الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) باب النّظر إلى المخطوبة
[1476]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجتُ امرَأَةً مِن الأَنصَارِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَل نَظَرتَ إِلَيهَا فَإِنَّ فِي عُيُونِ الأَنصَارِ شَيئًا؟ قَالَ: قَد نَظَرتُ إِلَيهَا قَالَ: عَلَى كَم تَزَوَّجتَهَا؟ قَالَ: عَلَى أَربَعِ أَوَاقٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَلَى أَربَعِ أَوَاقٍ؟ ! كَأَنَّمَا تَنحِتُونَ
ــ
(8)
ومن باب: إباحة النّظر للمخطوبة
(قوله: اذهب فانظر إليها) هذا الأمر على جهة الإرشاد إلى المصلحة؛ فإنه إذا نظر إليها -أعني المخطوبة - فلعلّه يرى منها ما يرغبه في نكاحها. وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله فيما ذكره أبو داود من حديث جابر إذ قال: (إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل)(1). ولا قائل فيما أعلمه بحمل هذا الأمر على الوجوب. وقد دلَّ على أنه ليس كذلك قوله: (فإن استطاع فليفعل) ولا يقال مثل هذا في الواجب.
وقاعدة النكاح - وإن كان فيها معاوضة - مُفَارِقَةٌ لقاعدة البيوع، من حيث إنها مبنيَّة على المكارمة، والمواصلة، وإظهار الرَّغبات، والعمل على مكارم الأخلاق، بحيث يجوز فيها النكاح من غير ذكر صداق، وتجوز فيها ضروب من الجهالات والأحكام، لا يجوز شيءٌ منها في البيوع والمعاملات المبنية على المشاحَّة والمغَابنة.
ومن هنا جاز عقد النكاح على امرأة لا يعرف حالها من جمال، وشباب، وحُسن خُلُق، وتمام خُلق. وهذه وإن كانت مجهولة حالة العقد، لم يضر الجهل بها؛ إذ لم يلتفت الشرع إليه في هذا الباب. فالأمر بالنظر إلى المخطوبة أحرى بألَاّ يكون واجبا. فلم يبق إلا أن يُحمل ذلك الأمر على ما تقدَّم. وبهذا قال جمهور الفقهاء: مالك،
(1) رواه أبو داود (2082).
الفِضَّةَ مِن عُرضِ هَذَا الجَبَلِ، مَا عِندَنَا مَا نُعطِيكَ، وَلَكِن عَسَى أَن نَبعَثَكَ فِي بَعثٍ تُصِيبُ مِنهُ. فَبَعَثَ بَعثًا إِلَى بَنِي عَبسٍ. بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِم.
ــ
والشافعي، والكوفيون، وغيرهم، وأهل الظاهر. وقد كره ذلك قومٌ، لا مبالاة بقولهم؛ للأحاديث الصحيحة في هذا الباب.
ثم اختلف الجمهور، فقال مالك: يُنظر إلى وجهها، وكفَّيها، ولا ينظر إليها إلا بإذنها. وقال الشافعي وأحمد: بإذنها، وبغير إذنها إذا كانت مستترة. وقال الأوزاعي: ينظر إليها ويجتهد، وينظر مواقع اللحم منها. وقال داود: ينظر إلى سائر جسدها تمسكًا بظاهر اللفظ. وأصول الشريعة تردّ عليه في تحريم الاطلاع على الصورة.
وقد تقدَّم ذكر (الأُوقِية)(1).
و(تنحتون): تقطعون وتنجرون. والنَّحتُ: النَّجر والقَطع، ومنه:{وَتَنحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا} وقوله تعالى: {أَتَعبُدُونَ مَا تَنحِتُونَ}
والنَّحَّات: النَّجار. و (عُرضُ الجبل): جانبه، وصفحه.
وهو بضم العين. والعَرض -بفتح العين -: خِلاف الطول. وعًرضُ البحر، والنَّهر، والمال: الوسَطُ من ذلك؛ قاله الحربي.
وهذا الإنكار منه صلى الله عليه وسلم على هذا الرَّجُل المتزوج على أربعة أواقٍ ليس إنكارًا لأجل المغالاة، والإكثار في المهر، فإنه صلى الله عليه وسلم قد أصدق نساءه خمسمائة درهم، وأربعة أواقٍ: مائة وستون درهمًا (2). وإنما أنكر بالنسبة إلى حال الرجل؛ فإنه كان فقيرًا في تلك الحال، فأدخل نفسه في مشقة تَعرَّض للسؤال بسببها، ولذلك قال له:(ما عندنا ما نعطيك). ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بكرم أخلاقه، ورأفته، ورحمته جبرَ مُنكَسِرَ قلبه بقوله:(ولكن عسى أن نبعثك في بعث فتصيب منه) يعني به: سرية
(1) تساوي في زماننا (125) غ.
(2)
الدرهم يعادل في زماننا (3.12) غ.