الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى
[1745]
عَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَفَّارَةُ النَّذرِ، كَفَّارَةُ اليَمِينِ.
رواه مسلم (1645)، وأبو داود (3323)، والترمذي (1528)، والنسائي (7/ 26).
ــ
(4)
ومن باب: كفارة النذر غير المسمى
(قوله: كفارة النَّذر كفارة اليمين) يعني به: النذر الذي لم يسمَّ مخرجه بدليلين:
أحدهما: أن هذا الحديث قد رواه أبو داود من حديث ابن عبَّاس مرفوعًا: (من نذر نذرًا لم يسمه فكفارته كفارة يمين)(1)، فقيَّد في هذا الحديث ما أطلقه في حديث عقبة.
وثانيهما: أنَّه صلى الله عليه وسلم أمر أبا إسرائيل بإتمام الصوم الذي نذره (2)، وقال:(من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)(3). ولا يتميَّزُ آحاد النوعين إلا بالتعيين والتسمية.
والمفهوم من الأمر بالوفاء بالنذر: أن يفعل عين ما التزمه. وأما ما لم يعيّن
(1) رواه أبو داود (3322).
(2)
رواه البخاري (6704)، ومالك في الموطأ (2/ 475)، وأبو داود (3300).
(3)
رواه أحمد (6/ 36)، والبخاري (6696)، وأبو داود (3289)، والترمذي (1526)، والنسائي (7/ 17)، وابن ماجه (2126).
[1746]
وعَن عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَنهَاكُم أَن تَحلِفُوا بِآبَائِكُم. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفتُ بِهَا مُنذُ سَمِعتُ
ــ
لفظًا ولا نية: فالأصل عدم لزومه. وما ذكرناه هو مذهب مالك، وأصحابه، وكثير من أهل العلم. وقد ذهبت طائفة من فقهاء المحدثين وأبو ثور (1): إلى أن كفارة اليمين تجري في جميع أبواب النذر تمسُّكًا بإطلاق الحديث الأول. والحجة عليهم ما ذكرناه.
و(قوله: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالآباء لما فيه من تعظيمهم بصيغ الأيمان؛ لأن العادة جارية بأن الحالف منَّا إنما يحلفُ بأعظم ما يعتقده؛ كما بينَّاه. وإذا كان ذلك: فلا أعظم عند المؤمن من الله تعالى، فينبغي ألا يحلف بغيره، فإذا حلف بغير الله فقد عظم ذلك الغير بمثل ما عظم به الله تعالى، وذلك ممنوع منه. وهذا الذي ذكرناه في الآباء جار في كل محلوف به غير الله تعالى، وإنما جرى ذكر الآباء هنا لأنه هو السبب الذي أثار الحديث حين سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر يحلف بأبيه. وقد شهد لهذا المعنى قوله:(من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله) وهذا حصرٌ، وعلى ما قررناه فظاهر النهي التحريم. ثم هذا النهي وإن كان ظاهره التحريم فيتحقق فيما إذا حدث بملة غير الإسلام، أو بشيء من المعبودات دون الله تعالى، أو ما كانت الجاهلية تحلف به كالدُّمى (2)، والدِّماء، والأنصاب. فهذا لا يُشكُّ في تحريمه. وأما الحلف بالآباء، والأشراف، ورءوس السلاطين، وحياتهم ونعمهم (3)، وما شاكل ذلك فظاهر هذا الحديث يتناولهم بحكم عمومه، ولا ينبغي أن يختلف في تحريمه. وأما ما كان معظمًا في الشرع مثل: والنبي صلى الله عليه وسلم والكعبة، والعرش، والكرسي، وحرمة الصالحين: فأصحابنا يطلقون على الحلف بها الكراهة. وظاهر الحديث وما قدَّمناه من النظر
(1) سقط من (ع).
(2)
في حاشية (ل 1): الدُّمى: جمع دُمْية، وهو الصَّنم. قاله الجوهري.
(3)
ساقطة من (ع).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في المعنى يقتضي التحريم. والله تعالى أعلم.
