الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها
[1471]
عن أَبي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُنكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُستَأمَرَ، وَلَا تُنكَحُ البِكرُ حَتَّى تُستَأذَنَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيفَ إِذنُهَا؟ قَالَ: أَن تَسكُتَ.
رواه البخاريُّ (5136)، ومسلم (1419)، وأبو داود (2092)، والترمذيُّ (1107)، والنسائي (6/ 85).
[1472]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفسِهَا مِن وَلِيِّهَا، وَالبِكرُ تُستَأمَرُ، وَإِذنُهَا سُكُوتُهَا.
ــ
(7)
ومن باب: استئمار الثيب
(قوله: الأيِّمُ أحقُّ بنفسها من وليِّها) اتفق أهل اللغة على أن الأيِّم في الأصل (1): هي المرأة التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا. ومنه قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم} . تقول العرب: تَأَيَّمَت المرأة: إذا أقامت لا تتزوّج. ويقال: أيِّمٌ بَيِّنَةُ الأيمَةِ، وقد آمَت هي، وإمتُ أنا. قال الشاعر:
لقد إمتُ حتى لامنِي كُلُّ صاحب
…
رجاء بسَلمَى أن تَئِيمَ كما إِمتُ
قال أبو عبيد: يقال: رجل أَيِّمٌ، وامرأة أَيِّم. وأكثر ما يكون في النساء، وهو كالمستعار في الرِّجال.
قلت: والأيّم في هذا الحديث هي: الثَّيِّب؛ بدليل الرواية المفسِّرة التي جعل
(1) ساقط من (ع).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فيها الثَّيب مكان الأيِّم، وبدليل: أنها قوبل بها البكر، وفُصِلَ بينهما، فأُعطيت كلُّ واحدة منهما حكمهما. وهذا واضح جدًّا.
وعليه: فلا مبالاة بما يقوله الكوفيون وزفر والشعبي (1) في هذا الحديث؛ من أنَّ المراد بالأيَّم: التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا. مستدلين به على أن الولي ليس بشرط في النكاح، بل للمرأة أن تُنكِح نفسها بغير ولي، بكرًا كانت أو ثيبا إذا بلغت. وحملوا قوله صلى الله عليه وسلم:(أحق) على العقد؛ أي: أحقُّ من وليها بالعقد عليها.
وهذا لا يصح؛ لما ذكرناه؛ ولأن مقصود الحديث بيانُ حكم الثَّيب والأبكار بالنسبة إلى سماع الإذن. فالثيب تُعرِبُ عن نفسها؛ أي: تنطق بنفسها مرادها، ولا يُكتفَى منها بالسكوت. والبكر يُكتفَى منها بالسكوت. فقوله:(أحق بنفسها) أي: تنطق بنفسها، ولا ينطق الوليُّ عنها.
ثم نقول: بل هذا الحديث حجة للجمهور في اشتراط الوليِّ؛ بدليل صحة ما وقعت فيه المفاضلة. وبيان ذلك: أنَّ (أَفعَلَ مِن كذا) لا بدَّ فيها من اشتراك في شيء مما وقع فيه التفاضل؛ فإنك إذا قلت: فلان أعلم من فلان. اقتضى ذلك اشتراكهما في أصل العلم، وانفرد أحدهما بمزية (2) فيه؛ وكذلك قوله:(أحق) لا بدَّ فيه أنّ يشاركها الوليُّ في حَقِّيَّةٍ ما، فإذًا: له مدخل. ثم وجدنا في الشريعة مواضع كثيرة تدلّ على أن ذلك المدخل هو شرط في صحة النكاح.
فمنها قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم} ووجه الاستدلال بها: أنه خطابٌ للأولياء والسَّادة بالعقد على من يكون عليهم، وقد سَوَّى بينهما بالخطاب. فكما أنه لا ينعقد النكاح على أَمَةِ الغير إلا بولاية سيدها، فكذلك لا ينعقد نكاح الحرَّة إلا بإذن وليّها؛ ضرورة التسوية بين النوعين في حكم الخطاب. وهو واضح جدًّا.
