الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة
[1626]
عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن المُخَابَرَةِ، وَالمُحَاقَلَةِ، وَالمزابنة، وَعَن بَيعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى تُطعِمَ، وَلَا تُبَاعُ إِلَّا
ــ
(11)
ومن باب: النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة
قد تقدَّم القول في أصل اشتقاق المحاقلة. وقد فسَّرها ها هنا جابر: بأنَّها بيع الزرع القائم بالحب كيلًا. وقال الجوهري في الصحاح: المحاقلة: بيع الزرع في سنبله بالبرِّ. وقد نُهِي عنه.
قلت: وهذا يرجع إلى المزابنة، كما قدمناه. وقد فسرها غيره: بأنها كراء الأرض بما يخرج منها. وهو الذي صار إليه أصحابنا. فأمَّا المخابرة فمأخوذة من الخبر - بضم الخاء - وهو النصيب. هكذا حكاه أهل اللغة، وأنشدوا عليه:
إِذَا مَا جَعلت الشاة للناس خبرة
…
فَشَأنُك أنِّي ذاهبٌ لِشُؤوني
وقال ابن الأعرابي: أصل المخابرة مأخوذ من خيبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أقرها في أيدي أهلها على النصيب منها، فقيل: خابرهم؛ أي: عاملهم في خيبر.
قلت: وعلى هذا فلا تكون المخابرة منهيًا عنها، وقد ثبت النهي عنها فهي غيرها. والصحيح ما حكاه الجوهري وغيره: أن المخابرة هي المزارعة بجزء مما يخرج من الأرض. وهو: الخِبر أيضًا -بالكسر- ويشهد له ما ذكرناه آنفًا عن اللغويين. وعلى هذا فيكون الفرق بين المحاقلة والمخابرة: أن المحاقلة كراء الأرض بما يخرج منها مطلقا. والمخابرة: كراؤها بجزء مما يخرج منها؛ كثلث وربع. وقد قال بعض الناس: إنهما بمعنى واحد. والمشهور ما ذكرناه. وهو الأولى. والله تعالى أعلم. وسيأتي القول في كراء الأرض.
و(قوله: ونهى عن بيع الثمرة حتى تطعم، ولا تباع إلا بالدراهم أو الدنانير
بِالدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ، إِلَّا العَرَايَا قَالَ عَطَاءٌ: فَسَّرَ لَنَا جَابِرٌ قَالَ: أَمَّا المُخَابَرَةُ: فَالأَرضُ البَيضَاءُ يَدفَعُهَا الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ، فَيُنفِقُ فِيهَا، ثُمَّ يَأخُذُ مِن الثَّمَرِ. وَزَعَمَ أَنَّ المزابنة: بَيعُ الرُّطَبِ فِي النَّخلِ بِالتَّمرِ كَيلًا، وَالمُحَاقَلَةُ فِي الزَّرعِ: عَلَى نَحوِ ذَلِكَ يَبِيعُ الزَّرعَ القَائِمَ بِالحَبِّ كَيلًا.
وفي رواية: حَتَّى تُشقِحَ.
وفي رواية: حَتَّى تُشقِهَ مكان تطعم، قال وَالإِشقَاهُ: أَن تَحمَرَّ أَو تَصفَرَّ أَو يُؤكَلَ مِنهَا شَيءٌ. وَالمُحَاقَلَةُ: أَن يُبَاعَ الحَقلُ بِكَيلٍ مِن الطَّعَامِ مَعلُومٍ. وَالمزابنة: أَن يُبَاعَ النَّخلُ بِأَوسَاقٍ مِن التَّمرِ. وَالمُخَابَرَةُ: الثُّلُثُ وَالرُّبُعُ وَأَشبَاهُ ذَلِكَ.
ــ
إلا العرايا) هذا المساق فيه تثبيجٌ (1) بالتقديم والتأخير، وذلك أن مساقه يقتضي أن تباع الثمرة قبل طيبها بالدراهم أو الدنانير (2) وذلك لا يجوز بالاتفاق، لا بهما، ولا بالعروض إلا على شرط القطع. فيجوز بالعين، والعرض، فلا يصح أن يكون ذلك استثناء من بيع الثمرة بوجه، وإنما يصح رجوع الاستثناء للمحاقلة، والمخابرة، فإنها هي التي نهي عن بيعها إلا بالعين، كما يأتي بعد هذا في حديث رافع بن خديج حيث قال:(أما بالذهب والورق فلا بأس به)(3).
و(قوله: إلا العرايا) مستثنى من المزابنة، كما جاء في الحديث المتقدِّم. وترتيب هذا الحديث أن يقال: نهى عن المحاقلة، والمخابرة إلا بالدنانير أو الدراهم، وعن المزابنة إلا العرايا. وهذا واضح، والله تعالى أعلم.
(1) أي: تخليط.
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (م).
(3)
انظره في التلخيص برقم (1933).
قَالَ زَيدٌ بن أبي أنيسة: أَسَمِعتَ جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ يَذكُرُ هَذَا عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَم.
