المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(19) باب في إنظار المعسر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(19) باب في إنظار المعسر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

[1651]

عَن حُذَيفَةَ قَالَ: أُتِيَ اللَّهُ بِعَبدٍ مِن عِبَادِهِ، آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلتَ فِي الدُّنيَا؟ قَالَ: يَومَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَو تُسَوَّى بِهِمُ الأَرضُ وَلَا يَكتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا قَالَ: يَا رَبِّ، آتَيتَنِي مَالَكَ فَكُنتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، فَكَانَ مِن خُلُقِي الجَوَازُ، وَكُنتُ

ــ

(19)

ومن باب: إنظار المُعسِر والتجاوز عنه

الإنظار: التأخير. والمعسر هنا: هو الذي يتعذَّر عليه الأداء في وقت دون وقت. فندب الشرع إلى تأخيره إلى الوقت الذي يمكنُ له ما يؤدي. وأما المُعسِر بالإفلاس: فتحرم مطالبته إلى أن يتبين يساره. والمال: كل ما يتموَّل، أو يُتملَّك من عين، وعَرَض، وحيوان، وغير ذلك. ثم قد يخصُّه أهلُ كل مال بما يكون غالب أموالهم. فيقول أصحاب الإبل: المال: الإبل. وأصحاب النخل: النخل. وهكذا.

و(قوله: ولا يكتمون الله حديثًا) أي: لا يستطيع أحد أن يكتم يوم القيامة شيئًا من أعماله. فإن كتم شهدت عليه جوارحه كما يأتي.

و(قوله: وكان من خلقي الجواز) أي: التجاوز عن حقوقه، فأمَّا من حلول الأجل فيؤخره، وأما من استيفاء الحق فيسقط بعضه، أو يسامح في الزّيف.

و(قول الله تعالى: (أنا أحق بذلك) صدقٌ، وحقٌ؛ لأنه تعالى متفضل ببذل ما لا يستحق عليه، ومسقط بعفوه عن عبده ما يجب له من الحقوق عليه. ثم يتلافاه برحمته، فيكرمه، ويقرِّبه منه، وإليه. فله الحمد كِفَاءَ إنعامه، وله الشكر على إحسانه.

ص: 436

أَتَيَسَّرُ عَلَى المُوسِرِ، وَأُنظِرُ المُعسِرَ. فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنكَ، تَجَاوَزُوا عَن عَبدِي فَقَالَ عُقبَةُ بنُ عَامِرٍ الجُهَنِيُّ، وَأَبُو مَسعُودٍ الأَنصَارِيُّ: هَكَذَا سَمِعنَاهُ مِن فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

رواه مسلم (1560)(29).

[1652]

وعَن أَبِي مَسعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّن كَانَ قَبلَكُم، فَلَم يُوجَد لَهُ مِن الخَيرِ شَيءٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأمُرُ غِلمَانَهُ أَن يَتَجَاوَزُوا عَن المُعسِرِ. قَالَ: قَالَ اللَّهُ عز وجل: نَحنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنهُ، تَجَاوَزُوا عَنهُ.

رواه مسلم (1561)، والترمذي (1307).

ــ

و(قوله: حوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له شيء من الخير) هذا العموم مخصَّص قطعًا بأنه كان مؤمنًا، ولولا ذلك لما تجاوز عنه، فـ {إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} وهل كان قائمًا بفرائض دينه من الصلاة، والزكاة، وما أشبهها؛ هذا هو الأليق بحاله. فإن هذا الحديث يشهد بأنه كان ممَّن وُقي شح نفسه. وعلى هذا: فيكون معنى هذا العموم: أنه لم يوجد له شيء من النوافل إلا هذا. ويحتمل أن يكون له نوافل أخر، غير أن هذا كان الأغلب عليه، فنودي به، وجوزي عليه، ولم يذكر غيره اكتفاءً بهذا، والله تعالى أعلم. ويحتمل أن يكون المراد بالخير: المال، فيكون معناه: أنه لم يوجد له فِعل برّ في المال إلا ما ذكر من إنظار المعسر، والله تعالى أعلم.

والتنفيس عن المعسر: تأخيره إلى الإمكان. والوضع: الإسقاط.

و(قوله: كان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر) دليل على جواز إذن السيد لعبده في التجارة. وفي الأم: (أَقبَلُ المَيسُورَ، وأَتجاوزُ عن المعسر)(1)

(1) انظر: صحيح مسلم (1560/ 27).

ص: 437

[1653]

وعَن أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّه طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنهُ ثُمَّ وَجَدَهُ فَقَالَ: إِنِّي مُعسِرٌ، قَالَ: آللَّهِ؟ قَالَ: أللَّهِ. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَن سَرَّهُ أَن يُنجِيَهُ اللَّهُ مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، فَليُنَفِّس عَن مُعسِرٍ أَو يَضَع عَنهُ.

رواه مسلم (1563).

[1654]

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَطلُ الغَنِيِّ ظُلمٌ،

ــ

رواية الجماعة: أقبل - بالهمزة المفتوحة، وبالقاف ساكنة، وبالباء بواحدة تحتها مفتوحة - من القبول. والميسور: المُتَيسَّر. ووقع لبعضهم: بضم الهمزة، وكسر القاف، وياء باثنتين تحتها، من الإقالة، وفيه بُعدٌ؛ لأنه لا يستقيم المعنى حتى يكون الميسور بمعنى الموسر. ولا يعطيه قانون التصريف، ولا يعضده نقل. والكرب: جمع كُربَة، وهي: الشدَّة، والفاقة. وكُرَب الآخرة: شدائدها، وأهوالها.

