الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء
[1411]
عَن أَبِي حُمَيدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: استَعمَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِن الأَسدِ - يُقَالَ لَهُ ابنُ اللُّتبِيَّةِ - عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُم، وَهَذَا أهدي لِي! قَالَ: فَقَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثنَى عَلَيهِ، وَقَالَ: مَا بَالُ عَامِلٍ أَبعَثُهُ فَيَقُولُ: هَذَا لَكُم وَهَذَا أُهدِيَ لِي! أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيتِ أَبِيهِ أَو فِي بَيتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنظُرَ أَيُهدَى لهِ أَم لَا؟ ! وَالَّذِي نَفسُ
ــ
(6)
ومن باب: ما جاء في هدايا الأمراء
اللُّتبيَّة بضم اللام وفتح التاء هي الرواية المعروفة هنا، قال القاضي أبو الفضل عياض: وصوابُه الأُتبيَّة بسكون التاء باثنتين من فوقها. قال: ولُتب بضم اللام وسكون التاء بطنٌ من العرب.
قلت: وقد جاء في الرواية الأخرى الأُتبِيَّة، وكلاهما صحيح الرواية جائز.
وهذا الحديث يدلّ دلالة صحيحة واضحة على أن هدايا الأمراء والقضاة وكل من ولي أمرًا من أمور المسلمين العامَّة لا تجوز، وأن حكمها حكم الغلول في التغليظ والتحريم؛ لأنها أكل المال بالباطل وَرُشًا - وهو قول مالك وغيره بتفصيل يعرف في الفقه.
وقوله أفلا قعد في بيت أبيه وأمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ ؛ يعني أن الذي يستخرج الهدايا من الناس للأمير إنما هو رهبة (1) منه أو رغبة فيما في يديه أو في يدي غيره، ويستعين به عليه، فهي رشوة.
(1) في (ج 2): رهبة فيُداريه.
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَنَالُ أَحَدٌ مِنكُم شَيئًا إِلَّا جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ يَحمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ: بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ، أَو بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَو شَاةٌ تَيعِرُ. ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ حَتَّى رَأَينَا عُفرَتَي إِبطَيهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ - مَرَّتَينِ.
وفي رواية: استَعمَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مِن الأَسدِ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيمٍ يُدعَى ابنَ الأُتبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ، قَالَ: هَذَا مَالُكُم، وَهَذَا هَدِيَّةٌ! فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَهَلَّا جَلَستَ فِي بَيتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِن كُنتَ صَادِقًا؟ ! ثُمَّ خَطَبَنَا فذكر نحوه.
رواه البخاريُّ (6979)، ومسلم (1832)(26 و 27)، وأبو داود (2946).
ــ
والعُفرة بياض يضرب إلى الصفرة - قاله الأصمعي.
ويفهم من تكرار اللهم هل بلغت؟ ومن هذه الحالة تعظيم ذلك وتغليظه.
وليس لأحدٍ أن يتمسك في استباحة هدايا الأمراء بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية (1)، ولا بما يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لمعاذٍ الهدية حين وجَّههُ إلى اليمن.
أما الجواب عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن وجهين؛
أحدهما: أنه كان لا يقبل الهدية إلا ممن يعلم أنه طيب النفس بها، ومع ذلك فكان يكافئ عليها بأضعافها غالبًا.
والثاني: أنه صلى الله عليه وسلم معصوم عن الجور والميل الذي يُخاف منه على غيره
(1) رواه أبو داود (4512)، وابن حبان (6381) الإحسان.
[1412]
وعَن عَدِيِّ بنِ عَمِيرَةَ الكِندِيِّ قَالَ: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَن استَعمَلنَاهُ مِنكُم عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخيَطًا فَمَا فَوقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأتِي بِهِ يَومَ القِيَامَةِ. قَالَ: فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ أَسوَدُ مِن الأَنصَارِ كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَيهِ، فَقَالَ: يَا رسول الله، اقبَل عَنِّي عَمَلَكَ! قَالَ: وَمَالَكَ؟ قَالَ: سَمِعتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ، مَن استَعمَلنَاهُ مِنكُم عَلَى عَمَلٍ فَليَجِئ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ؛ فَمَا أُوتِيَ مِنهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنهُ انتَهَى.
رواه أحمد (4/ 192)، ومسلم (1833)، وأبو داود (3581).
* * *
ــ
بسبب الهدية.
وأما عن حديث معاذ (1) فلأنه لم يجئ في الصحيح، ولو صحَّ لكان ذلك مخصوصًا بمعاذ لما عَلِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حاله وتحقُّقه من فضله ونزاهته ما لا يشاركه فيه غيره، ولم يُبح ذلك لغيره بدليل هذه الأحاديث الصّحاح، والله تعالى أعلم.
وقوله من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره يدلّ على أنه لا يجوز له أن يقتطع منه شيئًا لنفسه؛ لا أجرة ولا غيرها، ولا لغيره - إلا أن يأذن له الإمام الذي تلزمه طاعته.
والمِخيَطُ: الإبرة.
* * *
(1) ذكره ابن العربي المالكي في عارضة الأحوذي (6/ 82) وقال: قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم معاذًا على اليمن قال لي: "قد علمتُ الذي دار عليك في مالك، وقد طيَّبْت لك الهدية" ثم عقب عليه بقوله: ولم يصحَّ سندًا ولا معنى.