الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح
[1465]
عَن نَافِعٍ، عَن ابنِ عُمَرَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَلَا يَخطُب بَعضُكُم عَلَى خِطبَةِ بَعضٍ.
رواه أحمد (2/ 153)، والبخاري (2139)، ومسلم (1412)، وأبو داود (2080)، والترمذي (1292)، والنسائي (6/ 72 - 73)، وابن ماجه (2171).
ــ
(6)
ومن باب: النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه
الخِطبة - بالكسر -: هي استدعاء التزويج والكلام فيه، يقال منه: خطبت المرأة خطبة - بالكسر -: طلبتها منه (1). والخُطبة - بالضم -: هي كلام الخطباء. ومن كلام علمائنا: تستحب الخُطبةُ - بالضّم - عند الخِطبة - بالكسر -.
وهذه الأحاديث التي جاء فيها النهي عن خطبة الرجل على (2) خطبة أخيه ظاهرها العموم، لكن قد خصَّصها أصحابنا بحديث فاطمة بنت قيس الذي يأتي ذكره في الطلاق. وذلك: أنها لَمّا انقضت عدتُها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا جهم بن حذيفة ومعاوية خطباني. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سيأتي ذِكرُه.
وهذا يدلّ: على جواز الخِطبة على الخِطبة (3)، لكن جمعَ أئمتنا بين الحديثين بأن حملوا النهي على ما إذا تقاربا وتراكنا. وحملوا حديث الجواز على ما قبل ذلك. وهي طريقة حسنة؛
(1) ساقط من (ع) و (ج).
(2)
ساقط من (ع) و (ج).
(3)
ساقط من (ع) و (ج).
[1466]
وعَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ شِمَاسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُقبَةَ بنَ عَامِرٍ عَلَى
ــ
فإن فيها إعمال كل واحد من الحديثين، ومراعاة للمعنى. فإن المفسدة إنما تحصل بتأكد التراكن.
واختلف أصحابنا في التراكن. فقيل: هو مجرّد الرِّضا بالزوج، والميل إليه، وقيل: بتسمية الصَّداق. وهذا عند أصحابنا محمول على ما إذا كانا شكلين. قال ابن القاسم: لا أرى الحديث إلا في الرجلين المتقاربين، فأمَّا صالِحٌ وفاسقٌ فلا. قال ابن العربي: لا ينبغي أن يختلف في هذا. وقال الشافعي: إنما النهي فيما إذا أذنت المرأة لوليها أن ينكحها من رجل مُعيَّن.
قلت: وهذا فيه بُعدٌ، فإنه حمل العموم الذي قُصِد به تقعيد قاعدة على صورة نادرة. وهذا مثل ما أنكره الشافعي على أبي حنيفة؛ إذ حمل قوله صلى الله عليه وسلم:(لا نكاح إلا بولي)(1) على المكاتبة. وتحقيقه في الأصول.
والقول في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبع أحدكم على بيع أخيه) محمول على مثل ما تقدّم في قوله: (لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه).
وقد حمله بعض العلماء على ظاهره وعمومه، حتى كره بيع المزايدة خوفًا من الوقوع في ذلك. وهذا ليس بصحيح؛ لأن الله تعالى قد أحل البيع مطلقا، وقد باع النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه بيع المزايدة على ما في كتاب (2) أبي داود (3): فأخذ في يده حِلسًا وقَدَحًا كانا لرجل سأله صدقة، فقال صلى الله عليه وسلم:(من يشتري مني هذا بدرهم؟ ) وقال رجل: هو لي بدرهم. فقال: (من يشتري مني هذا بدرهمين؟ ) فقال آخر: هو لي بدرهمين. فباعه منه، ثم دفعهما لصاحب الحِلسِ والقدح. وسيأتي الحديث في كتاب البيوع إن شاء
(1) رواه الترمذي (1101)، وابن ماجه (1881)، والحاكم (2/ 169) عن أبي موسى.
(2)
ساقط من (ع).
(3)
رواه أبو داود (1641)، وابن ماجه (2198).
المِنبَرِ يَقُولُ: إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: المُؤمِنُ أَخُو المُؤمِنِ، فَلَا يَحِلُّ لِلمُؤمِنِ أَن يَبتَاعَ عَلَى بَيعِ أَخِيهِ، وَلَا يَخطُبَ عَلَى خِطبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ.
رواه مسلم (1414).
ــ
الله تعالى.
فإذا طرح بيع المزايدة عن المنع، فلم يبق إلا أن يحمل على ما إذا تقاربا وتراكنا.
واختلف فيما إذا وقعت الخِطبة على الخِطبة، والبيع على البيع. فذهب جُلُّ أصحابنا، والكوفيون إلى إمضاء العقد. وذهب داود وبعض أصحابنا إلى فسخه. وقد رُوِيَ القولان لمالك والشافعي على ما شرح من مذهبه.
