المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر

(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

[1750]

عَن زَهدَمٍ الجَرمِيِّ، قَالَ: كُنَّا عِندَ أَبِي مُوسَى فَدَعَا بِمَائِدَتِهِ وَعَلَيهَا لَحمُ دَجَاجٍ، فَدَخَلَ رَجُلٌ مِن بَنِي تَيمِ اللَّهِ أَحمَرُ شَبِيهٌ بِالمَوَالِي فَقَالَ لَهُ: هَلُمَّ، فَتَلَكَّأَ، فَقَالَ: هَلُمَّ فَإِنِّي قَد رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأكُلُ مِنهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي رَأَيتُهُ يَأكُلُ شَيئًا فَقَذِرتُهُ، فَحَلَفتُ ألَا أَطعَمَهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ

ــ

فإنه لا يتمشى على أصل الحنفية المتقدم الذكر، فإنهم قالوا: لا تجب الكفارة إلا بالحنث في قوله: هو يهودي، أو نصراني، إلى غير ذلك مما ذكروه. وهذا حكم معلَّق على نطق بقول ليس فيه يمين، ولا التزام، وإنما هو استدعاء للمقامرة. فأين الأرض من السماء؟ والعرش من الثَّرى؟

(6)

ومن باب: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر

(قوله: إن أبا موسى دعا بمائدته وعليها لحم دجاج) يدل على أن أكل الطيِّبات على الموائد جائز معمولٌ به عندهم. وأن ذلك لا يناقض الزهد، ولا يُنقصه خلافًا لبعض متقشِّفة المتزهدة.

وقول الرَّجل: (رأيته يأكل شيئًا فقذرته) يعني به: أنه رأى الدَّجاج يأكل نجاسة فاستقذره، فحلف ألا يأكله لذلك. وظاهر قول هذا الرجل؛ أنه كان يكره أكل ما يأكل النجاسات من الحيوانات. وقد اختلف في ذلك. فكرهه قوم، فكان ابن عمر لا يأكل الدَّجاجة حتَّى يقصرها أيامًا. ومثل ذلك روي عن ابن القاسم في الجدي الذي ارتضع على خنزيرة: إنَّه لا يذبح حتَّى يذهب ما في بطنه. وكره الكوفيون أكل لحوم الجلَاّلة، والشافعي: إن كان أكلُها أو غالبُه النجاسة، فإن كان غالبه الطَّهارة لم يكرهه. وأجاز مالك أكل لحوم الإبل الجلَاّلة، وأكل ما يأكل الجيف من الطَّير وغيره لبعد الاستحالة.

ص: 627

أُحَدِّثكَ عَن ذَلِكَ: إِنِّي أَتَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهطٍ مِن الأَشعَرِيِّينَ نَستَحمِلُهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَحمِلُكُم، وَمَا عِندِي مَا أَحمِلُكُم عَلَيهِ. فَلَبِثنَا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَهبِ إِبِلٍ، فَدَعَا بِنَا، فَأَمَرَ لَنَا بِخَمسِ ذَودٍ غُرِّ الذُّرَى، قَالَ: فَلَمَّا انطَلَقنَا قَالَ بَعضُنَا لِبَعضٍ: أَغفَلنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمِينَهُ،

ــ

قلت: وهذا محمول على ما إذا ذهب ما في بطونها من ذلك، كما حكيناه عن ابن القاسم، لأن مالكا قد قال في روث ما يأكل النجاسة وبوله: أنَّه نجس، بخلاف أصله في أن الأبوال تابعة للُّحوم.

وكره ابن حبيب من أصحابنا أكل ما يأكل النجاسات مطلقا.

قلت: وقد روى أبو داود من حديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الجلَاّلة وألبانها (1). وهو حجة لابن حبيب؛ لولا أنَّه من رواية محمد بن إسحاق.

و(قوله: فتَلَكَّأ) أي: تثاقل، وتأخر. و (نستحمله) أي: نسأله أن يحملنا؛ أي: يعطينا ما نتحمَّل عليه وبه، و (ن هبُ إبل) أي: غنيمتها. والنهب: الغنيمة. وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا أوتر من أول الليل قال: أحرزت نهبي؛ أي: غنيمتي. وقد تقدَّم الكلام في الذَّود في كتاب الزكاة.

و(قوله: غُرِّ الذُّرى) غرُّ: جمع أغرُّ. وأصله: الذي في جبهته بياض من الخيل. و (الذُّرى): جمع ذروة، وهي: من كل شيء أعلاه. والمراد بـ (غُرّ الذُّرى): أن تلك الإبل كانت بيض الأسنمة. وقد روي: (بُقعُ الذُّرى) أي: فيها لمعٌ بيضٌ وسودٌ. ومنه قيل: الغراب الأبقع، والشَّاة البقعاء: إذا كانا كذلك.

و(قوله: أغفَلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه) أي: وجدناه غافلًا عنها. كما تقول العرب: أحمدت الرَّجل: وجدته محمودًا. وأذممته: وجدته مذمومًا. فكأنه قال:

(1) رواه أبو داود (3785).