رواه أحمد (3/ 320)، والبخاري (2196)، ومسلم (1536)(81 و 82 و 83 و 84)، وأبو داود (3370)، والنسائي (7/ 263).
[1627]
وعنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن المُحَاقَلَةِ، وَالمزابنة، والمخابرة وَالمُعَاوَمَةِ، وفي رواية: بَيعُ السِّنِينَ: (عوض المُعَاوَمَةُ). وَعَن الثُّنيَا، وَرَخَّصَ فِي العَرَايَا.
ــ
و(قول زيد بن أبي أُنَيسة لعطاء: (أسمعت جابر بن عبد الله يذكر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم) تحتمل هذه الإشارة أن تكون عائدة إلى الحديث، وتفسيره المتقدم. فيكون كل ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن تكون عائدة إلى الأمور التي نهى عنها في صدر الحديث لا إلى التفسير. وهو الأولى؛ لقول عطاء: فسَّر لنا جابر، فذكر التفسير.
التشقيح والتشقية - بالحاء والهاء - كما فسَّره الراوي بقوله: أن تحمَرَّ وتَصفَرَّ، ويؤكل منها. وكذلك فسَّره (1) أهل اللغة قالوا: يقال: أشقح النخل، وشقَّح - مشدَّدًا -: إذا أزهى. ويقال: أشقه النخل - بالهاء - فيبدلون من الحاء هاءَ لتقارب مخرجيهما.
والمعاومة: بيع الثمر أعوامًا. وهو المعبَّر عنه باللفظ الآخر (2): بيع السنين. ولا خلاف في تحريم بيعه؛ لكثرة الغرر والجهل.
والثُّنيَا - بالضم والقصر، على وزن الكُبرى - هي: الاسم من الاستثناء،
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
رواه مسلم (1543)(85)، وأبو داود (3404)، والترمذي (1313)، والنسائي (7/ 296)، وابن ماجه (2266).
* * *
ــ
وكذلك: الثَّنوى - بفتح الثاء - على وزن: طَرفَى. ذكر ذلك في الصحاح. قال الهروي: بيع الثُّنيا هو: أن يُستثنى من المبيع شيء مجهول، فيفسد البيع. وقال القتبي: هو أن يبيع شيئًا جزافًا ويستثني منه شيئًا.
قلت: والحاصل: أن الثنيا اسم جنس لما فيه استثناء، سواء كان ذلك من البائع، أو من المبتاع. فيكون الأصل في كل ذلك المنع لأجل النَّهي، غير أن في ذلك تفصيلًا يظهر بصور:
الأولى: جائزة باتفاق، وهي: أن يستثني البائع نخلات معينات من حائط، قلت، أو كثرت؛ لأن البيع لم يقع عليهن، بل على ما عداهن.
الثانية: أن يستثني نخلات مجهولات، أو كيلًا مجهولًا من الثمرة؛ على أن يعين ذلك بعد البيع. فذلك ممنوع فاسد باتفاق؛ لتناول النهي له وللجهل بالمبيع والغرر (1).
الثالثة: أن يستثني من الثَّمر كيلًا معلومًا. فذهب الجمهور إلى أن ذلك لا يجوز منه قليل ولا كثير. ورأوا أن ذلك النهي متناول له؛ لما فيه من الجهالة. وذهب مالك في جماعة أهل المدينة: إلى أن ذلك جائز فيما بينه وبين ثلث الثمرة، ولا يجوز زيادة على ذلك. ورأوا: أن خرص الثمرة وحَزرها مما يُعرف
(1) ساقط من (ع).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مقدارها، وأن استثناء القليل منها لا يكثر فيه الغرر. والقليل من الغرر مغتفر في مواضع كثيرة من الشرع. وما دون الثلث قليل.
قلت: وهذا تخصيص للعموم بالنظر.
الرابعة: أن يستثني جزءًا من الثَّمرة مشاعًا. فيجوز عند مالك وعامة أصحابه، قل، أو كثر. وذهب عبد الملك: إلى أنَّه لا يجوز استثناء الأكثر. والخلاف في ذلك مبني على جواز استثناء الأكثر من الأقل، وعدم جوازه. وقد بيّنا جوازه في أصول الفقه.
الخامسة: أن يقول البائع للمشتري: أبيعك هذا الشيء بكذا، على أنك إن جئتني بالثمن إلى أجل كذا رددت عليك ملكك. فهذا فاسد للنهي عنه، ولأنه ذريعة للسَّلف الذي يجر نفعًا. ويفسخ ما لم يَفُت، فإن فات ضمن بالقيمة، ويُفيتُه ما يُفيت البيع الفاسد.
السادسة: أن يعقد المشتري على أنه إن لم يأت بالثمن إلى وقت كذا فلا بيع بينهما. فاختلف فيه. فبعضهم أبطل الشرط، وصحح العقد. ومنهم من ألزم قائله الشرط، وجعل للآخر الخيار. والوجهان مرويان عن مالك.
* * *