الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)
[1520]
عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومَ حُنَينٍ
ــ
تعالى: {أَطعَمَهُم مِن جُوعٍ} فـ (عن) أو (من) على اختلاف الروايتين متعلَّق بمحذوف، تقديره ما ذكرناه.
(25)
ومن باب: قوله تعالى: {وَالمُحصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ}
(المحصنة) اسم مفعول، من: أحصنت. وأصل الإحصان: المنع؛ ومنه الِحصن الذي يُمتَنَع فيه. والفرس حِصان؛ لأنه يتحصن عليه. ويقال: محصنة على ذات الزوج؛ لأن الزوج قد منعها من غيره، وعلى العفيفة؛ لأنها قد (1) منعت نفسها من الفواحش. ويقال على الحرة؛ لأن الحرية تمنعها مما يتعاطاه العبيد. وقد جاءت الأوجه الثلاثة في القرآن. والمراد به في هذه الآية: ذوات الأزواج؛ أي: هنَّ (2) ممن حرم عليكم. ثم استثنى بقوله: {إِلا مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم} وهذه الآية اختلف الناس في سبب نزولها. وحديث أبي سعيد هذا أصحُّ ما نقل في ذلك. وبه يرتفع الخلاف. فإنه نصَّ فيه: على أنها نزلت بسبب تحرُّج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان المسبيَّات ذوات الأزواج، فأنزل الله تعالى في جوابهم:{أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم} فالمسبيات ذوات الأزواج داخلات في عموم {إِلا مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم} (3) فالسَّبي فَسخٌ لنكاحهنَّ بلا شك. وهل هو فسخ
(1) ساقط من (ع).
(2)
هذه اللفظة ليست في (ع).
(3)
ما بين حاصرتين ساقط من (م).
بَعَثَ جَيشًا إِلَى أَوطَاسَ، فَلَقُوا العَدُوًّ فَقَاتَلُوهُم فَظَهَرُوا عَلَيهِم، وَأَصَابُوا
ــ
بطلاق، أو بغير طلاق؟ ذهب للأول الحسن البصري. ثم هل يقصر التحريم عليهن -أعني المسبيَّات لأنهن السبب -، أو يُحمل اللفظ على عمومه؟ قولان لأهل العلم. وعن هذا نشأ الخلاف في بيع الأمة ذات الزوج، وهبتها، وميراثها، وعتقها. فقال الحسن: إن ذلك كلّه طلاق لها من زوجها.
وروي عن عمر في قوله: {إِلا مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم} بملك نكاح، أو يمين، أو غلبة (1). وذهب مالك، وجمهور العلماء: إلى أنه ليس شيء من ذلك فسخًا ولا طلاقا؛ بدليل حديث بريرة: أنها لما أعُتقِت خُيِّرت. فلو كان عتقها طلاقا لما صحَّ خيارها، فإنَّه كان يقع بنفس العتق. وهو يدلّ على أن الآية مقصورة على سببها. فإذا تقرَّر: أن السَّبِي فسخٌ، فالمشهور من مذهبنا: أنه لا فرق بين أن يُسبى الزوجان مجتمعين أو مفترقين. وروى ابن بكير عن مالك: أنهما إن سُبيا جميعًا، واستبقي الرَّجل، أقرَّا على نكاحهما. فرأى في هذه الرواية: أن استبقاءه إبقاء لما يملكه؛ لأنه قد صار له عهد، وزوجته من جملة ما يملكه، فلا يحال بينها وبينه.
والصحيح الأول للتمسُّك بظاهر الآية كما تقدّم، ولأنها قد مُلِكَت رقبتُها بالسباء، فتُملَكُ جميع منافعها، ولا ينتقض ذلك بالبيع، ولا بغيره من الوجوه التي تنقل الملك المذكور على ما تقدَّم، لأنها خروج من مالك مِلكًا مُحقَّقًا، والكافر لا يملك ملكًا محضًا، فافترقا (2).
و(قوله: في سبي أوطاس) قد قدَّمنا أن غزوة أوطاس هي غزوة حنين. وقول (3) مَن قال: إن ذلك كان في خيبر وَهمٌ.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع) و (ج) و (م) ومستدرك من (ج 2).
(2)
في (ج 2): فانفصلا.
(3)
ما بين حاصرتين ساقط من (ج).
لَهُم سَبَايَا، فَكَأَنَّ نَاسًا مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحَرَّجُوا مِن غِشيَانِهِنَّ مِن أَجلِ أَزوَاجِهِنَّ مِن المُشرِكِينَ فَأَنزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي ذَلِكَ: وَالمُحصَنَاتُ مِن النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم كِتَابَ اللَّهِ عَلَيكُم وَأُحِلَّ لَكُم مَا وَرَاءَ ذَلِكُم أَن تَبتَغُوا بِأَموَالِكُم مُحصِنِينَ غَيرَ مُسَافِحِينَ فَمَا استَمتَعتُم بِهِ مِنهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيكُم فِيمَا تَرَاضَيتُم بِهِ مِن بَعدِ الفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا. أَي فَهُنَّ لَكُم حَلَالٌ إِذَا انقَضَت عِدَّتُهُنَّ.
رواه مسلم (1456)(33)، وأبو داود (2155)، والترمذيُّ (1132)، والنسائي (6/ 110).
* * *
ــ
و(قوله: تحرَّجوا من غِشيانهن) أي: خافوا الحرج، وهو: الإثم هنا. وفي الأم (1) في إحدى الروايات: (تحوَّبوا) أي: خافوا الحوب. وهو الإثم أيضًا. و (غشيانهن) أي: وطؤهن.
و(قوله: من أجل أزواجهن) أي: ظنُّوا أنَّ نكاح أزواجهن لم تنقطع عصمته. وفي هذا ما يدلُّ على وجوب توقف الإنسان، وبحثه، وسؤاله عمَّا لا يتحقق وجهه، ولا حكمه. وهو دأب من يخاف الله تعالى. ولا يختلف في أن ما لا يتبين حكمه لا يجوز الإقدام عليه.
و(قوله: فهنّ لكم حلال إذا انقضت عدتهن) يعني بالعدَّة: الاستبراء من ماء الزوج الكافر، وذلك يكون بحيضة واحد، فإن نكاح الكافر فاسد عندنا بحكم
(1) انظر: صحيح مسلم (2/ 1080) رقم (35)، وفيه: تخوَّفوا. وكذا في (ع) و (ج).
والمثبت من (ج 2).