الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها
[1662]
عَن عَبدِ اللَّهِ بن عمر قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُ بِقَتلِ الكِلَابِ، فَنَنبَعِثُ فِي المَدِينَةِ وَأَطرَافِهَا، فَلَا نَدَعُ كَلبًا إِلَّا قَتَلنَاهُ، حَتَّى إِنَّا لَنَقتُلُ كَلبَ المُرَيَّةِ مِن أَهلِ البَادِيَةِ يَتبَعُهَا.
رواه أحمد (2/ 113)، والبخاري (3223)، ومسلم (1570)(45)، والترمذي (1488)، والنسائي (7/ 184 و 185)، وابن ماجه (3202).
ــ
(22)
ومن باب: ما جاء في قتل الكلاب
حديث ابن عمر روي مطلقا من غير استثناء، كما قال في رواية مالك عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب. وروي مقيَّدًا بالاستثناء المتَّصل، كرواية عمرو بن دينار، عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد، أو كلب غنم، أو ماشية. فيجب على هذا ردّ مطلق إحدى الروايتين على مقيَّدهما، فإن القضية واحدة، والرَّاوي لهما واحد. وما كان كذلك وجب فيه ذلك بالإجماع، كما بيَّنَّاه في أصول الفقه. وهذا واضح في حديث ابن عمر.
وعليه: فكلب الصيد، والماشية، لم يتناولهما قط عموم الأمر بقتل الكلاب، لاقتران استثنائهما من ذلك العموم.
وإلى الأخذ بهذا الحديث ذهب مالك، وأصحابه، وكثير من العلماء. فقالوا: بقتل الكلاب إلا ما استثني منها، ولم يروا الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخًا، بل محكمًا. وأما حديث عبد الله بن مغفل: فمقتضاه غير هذا. وذلك: أنَّه قال فيه: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال:(ما بالهم وبال الكلاب). ثم رخص في كلب الصيد، وكلب الغنم، والزرع. ومقتضى هذا: أنَّه أمرهم بقتل
[1663]
وعنه قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتلِ الكِلَابِ، وَأَرسَلَ فِي أَقطَارِ المَدِينَةِ أَن تُقتَلَ.
ــ
جميع الكلاب من غير استثناء شيء منها، فبادروا، وقتلوا كل ما وجدوا منها، ثم بعد ذلك رخص فيما ذكر. فيكون هذا الترخيص من باب النسخ؛ لأن العموم قد استقرَّ، وبردَ، وعمل عليه، فرفع الحكم عن شيء مما تناوله نسخ لا تخصيص. وقد ذهب إلى هذا في هذا الحديث بعض العلماء.
ونحو من حديث عبد الله بن المغفل حديث جابر بن عبد الله، قال: قد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تقدم من البادية بكلبها، فنقتله، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلها فقال:(عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين؛ فإنه شيطان). فمقتضاه: أن الأمر كان بقتل الكلاب عامًّا لجميعها، وأنه نسخ عن جميعها إلا الأسود. وقد ذهب إلى هذا بعض العلماء.
ولَمَّا اضطربت هذه الأحاديث المروية وجب عرضها على القواعد الأصولية، فنقول: إن حديث ابن عمر ليس فيه أكثر من تخصيص عموم باستثناء مقترن به، وهو أكثر في تصرفات الشرع من نسخ العموم بكليته. وأيضًا: فإن هذه الكلاب المستثنيات الحاجة إليها شديدة، والمنفعة بها عامَّة وكيدة، فكيف يأمر بقتلها؛ هذا بعيد من مقاصد الشرع، فحديث ابن عمر أولى، والله تعالى أعلم.
قلت: والحاصل من هذه الأحاديث: أن قتل الكلاب غير المستثنيات مأمور به إذا أضرَّت بالمسلمين، فإن كثر ضررها وغلب، كان ذلك الأمر على الوجوب، وإن قل وندر، فأي كلب أضرَّ وجب قتله، وما عداه جائز قتله؛ لأنه سبع لا منفعة فيه، وأقل درجاته توقع الترويع، وأنه يُنقص من أجر مقتنيه كل يوم قيراطين (1). فأمَّا المرَوِّع منهن غير المؤذي: فقتله مندوب إليه. وأما الكلب
(1) في (ل 1): يَنقصُ من أجر مقنيه كل يوم قيراطان.
وفي رواية: إِلَّا كَلبَ صَيدٍ، أَو كَلبَ غَنَمٍ، أَو مَاشِيَةٍ. فَقِيلَ لِابنِ عُمَرَ: إِنَّ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ: أَو كَلبَ زَرعٍ؟ فَقَالَ ابنُ عُمَرَ: إِنَّ لِأَبِي هُرَيرَةَ زَرعًا.
رواه مسلم (1570)(44) و (1571).
[1664]
وعن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتلِ الكِلَابِ، حَتَّى إِنَّ المَرأَةَ تَقدَمُ مِن البَادِيَةِ بِكَلبِهَا فَنَقتُلُهُ، ثُمَّ نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَن قَتلِهَا فَقَالَ: عَلَيكُم بِالأَسوَدِ البَهِيمِ ذِي النُّقطَتَينِ، فَإِنَّهُ شَيطَانٌ.
