اقتناؤها، فيحرم بيعها. وإما غير
(1)"عَقُوق الأنثى": قال في اللسان: العَقُوق من البهائم: الحامل.
[1659]
وعَن رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
ــ
مضرة، فلا منفعة فيها. وأما المأذون في اتخاذها: فهل تناولها عموم هذا النهي، أم لا؟ فذهب الشافعي، والأوزاعي، وأحمد: إلى تناوله لها. فقالوا: إن بيعها محرّم، ويفسخ إن وقع، ولا قيمة لما يقتل منها، واعتضد الشافعي لذلك: بأنها نجسة عنده. ورأى أبو حنيفة: أنه لا يتناولها؛ لأن فيها منافع مباحة يجوز اتخاذها لأجلها، فتجوز المعاوضة عليها، ويجوز بيعها. وجل مذهب مالك على جواز الاتخاذ، وكراهية البيع، ولا يفسخ إن وقع. وقد قيل عنه مثل قول الشافعي. وقال ابن القاسم: يكره للبائع، ويجوز للمشتري للضرورة. وكأن مالكا رحمه الله في المشهور: لما لم يكن الكلب عنده نجسًا، وكان مأذونًا في اتخاذه لمنافعه الجائزة؛ كان حكمه حكم جميع المبيعات. لكن الشرع نهى عن بيعه تنزيها؛ لأنَّه ليس من مكارم الأخلاق. فإن قيل: فقد سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين ثمن الكلب، وبين مهر البغي، وحلوان الكاهن في النهي عنها. والمهر والحلوان محرمان بالإجماع، فليكن ثمن الكلب كذلك.
فالجواب: إنَّا كذلك نقول. لكنه محمولٌ على الكلب الغير مأذون فيه. ولئن سلمنا: أنَّه متناول للكل، لكن هذا النهي ها هنا قصد به القدر المشترك الذي بين التحريم والكراهة؛ إذ كل واحد منهما منهي عنه. ثم تؤخذ خصوصية كل واحد منهما من دليل آخر، كما قد اتفق هنا فإنا إنما علمنا تحريم مهر البغي، وحلوان الكاهن بالإجماع، لا بمجرد النهي سلمنا ذلك، لكنا لا نسلم: أنه يلزم من الاشتراك في مجرد العطف الاشتراك في جميع الوجوه؛ إذ قد يعطف الأمر على النهي، والإيجاب على النفي. وإنما ذلك في محل (1) مخصوص، كما بيناه في أصول الفقه.
(1) في (ع): عطف.
شَرُّ الكَسبِ: مَهرُ البَغِيِّ، وَثَمَنُ الكَلبِ، وَكَسبُ الحَجَّامِ.
رواه مسلم (1568)(40).
ــ
و(قوله: شرُّ الكسب مهر البغيّ، وثمن الكلب، وكسب الحجَّام). (الكسب) في الأصل هو: مصدر. تقول: كسبت المال، أكسبه، كسبًا. وقد وقع في هذا بعض الحديث موضع المكسوب، فإنه أخبر عنه بالثمن. وقد قدمنا القول في:(شر) و (خير) في كتاب الصلاة.
ومساق هذا الحديث يدلُّ على صحة ما قلناه، من أنه لا تلزم المساواة في المعطوفات على ما ذكرناه في الأصول (1)، ألا ترى أنه شرَّك بين مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام في (شر) ثم إن نسبة الشر لمهر البغي كنسبته إلى كسب الحجَّام، مع أن (2) مهر البغي حرام بالاتفاق، وكسب الحجَّام مكروه. فقد صحَّ: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجَّام أجره (3). قال ابن عبَّاس: ولو كان حرامًا لم يعطه. وقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجَّام، فنهاه، ثم سأله، فنهاه، ثم سأله فقال في الثالثة:(اعلفه ناضحك، وأطعمه رقيقك)(4) فلو كان حرامًا لما أجاز له تملكه، ولا أن يدفع به حقًّا واجبا عليه، وهو: نفقة الرقيق، فيكون (شرّ) في كسب الحجَّام بمعنى: ترك الأولى، والحضّ على الورع. وهذا مثل ما تقدَّم من قوله:(شر صفوف النساء أولها)(5). ويكون (شرّ) في مهر البغي
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
في (ج 2): لأنَّ.
(3)
رواه البخاري (2103)، وأبو داود (2423).
(4)
رواه أحمد (3/ 307)، وأبو داود (3422)، والترمذي (1277)، وابن ماجه (2166). وعند البيهقي في السنن (9/ 337):"اعلفه ناضحَك ورقيقك". وما بين حاصرتين مستدرك من مصادر التخريج.
