الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا
[1539]
عَن عَائِشَةَ قَالَت: جَاءَت امرَأَةُ رِفَاعَةَ القرظي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَت: كُنتُ عِندَ رِفَاعَةَ فَطَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلَاقِي، فَتَزَوَّجتُ عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ الزَّبِيرِ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثلُ هُدبَةِ الثَّوبِ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَن تَرجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيلَتَهُ، وَيَذُوقَ عُسَيلَتَكِ. قَالَت:
ــ
(2)
ومن باب: ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا
(قول المرأة: (فطلقني، فبتَّ طلاقي) ظاهره: أنَّه قال لها: أنتِ طالقٌ البتَّة، فيكون حجة لمالك على: أن البتَّة محمولة على الثلاث في المدخول بها. ويحتمل أن تريد به آخر الثلاث تطليقات (1)، كما جاء في الرواية الأخرى:(أن رجلًا طلق امرأته ثلاثًا). وجاز أن يعبِّر عنها بالبتات؛ لأن الثلاث قطعت جميع العُلَق، والطلاق. ولم تبقِ شيئًا بين الزوجين.
(وعبد الرحمن بن الزبير) - بفتح الزاي، وكسر الباء، ولم يختلف في ذلك -: وهو الزبير بن باطا.
و(هدبة الثوب): طرفه الذي لم ينسج، وتعني به: ما يبقى بعد قطع الثوب من السَّدى، شُبِّه بـ (هُدَبِ العَين) وهو: الشعر النابت على حرفها.
و(قوله: حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك) مذهب الجمهور: أن هذا كناية عن الجماع. وقال بعضهم: في تصغير (عُسَيلَة) دليل: على أن الوطأة الواحدة كافية في إباحتها لمطلقها. وشذَّ الحسن فقال: العسيلة هنا: كناية عن المني، فلا تحل له عنده إلا بإنزاله.
قلت: ولا شك أن أول الإيلاج مبدأ اللذة، وتمامها الإنزال، والاسم
(1) سقطت من (ع).
وَأَبُو بَكرٍ عِندَهُ وَخَالِدٌ بِالبَابِ يَنتَظِرُ أَن يُؤذَنَ لَهُ، فَنَادَى: يَا أَبَا بَكرٍ أَلَا تَسمَعُ هَذِهِ مَا تَجهَرُ بِهِ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ .
ــ
يصدق (1) على أقل ما ينطلق عليه. فالأولى ما ذهب إليه الجمهور، والله تعالى أعلم.
وهذا الحديث نصٌّ في الردِّ على ما شذَّ فيه سعيد بن المسيب عن جماعة من العلماء في قوله: إن عقد النكاح بمجرده يُحلِّهُا لمطلقها. وقال بعض علمائنا: ما أظن سعيدا بلغه هذا الحديث، فأخذ بظاهر القرآن، وشذَّ في ذلك، ولم يقل أحدٌ بقوله.
قلت: قد قال بقول سعيد بن المسيب: سعيدُ بن جبير وجماعة من السلف، على ما حكاه القاضي عبد الوهاب في شرح رسالة ابن زيد.
ويفهم من قوله: (حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك) استواؤهما في إدراك لذة الجماع. وهو حجة لأحد القولين عندنا في: أنه لو وطئها نائمة، أو مغمى عليها لم تحل لمطلقها؛ لأنها لم تذق العسيلة؛ إذ لم تدركها.
وتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم إما من تغطية مرادها في الرجوع إلى زوجها الأول، أو تعجبا من تصريحها بشكواها بما عادة النساء الاستحياء منه.
وفيه دليل على أن مثل هذا إذا صدر من مدَّعيته لا ينكر عليها، ولا توبّخ بسببه، فإنه في معرض المطالبة بالحقوق. ويدل على صحته: أن أبا بكر رضي الله عنه لم ينكره، وإن كان خالد قد حرَّكه للإنكار، وحَضَّه عليه.
و(تجهر): ترفع صوتها. وفي غير كتاب مسلم: (تهجر) من الهجر. وهو: الفحش من القول.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: (أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة) تمسَّك به داود، وابن عُلَيَّة،
(1) في (ع): ينطلق.
وفي رواية: أنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَهَا آخِرَ ثَلَاثِ تَطلِيقَاتٍ.
رواه أحمد (6/ 193)، والبخاريُّ (5261)، ومسلم (1433)(112) و (113).
[1540]
وعَنها قَالَت: طَلَّقَ رَجُلٌ امرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبلَ أَن يَدخُلَ بِهَا، فَأَرَادَ زَوجُهَا الأَوَّلُ أَن يَتَزَوَّجَهَا فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِكَ فَقَالَ: لَا حَتَّى يَذُوقَ الآخِرُ مِن عُسَيلَتِهَا مَا ذَاقَ الأَوَّلُ.
رواه أحمد (6/ 34)، والبخاريُّ (2639)، ومسلم (1433)(115) وأبو داود (3309)، والترمذي (1118)، والنسائي في الكبرى (9316)، وابن ماجه (1932).
ــ
والحكم. وقالوا: لا تطلق المرأة بسبب عُنَّةِ زوجها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يطلق عليه، ولا ضرب له أجلًا. وجمهور العلماء من السَّلف وغيرهم على خلافهم، وأنه يُضرَبُ له أجل، فإن دخل بها، وإلا فرق بينهما. وقد حكى بعض أئمتنا الإجماع على ذلك، وكأنَّه يريد إجماع السَّلف، والله تعالى أعلم.
ولا حجة لداود، ولا لمن قال بقوله في الحديث الذي تمسَّكوا به؛ لأن الزوج لم يصدِّقها على ذلك؛ بدليل ما رواه البخاري في هذا الحديث: أنَّها لما قالت: إن ما معه ليس بأغنى عَنِّي من هذه -وأخذت هدبة من ثوبها -، فقال: كذبت، والله إني لأنفضها نفض الأديم، ولكنها ناشزة تريد أن ترجع إلى رفاعة (1). وإنما يضرب الأجل إذا تصادقا على عدم المسيس، أو عرضت عليه اليمين فنكل، على ما يقوله بعضهم.
(1) رواه البخاري (5317).