وقول ثالث في النكاح: الفسخ فيه قبل البناء، والإمضاء بعده. وهو لأصحابنا. ولا خلاف في أن فاعل ذلك عاصٍ، آثم.
و(قوله: لا يبع) و (لا يسم (1)) قد يصحُّ أن يحملا على معنى واحد. فيقال: سُمت؛ بمعنى: بعت، ويصحّ أن يحمل: سُمتُ على اشتريت، فيكونان متغايرين؛ أعني: بعتُ، وسمتُ. على أنَّ: بعتُ واشتريتُ يدخل كل واحد منهما على الآخر؛ فيقال: بعتُه؛ بمعنى: اشتريته، وشريتُه؛ بمعنى: بِعتُه. وكذلك: سُمتُ. وسيأتي لهذا مزيد بيان في البيوع إن شاء الله تعالى.
و(قوله: المُؤمن أخو المُؤمن، فلا يحل له أن يبتاع على بيع أخيه) تنبيه على صحة هذا المعنى الذي أبديناه، فإنه أتى فيه بالأخوة الإيمانية، ثم علَّق فَاءَ التعليل بها.
و(يذر) أي: يترك. وهو من الأفعال التي لم يستعمل منها إلا لفظ المضارع والأمر. فلا يقال: وَذِرَ، ولا: وَذرًا، ولا: وًاذِرً. اكتفوا عن ذلك بـ (تَرَكَ) وفيه
(1) هذه الكلمة لم ترد في التلخيص، وإنما وردت في صحيح مسلم في الحديث رقم (1413)(51).
[1467]
وعَن عبيد الله بن نَافِعٍ، عَن ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن الشِّغَارِ، قال عبيد الله: قلت لنافع ما الشِّغَارُ؟ قال: أَن يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابنَتَهُ عَلَى أَن يُزَوِّجَهُ ابنَتَهُ، وَلَيسَ بَينَهُمَا صَدَاقٌ.
رواه البخاري (5112)، ومسلم (1415)(57 و 58)، وأبو داود (2074)، والترمذيُّ (1124)، والنسائي (6/ 112)، وابن ماجه (1883).
ــ
إشعارٌ بصحة ما قلناه من التعليل بالرُّكون، فإنه لا يترك الشيء إلا من تشبّث به. وأوّل التشبث بهذه العقود التراكن من المتعاقدين، أو أحدهما.
و(قوله: نهى عن الشِّغار). الشِّغار: مصدر: شاغر، يشاغر، شغارًا. وهو مفاعلة مما لا يكون إلا بين اثنين. قال بعض علمائنا: إن الشغار كان من أنكحة الجاهلية، يقول: شاغِرنِي وَلِيَّتي بوليّتك؛ أي: عاوضني جماعًا بجماع. وقال أبو زيد: شغرت المرأة: رفعت رجليها عند الجماع. قال ابن قتيبة: كُلُّ واحدٍ منهما: يشغر: إذا نكح (1). وأصله: الكلب إذا رفع رِجلَه ليبول. وقيل: إنه مأخوذ من: شَغَرَ البلد: إذا بَعُد. وقيل: من: شَغَر البلدُ بمعنى: إذا خلا.
قلت: وتصح ملاحظة هذه المعاني في الحديث، وحملُه عليها. لكن منها ما يبعد عن صناعة الاشتقاق. ومنها ما يقرب. وأقربها القول الأول.
ولا خلاف بين العلماء في منع الإقدام عليه، لكن اختلفوا فيما إذا وقع، هل يفسخ أبدًا وإن دخل؟ فحكى ابن المنذر ذلك عن الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وهو أحد قولي مالك. أو هل يصحُّ وإن لم يدخل؟ وهو قول عطاء، وعمرو بن دينار، ومكحول، والثوري، والزهري، وأصحاب الرأي قالوا: يصحّ
(1) في (ج 2): إذا لَقَحَ.
[1468]
وعَن ابنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا شِغَارَ فِي الإِسلَامِ.
رواه مسلم (1415)(60).
[1469]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَن الشِّغَارِ. وَالشِّغَارُ: أَن يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوِّجنِي ابنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابنَتِي، وزَوِّجنِي أُختَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُختِي.
رواه مسلم (1416)، والنسائي (6/ 112).
ــ
ويُرجع فيه إلى صداق المثل. وهل يُفسخ قبلُ ويفوت بالدخول ويثبت بَعد؟ وهو قول الأوزاعي، وأحد قولي مالك.
وموجب هذا الخلاف: اختلافهم في: هل هذا النهي راجع لعين العقد؛ فيكون فاسدًا أبدًا؛ لأن كل واحد من الزوجين معقود عليه، ومعقود به. وهما متناقضان؟ أو هو راجع إلى إخلاء العقد من الصداق؟ وهو أمر يُتدارك بفرض صداق المثل، كنكاح التفويض؟ وأمّا وجه الفرق فهو: أن إيقاع العقد على غير الوجه المنهي عنه ممكن قبل الدخول فيفسخ، فيستأنفان عقدًا جائزًا. فأما إذا دخل؛ فقد فات، فيُرجع فيه إلى صداق المثل.