(1) في (م): الشافعي.
(2)
في (ع) و (ج): بمزيد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومنه قوله تعالى: {فَلا تَعضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحنَ أَزوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوا بَينَهُم بِالمَعرُوفِ} والاستدلال بها من وجهين:
أحدهما: نهيه عن العَضل. فلولا أن له مدخلًا في الولاية لَمَا صح له العَضل.
وثانيهما: تعليقُ النَّهي عّن العَضل على تراضي الأزواج بالمعروف. فإن لم يتراضوا به فللولي العضل.
وسيأتي الكلام على هذه الآية عند ذكر حديث معقل بن يسار رضي الله عنه وفيه: لما أنزل الله الآية قال معقل: الآن أفعل. فزوَّجها إيَّاه، مع أنها كانت مدخولًا بها (1).
ومنها: الحديث الذي ذكره الدارقطني، وصحّحه من حديث أبي هريرة مرفوعًا:(لا تزوِّج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها)(2). قال: هذا صحيح.
ومنها: ما خرَّجه أبو داود من حديث أبي موسى مرفوعًا، قال:(لا نكاح إلا بوليّ)(3).
وفيه: عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل - ثلاث مرَّات -، فإن دخل بها فالمهرُ لها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)(4).
وهذه الأحاديث مشهورة صحيحة عند تحقيق النظر فيها. ولا يلتفت إلى
(1) رواه البخاري (4529)، وأبو داود (2087)، والترمذي (2985).
(2)
رواه الدارقطني (3/ 227).
(3)
رواه أبو داود (2085).
(4)
رواه أبو داود (2083).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شيء مما ذكر فيها، كما ذكر من أن حديث عائشة تفرّد به سليمان بن موسى؛ فإنه إمام ثقة، وهو الأشدق، ولم يكن في أصحاب مكحول أحفظ منه. قال البزار: هو أحفظ من مكحول. وقال: هو أَجَلُّ من ابن جريج. وكما قيل عن ابن جريج: أنه سأل ابن شهاب عن هذا الحديث فأنكره. وهذا لا يلتفت إليه؛ لأن هذه الحكاية أُنكرت على ابن عليَّة، وهو الذي أوردها، ولو صحّت، فلم ينكر ابن شهاب الحديث إنكار قطع بتكذيبه، بل إنكار ناسٍ، والراوي عنه ثقة جازم في الرواية، فينبغي للزهري أن يقول: حدثني فلان عني بكذا، كما قد حكي عنه: أنه قال في مثل هذا: حدثني مالك عني. وكل هذا نسيان، وليس بدعًا في الإنسان. وبسط الكلام فيه في كتب الخلاف.
وكل ما ذكر أيضًا حجة على من قال: إن صحة عقد النكاح موقوفة على إجازة القاضي، وبه قال الأوزاعي، ومحمد بن الحسن، وأبو يوسف. وأنَصُّ ما في الردّ على هؤلاء حديث معقل.
و(قوله: والبكر تستأمر) هكذا وقع في حديث ابن عباس، وفي حديث أبي هريرة:(الأيِّم تستأمر، والبكر تستأذن) وهو أتقن مساقًا من حديث ابن عباس (1)؛ لأن (تستأمر) معناه: يُستدعى أمرها. وهذا يظهر منه أن يصدر منها بالقول ما يُسَمَّى: أمرًا. وهذا ممكن من الثيّب؛ لأنها لا يلحقها من الخجل والانقباض ما يلحق البكر. فلا يكتفى منها إلا بنطق يدلّ على مرادها صريحًا. وأمّا (تستأذن) فإنه يقتضي أن يظهر منها ما يدلّ على رضاها وإذنها بأي وجه كان، من سكوت، أو غيره، ولا تُكلَّف النُّطق؛ ولذلك لما قال في حديث ابن عباس:(لا تنكح البكر حتى تستأذن) أشكل عليهم كيفية إذنها، فسألوا فأجيبوا: بأنَّ إذنها
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
وفي رواية: وَالبِكرُ يَستَأذِنُهَا أَبُوهَا.
