الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(17) كتاب العتق
(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء
[1569]
عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن أَعتَقَ شِركًا لَهُ فِي عَبدٍ، كَانَ لَهُ مَالٌ يَبلُغُ ثَمَنَ العَبدِ، قُوِّمَ عَلَيهِ قِيمَةَ العَدلِ، فَأَعطي شُرَكَاؤهُ حِصَصَهُم، وَعَتَقَ عَلَيهِ العَبدُ، وَإِلَّا فَقَد عَتَقَ مِنهُ مَا عَتَقَ.
رواه أحمد (2/ 112)، والبخاري (2522)، ومسلم (1501)، وأبو داود (3940) و (3941)، والترمذي (1346)، والنسائي (7/ 319)، وابن ماجه (2528).
ــ
(17)
كتاب العتق
(1)
ومن باب: فيمن أعتق شركًا له في عبد (1)
قوله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق شِركًا له في عبدٍ، وكان له مال يبلغ ثمنَ العبد قوَّم عليه قيمة العدل، فَأُعطِي شركاؤه حِصَصَهم، وعتق عليه العبد، وإلا فقد عَتَقَ منه ما عَتق).
قلت: هذا الحديث من رواية مالك، عن نافع، عن ابن عمر ـ رضي الله
(1) ليس في الأصول، واستدرك من التلخيص.
[1570]
وعَن أبي هريرة: عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن أَعتَقَ شِقصًا لَهُ
ــ
عنهما ـ وهو أتقن ما روي عن نافع من ذلك، وأكمله. فلنبحث عن كلماته. فـ (من) بحكم عمومها تتناول كُلَّ من يلزمه العتق. وهم المكلفون، الأحرار، المسلمون، ذكرهم، وأنثاهم. فمن أعتق نصيبه منهم في مملوك مشترك نفذ عِتقه في نصيبه، وقوَّم عليه نصيب شريكه إن كان موسرًا، ودفعت القيمة للشريك، وكُمِّل على المبتدئ بالعتق. فلو من ليس بمكلف من صبي، أو مجنون لم يلزمه العتق، ولم يكمل عليه. وكذلك لو العبد بغير إذن سيده. فلو أذن له السيد أو أجاز انتقل الحكم إليه، ولزمه العتق، وكمل عليه.
وأما الكفار: فلا يصح العتق الشرعي منهم. إمَّا لأنَّهم غير مخاطبين بالفروع. وإما لأن صحة القرب الشرعية موقوفة على الإسلام. فلو كان العبد مسلمًا وسيداه نصرانيين، فأعتق أحدهما كمل عليه؛ لأنه حكم بين مسلم وذمي. وكذلك لو كان العبد وأحدُ سيديه نصرانيين، فأعتق النصراني كمّل عليه لحقِّ المسلم على قول أشهب، ومطرِّف، وابن الماجشون. وفي المختصر الكبير: لا يقوَّم عليه. وقال ابن القاسم: إن كان العبد مسلمًا قوَّم عليه، وإلا فلا، بناءً على أن القُربَ لا تصحُّ منهم، ولا يجبرون عليها.
و(الشرك): النصيب. ومنه قوله تعالى: {وَمَا لَهُم فِيهِمَا مِن شِركٍ} ويكون بمعنى: الشريك. لقوله تعالى: {جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} ويكون بمعنى: الاشتراك، كما جاء في حديث معاذ: أنه أجاز من أهل اليمن الشرك (1). يعني: الاشتراك في الأرض.
و(الشَّقصُ) والشُّقَيصُ: النصيب والجزء. والتشقيص: التجزئة.
(1) انظر كتاب الأموال لأبي عبيد، باب: تقسيم الأراضي.
فِي عَبدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِن كَانَ لَهُ مَالٌ، فَإِن لَم يَكُن لَهُ مَالٌ استُسعِيَ العَبدُ غَيرَ مَشقُوقٍ عَلَيهِ.