(5)
سبق تخريجه في التلخيص (349).
[1660]
وعنه عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَمَنُ الكَلبِ خَبِيثٌ، وَكَسبُ الحَجَّامِ خَبِيثٌ.
رواه مسلم (1568)(41)، وأبو داود (3421)، والترمذي (1275)، والنسائي (7/ 190).
ــ
على التحريم.
وعلى هذا: فإما أن يحمل لفظ: (شر) في صدر الحديث على قدر مشترك بين المحرَّم والمكروه، أو على أن اللفظ المشترك قد يراد به جميع متناولاته. وقد بيَّنَّا ذلك في أصول الفقه. وهذا كلُّه إذا تنزلنا على أن كسب الحجَّام هو ما يأخذه أجرة على نفس عمل الحجامة، فإن حملناه على ما يكتسبه من بيع الدَّم. فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه، فلا يبعُد أن يكونوا يشترونه للأكل، فيكون ثمنه حرامًا. كما قد قال صلى الله عليه وسلم:(إن الله إذا حرَّم على قوم شيئًا حرَّم عليهم ثمنه)(1). وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث: (ثمن الدَّم حرام).
و(حلوان الكاهن) هو: ما يأخذه على تكهنه. يقال: حلوت الرجل، أحلوه: إذا أعطيته شيئًا يستحليه. كما يقال: عسلته، أعسله: إذا أطعمته عسلًا. ومنه: قيل للرِّشوة، ولما يأخذه الرَّجل من مهر ابنته حلوانًا؛ لأنها كلَّها عطايا حلوة مستعذبة.
وفيه ما يدلُّ على تحريم ما يأخذه الحسَّاب، والمنجمون في الرمل، والخط، وغير ذلك؛ لأن ذلك كلُّه تعاطي علم الغيب، فهي في معنى الكهانة. وما يؤخذ على كل ذلك محرَّم بالإجماع على ما حكاه أبو عمر.
و(قوله: ثمن الكلب خبيث، وكسب الحجَّام خبيث) إن حملنا الكلب ها هنا على العموم كان الخبيث بمعنى المكروه تسوية بينه وبين كسب الحجَّام. وقد تبيَّن أنه مكروه، وإن حملناه على غير المأذون في اتخاذه كان الخبيث بمعنى: الحرام. وحينئذ ينشأ البحث الذي قررناه آنفًا.
(1) رواه أحمد (1/ 292)، وأبو داود (3488).
[1661]
وعَن أَبِي الزُّبَيرِ قَالَ: سَأَلتُ جَابِرًا عَن ثَمَنِ الكَلبِ، وَالسِّنَّورِ، فقَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِكَ.
رواه مسلم (1569)، وأبو داود (3479)، والترمذي (1279)، والنسائي (7/ 309).
* * *
ــ
و(قوله: زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسِّنَّور) لفظ: (زجر) يشعر بتخفيف النهي عنهما، وأنَّه ليس على التحريم كما قررناه بل على التنزه عن ثمنهما. وقد كره بيع السِّنور أبو هريرة، ومجاهد، وغيرهما أخذًا بظاهر هذا الحديث.
واختلفوا في معنى ذلك؛ فمنهم من علَّله: بأنه لا يثبت، ولا يمكن انضباطه، وهذا ليس بشيء. وهذه مناكرة للحِسِّ، فإنها تنضبط في البيوت آمادًا طويلة، وتسلُّمه ممكن حالة البيع، فقد كملت شروط البيع. ثم إن شاء مشتريه ضبطه، وإن شاء سيَّبَه. وأحسن من هذا أن بيعه، وبيع الكلب ليس من مكارم الأخلاق، ولا من عادة أهل الفضل. والشرع ينهى عما يناقض ذلك، أو يباعده، كما قلنا في طرق الفحل، وكذلك نقول في كسب الحجَّام؛ لأنه عمل خسيس، لا يتعاطاه إلا أهل الخسَّة والدناءة كالعبيد، ومن جرى مجراهم.
و(مهر البغي) هو: ما تأخذه الزانية على الزنى. والبغاء: الزنى. والبغيُّ: الزانية. ومنه قوله تعالى: {وَلا تُكرِهُوا فَتَيَاتِكُم عَلَى البِغَاءِ} ؛ أي: على الزنى. وأصل البغي: الطلب، غير أنه أكثر ما يُستعمل في طلب الفساد وفي الزنى.
* * *