رواه مسلم (1421)، وأبو داود (2098)، والترمذي (1108)، والنسائي (6/ 84).
ــ
أن تسكت. وهذا منه صلى الله عليه وسلم مراعاة لتمام صيانتها، ولإبقاء حالة الاستحياء، والانقباض عليها، بأن ينظر لها في ذلك المحل ما هو أصون لها، وأليق بها، فإنها لو تكلمت تصريحًا لظن أن ذلك رغبة منها في الرجال. وهذا غير لائق بالبكر، بل هو مُنقِصٌ لها، ومُزَهِّدٌ فيها، بخلاف الثَّيب.
وقد استحب علماؤنا أن تُعَرَّف البكر أن سكوتها محمول منها على الإذن، ليكون ذلك زيادة في تعريفها، وتنبيهًا لها على ما يخاف أن تجهله. وقد كان بعض من لقيناه من الفقهاء يقول لها بعد عرض الزوج والمهر عليها: إن كنتِ راضية فاصمتي، وإن كنت كارهة فتكلَّمي. وهو تنبيه حسن.
و(قوله في الرواية الأخرى: والبكر يستأذنها أبوها) هذه الزيادة من رواية ابن أبي عمر. قال أبو داود: وليست بمحفوظة. وعلى تقدير صحة هذه الزيادة، فمحملُها على الاستحباب، لا على الإيجاب؛ بدليل الإجماع المنعقد على أن للأب إنكاح ابنته الصغيرة وإجبارها عليه بغير إذنها. وكذلك السيّد في أَمَتِه. وقد أبدى بعض أصحابنا لاستئذان الأب لابنته البكر فائدة، وهي: تطييب قلبها، واستعلام حالها، فقد تكون موصوفةً بما يخفى على الأب مما يمنع النكاح، فإذا استأذنها أعلمته.
وقد روى أبو داود من حديث أبي هريرة من طريق صحيحة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها)(1) وفي رواية: (فإن بكت أو سكتت). قال: وليس ذلك بمحفوظ.
(1) رواه أبو داود (2093)، والترمذي (1109)، والنسائي (6/ 85).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قلت: وتفسير حديث أبي داود مقيدٌ لمطلق البكر الذي جاء في حديث مسلم وغيره، ومبيّن أن استئذان الأب البكر ليس بواجب، وإنما يجب ذلك في اليتيمة باتفاق.
ثم اختلف القائلون باشتراط الولي، هل يكتفى في صحة العقد بوجود ولي، أيِّ وليٍّ كان، من غير مراعاة لولاية خاصة ولا عامة، أو لا بدّ من مراعاة الخاصّة على مراتبها، فإن فقدت رُجع للعامة؟ قولان:
وللأول ذهب أبو ثور، وقال: كل مَن وَقَعَ عليه اسم وليٍّ فله أن ينكح. وقاله بعض علمائنا. وحكاه ابن المنذر عن مالك. والجمهور على القول الثاني؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل) ثم قال بعد ذلك: (فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)(1). فاقتضى: أن ولاية القرابة مقدّمة على ولاية السلطان. وإذا كان كذلك كان أحرى أن تكون مُقدَّمة على ولاية الدين، وهو واضحٌ. ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(لا تنكح المرأة إلا بإذن وليّها، أو ذي الرأي من أهلها، أو السلطان).
ثم اختلف المرتِّبون فيما إذا أنكح الأبعد مع وجود الأقعد (2) في الولاية الخاصة فيمن يستأذن؟ على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يفسخ على كل حال. وبه قال المغيرة.