و(قوله: مطل الغني ظلم) المطل: منع قضاء ما استحق أداؤه مع التمكن من ذلك، وطلب المستحق حقه. وهو الذي قال فيه في الحديث الآخر:(لَيّ الواجد يحل عرضه وعقوبته)(1) أي: مطل الموسر المتمكن إذا طولب بالأداء ظلم للمستحق، يبيح من عرضه أن يقال فيه: فلان يمطل الناس، ويحبس حقوقهم. ويبيح للإمام أدبه وتعزيره حتى يرتدع عن ذلك. حُكي معناه عن سفيان. و (الظلم): وضع الشيء في غير موضعه في أصل اللغة. وهو في الشرع محرَّم مذموم. ووجهه هنا: أنه وضع المنع موضع ما يجب عليه من البذل، فحاق به

(1) رواه أحمد (4/ 222)، والنسائي (7/ 316 - 317)، وابن ماجه (2427).

ص: 438

وَإِذَا أُتبِعَ أَحَدُكُم عَلَى مَلِيءٍ فَليَتبَع.

رواه البخاري (2287)، ومسلم (1564)، وأبو داود (3345)، والترمذي (1308)، والنسائي (7/ 317)، وابن ماجه (2404).

* * *

ــ

الذم والعقاب. والغني الذي أضيف المطل إليه هو الذي عليه الحق؛ بدليل قوله: (لي الواجد) وهو الظاهر من الحديث والمراد منه، ولا يلتفت لقول من قال: إنه صاحب الحق، لبعد المعنى، وعدم ما يدل عليه.

و(قوله: وإذا أُتبِعَ أحدكم على مليء فليتبع) أُتبع -بضم الهمزة، وتخفيف التاء، وكسر الباء - مبنيًّا لما لم يُسم فاعله عند الجميع. فأما:(فليتبع) فبعضهم قَيَّده بتشديد التاء، وكذلك قيَّدته على من يوثق به. وقد روي بتخفيفها. وهو الأجود؛ لأن العرب تقول: تبعت الرَّجل بحِّقي، أتبعه، تباعة: إذا طلبته به، فأنا له تبيع -كل ذلك بالتخفيف -، ومنه قوله تعالى:{ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُم عَلَينَا بِهِ تَبِيعًا} ، ومعناه: إذا أحيل أحدكم فليحتل. وهذا الأمر عند الجمهور محمول على الندب؛ لأنه من باب المعروف والتيسير على المعسر. وقد حمله داود على الوجوب تمسَّكًا بظاهر الأمر. وهذا ليس بصحيح؛ لأن ملك الذمم كملك الأموال. وقد أجمعت الأمة على أن الإنسان لا يجبر على المعاوضة بشيء من ملكه بملك غيره، فكذلك الذمم. وأيضًا: فإن نقل الحق من ذمة إلى ذمة تيسير على المعسر، وتنفيسٌ عنه، فلا يجب، وإنما هو من باب المعروف بالاتفاق. وإذا تقرَّر ذلك فالحوالة معناها: تحويل الدَّين (1) من ذمَّة إلى ذمَّة. وهي مستثناة من بيع الدَّين بالدَّين لما فيها من الرِّفق، والمعروف. ولها شروط:

(1) في (م): الحق.

ص: 439

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فمنها: أن تكون بدين، فإن لم تكن بدين لم تكن حوالة، لاستحالة حقيقتها إذ ذاك، وإنما تكون حمالة.

ومنها: رضا المحيل والمحال دون المحال عليه. وهو قول الجمهور، خلافًا للإصطخري، فإنَّه اعتبره. وإطلاق الحديث حجة عليه. وقد اعتبره مالك إن قصد المحيل بذلك الإضرار بالمحال عليه. وهذا من باب دفع الضرر.

ومنها: أن يكون الدين المحال به حالاًّ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (مطل الغني ظلم). ولا يصح المطل، ولا يصدق الظلم إلا في حق من وجب عليه الأداء، فيمطل. ثم قال بعده:(فإذا أتبع أحدكم فليتبع) فأفاد ذلك: أن الدَّين المحال به لا بُدَّ أن يكون حالاًّ؛ لأنه إن لم يكن حالاًّ كَثُرَ الغَرَرُ بتأجيل الدينين.

ومنها: أن يكون الدين المحال عليه من جنس المحال به؛ لأنه إن خالفه في نوعه خرج من باب المعروف إلى باب المبايعة، والمكايسة، فيكون بيع الدَّين بالدَّين المنهي عنه.

فإذا كملت شروطها برئت ذمة المحيل بانتقال الحق الذي كان عليه إلى ذمة المحال عليه. فلا يكون للمحال الرُّجوع على المحيل، وإن أفلس المحال عليه، أو مات. وهذا قول الجمهور.

وقد ذهب أبو حنيفة إلى رجوعه عليه، إن تعذر أخذه الدين من المحال عليه. والأول الصحيح؛ لأن الحوالة عقد معاوضة، فلا يرجع بطلب أحد العوضين بعد التسليم، كسائر عقود المعاوضات؛ ولأن ذمة المحيل قد برئت من الحق المحال به بنفس الحوالة، فلا تعود مشتغلةً به إلا بعقد آخر، ولا عقد، فلا شغل. غير أن مالكا قال: إن غرَّ المحيل المحال بذمَّة المحال عليه كان له الرُّجوع على المحيل. وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه؛ لوضوحه.

* * *

ص: 440