زاد في أخرى: إِن لَم يَكُن لَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيهِ العَبدُ قِيمَةَ عَدلٍ، ثُمَّ
ــ
و(العبد): اسم للمملوك الذكر بأصل وضعه، ومؤنثه: أمة - من غير لفظه -، وقد حُكي: عبدةٌ. ولهذا قال إسحاق بن راهويه: إنَّ هذا الحديث إنّما يتناول ذكور العبيد دون إناثهم، فلا يكمَّل على من أعتق شِركًا في أنثى.
وهو على خلاف الجمهور من السَّلف، ومن بعدهم: فإنهم لم يفرِّقوا بين الذكر والأنثى؛ إمَّا لأن لفظ العبد يُراد به الجنس، كما قال تعالى:{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ إِلا آتِي الرَّحمَنِ عَبدًا} فإنه قد يتناول الذكر والأنثى من العبيد قطعًا. وإمَّا على طريق الإلحاق بنفي الفارق الذي هو القياس في معنى الأصل، كما بينَّاه. ومراتبه في كتابنا في أصول الفقه.
و(المال) هنا: كل ما يُتَموَّلُ؛ أي: يتملك، فيباع عليه كل ما يُباع على المفلس.
و(الثمن): أراد به هنا القيمة. والتقويم: اعتبار مقدار ثمن العبد المعتق بعضُه. ولا يكون ذلك إلا من عارفٍ بقيم السِّلع، موثوقٍ بدينه، وأمانته؛ لأنَّ التقويم فَصل بين الخصوم، وتمييز لمقادير الحقوق.
وظاهر هذا الحديث: أنَّه يقوَّم عليه كاملًا، لا عتق فيه، وهو المعروف من المذهب. وقيل: يقوَّم على أن بعضه حُرٌّ. والأول أصحُّ؛ لأن جناية المعتق هي سبب تفويت مِلك الشَّريك، فيقوَّم عليه على ما كان عليه حال الجناية، كالحكم في سائر الجنايات المفوتة، وهل تعتبر قيمته يوم العتق، أو يوم الحكم؟ قولان. والثاني هو المشهور.
و(قوله: فأُعطِيَ شركاؤه حِصَصَهم). الرواية: (أعطي) مبنيًّا للمفعول. (شركاؤه) مفعول لما لم يُسمِّ فاعله. وهو مُشعرٌ بِجبرِ المُعتِق على الإعطاء، وجبرِ الشَّرِيك على الأخذ. لكن إنما يجبرُ الشَّريك إذا لم يَعتِق حصَّتَه، فلو أعتقها لم يجبر على المشهور، وسيأتي.
ويعني بقوله: (حصصهم) أي: قيمة حصصهم.
يُستَسعَى فِي نَصِيبِ الَّذِي لَم يُعتِق غَيرَ مَشقُوقٍ عَلَيهِ.
ــ
و(قوله: وعتق عليه العبد)(عَتَق) - بفتح العين والتاء، مبنيًّا للفاعل، واسم الفاعل: عتيق. ولا يقال مبنيًّا لما لم يسمِّ فاعله إلا بهمزة التعدية، فيقال: أُعتِق، فهو: مُعتَق.
ويستفاد منه: أن من حكم عليه بالعتق نسب إليه، وإن كان كارهًا. وإذا صحت نسبته إليه ثبت الولاء له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إنما الولاء لمن أعتق)(1).
وظاهر هذا الحديث: أن العتق لا يكمل للعبد إلا بعد التقويم ودفع القيمة إلى الشريك. وهو مشهور قول مالك وأصحابه، والشافعي في القديم، وبه قال أهل الظاهر. وعليه فيكون المعتق بعضه قبل التقويم والدفع حكم العبد مطلقا. ولو مات لم يقوَّم على المعتق. ولو أعتق الشريك نفذ عتقه، وكان الولاء بينهما.