وثانيها: أن الأقعد مخيَّر في فسخه أو إجازته. وعليه جماعة من أصحابنا. ومأخذ خلافهما: أن الفسخ لحقِّ الله، فلا بدّ منه، أو لحق الولي فله إجازته وفسخه.
(1) سبق تخريجه (ص 116).
(2)
"الأقعد": الأقرب.
[1473]
وعَن عَائِشَةَ قَالَت: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِسِتِّ سِنِينَ،
ــ
وثالثها: أنه ماضٍ، ولا مقال للولي الخاص. وهو قول مالك. وهو بناءٌ على أنَّ مراعاة المراتب من باب الأَولى، والأحسن، والله تعالى أعلم.
وقول عائشة رضي الله عنها: (تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لستِّ سنين). وفي الرواية الأخرى: وهي بنت سبع سنين. ظاهر هاتين الروايتين الاختلاف. فيمكن أن يقال: إن ذلك تقدير لا تحقيق، ويمكن أن يقال: إن ذلك كان في أوائل السنة السابعة. فيكون (1) معنى قولها: (لست سنين) انقضت.
و(قولها: وهي بنت سبع سنين) أي: هي فيها، والله تعالى أعلم.
وهذا الحديث مستند الإجماع على أن الأب يجبر البكر الصغيرة على النكاح. وإذا جاز ذلك في الأنثى التي لا تملك حلَّ العقد عن نفسها، فلأن يجوز في الصغير؛ الذي يملك حلَّ العقد عن نفسه عند بلوغه أحرى وأولى.
وما ذكرناه جارٍ على مذهب مالك والشافعي، وفقهاء أهل الحجاز. وأمَّا أهل العراق فقالوا: لها الخيار إذا بلغت، إلا أبا يوسف، فإنه قال: لا خيار لها.
ثم اختلفوا في غير الأب، من وليٍّ أو وصيٍّ، هل له أن يجبر أم لا؟ فمنع الجمهور ذلك؛ غير أن الشافعي جعل الجدَّ بمنزلة الأب، وغير ما روي عن مالك في الوصي على الإنكاح: أنه يجبر - في أحد قوليه - وهو الذي حكاه الخطَّابي عن مالك (2)، وعن حمَّاد بن أبي سلمة، وقاله شريح، وعروة بن الزبير. والمشهور عن مالك المنع من ذلك. وقال أبو حنيفة وأصحابه، والأوزاعي، وجماعة من السلف بجواز ذلك. وليس بصحيح؛ لما يختصّ به الأب من فرط الشَّفقة، والاجتهاد في ابتغاء المصلحة، فإنه يختصُّ من ذلك بما لا يوجد في غيره غالبًا. ويكفي هذا فارقًا مانعًا من الإلحاق.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع) و (ج) واستدركناه من (ج 2).
وَبَنَى بِي وَأَنَا بِنتُ تِسعِ سِنِينَ. قَالَت: فَقَدِمنَا المَدِينَةَ فَوُعِكتُ شَهرًا، فَوَفَى شَعرِي جُمَيمَةً، فَأَتَتنِي أُمُّ رُومَانَ وَأَنَا عَلَى أُرجُوحَةٍ، وَمَعِي صَوَاحِبِي
ــ
و(قولها: (وبنى بي وأنا بنت تسع سنين) ذهبت طائفة إلى أن بلوغ المرأة إلى تسعٍ يوجب إجبارها على الدخول إذا طلبه الزوج. وبه قال أحمد وأبو عبيد. وقال مالك وأبو حنيفة: حدُّ ذلك أن تطيق الرّجُل، فإن لم تطق؛ لم يُمَكَّن الزوج منها، وإن بلغت التسع. وقال الشافعي: حدُّ ذلك أن تطيق الرّجُل، وتقارب البلوغ.
