الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) باب في البيعة على ماذا تكون
[1420]
عَن عُبَادَةَ بنِ الصامت قَالَ: بَايَعنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمعِ وَالطَّاعَةِ فِي العُسرِ وَاليُسرِ وَالمَنشَطِ وَالمَكرَهِ،
ــ
(9)
ومن باب: البيعة
وهي مأخوذة من البيع، وذلك أن المبايع للإمام يلتزم أن يقيَهُ بنفسه وماله، فكأنّه قد بذل نفسه وماله لله تعالى، وقد وعده الله تعالى على ذلك بالجنة، فكأنّه قد حصلت له المعاوضة، فصدق على ذلك اسم البيع والمبايعة والشراء؛ كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} إلى أن قال: فَاستَبشِرُوا بِبَيعِكُمُ الَّذِي بَايَعتُم بِهِ، وعلى نحوٍ من هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لصهيب: ربح البيع أبا يحيى (1)، وكانت قريشُ تبعته لتردّه عن هجرته، فبذل لهم ماله في تخليص نفسه ابتغاء ثواب الله تعالى، فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم بيعًا، وهذا أحسن ما قيل في المبايعة.
ثم هي واجبة على كل مسلم لقوله صلى الله عليه وسلم: من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية (2)، غير أنّه مَن كان مِن أهل الحل والعقد والشهرة فبيعته بالقول والمباشرة باليد إن كان حاضرًا، أو بالقول والإشهاد عليه إن كان غائبًا، ويكفي مَن لا يُؤبَهُ لَهُ ولا يُعرَف أن يعتقد دخوله تحت طاعة الإمام ويسمع ويطيع له في السرّ والجهر ولا يعتقد خلافًا لذلك، فإن أضمره فمات مات ميتة جاهلية؛ لأنه لم يجعل في عنقه بيعة.
وقوله بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، هذه البيعة تسمَّى بيعة
(1) رواه الحاكم (3/ 398).
(2)
رواه مسلم (1851).
وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَينَا، وَعَلَى أَن لَا نُنَازِعَ الأمرَ أَهلَهُ، وَعَلَى أَن نَقُولَ بِالحَقِّ حَيثَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَومَةَ لَائِمٍ.
زاد في رواية بعد قوله وَأَلَا نُنَازِعَ الأمرَ أَهلَهُ قَالَ: إِلَّا أَن تَرَوا كُفرًا بَوَاحًا
ــ
الأمراء، وسُمّيت بذلك لأن المقصود بها تأكيد السمع والطاعة على الأمراء، وقد كان عُبَادَةُ بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء، وسُمّيت بذلك لأنه لم يكن فيها ذِكرُ حربٍ ولا قتال. وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بيعة الرِّضوان، وسُمّيت بذلك لقول الله تعالى:{لَقَد رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤمِنِينَ إِذ يُبَايِعُونَكَ تَحتَ الشَّجَرَةِ} وسيأتي ذِكرُهَا.
وقوله وعلى أَثَرةٍ علينا، قد تقدّم القول في تقييد أثرة وفي معناه، وكأنَّ هذا القول خاصٌّ بالأنصار، وقد ظهر أثر ذلك يوم حنين حيث آثر النبي صلى الله عليه وسلم قريشًا بالفيء ولم يُعط الأنصار شيئًا، فجرى من الحديث ما تقدّم في كتاب الزكاة، وهناك قال النبي صلى الله عليه وسلم: اصبروا حتى تلقوني على الحوض (1)، فقالوا: سنصبر إن شاء الله. وفيه أيضًا تنبيه لهم على أن الخلافة في غيرهم، وقد صرّح بذلك في قوله: وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وكذلك فعلوا لَمّا علموا أهلية أبي بكر للخلافة أذعنوا وسلّموا وسمعوا وأطاعوا.
وقوله إلا أن تروا كفرًا بواحًا، كذا روايةُ هذه اللفظة بالواو عند كافة الرّواة، وهي من باح الرجل بالشيء يبوح به بوحًا وبواحًا إذا أظهره، وقال ثابت (2): رواه النسائي بُؤَاحًا أو بَؤُوحًا - وهي بمعناه، إلا ما زادت من معنى
(1) رواه البخاري تعليقًا (11/ 463)، ومسلم (1845).
(2)
هو ثابت السَّرقُسطي: أبو القاسم، محدِّث، حافظ، لغوي. له كتاب "الدلائل" في شرح ما أغفل أبو عبيد وابن قتيبة من غريب الحديث. توفي سنة (313 هـ).
عِندَكُم مِن اللَّهِ فِيهِ بُرهَانٌ.
رواه أحمد (5/ 316)، والبخاري (7199)، ومسلم (1709) في الإمارة (41 و 42)، والنسائي (7/ 138).
[1421]
وعن ابنَ عُمَرَ قُالُ: كُنَّا نُبَايِعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمعِ وَالطَّاعَةِ، فيَقُولُ: مَا استَطَعتَم.
رواه أحمد (2/ 9)، والبخاري (7202)، ومسلم (1867)، وأبو داود (2940)، والنسائي (7/ 152).
* * *
ــ
المبالغة، وقد رواها أبو جعفر بَرَاحًا بالراء، من قولهم: بَرِحَ الخَفَاءُ؛ أي: ظَهَرَ.
وقوله عندكم من الله فيه برهان؛ أي: حجة بيّنة وأمرٌ لا شك فيه يحصل به اليقين أنه كفر، فحينئذ يجب (1) أن يخلع من عُقِدَت له البيعة على ما قدّمناه.
وقوله صلى الله عليه وسلم للمبايعين فيما (2) استطعتم رفعٌ لِمَا يخاف من التحرّج بسبب مخالفة تقعُ غلطًا أو سهوًا أو غلبة، فإنَّ ذلك كله غير مُؤاخذٍ به. ولا يُفهم من هذا تسويغُ المخالفة فيما يشقّ ويثقل مما يأمر به الإمام، فإنه قد نصّ في الأحاديث المتقدّمة على خلافه حيث قال: على المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره؛ في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وقال: فاسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فلا مشقة أكبر من هذه.
(1) في (ج 2): يجوز.
(2)
في (ع): إذا.