ص: 628

لَا يُبَارَكُ لَنَا، فَرَجَعنَا إِلَيهِ فَقُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا أَتَينَاكَ نَستَحمِلُكَ، وَإِنَّكَ حَلَفتَ أَلَا تَحمِلَنَا، ثُمَّ حَمَلتَنَا، فَنَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ إِن شَاءَ اللَّهُ لَا أَحلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيرَهَا خَيرًا مِنهَا إِلَّا أَتَيتُ الَّذِي هُوَ خَيرٌ وَتَحَلَّلتُهَا، فَانطَلِقُوا فَإِنَّمَا حَمَلَكُم اللَّهُ عز وجل.

ــ

وجدناه غافلًا عنها، فاغتنمنا غفلته، فأخذنا منه في حال غفلته.

و(قوله: لا يبارك لنا) أي: فيما أعطانا إن سكتنا عن ذلك ولم نعرّفه. وفيه من الفقه ما يدل على جواز اليمين عند التبرُّم، وجواز ردّ السَّائل المثقل عند تعذر الإسعاف، وتأديبه بنوع من الإغلاظ بالقول. وذلك: أنَّهم سألوه في حال تحقق فيها: أنَّه لم يكن عنده شيء فأدَّبهم بذلك القول، ثم: إنَّه صلى الله عليه وسلم بقي مترقِّبًا لما يُسعِفُ به طِلبتَهُم، ويجبرُ به انكسارهم، فلمَّا يسَّر الله تعالى ذلك عليه أعطاهم، وجبرهم على مقتضى كرم خلقه.

و(قوله: إني والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحلَّلتها)، وفي الرواية الأخرى:(إلا كفَّرتُ عن يميني، وأتيت الذي هو خير) اختلاف هاتين الروايتين أوجب اختلاف العلماء في الكفارة قبل الحنث هل تجزئ أم لا؟ على ثلاثة أقوال: جوازها مطلقا. وهو مذهب أربعة عشر من الصحابة، وجمهور الفقهاء. وهو مشهور مذهب مالك. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تجزئ بوجه. وهي رواية أشهب عن مالك. وقال الشافعي: تجزئ بالإطعام، والعتق، والكسوة. ولا تجزئ بالصَّوم. وقد ذكر أصحابنا للخلاف في هذه المسألة سببًا آخر. وهو اختلافهم في اليمين. هل هو جزء السبب، والحنث الجزء الآخر؟ أم ليس كذلك؟ بل وجود اليمين هو السبب فقط، والحنث شرط وجوب الكفارة. وبسط هذا في مسائل الخلاف.

وذكر (1) مسلم في بعض طرق حديث أبي موسى الأشعري المردفة. حدثنا شيبان بن فرُّوخ، حدثنا الصَّعِقُ

(1) انظر صحيح مسلم (3/ 1271).

ص: 629

وفي رواية: إِلَّا كَفَّرتُ يَمِينِي، وَأَتَيتُ الَّذِي هُوَ خَيرٌ.

رواه البخاري (7555)، ومسلم (1649)(9 و 7)، وأبو داود (3276)، والنسائي (7/ 9).

ــ

ابن حَزن - بكسر العين - من الصعق، حدثنا مطر الوَّراق، حدثنا زَهدَم الجَرمِي. وهذا سندٌ فيه نظر. وذلك أن الدارقطني استدركه على مسلم؛ فقال: ابن الصَّعِق، ومطر ليسا بالقويين، ولم يسمع مطر من زُهدم.

قلت: وهذا لا عتب على مسلم فيه، ولا نقص يلحق كتابه بسبب ذلك؛ لأنَّه قد أخرج الحديث من طرق كثيرة صحيحة، ثم أردف هذا السَّند بعد تلك الطرق الصحيحة المتصلة، ولذلك قال فيه: عن زهدم قال: دخلت على أبي موسى، وهو يأكل لحم دجاج، وساق الحديث بنحو حديثهم، وزاد فيه: قال: إني والله ما نسيت. فذكره مردفًا لأجل هذه اللفظة الزائدة، ثم هذا على ما شرطه في أول كتابه؛ حيث قَسَم الأسانيد إلى ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات. فهذا السَّند من الطبقة الأخيرة؛ التي هي دون من قبلها، وفيها مغمزٌ بوجه ما. وهذا يدل على أنه أدخل الثلاث الطبقات في كتابه خلافًا لمن زعم: أنه لم يدخل فيه من الطبقة الثالثة أحدًا. وذكر مسلم بعد هذا السند: ضُرَيب بن نُقَير عن زهدم.

قال القاضي عياض: ضُرَيب بن نُقَير: مصغران، ونُفَير (1) هذا بالقاف أشهر. وهي رواية الصَّدفي، والأسدي، والتميمي من أشياخنا. وكذا قيَّدناه عنهم. وكان الخشني قيَّده بالفاء. وقال الحافظ أبو علي: يقال بهما، والقاف أشهر. وأمَّا جبير بن نُفَير: فلم يختلف أنه بالفاء.

