المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب لا يبع حاضر لباد - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

(3) باب لا يبع حاضر لباد

[1603]

عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن يُتَلَقَّى الرُّكبَانُ، وَأَن يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ قَالَ طاوس: فَقُلتُ لِابنِ عَبَّاسٍ: مَا قَولُهُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لَا يَكُن لَهُ سِمسَارًا.

رواه البخاري (2158)، ومسلم (1521)، وأبو داود (3439)، والنسائي (7/ 257)، وابن ماجه (2177).

[1604]

وعَن جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَبِع حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرزُق اللَّهُ بَعضَهُم مِن بَعضٍ.

ــ

أو لا؛ قولان. سبب المنع عقوبته بنقيض قصده (1). وقد أجاز أبو حنيفة، والأوزاعي التلقي إلا أن يضر بالناس فيُكره. وهذه الأحاديث حجة عليهما.

و(قوله: ولا تناجشوا) أصل النجش: الاستثارة والاستخراج. ومنه سُمي الصَّائد: ناجشًا لاستخراجه الصيد من مكانه. والمرادُ به في الحديث: النهي عن أن يزيد في ثمن السلعة ليغرَّ غيره، وكأنه استخرج منه في ثمن السلعة ما لا يريد أن يخرجه. فإذا وقع؛ فمن رآه لحق الله تعالى فسخ. ومن رآه لحق المشتري خيره، فإما رضي، وإمَّا فسخ.

قال أبو عبيد الهروي: قال أبو بكر: أصل النَّجش: مدح الشيء وإطراؤه. فالنَّاجش يغرُّ المشتري بمدحه ليزيد في الثمن.

و(قوله: لا يبع حاضر لبادٍ) مفسَّر بقول ابن عباس: لا يكن له سمسارًا، وظاهر هذا النهي العموم في جميع أهل البوادي، أهل العمود وغيرهم، قريبًا كانوا من الحضر، أو بعيدًا، كان أصل المبيع عندهم بشراء أو كسب. وإليه صار غير

(1) في (ع): مقصوده.

ص: 367

رواه أحمد (2/ 307)، ومسلم (1522)، والترمذي (1223)، والنسائي (7/ 256)، وابن ماجه (2176).

ــ

واحدٍ. وحمله مالك على أهل العمود ممن بعد منهم عن الحضر، ولا يعرف الأسعار، إذا كان الذي جلبوه من فوائد البادية بغير شراء. وإنما قيده مالك بهذه القيود نظرًا إلى المعنى المستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم:(دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض). وذلك: أن مقصوده أن يرتفق أهل الحاضرة بأهل البادية، بحيث لا يضر ذلك بأهل البادية ضررًا ظاهرًا. وهذا لا يحصل إلا بمجموع تلك القيود.

وبيانه: أنهم إذا لم يكونوا أهل عمود كانوا أهل بلاد وقرى، وغالبهم يعرف الأسعار. وإذا عرفوها صارت مقاديرها مقصودة لهم. فلهم أن يتوصلوا إلى تحصيلها بأنفسهم أو بغيرهم. وإذا كان الذي جلبوه عليهم بالشراء فهم تجار يقصدون الأرباح، فلا يحال بينهم وبينها. فلهم التوصل إليها بالسَّماسرة وغيرهم، وأما أهل العمود، والموصوفون بالقيود المذكورة: فإن باع لهم السماسرة وغيرهم ضروا بأهل الحاضرة في استخراج غاية الأثمان، فيما أصله على أهل البادية بغير ثمن، فقصد الشرع أن يباشروا بيع سلعهم بأنفسهم ليرتفق أهل الحاضرة بالرخص فيما لا ضرر على أهل البادية فيه. وأعرض الشرع عما يلحق أهل البادية في ذلك دفعًا لأشد الضررين، وترجيحًا لأعظم المصلحتين.

واختلف في شراء أهل الحاضرة للبادي. فقيل بمنعه قياسًا على البيع لهم. وقيل: يجوز ذلك؛ لأنه لما صار ثمن سلعته بيده عينًا أشبه أهل الحضر. فإذا وقع هذا البيع فهل يفسخ معاقبة لهم، أو لا يفسخ لعدم خلل ركن من أركان البيع؟ قولان.

