الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام
[1563]
عَن ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امرَأَتَهُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَينَهُمَا وَأَلحَقَ الوَلَدَ بِأُمِّهِ.
رواه أحمد (2/ 7)، والبخاريُّ (5315)، ومسلم (1494)(8)، وأبو داود (2259)، والترمذيُّ (1203)، والنسائي (6/ 178)، وابن ماجه (2069).
ــ
(14)
ومن باب: ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام
قد تقدَّم: أنَّه يتبعه الفراق المؤبَّد.
و(قوله: وألحق الولد بأمه) أي: إنما يدعى وينسب لأمه، ولقومها، أو لمواليها - إن كانت مولاة - ويرثها وترث هي منه فرضها في كتاب الله تعالى. ويرثه إخوته لأمه ميراث الإخوة للأم. وتَوأَمَا الملاعنة يتوارثان توارث الأشقاء؛ لاستوائهما في النفي باللعان. وما بقي من ميراث ولد الملاعنة بعد أصحاب السِّهام فلموالي أمه؛ إن كانت مولاةً، أو لجماعة المسلمين؛ إن كانت عربيةً، هذا قول مالك، والزهري، والشافعي، وأبي ثور. وقال الحكم، وحماد: يرثه (1) ورثة أمه. وقال آخرون: عصبته عصبة أمه. وبه قال أحمد بن حنبل. وروي عن علي، وابن مسعود، وعطاء، وابن عمر رضي الله عنهم. وقالت طائفة: أمه عصبته،
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
[1564]
وعَن أَنَسَ أنَّ هِلَالَ بنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بنِ سَحمَاءَ، وَكَانَ أَخَا البَرَاءِ بنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ، وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الإِسلَامِ قَالَ: فَلَاعَنَهَا، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: أَبصِرُوهَا، فَإِن جَاءَت بِهِ أَبيَضَ
ــ
فما بقي عن أهل السِّهام فلها. وقال أبو حنيفة: يرد ما فضل على ورثته إن كانوا ذوي أرحام. وهذا على أصله في الردّ.
و(قوله في هلال بن أمية: (إنه كان أول من لاعن في الإسلام) هذا يقتضي: أن آية اللعان نزلت بسبب هلال بن أمية، وكذلك ذكره البخاري. وهو مخالف لما تقدَّم: أنها نزلت بسبب عويمر العجلاني. وهذا يحتمل: أن تكون القضيتان متقاربتي الزمان فنزلت بسببهما معًا. ويحتمل: أن تكون الآية أُنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم مرَّتين؛ أي: كرر نزولها عليه، كما قال بعض العلماء في سورة الفاتحة: إنها نزلت بمكة، وتكرَّر نزولها بالمدينة. وهذه الاحتمالات وإن بَعُدت؛ فهي أولى من أن يُطَرَّق الوهم للرواة الأئمة الحفَّاظ.
وقد أنكر أبو عبد الله أخو المهلب في هذه الأحاديث هلال بن أمية، وقال: هو خطأ، والصحيح: أنه عويمر. ونحوًا منه قاله الطبري. وقال: إنما هو عويمر، وهو الذي قذفها بشريك بن سحماء (1)، والله تعالى أعلم.
وظاهر هذا الحديث: أن هلالًا لَمَّا صرَّح بذكر شريك: أنَّه قذفه. ومع ذلك فلم يحدّه النبي صلى الله عليه وسلم له. وبهذا قال الشافعي: إنه لا حدَّ على الرَّامي لزوجته إذا سَمَّى الذي رماها (2) به ثم التعن ورأى أنه التعن لهما. وعند مالك: أنَّه يحدّ،
(1) زاد في (ج 2): تتميم: وهو شريك بن عبدة بن مغيث -بضم الميم، وكسر الغين المعجمة، وسكون الياء تحتها نقطتان، ثم ثاء مثلثة- وقد قيل بفتح العين المهملة، وتشديد التاء فوقها نقطتان، وبالباء الواحدة- والأول أصح. ابن الجد بن عجلان البلويّ، حليف الأنصار، وهو شريك بن سحماء، وهي أَمَةٌ عُرِف بها، شهد مع أبيه أُحُدًا، وهو أخو البراء بن مالك لأمه.
(2)
في (ع): زنى.
