المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) باب ميراث الكلالة - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(5) باب ميراث الكلالة

(5) باب ميراث الكلالة

[1720]

عَن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: مَرِضتُ، فَأَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكرٍ يَعُودَانِي مَاشِيَينِ، فَأُغمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ مِن وَضُوئِهِ، فَأَفَقتُ

ــ

أضافها إلى ضمير الكثرة، كما تقول: أخذتُ عن علماء المدينة علمهم - مثلًا - وسمعتُ عليهم حديثهم؛ يعني علومهم وأحاديثهم.

وأمَّا الثانية فلأن الذين نزلت الآية جوابًا لهم إنَّما هم مشركو قريش، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: تعال نشترك في أمرنا وأمرك؛ تدين بديننا وندين بدينك، فنستوي في الأخذ بالخير! فأنزلها الله سبحانه وتعالى مخاطبةً لهم، وهم صنفٌ واحدٌ من الكفار وهم الوثنيون، وكيف لا يكون ما قاله مالك وقد قال الله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنهَاجًا} ؟ فالعربُ تزعم أنها على شريعة إبراهيم، واليهود على شريعة موسى، والنَّصارى على شريعة عيسى، فهي ملل متعددة وشرائع مختلفة.

(5)

ومن باب: ميراث الكلالة

قول جابر رضي الله عنه مرضت، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني ماشِيَينِ، إنَّما أتياه ماشيين مبالغة في التواضع وفي كثرة أجر المشي؛ لأن المشي للقرب التي لا يحتاج فيها إلى كبير مؤونة ولا نفقة أفضل من الركوب بدليل ما ذكرناه في الجمعة، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك في الحج.

وقوله فأغمي عليّ، فتوضأ فصبَّ عليَّ من وَضُوئه فأفقتُ فيه دليل

ص: 569

فقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيفَ أَقضِي فِي مَالِي؟ فَلَم يَرُدَّ عَلَيَّ شَيئًا، حَتَّى نَزَلَت آيَةُ المِيرَاثِ: يَستَفتُونَكَ قُل اللَّهُ يُفتِيكُم فِي الكَلَالَةِ.

وفي رواية: فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ - فَنَزَلَت آيَةُ المِيرَاثِ. قال شعبة: فَقُلتُ لِمُحَمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ: يَستَفتُونَكَ قُل اللَّهُ يُفتِيك فِي الكَلَالَةِ؟ قَالَ: هَكَذَا أُنزِلَت.

ــ

على جواز المداواة ومحاولة دفع المرض بما تُرجى فائدته، وخصوصًا بما يرجع إلى التَّبَرُّك بما عظمه الله ورسوله.

وفيه ظهور بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما باشره أو لمسه، وكم له منها وكم! وقد ذكرنا من ذلك جملة صالحة في كتاب الإعلام بمعجزات النبي عليه الصلاة والسلام.

وقوله فقلت: يا رسول الله، كيف أقضي في مالي؟ إنَّما يرثني كلالة، هذا السؤال كان قبل نزول آيات المواريث على ما يدل عليه قوله فنزلت:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَولادِكُم} ، وقد تقدَّم أن الحكم كان قبل ذلك وجوب الوصية للأقربين، وعلى هذا فيكون سؤال جابر للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله كيف أقضي في مالي؟ : كيف أوصي فيه؟ وبماذا أوصي؟ ولمن أوصي؟ فأنزل الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} فنسخت وجوب الوصيَّة للأقربين على ما قدَّمناه. وأما إن كان الذي نزل في جوابه {يَستَفتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفتِيكُم فِي الكَلالَةِ} فيكون هذا السؤال بعد نزول {يُوصِيكُمُ اللَّهُ} وقبل نزول آية الكلالة، وهذا هو الأقرب والأنسب لقوله إنما يرثني كلالة، وذلك السؤال هو الذي عنى الله تعالى بقوله {يَستَفتُونَكَ} ثم قال:{قُلِ اللَّهُ يُفتِيكُم فِي الكَلالَةِ} وقد تقدم ذكر الاختلاف في اشتقاق الكلالة وفي معناها في كتاب الصلاة، والقول هنا في بيان المختار من الأقوال، ولا شكَّ أن جابرًا قد أطلق على ورثته كلالة وما كان له وارث يومئذ سوى أخواته، فإن أباه كان قتل يوم أحد وترك سبع بنات وجابرًا،