فإن قيل: كيف يحكم بتحريم الحلف بالآباء والنبي صلى الله عليه وسلم قد حلف بذلك لما قال: (أفلح وأبيه إن صدق)(1)؟ وكيف يًحكَمُ بتحريم الحلف بغير الله وقد أقسم الله تعالى بغيره فقال: {وَالضُّحَى} ، {وَالشَّمسِ} ، {وَالعَادِيَاتِ} ، {وَالنَّازِعَاتِ} وغير ذلك مما في كتاب الله تعالى من ذلك (2)؟
فالجواب: أما عن قوله صلى الله عليه وسلم: (أفلح وأبيه): فقد تقدَّم في الإيمان. وحاصله: أن ذلك يُحتَمَل أن يكون صدر منه قبل أن يوحى إليه بهذا النهي. ويحتمل أن يكون جرى هذا على لسانه من غير قصد للحلف به، كما يجري في لغو اليمين؛ الذي هو: لا والله، وبلى والله.
وأما عن قسم الله تعالى بتلك الأمور فمن وجهين:
أحدهما: أن المقسم به محذوف. تقديره: ورب الضحى. ورب الشمس، ونحو ذلك. قاله أكثر أئمة المعاني.
وثانيهما: أن الله تعالى يقسم بما يريد كما يفعل ما يريد (3)؛ إذ لا حكم عليه، ولا حاكم فوقه، ونحن المحكوم عليهم، وقد أبلَغَنا حكمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فقال:(من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت (4)) (5)، و (من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله)(6). فيجب الانقياد، والامتثال لحكم ذي العزة والجلال.
(1) رواه أبو داود (392 و 3252).
(2)
زيادة من (م).
(3)
ما بين حاصرتين سقط من (ع).
(4)
هو حديث الباب.
(5)
ما بين حاصرتين ساقط من (م) و (ج 2).
(6)
هو حديث الباب.
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنهَا، ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا.
رواه البخاري (6647)، ومسلم (1646)، وأبو داود (3250)،
والترمذي (1533)، والنسائي (7/ 4) وابن ماجه (2094).
[1747]
وعَن عَبدِ اللَّهِ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ أَدرَكَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فِي رَكبٍ، وَعُمَرُ يَحلِفُ بِأَبِيهِ، فَنَادَاهُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا إِنَّ اللَّهَ يَنهَاكُم أَن تَحلِفُوا بِآبَائِكُم، فَمَن كَانَ حَالِفًا فَليَحلِف بِاللَّهِ أَو لِيَصمُت. وفي لفظ آخر: مَن كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحلِف إِلَّا بِاللَّهِ. وَكَانَت قُرَيشٌ تَحلِفُ بِآبَائِهَا، فَقَالَ: لَا تَحلِفُوا بِآبَائِكُم.
ــ
و(قوله: من كان حالفًا فليحلف بالله) لا يفهم منه قَصرُ اليمين الجائزة على الحلف بهذا الاسم فقط، بل حكم جميع أسماء الله تعالى حكم هذا الاسم. فلو قال: والعزيز، والعليم، والقادر، والسميع، والبصير؛ لكانت يمينًا جائزة. وهذا متفق عليه. وكذلك الحكم في الحلف بصفات الله تعالى؛ كقوله: وعزة الله، وعلمه، وقدرته، وما أشبه ذلك مما يَتَمَحَّضُ فيه الصفة لله تعالى، ولا ينبغي أن يختلف في هذا النوع أنها أيمان كالقسم الأول.
وأما ما يضاف إلى الله تعالى مما ليس بصفة له كقوله: وخلق الله، ونعمته، ورزقه، وبيته؛ فهذه ليست بأيمان جائزة؛ لأنها حلف بغير الله عز وجل؛ على ما (1) تقدم.
وبين هذين القسمين قسم آخر متردد بينهما، فاختلف فيه لتردده، كقوله: وعهد الله، وأمانته، وكفالته، وحقه. فعندنا: أنَّها أيمان ملحقة بالملحق بالقسم الأول؛ لأنها صفات. وعند الشافعي: ليست بأيمان. ورأى: أنها من القسم الثاني.
وقول عمر: (فما حلفت بها ذاكرًا ولا آثرًا) أي: لم يقع مني الحلف بها. ولا تحدثت بالحلف بها عن غيري. وأثرت الحديث: نقلتَهُ عن غيرك.
(1) في (ل 1): كما.