وقول أبي موسى: (وافقته وهو غضبان)(2) وحلفه في تلك الحال يدلُّ

(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).

(2)

إشارة إلى إحدى روايات الحديث في مسلم برقم (1649)(8) والتي لم تُذكر في التلخيص.

ص: 630

[1751]

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: أَعتَمَ رَجُلٌ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهلِهِ فَوَجَدَ الصِّبيَةَ قَد نَامُوا، فَأَتَاهُ أَهلُهُ بِطَعَامِهِ فَحَلَفَ لَا يَأكُلُ مِن أَجلِ صِبيَتِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيرَهَا خَيرًا مِنهَا، فَليَأتِهَا وَليُكَفِّر عَن يَمِينِهِ.

وفي أخرى: فَليُكَفِّر عن يَمِينَهُ وَليَفعَل الَّذِي هُوَ خَيرٌ.

رواه مسلم (1650)(11 و 14)، والترمذي (1530).

ــ

لمالك: على صحة قوله بلزوم حكم اليمين الواقعة في حال الغضب. وهو له حجة على الشافعي حيث قال: إنَّها لا تلزم، كما تقدَّم. ويدلُّ أيضًا على قول مالك حديث عدي بن حاتم المذكور.

و(قوله: أَعتَم رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم أي: تأخر عنده إلى عتمة الليل. وهي شدَّة ظلمته. ولعله يريد بذلك: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخرها منتظرًا للناس، فإنَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا رآهم قد اجتمعوا عجَّل، وإذا رآهم قد أبطئوا أخر؛ يعني: في العشاء الآخرة.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفِّر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير) هذا أمرٌ من النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم الكفَّارة على الحنث. وهو نصٌّ في الردِّ على أبي حنيفة، فإن أقل مراتب هذا الأمر أن يكون من باب الإرشاد إلى المصلحة. وأقل مراتب المصلحة أن تكون مباحة. فالكفارة قبل الحنث جائزة مجزية. وقد تضافر على هذا المعنى فعل النبي صلى الله عليه وسلم المتقدِّم في حديث أبي موسى، وأمره هذا، وكذلك حديث عدي الآتي بعد هذا.

و(قوله: فليفعل الذي هو خير) أي: الذي هو أكثر خيرًا؛ أي: الذي هو أصلح؛ يعني: من الاستمرار على موجب اليمين، أو ما يخالف ذلك مما يحنث

ص: 631

[1752]

وعَن تَمِيمِ بنِ طَرَفَةَ قَالَ: جَاءَ سَائِلٌ إِلَى عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ فَسَأَلَهُ نَفَقَةً فِي ثَمَنِ خَادِمٍ أَو فِي بَعضِ ثَمَنِ خَادِمٍ، فَقَالَ: لَيسَ عِندِي مَا أُعطِيكَ، إِلَّا دِرعِي وَمِغفَرِي، قَالَ: فَأَكتُبُ إِلَى أَهلِي أَن يُعطُوكَهَا. قَالَ: فَلَم يَرضَ، فَغَضِبَ عَدِيٌّ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أُعطِيكَ شَيئًا. ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ رَضِيَ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَولَا أَنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ رَأَى أَتقَى لِلَّهِ مِنهَا، فَليَأتِ التَّقوَى مَا حَنَّثتُ يَمِينِي.

رواه مسلم (1651)(15).

ــ

به. والأصلح تارة يكون من جهة الثواب وكثرته.

وهو الذي أشار إليه في حديث عدي، حيث قال:(فليأت التقوى). وقد يكون من حيث المصلحة الراجحة الدنيويَّة التي تطرأ عليه بسبب تركها حرجٌ ومشقَّةٌ. وهي التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لأن يلج أحدكم بيمينه آثم له عند الله من أن يكفر)(1) يعني بذلك: أن استمراره على مقتضى يمينه إذا أفضى به إلى الحرج - وهو المشقة - قد يفضي به إلى أن يأثم، فالأولى به أن يفعل ما شرع الله له من تحنيثه نفسه وفعل الكفارة (2).

وغضب عدي في الحديث الأول ويمينه سببهما: أن الرَّجل السائل لم يرض بالدِّرع والمغفر مع أنه لم يكن عنده غيرهما. ويمينه في الحديث الثاني وما يفهم من غضبه فيه سببه فيما يظهر من مساق الحديث: أن عديًّا استقل ما سُئِل منه. ألا ترى قوله: تسألني مائة درهم، وأنا ابن حاتم؟ ! فكأنه قال: تسألني هذا الشيء اليسير وأنا من عرفت؛ أي: نحن معروفون ببذل الكثير. فهذا سبب غير السبب

(1) الحديث في صحيح مسلم (1655)(26).

(2)

في حاشية (م): الحرج الذي يلحقه في المضيِّ على اليمين أشدُّ من الحرج الذي يلحقه في إخراج الكفارة. هذا معناه.

ص: 632