ص: 570

وفي أخرى: فَنَزَلَت: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَولَادِكُم لِلذَّكَرِ مِثلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ.

رواه البخاري (194)، ومسلم (1616)، وأبو داود (2886 و 2887)، والترمذي (2098 و 3019).

ــ

فهنَّ اللاتي سَمَّاهنَّ كلالة، وهنَّ اللاتي أجيب فيهنَّ بقوله:{قُلِ اللَّهُ يُفتِيكُم فِي الكَلالَةِ} ولم يكن له ولد ولا والد، فقد ظهرت صحَّة قول من قال: إن الكلالة ما عدا الولدَ والوالد، وإن الإخوة المذكورين فيها ليسوا إخوة لأم قطعًا؛ لأن أخوات جابر لم يكن لأم، ولأن الإخوة للأم لا يقتسمون للذكر مثل حظِّ الأنثيين. ومقصود هذه الآية بيان حكم الإخوة والأخوات للأب والأم أو للأب إذا لم يكن معهنَّ ولدٌ ولا والدٌ، وإنما قلنا ذلك لأن الولد مصرَّحٌ بنفيه في الآية بقوله {لَيسَ لَهُ وَلَدٌ} والأب أيضًا لا بدَّ من نفيه في هذه الآية؛ لأنه لو كان أبٌ مع الإخوة لحجبهم كلَّهم جملة بغير تفصيل. وأمَّا الجدَّ مع الإخوة الأشقاء أو للأب فيقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث فله أن يأخذه، وعلى هذا فالجدّ تصحُّ معه الكلالة لأنه كالأخ معهم، وأما الآية التي في أول السورة فالمراد بالكلالة فيها الإخوة للأم إذا لم يكن معهم ابن ولا أب ولا جدّ؛ لأن هؤلاء كلّهم يحجبون الإخوة للأم. ولقراءة سعد: وله أخ أو أخت لأم، ولأن الإخوة الأشقاء أو للأب لا يرث الواحد منهم السدس ولا الاثنان فصاعدا الثلث، وإنما ذلك فرض الإخوة للأم، فقد ظهر بهذا البحث الدقيق أن القول ما قاله أبو بكر الصدِّيق. وأمَّا قولا الاشتقاق فكلاهما معنى صحيح بالاتفاق؛ لأن من فقد الطرفين فقد تَكلَّله نفي المانعين، أو لأنه لما كلَّ منه الرحم الوالد وثب على متروكه الأباعد.

وقوله تعالى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} القراءة المشهورة {يُورَثُ} بفتح الراء على أنَّه فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، وفيه

ص: 571

[1721]

وعَن مَعدَانَ بنِ أَبِي طَلحَةَ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ خَطَبَ يَومَ جُمُعَةٍ فَذَكَرَ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ أَبَا بَكرٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَا أَدَعُ بَعدِي شَيئًا أَهَمَّ عِندِي مِن الكَلَالَةِ، مَا رَاجَعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَيءٍ مَا رَاجَعتُهُ فِي الكَلَالَةِ، وَمَا أَغلَظَ لِي فِي شَيءٍ مَا أَغلَظَ لِي فِيهِ، حَتَّى طَعَنَ بِإِصبَعِهِ فِي صَدرِي وَقَالَ: يَا عُمَرُ، أَلَا تَكفِيكَ آيَةُ الصَّيفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ! وَإِنِّي إِن أَعِش أَقضِ فِيهَا بِقَضِيَّةٍ يَقضِي بِهَا مَن يَقرَأُ القُرآنَ وَمَن لَا يَقرَأُ القُرآنَ.