سَبِطًا قَضِيءَ العَينَينِ فَهُوَ لِهِلَالِ بنِ أُمَيَّةَ، وَإِن جَاءَت بِهِ أَكحَلَ جَعدًا حَمشَ السَّاقَينِ فَهُوَ لِشَرِيكِ بنِ سَحمَاءَ قَالَ: فَأُنبِئتُ أَنَّهَا جَاءَت بِهِ أَكحَلَ جَعدًا حَمشَ السَّاقَينِ.
رواه مسلم (1496)، والنسائي (6/ 171 و 173).
ــ
ولا يكتفى بالتعانه؛ لأنه إنما التعن للمرأة، ولم تكن له ضرورة إلى ذِكره، بخلاف المرأة. فهو إذًا قاذف فيحدُّ. واعتذر بعض أصحابنا عن حديث شريك: بأن يقال: بأنه كان يهوديًّا. وأيضًا: فلم يطلب شريك بشيء من ذلك. وهو حقه، فلا متعلق في الحديث.
قال القاضي عياض: لا يصحُّ قول من قال: إن شريكًا كان يهوديًّا. وهو باطل. وهو: شريك بن عبدة بن مغيث، وهو بلوي حليف الأنصار، وهو أخو البراء بن مالك (1) لأمِّه.
والسَّبط الشعر: هو المسترسِلُه، المنبَسِطُه. يقال: شعرٌ سبطٌ بكسر الباء وفتحها، لغتان و: سَبِطَ شعره، يَسبَط: إذا صار كذلك، وهو ضد الجعودة.
و(قضيء العينين): فاسدهما. قال ابن دريد في الجمهرة: قَضِئَت عين الرَّجل: إذا احمرَّت، ودمعت. وقضئت القربة، تقضأ قَضأَ، فهي قضيئة، على وزن فعيلة: إذا عَفِنَت، وتهافتت.
و(الجعد) في هذا هو: المتكسر، على ضد السُّبوطة المتقدمة.
وفي رواية أخرى: (إن جاءت به جعدًا قططًا) أي: شديد الجعودة.
و(أحمش الساقين): دقيقهما. ويقال للمرأة: حمشاء السَّاقين. قاله الهروي، وغيره.
وضد ذلك: الخدل. وهو: امتلاء الساقين. يقال: رجل أخدل،
(1) في (ع): عازب، والصواب ما أثبتناه. انظر: الإصابة (2/ 206).
[1565]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ التَّلَاعُنُ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عَاصِمُ بنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَولًا، ثُمَّ انصَرَفَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ يَشكُو إِلَيهِ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ أَهلِهِ رَجُلًا. فَقَالَ عَاصِمٌ مَا ابتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا لِقَولِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيهِ امرَأَتَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصفَرًّا قَلِيلَ اللَّحمِ سَبِطَ الشَّعَرِ، وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيهِ أَنَّهُ وَجَدَ عِندَ أَهلِهِ خَدلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ بَيِّن فَوَضَعَت شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ عِندَهَا، فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَينَهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ لِابنِ عَبَّاسٍ فِي
ــ
وامرأة خدلاء. وهو بالدال المهملة. وهو الخدلَّج أيضًا.
و(الآدم): من الأدمة، وهي: شدَّة السُّمرة. يقال: رجل آدم. وامرأة أدماء: كأحمر، وحمراء. ويجمع آدم: أُدُمٌ، كحُمُر.
وقد جاء في هذا الحديث في كتاب أبي داود (1) ألفاظ فسَّرها الخطابي فقال: (الأُرَيصِحُ: تصغير الأرصح. وهو: الخفيف الأليتين. قال الأصمعي: وهو أيضًا: الأرصع - بالعين -. و (الأَثيبج): تصغير: أثبج. والثَّبج: نتوءٌ في السُّرة. والثبج أيضًا: ما بين الكاهل ووسط الظهر. و (الجمالي): العظيم الخلق. شَبَّه خَلقه بِخَلق الجمل. ويقال من ذلك: امرأة جمالية.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بيِّن) ظاهره أنه دعاء في أن يبيّن له مِمَّن الولد؟ فأجيب بأنه للذي رُمي به. وتبيَّن له ذلك: بأن الله تعالى خلقه يشبه الذي رُميت به، وعلى الصِّفة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك نسق قوله:(فوضعت) على الكلام المتقدم بـ (الفاء). وقيل معناه: اللهم بين الحكم في هذه الواقعة، كما جاء في
(1) رواه أبو داود (2256).
المَجلِسِ: أَهِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَو رَجَمتُ أَحَدًا بِغَيرِ بَيِّنَةٍ رَجَمتُ هَذِهِ؟ فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: لَا تِلكَ امرَأَةٌ كَانَت تُظهِرُ فِي الإِسلَامِ السُّوءَ.
