الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم
[1444]
عن حُذَيفَةُ بنُ اليَمَانِ قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَن أَشهَدَ بَدرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيلٌ، قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيشٍ فقَالَوا: إِنَّكُم تُرِيدُونَ
ــ
لعدوى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يُعدي شيء شيئًا (1)، وقال: لا عدوى (2)، وقال للأعرابيِّ: فمن أعدى الأول (3).
ويفيد هذا الحديث إباحة مباعدة أهل الأسقام الفادحة المستكرهة إذا لم يؤد ذلك إلى إضاعتهم وإهمالهم، والله تعالى أعلم.
(18)
ومن باب: وفاء الإمام بما عقده غيره
قول حذيفة خرجت أنا وأبي حُسيلٌ، روي بالتصغير والتكبير؛ أي: حِسلًا، وهو اسم لوالد حذيفة، واليمان لقب له غالبٌ عليه، وقيل: هو اسمٌ لأحد أجداد حذيفة، وهو: حذيفةُ بن حسل بن عامر بن ربيعة بن عمرو بن جِروَة، وهو (4) اليمان، وكان جروةُ هذا قد أصاب دمًا في قومه فهرب إلى المدينة، فحالف بني عبد الأشهل، فسمَّاه قومه اليماني لأنه حَالَفَ اليمانية.
(1) رواه الترمذي (2144) عن ابن مسعود.
(2)
رواه أحمد (2/ 507)، والبخاري (5757). ومسلم (2224)(114).
(3)
رواه البخاري (5717)، ومسلم (2220).
(4)
في (ع): بن.
مُحَمَّدًا؟ فَقُلنَا: مَا نُرِيدُ إِلَّا المَدِينَةَ! فَأَخَذُوا مِنَّا عَهدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنصَرِفَنَّ إِلَى المَدِينَةِ وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَينَا رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَخبَرنَاهُ الخَبَرَ، فَقَالَ: انصَرِفَا، نَفِي لَهُم بِعَهدِهِم وَنَستَعِينُ اللَّهَ عَلَيهِم.
رواه مسلم (1787).
[1445]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ، وَكَانَ مِن أَزدِ شَنُوءَةَ، وَكَانَ يَرقِي مِن هَذِهِ الرِّيحِ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِن أَهلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجنُونٌ! فَقَالَ: لَو أَنِّي رَأَيتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشفِيهِ عَلَى يَدَيَّ! قَالَ: فَلَقِيَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَرقِي مِن هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشفِي عَلَى يَدِي مَن يشَاءَ، فَهَل لَكَ؟ فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الحَمدَ لِلَّهِ، نَحمَدُهُ وَنَستَعِينُهُ، مَن يَهدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعدُ. قَالَ: فَقَالَ: أَعِد
ــ
وقوله انصرفا، نَفِي لهم بعهدهم، هكذا وقع ها هنا نفي بنونٍ في أول الفعل، وعلى هذا فيكون هو صلى الله عليه وسلم الذي وفَّى بما عهده حذيفة وأبوه للمشركين، وقد وقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي تفيا باثنتين من فوقها والألف للاثنين بعد الياء المفتوحة، وعليه فيكون هما اللذان وفّيا بما عقداه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمضَاهُ.
وقوله صلى الله عليه وسلم بعد خطبته لضماد أما بعد ولم يذكر جوابَ أمَّا، سكت عنه لأن ضمادًا قطع عليه ما أراد أن يقول حين قال له: أعد عليّ كلماتك هذه، فاشتغل بإعادته عن الجواب، ثمّ إنّ ضمادًا لَمّا (1) كان عالِمًا بأصناف الكلام البليغ ووجد عنده ما حصل له من العلم بذلك قطع بأنه لا يصدر مثل ذلك إلا
(1) ساقط من (ج 2).
عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ! فَأَعَادَهُنَّ عَلَيهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. قَالَ: فَقَالَ: لَقَد سَمِعتُ قَولَ الكَهَنَةِ وَقَولَ السَّحَرَةِ وَقَولَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعتُ مِثلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَد بَلَغنَ قَامُوسَ البَحرِ! قَالَ: فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعكَ عَلَى الإِسلَامِ! قَالَ: فَبَايَعَهُ، فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَعَلَى قَومِكَ؟ فقَالَ: وَعَلَى قَومِي. قَالَ فَبَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَومِهِ، فَقَالَ صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلجَيشِ: هَل أَصَبتُم مِن هَؤُلَاءِ شَيئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِن القَومِ: أَصَبتُ مِنهُم مِطهَرَةً! فَقَالَ: رُدُّوهَا؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَومُ ضِمَادٍ!
رواه مسلم (868).
* * *
ــ
عن نبي وأنه مُحِقٌّ في قوله، فأسلَم وحَسُنَ إسلامه، وضمن عن قومه الإسلام حتى قدم عليهم فأسلَمُوا، فلم يحتج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خطبته لإنشاء كلام يكون جوابًا لـ أمَّا.
وقاموس البحر قَعرَهُ، وقد مضى تفسيره وتفسير ما شابه هذه الصيغة، وهذا القول من ضمادٍ يُحتمل أن يكون على الإغياء؛ يعني أنَّه لو كان في قعر البحر أحدٌ لبلغت ووصلت إليه، ويكون الماضي بمعنى المستقبل، ويحتمل أن يتجوز بالبحر ويعبِّر به عن قلبه؛ لأنه كثير المعارف والفضائل ولسعته لكل ذلك، فكأنَّه قال: بلغت كلماتك قعر قلبي. وتكون هذه الاستعارة كما قال صلى الله عليه وسلم في الفرس: وإن وجدناه لبحرًا (1).
* * *
(1) رواه أحمد (3/ 202).