رواه أحمد (1/ 28)، ومسلم (1617).

ــ

ضمير مفعول لم يُسم فاعله عائدًا على رجل، و {كَلالَةً} حال من ذلك الضمير، فتكون الكلالة الميِّت. وقرأه الحسن {يُورَثُ} بكسر الراء مبنيًا للفاعل، وتكون {كَلالَةً} مفعولًا بـ {يُورَثُ} وقرئ كذلك مضعف الرَّاء، وعلى هذا فيصحُّ أن تكون الكلالة الوارث ويصحُّ أن تكون المالَ، وأحد مفعولي {يُورَثُ} مسكوت عنه لأنه يجوز الاقتصار على أحدهما، والله تعالى أعلم.

وقوله ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، ولا أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيه، هكذا جاء هذا الضمير مذكَّرًا وقبله الكلالة، وكان حقُّه أن يكون مؤنثًا، لكنه لما كان السؤال عن حكم الكلالة أعاده مذكَّرًا على الحكم المراد.

وقوله حتى طعن بإصبعه في صدري، هذا الطَّعن مبالغة في الحث على النظر والبحث، وألا يرجع إلى السؤال مع التمكُّن من البحث والاستدلال ليحصل على رتبة الاجتهاد ولينال أجر من طلب فأصاب الحكم ووافق المراد.

وقوله صلى الله عليه وسلم ألا تكفيك آية الصيف يعني به آخر سورة النساء، فإنها نزلت في الصَّيف، وإنما أحاله على النظر في هذه الآية لأنه إذا أمعن النظر فيها

ص: 572

[1722]

وعَن البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ قَالَ: آخِرُ آيَةٍ أُنزِلَت آيَةُ الكَلَالَةِ، وَآخِرُ سُورَةٍ أُنزِلَت بَرَاءَةُ.

وفي رواية: أُنزِلَت كَامِلَةً، وآخِرَ سُورَةٍ أُنزِلَت تَامَّةً.

رواه البخاري (4654)، ومسلم (1618)، والترمذي (3044 و 3045).

* * *

ــ

علم أنها مخالفة للآية الأولى في الورثة وفي القسمة، فيتبين من كل آية معناها ويُرتِّب عليها حكمها فيزول الإشكال، والله يعصم من الخطأ والضلال. وقد تقدَّم القول في قول عمر: وإن أعش أقضِ فيها بقضيَّة.

وقول البراء آخرُ آيةٍ أُنزلت آية الكلالة. . . إلى آخره، اختلف في آخر آية أنزلت؛ فقيل ما قال البراء، وقال ابن عباس:{اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم} وقيل: قُل لَا أَجِدُ. . .، والتلفيق أن يقال: إن آية الكلالة آخر ما نزل من آيات المواريث، وآخر آية أنزلت في حصر المحرمات:{قُل لا أَجِدُ} والظاهر أن آخر الآيات نزولًا: {اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم} ؛ لأن الكمال لما حصل لم يبق بعده ما يزاد، والله أعلم.

وأما قوله آخر سورة نزلت براءة فقد فسَّر مراده بقوله في الرواية الأخرى أنزلت كاملة، ومع ذلك فقد قيل: إن آخر سورة نزلت {إِذَا جَاءَ نَصرُ اللَّهِ وَالفَتحُ} وكانت تسمى سورة التوديع.

وقد اختلف في وقت نزولها على أقوال، أشبهها قول ابن عمر: إنها نزلت في حجة الوداع، ثم نزلت بعدها:{اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم} فعاش بعدها ثمانين يومًا، ثم نزلت بعدها آية الكلالة فعاش بعدها خمسين يومًا، ثم نزل بعدها {لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم} فعاش بعدها خمسة وثلاثين يومًا، ثم نزلت بعدها {وَاتَّقُوا يَومًا

ص: 573