وفي رواية: بَعدَ قَولِهِ كَثِيرَ اللَّحمِ: جَعدًا قَطَطًا.
رواه البخاريُّ (5316)، ومسلم (1497)، والنسائي (6/ 174).
ــ
الرواية الأخرى: (اللهم افتح)(1) أي: احكم، ومنه قوله تعالى:{ثُمَّ يَفتَحُ بَينَنَا بِالحَقِّ} ؛ أي: يحكم.
و(قوله: تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء) أي: تظهر عليها قرائن تدل على أنها بغي، تتعاطى الفاحشة، لكن لم يثبت عليها سبب شرعي يتعلق عليها به الرجم، لا إقرار، ولا حمل، ولا بينة. فلم يقم عليها حد لتلك الأسباب المحصورة.
و(قوله: أبصروها، فإن جاءت به - وذكر النعوت المتقدمة - فهو لهلال، وإن جاءت به - على النعوت الأخرى- فهو لشريك) يدلُّ على أن هذا كان منه تفرسًا وحدسًا، لا وَحيًا. ولو كان وَحيًا لكان معلومًا عنده.
وفيه ما يدلُّ على إلغاء حكم الشبه في الحرائر، كما هو مذهب مالك على ما قدمناه في القافة.
وقوله في كتاب أبي داود لما جاءت على النعت المكروه: (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن). وفي البخاري: (لولا ما مضى من كتاب الله) يُفهم من ذلك: أن الحكم إذا وقع على شروطه لا ينقض، وإن تبيَّن خلافه. هذا إن لم يقع خلل، أو تفريط في شيء من أسبابه. فأمَّا لو فرط الحاكم فغلط، وتبيَّن تفريطه، وغلطه بوجهٍ واضح نقض حكمه. وهذا مذهب الجمهور.
وفيه: أن ذكر الأوصاف المذمومة للضرورة، والتحلية (2) بها للتعريف ليس بغيبة.
(1) انظر صحيح مسلم (1495)(10).
(2)
أي: الوصف.
[1566]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ سَعدُ بنُ عُبَادَةَ لرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَو وَجَدتُ مَعَ أَهلِي رَجُلًا لَم أَمَسَّهُ حَتَّى آتِيَ بِأَربَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَم قَالَ: كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ إِن كُنتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيفِ قَبلَ ذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه وسلم: اسمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُم إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغيَرُ مِنهُ، وَاللَّهُ أَغيَرُ مِنِّي.
رواه مسلم (1498)(16)، وأبو داود (4532 - 4533).
[1567]
وعَن المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ قَالَ: قَالَ سَعدُ بنُ عُبَادَةَ: لَو رَأَيتُ رَجُلًا مَعَ امرَأَتِي لَضَرَبتُهُ بِالسَّيفِ غَيرُ مُصفِحٍ عَنهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَعجَبُونَ مِن غَيرَةِ سَعدٍ فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَغيَرُ مِنهُ، وَاللَّهُ أَغيَرُ مِنِّي ومِن
ــ
و(قوله: اسمعوا إلى ما يقول سيدكم) قال ابن الأنباري: السيد: الذي يفوق قومه في الفخر.
قلت: وذلك لا يكون حتى يجتمع له من خصال الشرف، والفضائل، والكمال ما يُبرز بها عليهم، ويتقدَّمهم بسببها. كما قال:
فَإِن كُنتَ سيَّدَنَا سُدتَنَا
…
وإِن كُنتَ للخَالِ فَاذهب فَخُل
و(قوله: لضربته بالسَّيف ضربًا غير مُصفحٍ) أي: غير ضارب بصفحه. وصفحَتا السيف: وجهاه، وغِراراه: حدَّاه.
و(قوله: إنَّه لغيور، وأنا أغير منه، والله أغير منِّي) الغيرة في حقِّنا: هيجان، وانزعاج يجده الإنسان من نفسه يحمل على صيانة الحرم، ومنعهم من الفواحش ومقدماتها. والله تعالى مُنَزَّهٌ عن مثل ذلك الهيجان، فإنه تَغير يدلُّ على الحدوث. فإذا أطلقت لفظ الغيرة على الله تعالى فإنما معناه: أنه تعالى منع من الإقدام على الفواحش، بما توعَّد عليها من العقاب، والزجر، والذَّمِّ، وبما نصب
أَجلِ غَيرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا شَخصَ أَغيَرُ مِن اللَّهِ، وَلَا شَخصَ أَحَبُّ إِلَيهِ العُذرُ مِن اللَّهِ،
ــ
عليها من الحدود.