وحكم إلزام الزوج النفقة حكم الجبر، فمتى أجبرناها على الدخول ألزمناه لها النفقة. قال الدَّاودي: وكانت رضي الله عنها قد شبّت شبابًا حسنًا.
و(قولها: (فقدمنا المدينة فَوُعِكتُ شهرًا) أي: مرضت بالحمَّى، وكان هذا في أوّل قدومهم المدينة في الوقت الذي وعك فيه أبو بكر رضي الله عنه وقبل أن يَدعُوُ النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة بأن يصحِّحها، وينقل حُمَّاها إلى الجُحفَة، فلمّا دعا؛ فعل الله ذلك.
و(قولها: (فوفى شعري جُمَيمَة) أي: بلغ إلى أن صار جُمَّةً صغيرة. وقد تقدم: أنَّ (الجمَّة) إلى شحمة الأذن و (اللمَّة) للمنكب. وفي كلامها حذف، وتقديره: فوُعِكتُ؛ فسقط شعري، ثم بَرِئتُ فوفى جُميمةً.
و(قوله: فأتتني أُمَّ رُومان) أم رُومان - بضم الراء المهملة، ويقال بفتحها، والأول أشهر -، واسمها: زينب بنت عامر الكنانية، وهي زوج أبي بكر الصديق وأم ولديه: عبد الرحمن، وعائشة. أسلمت وهاجرت، وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرها، واستغفر لها (1).
و(الأرجوحة): خشبة يَركَبُ على طرفيها صغيران، فيترجح أحدهما على
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع) و (ج) وأثبتناه من (ج 2).
فَصَرَخَت بِي فَأَتَيتُهَا، وَمَا أَدرِي مَا تُرِيدُ، فَأَخَذَت بِيَدِي فَأَوقَفَتنِي عَلَى البَابِ فَقُلتُ: هَه هَه حَتَّى ذَهَبَ نَفَسِي فَأَدخَلَتنِي بَيتًا، فَإِذَا نِسوَةٌ مِن الأَنصَارِ فَقُلنَ: عَلَى الخَيرِ وَالبَرَكَةِ، وَعَلَى خَيرِ طَائِرٍ، فَأَسلَمَتنِي إِلَيهِنَّ
ــ
الآخر تارة، والآخر أخرى. ويقال: الأرجوحة: حبل يُعَلَّق، فيركبه الصبيان، يلعبون عليه. قاله شيخنا المنذري الشافعي (1).
و(صَرَخَت بِي) أي: صاحت صياحًا مُزعِجًا.
و(قولها: (فقلت: هه، هه) هي حكاية عن صوت المنبَهِر؛ الذي ضاق نَفَسه، وذلك أنَّها كانت تترجح، ثم إنها صِيح بها صياحًا مزعجًا، فأتت مسرعة، فضاق نفسها لذلك، وانبهرت. ولذلك قالت:(حتى ذهب نفسي) وهو بفتح الفاء، وقد أخطأ من سكَّنها.
وقول النساء: (على الخير والبركة) هو نحو مِمَّا روي من حديث معاذ: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار شهد إملاكه، فقال:(على الألفة والخير والطائر الميمون)(2). وقد قال صلى الله عليه وسلم لابن عوف: (بارك الله لك)(3). وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (بارك الله لكم وعليكم)(4).
قلت: وهذه أدعية، والدُّعاء كلُّه حسن، غير أن الدُّعاء بما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم أولى، ولذلك كره بعضهم قول العرب: بالرفاء والبنين.
وقولهن: على خير طائر. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وعلى الطائر الميمون)(5) على
(1) من (ج 2).
(2)
رواه البيهقي (7/ 288)، وانظر: مجمع الزوائد (4/ 290).
(3)
رواه البخاري (5072)، ومسلم (1365)، وأبو داود (2054)، والترمذي (1115)، والنسائي (6/ 114).
(4)
رواه أبو داود (2130)، والترمذي (1091).
