الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5) باب ميراث الكلالة
[1720]
عَن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: مَرِضتُ، فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكرٍ يَعُودَانِي مَاشِيَينِ، فَأُغمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِن وَضُوئِهِ، فَأَفَقتُ
ــ
أضافها إلى ضمير الكثرة، كما تقول: أخذتُ عن علماء المدينة علمهم - مثلًا - وسمعتُ عليهم حديثهم؛ يعني علومهم وأحاديثهم.
وأمَّا الثانية فلأن الذين نزلت الآية جوابًا لهم إنَّما هم مشركو قريش، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: تعال نشترك في أمرنا وأمرك؛ تدين بديننا وندين بدينك، فنستوي في الأخذ بالخير! فأنزلها الله سبحانه وتعالى مخاطبةً لهم، وهم صنفٌ واحدٌ من الكفار وهم الوثنيون، وكيف لا يكون ما قاله مالك وقد قال الله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنهَاجًا} ؟ فالعربُ تزعم أنها على شريعة إبراهيم، واليهود على شريعة موسى، والنَّصارى على شريعة عيسى، فهي ملل متعددة وشرائع مختلفة.
(5)
ومن باب: ميراث الكلالة
قول جابر رضي الله عنه مرضت، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني ماشِيَينِ، إنَّما أتياه ماشيين مبالغة في التواضع وفي كثرة أجر المشي؛ لأن المشي للقرب التي لا يحتاج فيها إلى كبير مؤونة ولا نفقة أفضل من الركوب بدليل ما ذكرناه في الجمعة، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في الحج.
وقوله فأغمي عليّ، فتوضأ فصبَّ عليَّ من وَضُوئه فأفقتُ فيه دليل
فقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيفَ أَقضِي فِي مَالِي؟ فَلَم يَرُدَّ عَلَيَّ شَيئًا، حَتَّى نَزَلَت آيَةُ المِيرَاثِ: يَستَفتُونَكَ قُل اللَّهُ يُفتِيكُم فِي الكَلَالَةِ.
وفي رواية: فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ - فَنَزَلَت آيَةُ المِيرَاثِ. قال شعبة: فَقُلتُ لِمُحَمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ: يَستَفتُونَكَ قُل اللَّهُ يُفتِيك فِي الكَلَالَةِ؟ قَالَ: هَكَذَا أُنزِلَت.
ــ
على جواز المداواة ومحاولة دفع المرض بما تُرجى فائدته، وخصوصًا بما يرجع إلى التَّبَرُّك بما عظمه الله ورسوله.
وفيه ظهور بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما باشره أو لمسه، وكم له منها وكم! وقد ذكرنا من ذلك جملة صالحة في كتاب الإعلام بمعجزات النبي عليه الصلاة والسلام.
وقوله فقلت: يا رسول الله، كيف أقضي في مالي؟ إنَّما يرثني كلالة، هذا السؤال كان قبل نزول آيات المواريث على ما يدل عليه قوله فنزلت:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَولادِكُم} ، وقد تقدَّم أن الحكم كان قبل ذلك وجوب الوصية للأقربين، وعلى هذا فيكون سؤال جابر للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله كيف أقضي في مالي؟ : كيف أوصي فيه؟ وبماذا أوصي؟ ولمن أوصي؟ فأنزل الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} فنسخت وجوب الوصيَّة للأقربين على ما قدَّمناه. وأما إن كان الذي نزل في جوابه {يَستَفتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفتِيكُم فِي الكَلالَةِ} فيكون هذا السؤال بعد نزول {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} وقبل نزول آية الكلالة، وهذا هو الأقرب والأنسب لقوله إنما يرثني كلالة، وذلك السؤال هو الذي عنى الله تعالى بقوله {يَستَفتُونَكَ} ثم قال:{قُلِ اللَّهُ يُفتِيكُم فِي الكَلالَةِ} وقد تقدم ذكر الاختلاف في اشتقاق الكلالة وفي معناها في كتاب الصلاة، والقول هنا في بيان المختار من الأقوال، ولا شكَّ أن جابرًا قد أطلق على ورثته كلالة وما كان له وارث يومئذ سوى أخواته، فإن أباه كان قتل يوم أحد وترك سبع بنات وجابرًا،
وفي أخرى: فَنَزَلَت: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَولَادِكُم لِلذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ.
رواه البخاري (194)، ومسلم (1616)، وأبو داود (2886 و 2887)، والترمذي (2098 و 3019).
ــ
فهنَّ اللاتي سَمَّاهنَّ كلالة، وهنَّ اللاتي أجيب فيهنَّ بقوله:{قُلِ اللَّهُ يُفتِيكُم فِي الكَلالَةِ} ولم يكن له ولد ولا والد، فقد ظهرت صحَّة قول من قال: إن الكلالة ما عدا الولدَ والوالد، وإن الإخوة المذكورين فيها ليسوا إخوة لأم قطعًا؛ لأن أخوات جابر لم يكن لأم، ولأن الإخوة للأم لا يقتسمون للذكر مثل حظِّ الأنثيين. ومقصود هذه الآية بيان حكم الإخوة والأخوات للأب والأم أو للأب إذا لم يكن معهنَّ ولدٌ ولا والدٌ، وإنما قلنا ذلك لأن الولد مصرَّحٌ بنفيه في الآية بقوله {لَيسَ لَهُ وَلَدٌ} والأب أيضًا لا بدَّ من نفيه في هذه الآية؛ لأنه لو كان أبٌ مع الإخوة لحجبهم كلَّهم جملة بغير تفصيل. وأمَّا الجدَّ مع الإخوة الأشقاء أو للأب فيقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث فله أن يأخذه، وعلى هذا فالجدّ تصحُّ معه الكلالة لأنه كالأخ معهم، وأما الآية التي في أول السورة فالمراد بالكلالة فيها الإخوة للأم إذا لم يكن معهم ابن ولا أب ولا جدّ؛ لأن هؤلاء كلّهم يحجبون الإخوة للأم. ولقراءة سعد: وله أخ أو أخت لأم، ولأن الإخوة الأشقاء أو للأب لا يرث الواحد منهم السدس ولا الاثنان فصاعدا الثلث، وإنما ذلك فرض الإخوة للأم، فقد ظهر بهذا البحث الدقيق أن القول ما قاله أبو بكر الصدِّيق. وأمَّا قولا الاشتقاق فكلاهما معنى صحيح بالاتفاق؛ لأن من فقد الطرفين فقد تَكلَّله نفي المانعين، أو لأنه لما كلَّ منه الرحم الوالد وثب على متروكه الأباعد.
