الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية: قَالَت: وَكَانَت أَوَّلَ امرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا بَعدِي.
رواه البخاريُّ (5212)، ومسلم (1463)(47) و (48).
* * *
(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}
[1527]
عَن عَائِشَةَ قَالَت: كُنتُ أَغَارُ عَلَى اللَّاتِي وَهَبنَ أَنفُسَهُنَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَقُولُ: وَتَهَبُ المَرأَةُ نَفسَهَا؟ فَلَمَّا أَنزَلَ اللَّهُ عز وجل:
ــ
توالي اليومين. بل يوم سودة على الرتبة التي كانت لها قبل الهبة.
و(قولها: وكانت أوَّل امرأة تزوَّجها بعدي) هذه رواية يونس، عن شريك. وهكذا قال يونس أيضًا عن ابن شهاب، وعبد الله بن محمد بن عقيل. وأشار بعضهم إلى الجمع بين القولين فقال: أول من عقد عليها بعد خديجة عائشة، وأول من دخل عليها بعد خديجة سودة، فإنه دخل عليها بمكة قبل (1) الهجرة، ودخل على عائشة بالمدينة في شوَّال سنة اثنتين من الهجرة (2). وروى عقيل بن خالد عن ابن شهاب خلافه، وأنه صلى الله عليه وسلم تزوج سودة قبل عائشة. قال أبو عمر: وهذا قول قتادة، وأبي عبيدة.
(30)
ومن باب: قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ} الآية.
اختلف السَّلف في هذه الآية. فقيل: هي ناسخة لقوله تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعدُ} مبيحة له أن يتزوَّج ما شاء. وقيل: بل نُسخ
(1) في (ج 2): بعد. والصواب ما أثبتناه.
(2)
ما بين حاصرتين مستدرك من (ج 2).
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب: 51]
ــ
قوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} بالسنَّة. قال زيد بن أسلم: تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية ميمونة، ومليكة، وصفية، وجويرية. وقالت عائشة:(ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء)(1).
وقيل عكس هذا، وهو: إن قوله: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} ناسخة لقوله: {إِنَّا أَحلَلنَا لَكَ أَزوَاجَكَ} الآية، ولقوله:{تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ} وقيل غير هذا مما هو ظاهر الفساد. وإن صحَّ ما نقله زيد بن أسلم: فالقول قوله، والله تعالى أعلم (2).
ترجي: قُرئ مهموزًا وغير مهموز، وهما لغتان. يُقال: أرجيتُ الأمر، وأرجأته: إذا أخَّرته. وتُؤوي: تضم. ابن عباس: تطلق من تشاء، وتمسك من تشاء. فأراد تطليق سودة، فوهبت يومها لعائشة فَبَقَّاها. مجاهد: تعزل من تشاء بغير طلاق، وتضم إليك من تشاء.
وكان ممن آوى إليه عائشة، وحفصة، وأم سلمة. وأرجأ سودة، وجويرية، وصفية، وميمونة، وأم حبيبة. وكان يقسم لهن ما شاء. وتوفي صلى الله عليه وسلم وقد آوى جميعهن إلا صفية، وهذا يدلّ على أن القَسم لم يكن عليه (3) واجبا. وهو أحد القولين كما قدمناه.
ابتغيت؛ أي: طلبت الإصابة. ذلك؛ أي: الابتغاء أدنى؛ أي: أقرب لطيب قلوبهن؛ أي: إذا علمن أنَّ العَزل بأمر الله تعالى قرَّت أعيُنُهُنَّ بذلك، ورضين. هذا قول أهل التفسير.
وفي هذه الآيات أبحاث ليس هذا موضع ذكرها. وما نقلناه أشبه ما قيل فيها (4).
(1) رواه الترمذي (3214)، والنسائي (6/ 56).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).
(3)
ليست في (ع).
(4)
ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).
قَالَت: قُلتُ: وَاللَّهِ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ.
وفي رواية: إن عَائِشَةَ كَانَت تَقُولُ: أَمَا تَستَحيِي المرَأَةٌ تَهَبُ نَفسَهَا لِرَجُلٍ؟ حَتَّى أَنزَلَ اللَّهُ وذكره.
رواه البخاريُّ (5113)، ومسلم (1464)(49) و (50)، وأبو داود (2136)، والنسائي (5416).