وذهبت طائفة أخرى: إلى أن عتق البعض يسري إلى نصيب الشريك، فيلزم التكميل على الأول إن كان موسرًا، ولا يقف ذلك على تقويم، ولا حكم، ولا دفع. وإليه ذهب الثوري، والأوزاعي. وابن أبي ليلى، وابن شبرمة، ومالك، والشافعي في قولهما الآخر.
وعلى هذا فيكون حكم المعتق بعضه حكم الأحرار مطلقا من يوم العتق. ولو أعتق الشريك لم ينفذ عتقه. ولو مات العبد قبل التقويم ودفع القيمة مات حرًّا. ومتمسَّك هؤلاء حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قال فيه: (من أعتق شقصًا له في عبد فخلاصُه في ماله إن كان له مال)(2). وأظهر من هذا: ما رواه النسائي من حديث ابن عمر وجابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أعتق عبدًا وله فيه شركاء، وله وفاء فهو حُرٌّ، ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما أساء من مشاركتهم)(3).
(1) سيأتي تخريجه في التلخيص برقم (1872).
(2)
هو الحديث رقم (1871) في التلخيص.
(3)
رواه النسائي في الكبرى (4961).
وفي رواية: قَالَ عليه الصلاة والسلام فِي المَملُوكِ بَينَ الرَّجُلَينِ فَيُعتِقُ أَحَدُهُمَا قَالَ: يَضمَنُ.
ــ
قلت: وهذا التمسك ليس بصحيح لما يقتضيه النظر الأصولي. وذلك: أن هذه الأحاديث وإن تعدد رواتها، وكثرت ألفاظها؛ فمقصودها كلها واحد. وهو: بيان حكم من أعتق شركًا في عبدٍ، فهي قضية واحدة. غير أن من ألفاظ الرواة ما هو مقيَّد، ومنها ما هو مطلق، فيحمل مطلقها على مقيدها. وقد اتفق الأصوليون على ذلك، فيما إذا اتحدت القضية. وهذا من ذلك النوع المتفق عليه، ثم إن هذا من باب الجمع بين الأحاديث الواردة في هذا المعنى. والجمع أولى من الترجيح إذا أمكن باتفاق أهل الأصول. ثم ظاهر ذلك اللفظ الأول: أنَّه لو وجد التقويم دون الإعطاء لم يكمل الإعتاق إلا بمجموعهما. وهو ظاهر حكاية الأصحاب عن المذهب، غير أن سحنونًا قال: أجمع أصحابنا: على أن من أعتق شقصًا له في عبد إنَّه بتقويم الإمام عليه حُرٌّ بغير إحداث حكم. فظاهر هذا: أن نفس التقويم على الموسر موجب للحرية، وإن لم يكن إعطاء، وفيه بُعدٌ؛ لأن التقويم لو كان محصِّلًا للعتق للزم الشريك أن يتبع ذمة المعتق إذا أعسر بالقيمة بعد التقويم. وذلك لا يتمشى؛ لا على القول بالسِّراية، ولا على مراعاة التقويم ولا على قوله:(وعتق عليه)(1).
و(قوله: وإلا فقد عتق منه ما عتق (2)). ذكره مالك عن نافع على أنّه من قول النبي صلى الله عليه وسلم وجزم بذلك. وهو الظاهر من مساق الحديث. فروايته أولى من رواية أيوب عن نافع، حيث اضطرب في ذلك. فقال مرة: قال نافع: (وإلا فقد عتق منه ما عتق)(3) ومرة قال: فلا أدري، أشيء قاله نافع، أم هو من الحديث؛ لأن
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع) و (ج 2).
(2)
في (ع): فلا وقوله: وإلا فقد عتق عليه وفي (ل 1) و (ج 2) فلا وقوله: وإلا فقد عتق منه ما عتق. وما أثبتناه يقتضيه السياق، والله أعلم.
(3)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
رواه أحمد (2/ 255)، والبخاري (2492)، ومسلم (1502) و (1503)(3) و (4)، وأبو داود (3938 و 3939) والترمذي (1348)، والنسائي في الكبرى (4962)، وابن ماجه (2527).