رواه أحمد (3/ 333)، ومسلم (1572)، وأبو داود (2846).
ــ
الأسود ذو النقطتين: فلا بُدَّ من قتله للحديث المتقدِّم، وقل ما ينتفع بمثل تلك الصفة؛ لأنه إن كان شيطانًا على الحقيقة فهو ضرر محض، لا نفع فيه، وإن كان على التشبيه به، فإنما شبه به للمفسدة الحاصلة منه. فكيف يكون فيه منفعة؟ ! ولو قدرنا فيه: أنه ضار، أو للماشية، لقتل؛ لنصّ النبي صلى الله عليه وسلم على قتله.
و(قول ابن عمر: كان لأبي هريرة زرع) لا يفهم منه أحد من العقلاء تهمة في حق أبي هريرة. وإنما أراد ابن عمر: أن أبا هريرة لما كان صاحب زرع وكان محتاجًا لما يحفظ به زرعه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأجابه بالاستثناء، فحصل له علم لم يكن عند ابن عمر، ولا عند غيره ممن لم يكن له اعتناء بذلك ولا هم (1).
وكلب الماشية المباح اتخاذه عند مالك هو: الذي يسرحُ معها، لا الذي يحفظها في الدَّار من السُّرَّاق.
(1) في (ج 2): تهمم.
[1665]
وعَن ابنِ المُغَفَّلِ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتلِ الكِلَابِ، ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُهُم وَبَالُ الكِلَابِ. ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلبِ الصَّيدِ، وَكَلبِ الغَنَمِ.
وفي رواية: وَأرَخَّصَ فِي كَلبِ الغَنَمِ وَالصَّيدِ وَالزَّرعِ.
رواه أحمد (4/ 85) و (5/ 56)، ومسلم (1573)(48 و 49)، وأبو داود (2845)، والترمذي (1486)، والنسائي (7/ 185)، وابن ماجه (3205).
[1666]
وعَن ابنِ عُمَرَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن اقتَنَى كَلبًا إِلَّا كَلبَ صيد أَو مَاشِيَةٍ، نَقَصَ مِن أجرهِ كُلَّ يَومٍ قِيرَاطَانِ.
رواه أحمد (2/ 4)، والبخاري (5482)، ومسلم (1574)، (51)، والترمذي (1487)، والنسائي (7/ 188).
ــ
وكلب الزرع هو: الذي يحفظه من الوحوش بالليل والنهار، لا من السُّراق. وقد أجاز غير مالك اتخاذها لسُّرَّاق الماشية والزرع.
والكلب الضاري هو: المعلَّم للصيد؛ الذي قد ضري به.
و(قوله: من اقتنى كلبًا ليس كلب صيد ولا ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان) وفي أخرى: (من عمله كل يوم قيراط). اقتنى، واتَّخذ، واكتسب: كلها بمعنى واحد.
واختلف في معنى قوله: (نقص من عمله كل يوم قيراطان) وأقرب ما قيل في ذلك قولان:
أحدهما: أن جميع ما عمله من عمل ينقص؛ لمن اتخذ ما نُهي عنه من الكلاب بإزاء كل يوم يُمسكه فيه جزآن من أجزاء ذلك العمل. وقيل: من عمل
[1667]
وعن أبي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن اتَّخَذَ كَلبًا لَيسَ بِكَلبِ صَيدٍ وَلَا غَنَمٍ، نَقَصَ مِن عَمَلِهِ كُلَّ يَومٍ قِيرَاطٌ.
رواه أحمد (2/ 425)، والبخاري (2321)، ومسلم (1575)(60)، وأبو داود (2844)، والترمذيُّ (1490)، والنسائي (7/ 189).
* * *
ــ
ذلك اليوم الذي يمسكه فيه، وذلك لترويع الكلب للمسلمين، وتشويشه عليهم بنباحه، ومنع الملائكة من دخول البيت. ولنجاسته على ما يراه الشافعي.
الثاني: أن يَحبِط من عمله كله عملان، أو من عمل يوم إمساكه -على ما تقدم - عقوبة له على ما اقتحم من النهي، والله تعالى أعلم.
والقيراط: مثل لمقدار الله أعلم به، وإن كان قد جرى العرف في بلاد يعرف فيها القيراط، فإنه جزء من أربعة وعشرين جزءًا. ولم يكن هذا اللفظ غالبًا عند العرب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(تفتح عليكم أرض يذكر فيها القيراط، فإذا فتحتموها فاستوصوا بأهلها خيرًا)(1) يعني بذلك مصر، والله أعلم. وجاء في إحدى الروايتين:(قيراطان). وفي أخرى: (قيراط). وذلك يحتمل أن يكون في نوعين من الكلاب. أحدهما أشدُّ أذى من الآخر، كالأسود المتقدم الذكر. ويحتمل أن يكون ذلك باختلاف المواضع، فيكون ممسكه بالمدينة مثلًا، أو بمكة ينقصه قيراطان، وبغيرهما قيراط، والله تعالى أعلم.
* * *
(1) رواه مسلم (2543)(226 و 227).