و(قوله: لا تُصَرُّوا الإبل والغنم): روايتنا فيه بضم التاء وفتح الصاد، وضم الراء مشددة بعدها واو الجمع. (الإبلَ) بالنصب، نحو:{فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُم} وهو الصحيح تقييدًا ولغة. وقد قيده بعضهم (لا تَصُرُّوا بفتح التاء،

ص: 368

[1605]

وعَن أَنَسِ قَالَ: نُهِينَا أَن يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَإِن كَانَ أَخَاهُ أَو أَبَاهُ.

ــ

وضم الصاد، ونصب (الإبل). وبعضهم: بضم التاء وفتح الصاد، ورفع (الإبل) والأول هو الصحيح. ووجهه: أنها مأخوذة من: صريت اللبن في الضَّرع: إذا جمعته. وليست من الصَّر الذي هو الربط، ولو كانت من ذلك لقيل فيها: مُصَرَّرة. وإنما جاء: مصراة. وإلى معناه ذهب أبو عبيد وغيره، وعلى هذا: فأصل (تُصَروا الإبل): تقربوا، استثقلت الضمَّة على الياء، فنقلت إلى ما قبلها؛ لأن واو الجمع لا يكون ما قبلها إلا مضمومًا فانقلبت الياء واوًا، واجتمع ساكنان، فحذفت الواو الأولى، وبقيت واو الجمع ساكنة، فحذفت لاجتماع الساكنين (1). و (الإبل): نصب على أنه مفعول (تُصَرُّوا). هذا أحسن ما قيل في هذا، وأجراه على قياس التصريف.

ومعنى: (التصرية) عند الفقهاء: أن يجمع اللَّبن في الضرع اليومين والثلاثة حتى يعظم، فيظن المشتري: أن ذلك لكثرة اللبن، وعظم الضرع. وهي المسمَّاة أيضًا بـ (المُحَفَّلَة) في حديث آخر (2). يقال: ضرع حافل؛ أي: عظيم. و (المحفَل): الجمع العظيم. وقال الشافعي: التصرية: أن يربط أخلاف النَّاقة، أو الشاة، ويترك حلبها اليومين والثلاثة حتى يجتمع لبنها، فيزيد المشتري في ثمنها لما يرى من ذلك. قال الخطابي: والذي قال الشافعي صحيح. والعرب (3) تصُرُّ الحلوبات، وتسمي ذلك الرباط: صِرارًا. واستشهد لهم بقول العرب: العبد لا يحسن الكرَّ، وإنما يحسن الحلب والصرَّ (4). قال: ويحتمل أن تكون المصراة

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(2)

رواه البخاري (2149).

(3)

في (ع): لأن العرب.

(4)

هذا قول عنترة لأبيه. (الأغاني 8/ 239).

ص: 369

رواه البخاري (2161)، ومسلم (1523)، وأبو داود (3440)، والنسائي (7/ 256).

* * *

ــ

أصلها: مصرورة، فأبدل من إحدى الراءين ياءً، كما قالوا: تقضَّى (1) البازيُّ.

واختلف في الأخذ بحديث المُصَرَّاة. فأخذ به الشافعي، وأبو ثور، وأبو يوسف، ومالك في المشهور عنه، وابن أبي ليلى في إحدى الروايتين عنه، وفقهاء أصحاب الحديث. ولم يأخذ به أبو حنيفة، ولا الكوفيون، ولا مالك، ولا ابن أبي ليلى في الرواية الأخرى عنهما. فقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: التصرية ليست بعيب، ولا تردّ بذلك. وقد حكي عن أبي حنيفة: أنه يرجع بأرش التصرية. ولهذا الخلاف سببان:

أحدهما: أن هذا الحديث يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان)(2). خرَّجه الترمذي من حديث ابن عباس، وقال فيه: حديث حسن صحيح. ووجهها: أن مشتري المصرَّاة ضامن لها لو هلكت عنده، واللَّبن غلة فيكون له.

وثانيهما: أنه معارضٌ لأصول شرعية، وقواعد كليه. وبيانها بأوجه:

أحدها: أن اللبن مما يضمن بالمثل، والتمر ليس بمثل له.

وثانيها: أنه لما عدل عن المثل إلى غيره فقد نحا به نحو المبايعة، فهو: بيع الطعام بالطعام غير يد بيد، وهو الرِّبا.

وثالثها: أن الصَّاع المقابل للَّبن محدودٌ، واللَّبن ليس بمحدود، فإنَّه يختلف بالكثرة والقلة.

(1) أصلها: تقضض.

(2)

رواه أحمد (6/ 80)، وأبو داود (3510)، والترمذي (1285 و 1286)، وابن ماجه (2243) كلهم من حديث عائشة.