(5)
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 290).
فَغَسَلنَ رَأسِي، وَأَصلَحنَنِي فَلَم يَرُعنِي إِلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضُحًى، فَأَسلَمنَنِي إِلَيهِ.
رواه البخاريُّ (3896)، ومسلم (1422)(69)، وأبو داود (4933)، والنسائي (6/ 82)، وابن ماجه (1876).
[1474]
وعَنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنتُ سَبعِ سِنِينَ، وَزُفَّت إِلَيهِ وَهِيَ بِنتُ تِسعِ سِنِينَ وَلُعَبُهَا مَعَهَا، وَمَاتَ عَنهَا وَهِيَ بِنتُ ثَمَانَي عَشرَةَ.
رواه مسلم (1422)(71).
(1423)
[1475] وعَنها قَالَت: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي
ــ
جهة التفاؤل الحسن، والكلام الطيب، وليس هذا من قبيل الطيرة المنهي عنها؛ التي قال فيها صلى الله عليه وسلم:(لا طيرة، وخيرها الفأل)(1). وقد ذكرنا أصل هذه اللفظة وحكمها في كتاب الإيمان.
و(قولها: فلم يَرُعنِي) أي: لم يُفزِعني. والرَّوع: الفَزَع. وهو مستعملٌ في كلِّ أمر يطرأ على الإنسان فجأة من خير أو شرٍّ؛ فيرتاع لفجأته.
و(قوله: ومعها لُعَبُها) أي: البنات التي تلعب بها الجواري. وقد جاء: أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهنّ يَلعَبن بها، فأقرّهنّ على ذلك (2)؛ لتطييب قلوبهن، وليتدربن على تربية أولادهن، وإصلاح شأنهنّ وبيوتهن.
وفي هذا الحديث أبواب من الفقه لا تخفى.
و(قولها: تزوّجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوّال. . .) الحديث؛ هذا إنما قالته
(1) رواه البخاري (5755)، ومسلم (2220).
(2)
رواه مسلم (2440).
فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحظَى عِندَهُ مِنِّي؟ وَكَانَت عَائِشَةُ تَستَحِبُّ أَن تُدخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ.
رواه مسلم (1423)، والترمذيُّ (1093)، والنسائي (6/ 103)، وابن ماجه (1990).
* * *
ــ
عائشة رضي الله عنها لتردَّ به قول مَن كان (1) يُكره عقدُ النكاح في شهر شوّال، ويتشاءم به من جهة: أن شَوَّالًا من الشَّول، وهو الرَّفع. ومنه: شالتِ الناقةُ بِذَنَبِهَا. وقد جعلوه كناية عن الهلاك؛ إذ قالوا: شالت نعامتُهم؛ أي: هلكوا.
فـ (شوَّال) معناه: كثير الشول، فإنَّه للمبالغة، فكأنهم كانوا يتوهّمون أنَّ كلَّ مَن تزوّج في شوَّال منهن شال الشنآن بينها وبين الزوج، أو شالت نفرته، فلم تحصل لها حظوة عنده، ولذلك قالت عائشة رادَّةً لذلك الوهم:(فأي نسائه كان أحظى عنده مني) أي: لم يضرّني ذلك، ولا نقص من حظوتي. ثم إنها تبرّكت بشهر شوَّال، فكانت تحب أن تُدخل نساءها على أزواجهنّ في شوّال؛ للذي حصل لها فيه من الخير برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الحظوة عنده، ولمخالفة ما يقول الجُهَّال من ذلك.
ومن هذا النوع كراهة الجُهَّال عندنا اليوم عقد النكاح في شهر المحرَّم، بل ينبغي أن يُتَيَمَّن بالعقد والدخول فيه، تَمَسُّكًا بما عظَّم الله ورسوله من حرمته، ورَدعًا للجُهَّال عن جهالاتهم.
* * *
(1) في (ج 2): قال.