وقوله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} القراءة المشهورة {يُورَثُ} بفتح الراء على أنَّه فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، وفيه
[1721]
وعَن مَعدَانَ بنِ أَبِي طَلحَةَ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ خَطَبَ يَومَ جُمُعَةٍ فَذَكَرَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ أَبَا بَكرٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَا أَدَعُ بَعدِي شَيئًا أَهَمَّ عِندِي مِن الكَلَالَةِ، مَا رَاجَعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَيءٍ مَا رَاجَعتُهُ فِي الكَلَالَةِ، وَمَا أَغلَظَ لِي فِي شَيءٍ مَا أَغلَظَ لِي فِيهِ، حَتَّى طَعَنَ بِإِصبَعِهِ فِي صَدرِي وَقَالَ: يَا عُمَرُ، أَلَا تَكفِيكَ آيَةُ الصَّيفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ! وَإِنِّي إِن أَعِش أَقضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ يَقضِي بِهَا مَن يَقرَأُ القُرآنَ وَمَن لَا يَقرَأُ القُرآنَ.
رواه أحمد (1/ 28)، ومسلم (1617).
ــ
ضمير مفعول لم يُسم فاعله عائدًا على رجل، و {كَلالَةً} حال من ذلك الضمير، فتكون الكلالة الميِّت. وقرأه الحسن {يُورَثُ} بكسر الراء مبنيًا للفاعل، وتكون {كَلالَةً} مفعولًا بـ {يُورَثُ} وقرئ كذلك مضعف الرَّاء، وعلى هذا فيصحُّ أن تكون الكلالة الوارث ويصحُّ أن تكون المالَ، وأحد مفعولي {يُورَثُ} مسكوت عنه لأنه يجوز الاقتصار على أحدهما، والله تعالى أعلم.
وقوله ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، ولا أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، هكذا جاء هذا الضمير مذكَّرًا وقبله الكلالة، وكان حقُّه أن يكون مؤنثًا، لكنه لما كان السؤال عن حكم الكلالة أعاده مذكَّرًا على الحكم المراد.
وقوله حتى طعن بإصبعه في صدري، هذا الطَّعن مبالغة في الحث على النظر والبحث، وألا يرجع إلى السؤال مع التمكُّن من البحث والاستدلال ليحصل على رتبة الاجتهاد ولينال أجر من طلب فأصاب الحكم ووافق المراد.
وقوله صلى الله عليه وسلم ألا تكفيك آية الصيف يعني به آخر سورة النساء، فإنها نزلت في الصَّيف، وإنما أحاله على النظر في هذه الآية لأنه إذا أمعن النظر فيها
[1722]
وعَن البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ أُنزِلَت آيَةُ الكَلَالَةِ، وَآخِرُ سُورَةٍ أُنزِلَت بَرَاءَةُ.
وفي رواية: أُنزِلَت كَامِلَةً، وآخِرَ سُورَةٍ أُنزِلَت تَامَّةً.
رواه البخاري (4654)، ومسلم (1618)، والترمذي (3044 و 3045).
* * *
ــ
علم أنها مخالفة للآية الأولى في الورثة وفي القسمة، فيتبين من كل آية معناها ويُرتِّب عليها حكمها فيزول الإشكال، والله يعصم من الخطأ والضلال. وقد تقدَّم القول في قول عمر: وإن أعش أقضِ فيها بقضيَّة.
وقول البراء آخرُ آيةٍ أُنزلت آية الكلالة. . . إلى آخره، اختلف في آخر آية أنزلت؛ فقيل ما قال البراء، وقال ابن عباس:{اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم} وقيل: قُل لَا أَجِدُ. . .، والتلفيق أن يقال: إن آية الكلالة آخر ما نزل من آيات المواريث، وآخر آية أنزلت في حصر المحرمات:{قُل لا أَجِدُ} والظاهر أن آخر الآيات نزولًا: {اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم} ؛ لأن الكمال لما حصل لم يبق بعده ما يزاد، والله أعلم.
وأما قوله آخر سورة نزلت براءة فقد فسَّر مراده بقوله في الرواية الأخرى أنزلت كاملة، ومع ذلك فقد قيل: إن آخر سورة نزلت {إِذَا جَاءَ نَصرُ اللَّهِ وَالفَتحُ} وكانت تسمى سورة التوديع.
وقد اختلف في وقت نزولها على أقوال، أشبهها قول ابن عمر: إنها نزلت في حجة الوداع، ثم نزلت بعدها:{اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم} فعاش بعدها ثمانين يومًا، ثم نزلت بعدها آية الكلالة فعاش بعدها خمسين يومًا، ثم نزل بعدها {لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم} فعاش بعدها خمسة وثلاثين يومًا، ثم نزلت بعدها {وَاتَّقُوا يَومًا