ص: 370

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ورابعها: أن اللبن غلَّة، فيكون للمشتري كسائر المنافع، فإنها لا تردُّ في الردّ بالعيب. ولما كان ذلك، فالحديث وإن كان صحيحًا؛ فإما منسوخ بقوله:(الخراج بالضمان)(1) وإما مرجوح بهذه القواعد المخالفة له، فإنها قواعد كلية قطعية. ولو لم يكن كذلك فالقياس مقدَّم عند أبي حنيفة، وكثير من الكوفيين، وهو قول مالك في العتبية، وفي مختصر ابن عبد الحكم.

والجواب عن السبب الأول: أنه لا معارضة بينهما؛ لأنا لا نسلم أن اللبن خراج سَلَّمناه. لكنه إذا نشأ على ضمان المشتري، ولبن المصراة نشأ على ضمان البائع؛ فإنَّه كان موجودًا في الضرع حالة التبايع سلّمناه. لكن حديث المصرَّاة خاصٌّ، وحديث الخراج بالضمان عام. ولا معارضة بينهما، لأن الجمع بينهما ممكن بأن يُبنى العام على الخاص. وهو الصحيح على ما مهدناه في أصول الفقه. وحينئذ يبطل قول من زعم: أن حديث المصراة منسوخ بحديث: (الخراج بالضمان). سلمنا المعارضة، لكن المتقدم منهما من المتأخر مجهول، فلا يصح الحكم بالنسخ لعدم العلم بالتاريخ.

والجواب عن السبب الثاني: أن حديث المصرَّاة أصل منفرد بنفسه، مستثنى من تلك القواعد، كما قد استثني ضرب الدِّية على العاقلة، ودية الجنين، والعرية (2)، والجعل، والقراض، عن أصول ممنوعة، لدعاء الحاجة إلى هذه المستثنيات، ولحصول مصالح خاصة منها. وبيانه في مسألة المصراة: أن الشرع إنما ضمن لبنها بالصاع دفعًا للخصام، وسدًّا لذريعة المنازعة لتعذُّر ضبط مقدار اللبن، فإنه يختلف بالكثرة والقلة، ولتعذر تمييز اللبن الكائن في الضرع من الحادث. وخصَّه بالطعام؛ لأنه قوت كاللبن، وبالتَّمر؛ لأنه أغلب قوتهم، ووصفه

(1) هو الحديث السابق.

(2)

"بيع العرايا": هو بيع الرُّطَبِ على النخل خرصًا بتمر.

ص: 371

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بقوله: (لا سمراء) رفعًا للحرج في تكلُّف (1)؛ لقلتها عندهم. وعلى هذا: فلم تخرج المصراة عن قانون الالتفات للمصالح، لكنَّها مصالح مخصوصة لا يلحق بها غيرها لعدم نظائرها، ولو سلَّمنا أنها معارضة لأقيسة تلك القواعد من كل وجه، لكن لا نسلم: أن القياس مقدَّم على خبر الواحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدَّم السُّنة على القياس في حديث معاذ رضي الله عنه حيث قال له: (بم تحكم؟ ) قال: بكتاب الله. قال: (فإن لم تجد؟ ) قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: (فإن لم تجد؟ ) قال: أجتهد رأيي (2). والسَّنة: تعم التواتر، والآحاد. ولكثرة الاحتمالات في القياسات، وقلتها في خبر الواحد. وقد أوضحنا هذا في الأصول. وهذا هو الصحيح من مذهب مالك وغيره من المحققين.

وفي حديث المصراة أبواب من الفقه نشير إليها:

فمنها: أن العقد المنهي عنه، المحرّم إذا كان لأجل الآدمي لم يدلّ على الفساد، ولا يفسخ العقد. ألا ترى: أن التصرية غش محرَّم. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفسخ العقد، لكن جعل للمشتري الخيار.

ومنها: أن الغرور بالفعل معتبر شرعا؛ لأنه صار كالتصريح باشتراط نفي العيب. ولا يختلف في الغرور الفعلي. وإنما اختلف في الغرور بالقول، هل هو معتبر أو لا؟ فيه قولان:

فرع: لو كان الضرع كثير اللحم، فظنه المشتري لبنًا، لم يجب له الخيار؛ إذ لا غرور، ولا تدليس، لا بالفعل، ولا بالقول.

ومنها: جواز خيار الشرط. وهذا لا يختلف فيه. وإنما اختلف في مقداره.

(1) في (ل 1): تكليف.

(2)

رواه أبو داود (3592)، والترمذي (1327).

ص: 372