وقد دلَّ على صحَّة هذا قوله في حديث آخر: (وغيرة الله ألا يأتي المؤمن ما حرَّمه الله عليه)(1).
و(قوله: لا شخص أغير من الله) أصل وضع الشخص لِجُرم الإنسان وجسمه. يقال: شخص الإنسان، وجثمانه، وطلله، وآله. كلها بمعنى واحد على ما نقل أهل اللغة. وشخص الشيء، يشخص: إذا ظهر شخصه. وهذا المعنى على الله تعالى محالٌ بالعقل والنقل على ما قدَّمناه في غير موضع، فتعيَّن تأويله هنا.
وقد قيل فيه: لا مرتفع (2)؛ لأن الشخص: ما شخص وظهر وارتفع، وفيه بُعدٌ. وقيل فيه:(لا شيء). وهذا أشبه من الأول، وأوضح منه؛ أي: لا موجود، أو: لا أحد. وهو أحسنها. وقد جاء في رواية أخرى: (لا أحد) منصوصًا. وأطلق الشخص مبالغة في تثبيت إيمان من يتعذر على فهمه موجود لا يشبه شيئًا من الموجودات؛ لئلا يقع في النفي والتعطيل، كما قال في حديث الجارية، لما قالت: في السماء (3). فحكم بإيمانها مخافة أن تقع في النفي؛ لقصور فهمها عمّا ينبغي له تعالى من حقائق الصفات. وعمَّا يُنَزَّه عنه مما يقتضي التشبيهات. والله تعالى أعلم.
و(قوله: ولا شخص أحبُّ إليه العذر من الله). أحب: مرفوعٌ على أنَّه خبر المبتدأ الذي هو: العذر، على التقديم والتأخير. وخبر التنزيه (4) محذوف؛ أي: لا أحد موجودٌ العذر أحبّ إليه من الله. ويمكن فيه إعراب آخر. وهذا أوضح.
(1) رواه أحمد (2/ 343)، والبخاري (5223)، ومسلم (2761)، والترمذي (1168).
(2)
في (ج 2): مُترفع.
(3)
رواه مسلم (537)، وأبو داود (3282)، والنسائي (3/ 14 - 18).
(4)
أي: خبر (لا) التي هي للتبرئة والتنزيه.
مِن أَجلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ المُرسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ، وَلَا شَخصَ أَحَبُّ إِلَيهِ المِدحَةُ مِن اللَّهِ، مِن أَجلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الجَنَّةَ.
رواه أحمد (4/ 248)، والبخاريُّ (7416)، ومسلم (1499).
* * *
ــ
و(قوله: من أجل ذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين) ذلك إشارة إلى العذر. ومعناه: الإعذار للمكلفين. قال بعض أهل المعاني: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أحد أغير من الله، ولا أحد أحبَّ إليه العذر من الله) منبِّها لسعدٍ، ورادعًا له عن الإقدام على قتل من وَجَدَه مع امرأته. فكأنه قال: إذا كان الله مع شدّة غيرته يُحبُّ الإعذار، ولم يؤاخذ أحدًا إلا بعد إنهاء الإعذار، فكيف تقدم على قتل من وجدته على تلك الحال؟ ! والله تعالى أعلم.
و(المدحة): المدح. وهو: الثناء بذكر أوصاف الكمال، والإفضال، فإذا أدخلت الهاء كسرت الميم. وإن أسقطتها فتحتها.
و(قوله: من أجل ذلك وعد الله الجنة) أي: من سبب حُبِّه للمدح وَعَدَ عليه بالجنَّة. وذِكرُه المدح مقرونًا مع ذكر الغيرة والإعذار: تنبيهٌ لسعدٍ على ألا يعمل غيرته، ولا يعجل بمقتضاها، بل يتأنى، ويترفق، ويتثبت؛ حتى يحصل على وجه الصواب من ذلك، وعلى كمال الثناء والمدح بالتأني، والرفق، والصبر، وإيثار الحق، وقمع النفس عند هيجانها، وغلبتها عند منازلتها. وهذا نحو من قوله صلى الله عليه وسلم:(ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)(1) والله تعالى أعلم.
و(قول الملاعن: مالي) يعني: أنَّه طلب المهر الذي كان أمهرها.
(1) رواه أحمد (2/ 236)، والبخاري (6114)، ومسلم (2609).