و(قوله: لا شغار في الإسلام) أي: لا صحة لعقد الشغار في الإسلام، وهو حجة لمن قال بفساده على كل حال، وهو ظاهر هذه الصيغة؛ كقوله:(لا صيام لمن لم يبيت الصيام)(1) و: (لا عمل إلا بنية)(2) و: (لا رجل في الدار) فإن الظاهر من هذه الصيغة (3) نَفي الأصل والصحة، ونَفي الكمال محتمل فلا يصار إليه إلا بدليل، كما بيَّنَّاه في قوله:(لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)(4).
(1) رواه النسائي (4/ 197).
(2)
رواه البيهقي (1/ 41).
(3)
ساقطة من (ع).
(4)
رواه البيهقي (3/ 75 و 111).
[1470]
وعَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَحَقَّ الشَّروطِ أَن يُوفَى بِهِ مَا استَحلَلتُم بِهِ الفُرُوجَ.
ــ
وقد جاء تفسير الشِّغار في حديث ابن عمر من قول نافع، وجاء في حديث أبي هريرة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مساقه. وظاهره الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن يكون من تفسير أبي هريرة، أو غيره من الرواة، أعني: في حديث أبي هريرة. وكيفما كان فهو تفسير صحيح موافق لما حكاه أهل اللسان. فإن كان من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المقصود، وإن كان من قول صحابي فمقبول؛ لأنهم أعلم بالمقال، وأقعد بالحال.
و(قوله: إن أحق الشروط أن يُوفَّى به ما استحللتم به الفروج) لا تدخل في هذا الشروط الفاسدة؛ لأنها لا يستحل بها شيء؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط)(1) فإذا: المراد من الشروط ما كان جائزًا، ثم هم على ضربين: ما يرجع إلى الصَّداق، وما يكون خارجًا عنه.
فالأول لا بد من الوفاء به؛ كشَّورة، ووَصِيف، وغير ذلك.
والثاني وهو: ما يكون خارجًا عنه؛ مثل: ألا يخرجها من بلدها، أو لا يتزوّج عليها، أو لا يفرق بينها وبين أولادها، وما أشبه ذلك.
فهذا النوع إن علَّقه على طلاق أو عتق لزم اتفاقًا عند من يقول بتنفيذ الطلاق والعتق المُعَلَّقَين على التزويج والمِلك. وهو مشهور مذهب مالك. فإن لم يعلَّق عليه ذلك؛ فقيل هو لازم يُجبر عليه من أَبَاهُ للحديث. وقيل: يُستحبُّ الوفاء به، ولا يُجبر عليه، وهو مذهب مالك.
واختلفوا فيما إذا اشترط المنكح حباءً (2) لنفسه غير الصداق، وهو المسمى عند العرب: الحلوان. فقال قوم: هو للمرأة مطلقا. وبه قال عطاء، وطاوس،
(1) رواه حمد (6/ 213)، وابن ماجه (2521).
(2)
"الحِباء": ما يحبو به الرجل صاحبه، ويكرمه.
رواه البخاريُّ (2721)، ومسلم (1418)، وأبو داود (2139)، والترمذي (1127)، والنسائي (6/ 92 - 93).
* * *
ــ
وعكرمة، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وأبو عبيد.
وقال آخرون: هو لمشترطه. وبه قال علي بن الحسين، ومسروق، وشرطَ عشرة آلاف؛ جعلها في الحجّ والمساكين لَمّا زوج ابنته. وقيل: هذا مقصورٌ على الأب خاصة للتبسُّط في مال ولده.
وقال الشافعي: لها مَهرُ مثلها. وقال مالك: إن كان هذا الاشتراط في حال العقد، فهو للمرأة لاحقٌ بصداقها. وإن كان بعده فهو لمن وهب له. وفيه تفريعٌ يُعرفُ في كتب أصحابنا.
ويشهد لمذهب مالك ما خرَّجه أبو داود عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيُّما امرأة نكحت على صداق وحباء، أو عدة، قبل عصمة النكاح فهو لمن أعطيه، وأحق ما أكرم عليه الرَّجل ابنته أو أخته)(1) يعني: لمن أعطيه المرأة؛ بدليل قوله: (على صداق) فإن الصَّداق لا يكون إلا للمرأة، وكذلك ما ذكر معه من الحباء والعدة.
و(قوله: أحق ما أكرم عليه الرَّجل ابنته. . .) استئناف كلام يقتضي الحضَّ على إكرام الوليّ تطييبًا لنفسه، والله تعالى أعلم.
* * *
(1) رواه أبو داود (2129)، والنسائي (6/ 120)، وابن ماجه (1955).