ــ
و(قول عائشة رضي الله عنها: ما أرى ربَّك إلا يسارع في هواك). قول (1) أبرزته الغيرةُ والدَّلالُ. وهذا من نوع قولها: (ما أهجر إلا اسمك)(2) و (لا أحمد إلا الله)(3). وإلا فإضافة الهوى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباعدٌ لتعظيمه، وتوقيره (4)؛ الذي أمرنا الله تعالى به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مُنَزَّهٌ عن الهوى بقوله تعالى:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى} ، وهو ممن نهى النفس عن الهوى. ولو جعلت مكان (هواك)(مرضاتك) لكان أشبه، وأولى. لكن أبعد هذا في حقِّها عن نوع الذنوب: أنَّ ما يفعل المحبوب محبوب.
و(قولها: (أما تستحيي المرأة تهب نفسها؟ ! ) تقبيح منها على من فعلت ذلك. وتنفير أوجبه غيرتها. وإلَاّ فقد علمت أن الله تعالى أباح هذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصَّة، وأن النساء كلّهن لو مَلَّكنَ رقَّهُنَّ ورِقَابهنَّ للنبي صلى الله عليه وسلم لكُنَّ معذورات في ذلك، ومشكورات عليه لعظيم بركته، ولشرف منزلة القرب منه.
وعلى الجملة فإذا حُقِّقَ النظرُ في أحوال أزواجه؛ عُلِمَ: أنَّه لم يحصل أحدٌ في العالم على مثل ما حصلنَّ عليه. ويكفيك من ذلك مخالطة اللحوم، والدماء، ومشابكة الأعضاء،
(1) سقطت من (ل 1).
(2)
رواه البخاري (5228)، ومسلم (2439).
(3)
رواه البخاري (4750)، ومسلم (2770).
(4)
في (ل 1) و (ج 2): تعزيره.
[1528]
وعن عَطَاءٌ قَالَ: حَضَرنَا مَعَ ابنِ عَبَّاسٍ جَنَازَةَ مَيمُونَةَ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسَرِفَ فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ زَوجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا رَفَعتُم نَعشَهَا فَلَا تُزَعزِعُوا، وَلَا تُزَلزِلُوا، وَارفُقُوا فَإِنَّهُ كَانَ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسعٌ،
ــ
والأجزاء. وناهيك بها مراتب فاخرة. لا جرم هنَّ أزواجه المخصوصات به في الدنيا والآخرة.
و(سرف): موضع على ستة أميال من مكة. وقيل: سبعة. وقيل: تسعة. وقيل: اثنا عشر ميلًا. ولا خلاف: أن ميمونة رضي الله عنها توفيت به. وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتًا. قيل: إنها ماتت سنة ثلاث وستين. وقيل: ست وستين. وعلى هذا تكون ميمونة آخرهن موتًا. وقيل: سنة إحدى وخمسين، قبل عائشة؛ لأن عائشة توفيت سنة سبع وخمسين. وقيل: ثمان وخمسين. وعلى هذا فتكون عائشة آخرهن موتًا. وأما صفية: فتوفيت سنة خمسين.
وقول عطاء: (كانت آخرهن موتًا، ماتت بالمدينة) قول مشكل، يلزم عليه وهم؛ وذلك: أنَّه إن كان أراد ميمونة؛ فقد وَهِمَ في قوله: إنها ماتت بالمدينة. وقد بينَّا: أنها ماتت بسرف. إلا أن يريد بـ (المدينة) هنا (مكة) وفيه بُعدٌ. وإن أراد بها صفية؛ فقد وَهِمَ أيضًا؛ لأنها لم تكن آخرهن موتًا على ما قدّمناه. وقد وهم أيضًا في قوله: إن التي لا يقسم لها هي صفية، فإن المشهور: أن التي لا يقسم لها هي: سودة، وهبت يومها لعائشة، كما تقدَّم.
وقول ابن عباس رضي الله عنهما: (فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا، ولا تزلزلوا، وارفقوا) كلُّ ذلك تنبيه على ما يجب من احترام أزواجه صلى الله عليه وسلم لعظيم رتبتهنَّ، وشرف منزلتهن، كما قدمناه.
وقد تقدَّم لنا القول في وجه خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة النساء، وأبدينا هنالك فوائد كثرة النساء في أول كتاب النكاح، ونزيد هنا نكتة نبَّه عليها أبو سليمان الخطَّابي بكلام معناه: إن الله تعالى اختار لنبيه صلى الله عليه وسلم من الأمور أفضلها، وأكملها، وجمع له من الفضائل التي تزداد بها نفوس