* * *
ــ
مالكا جازم غير شاك! وقد تابعه على ذلك جماعة من الحفاظ عن نافع كجرير بن حازم، وعبيد الله، وغيرهما.
وتضمَّن هذا الحديث: أنَّه لا بدَّ من عتق نصيب المعتق وتنفيذه موسرًا كان أو معسرًا. وهو مذهب كافة العلماء. وشذَّ آخرون، فأبطلوا عتق ذلك الشقص إن كان معسرًا. وهو مصادمة للنص المذكور. وكأنَّه راعى حق الشريك بما يدخل عليه من الضرر بحرية الشقص. وهو قياس فاسد الوضع؛ لأنه مخالف للنص. ويلزمه على هذا: أن يرفع الحكم بالحديث رأسًا، فإنه مخالف للقياس، حيث حكم الشرع بعتق حصة الشريك، وإخراجها عن ملكه جبرًا، فإن اعتذر عن هذا: بأن الشرع إنما حكم بذلك تعبدًا، أو تشوفًا للعتق، اعتذرنا بذلك عن تنفيذ عتق الشقص على المعتق المعسر.
وحاصله: أن مراعاة حق الله تعالى في العتق مقدَّمة على مراعاة حقِّ الآدمي، ولا سيما والعتق قد وقع على حصة المعتِق. وما وقع فالأصل بقاؤه.
وظاهر حديث ابن عمر وإن اختلفت طرقه، وألفاظه -: أن المعتق إذا كان معسرًا لم يكلف العبد السعي في تخليص ما بقي منه، وهو مذهب كافة العلماء ما عدا أبا حنيفة؛ فإنَّه يجبر الشريك في العتق، واستسعاء العبد، متمسِّكًا في ذلك بما في حديث أبي هريرة من ذكر الاستسعاء الذي قال فيه:(فإن لم يكن له مالٌ استُسعِي العبد غير مشقوقٍ عليه).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وقد رد علماؤنا ذكر الاستسعاء المذكور في هذا الباب بوجهين:
أحدهما: التأويل. وهو أن قالوا: معناه: أن يُكلَّف المتمسَّك بالرِّق عَبدَه الخدمة على قدر ملكه، لا زيادة على ذلك. ولفظ الاستسعاء قابل لذلك؛ لأنه استدعاءٌ للسعي؛ الذي هو العمل. لكن لماذا؟ هل لحق العتق، أو لحق السَّيد؟ الأمر محتمل، ولا نصَّ، غير أن تأويلنا أولى؛ لأنه موافق للقواعد الشرعية، وتأويلهم مخالف لها على ما نبينه إن شاء الله تعالى.
قلت: هذا معنى ما أشار إليه أصحابنا. وقد جاء في كتاب أبي داود ما يبطل هذا التأويل من حديث أبي هريرة. قال: (فإن لم يكن له مال قوِّم العبد قيمة عدلٍ، ثم يُستسعى لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه)(1).
والوجه الثاني: الترجيح. وهو من أوجه:
الأول: أن سند حديثنا أقرب سندًا من حديثهم، فتطرُّق احتمال الغلط إليه أبعد.
الثاني: أن حديثهم قد رواه شعبة، وهشام، وهمَّام موقوفًا على قتادة من قوله، وفتياه. وحديثنا متفق على رفعه، فكان أولى.
والثالث: أن حديثنا معمولٌ به عند أهل المدينة، وجمهور العلماء. وحديثهم إنما عمل به أبو حنيفة وأصحابه من أهل العراق، فكيف تخفى سُنَّة على أهل المدينة، وتظهر بالعراق؟ ! وهذا في الاستبعاد والهذر (2)، كمستبضع التمر إلى هجر (3).
(1) رواه أبو داود (3938).
(2)
في (ع) و (ل 1): الندر.
