الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه
[1574]
عَن ابنِ عُمَرَ، أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن بَيعِ الوَلَاءِ، وَعَن هِبَتِهِ.
رواه أحمد (2/ 9)، والبخاريُّ (6756)، ومسلم (1506)، والترمذيُّ (1236)، وابن ماجه (2747).
ــ
(4)
ومن باب: النهي عن بيع الولاء وهبته
إنما لم يجز بيع الولاء، ولا هبته؛ للنهي عن ذلك، ولأنه أمرٌ وجوديٌّ لا يتأتَّى الانفكاك عنه كالنسب. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(الولاء لحمة كلحمة النسب)(1) فكما لا تنتقل الأبوة والجُدودة، كذلك لا ينتقل الولاء. وقد بينا وجه ذلك ومناسبته، غير أنه يصحُّ في الولاء جرُّ ما يترتب عليه الميراث. ومثاله: أن يتزوَّج عبدٌ مُعتَقَته، فيولد له منها ولد، فيكون حرًّا بحرِّية أُمِّه، ويكون ولاؤه لمواليها ما دام أبوه عبدًا، فلو أعتقه سيده عاد ولاؤه لمعتق أبيه بالاتفاق كما ذكرناه.
وللولاء أحكامٌ خاصة ثبتت بالسُّنَّة:
منها: أنه لا يرث به إلا العصبات الذكور، ولا مدخل للنساء فيه إلا فيما أعتقن أو أعتق من أعتقن.
ومنها: أنه لا يورث إلا بالكبر. فلا يستحق البطن الثاني منه شيئًا ما بقي من البطن الأول شيء. وتفصيل ذلك في الفروع. وقد حكي عن بعض السلف: أن الولاء ينتقل. ولعلَّه إنما يعني به: الجرُّ. والله تعالى أعلم.
(1) رواه الشافعي (2/ 27 و 73)، والحاكم (4/ 341)، وابن حبان (4950)، والبيهقي (10/ 292).
[1575]
وعن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قال: كَتَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى كُلِّ بَطنٍ عُقُولَهُ، ثُمَّ كَتَبَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَن يُتَوَالَى مَولَى رَجُلٍ مُسلِمٍ بِغَيرِ إِذنِهِ، ثُمَّ أُخبِرتُ أَنَّهُ لَعَنَ فِي صَحِيفَتِهِ مَن فَعَلَ ذَلِكَ.
رواه مسلم (1507).
ــ
و(قوله: كتب على كل بطن عُقوله) أي: أثبت، وأوجب.
والبطن: دون القبيلة، والفخذ: دون البطن. والعُقول: يعني بها: الدِّيات. وذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، واستقرَّ أمره فيها آخى بين المهاجرين والأنصار، وصالح من كان فيها من اليهود، وميز القبائل بعضها من بعض، وضم البطون بعضها إلى بعض فيما ينوبهم من الحقوق والغرامات، وكان بينهم دماء وديَّات بسبب الحروب العظيمة التي كانت بينهم قبل الإسلام، فرفع الله تعالى كل ذلك عنهم، وألَّف بين قلوبهم ببركة الإسلام، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم حتى صاروا كما قال تعالى:{وَاذكُرُوا نِعمَتَ اللَّهِ عَلَيكُم إِذ كُنتُم أَعدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بِنِعمَتِهِ إِخوَانًا} الآية.
و(قوله: لا يحل أن يتوالى مولى رجل مسلم بغير إذنه) هذا يقتضي: تحريم أن ينسب أحد مولى رجل لنفسه. وحديث أبي هريرة يقتضي: تحريم نسبة المولى لغير معتقه. وكلاهما محرم هنا، كما هو محرم في النَّسب. وقد سوَّى النبي صلى الله عليه وسلم بينهما في الردع والوعيد، فقال:(من ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فالجنة عليه حرام)(1).
و(قوله: بغير إذنه) وفي الحديث الآخر: (بغير إذنهم) يعني: بغير إذن
(1) رواه أحمد (1/ 328)، وابن ماجه (2609)، وابن حبان (417).
[1576]
وعَن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن تَوَلَّى قَومًا بِغَيرِ إِذنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ لَا يَقبَلُ مِنهُ يَومَ القِيَامَةِ صَرف وَلَا عَدل.
رواه مسلم (1508)، وأبو داود (5114).
* * *
ــ
السَّادة. ودليل خطابه يدلُّ على أن السيد إذا أذن في ذلك جاز، كما قد ذهب إليه بعض الناس، وليس بصحيح، والجمهور على منع ذلك؛ وإن أذن السيد؛ لأن السيد إن أذن في ذلك بعوض، فهو المبايعة للولاء المنهي عنها، أو ما في معناه. وإن كان بغير عوض؛ فهي هبة الولاء، وما في معناها، ولا يجوز واحد منهما وإنما جرى ذكر الإذن في هذين الحديثين؛ لأن أكثر ما يقع من ذلك، إنما يكون بغير إذن السَّادة، فلا دليل خطاب لمثل هذا اللفظ.
وقد بيَّنا في أصول الفقه: أن ما يدلّ على جهة النطق مرجح على ما يدل على جهة المفهوم.
وقد تقدَّم: أن اللعنة أصلها: الطرد والبعد. فلعنة الله تعالى هي: إبعاده للملعون عن رحمته، وإحلاله في وبيل عقوبته. ولعنة الملائكة والناس هي: دعاؤهم عليه بذلك وذمهم له وطرده عنهم. وقد تقدَّم القول على الصرف والعدل في الإيمان.
* * *