(3)
هذا مثل. وهجر: معدن التمر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرابع: أن حديثهم مخالف للأصول في حق السَيِّد والعبد، أما في حق السيد: فإنه إخراج لملك عن مالك من غير عوض ولا تنجيز عتق جبرًا (1). وبيانه: أن مدَّة الاستسعاء تفوِّت على السيد عبده، وقد لا يحصل له شيء يعتق به، فتفوت عليه منافع عبده لغير فائدة. وأما في حق العبد: فإن تكليفه السعي ليحصل له العتق في معنى الكتابة. والكتابة لا يجبر عليها العبد إذا لم يطلبها بالاتفاق بيننا وبينه. والسعي لا يجبر عليه. وأيضًا فإن منع المالك من التصرف في ملكه، وإدخال العبد فيما لا يريده مؤاخذات لهما بسبب جناية (2) غيرهما الذي هو المعتق. ومن الأنسب الأحرى: أَن لَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى. فقد ظهر بهذه الأوجه: أن حديث ابن عمر أولى وأوجه.
تنبيهان:
الأول: ذهب بعض المتأخرين: إلى أن الحكم بالتكميل غير معلَّل، وليس بصحيح. بل قد نصَّ الشرع على تعليله في الحديث الذي ذكرناه من حديث ابن عمر، وجابر، حيث قال فيه:(من أعتق عبدا وله فيه شركاء، وله وفاء فهو حرٌّ، ويضمن نصيب شركائه بقيمته، لما أساء من مشاركتهم، وليس على العبد شيء)(3). وإذا علل ذلك بسوء المشاركة فذلك موجود فيما إذا دبَّر بعض عبده (4)، فيكمِّل عليه التدبير بعد التقويم. وهو أحد الأقوال في المذهب. أو لا يلحق به
(1) سقطت من (ع).
(2)
هذه اللفظة ليست في (ع) و (ل 1) واستدركت من (ج 2).
(3)
رواه النسائي في الكبرى (4961).
(4)
أي: أن يقول لعبده: نصفك أو ثلثك أو. . حرٌّ بعد موتي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك لمخالفة حكم الفرع حكم الأصل؛ فإن حكم الأصل عتق (1) ناجز لازمٌ، إمَّا في الجزء، وإمَّا في الكلِّ. وفي الفرع تدبير قد لا يحصل منه شيء لإمكان لحوق الدين تركة السيد، فيباع المدبَّر، فلا يَكمُل التدبير. وهو القول الثاني عندنا. وإذا لم يصحّ ذلك في التدبير فالكتابة أبعد؛ لأنها مع توقع عجز المكاتب معاوضة. وعلى هذا: فتكون علَّه الحديث قاصرة، والله تعالى أعلم.
الثاني: إن الشَّرع لَمَّا جبر الشَّريك على أخذ قيمة شقصه، فَهِمَ العلماء من ذلك تشوُّف الشَّارِع إلى العتق. وإذا كان ذلك في ملك الغير كان أحرى وأولى في ملك نفسه. فإذا أعتق جزءًا من عبده كُمِّل عليه عتق جميعه. وهل بالسراية، أو بالحكم؟ قولان. القول بالسراية هنا أولى؛ إذ لا حاجة إلى التقويم، ولا إلى الحكم بخلاف الأصل، فإن التقويم ثَمَّ أحوج إليه حق الشريك. وقد شذَّ بعض العلماء فمنع هذا الإلحاق، وقصر وجوب التكميل على من أعتق شقصًا من مشترك. وكذلك شذَّ عثمان البَتِّيِّ فقال: لا شيء على المعتق إلا أن تكون جارية رائعة الجمال تراد للوطء، فيضمن ما أدخل على صاحبه فيها من الضرر. وكذلك أيضًا شذَّ ابن سيرين؛ فرأى القيمة في بيت المال. وشذَّ آخرون منهم زفر، والبصريون؛ فقالوا: يقوَّم على الموسر والمعسر، ويُتّبع إذا أيسر. وهذه كلها أقوال شاذَّة مخالفة للنصوص والظواهر، فلا يلتفت إليها.
* * *
(1) في (ع): حكم.