الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب
[1483]
عَن أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا انقَضَت عِدَّةُ زَينَبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِزَيدٍ: فَاذكُرهَا عَلَيَّ، فَانطلق زَيدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا قَالَ: فَلَمَّا رَأَيتُهَا عَظُمَت فِي صَدرِي حَتَّى مَا أَستَطِيعُ أَن أَنظُرَ إِلَيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهَا، فَوَلَّيتُهَا ظَهرِي، وَنَكَصتُ عَلَى عَقِبِي فَقُلتُ:
ــ
(12)
ومن باب: تزويج النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها
(قول أنس: لما انقضت عدَّة زينب) يعني من طلاق زيد بن حارثة؛ الذي قال الله تعالى فيه: {وَإِذ تَقُولُ لِلَّذِي أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيهِ وَأَنعَمتَ عَلَيهِ} إلى قوله: {فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنهَا وَطَرًا زَوَّجنَاكَهَا} الآية. وقد ذكرنا في كتاب الإيمان الصحيح من أقوال العلماء في هذه الآية.
و(قوله صلى الله عليه وسلم لزيد: فاذكرها عليَّ) أي: اخطبها لي. هو امتحان لزيد، وابتلاء له، حتى يظهر صبره، وانقياده، وطوعه.
و(تخمير العجين): جعل الخمير فيه، وتركه إلى أن يطيب.
و(قوله: فلمَّا رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها) بفتح (أن) لا غير؛ لأنها في معنى: (لأن) أو: من أجل أنَّ. وهي معمولة لـ (عظمت) ومعناه: أنَّه لما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وعلم زيدٌ أنّها صالحة لأن تكون من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ومن أمّهات المؤمنين؛ حصل لها في نفسه صورة أخرى، وإجلال زائد على ما كان لها عنده في حال كونها زوجته. وتوليته إيَّاها ظهره: مبالغة في التَّحرز من رؤيتها، وصيانة لقلبه من التعلّق بها. على أنَّ الحجاب إذ ذاك لم يكن مشروعًا بَعدُ، على ما يدلّ عليه بقية الخبر.
و(قوله: ونكصت على عقبي) أي: رجع خلفه، وقهقر إليها حتى سمع
يَا زَينَبُ أَرسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذكُرُكِ قَالَت: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيئًا حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي، فَقَامَت إِلَى مَسجِدِهَا. وَنَزَلَ القُرآنُ وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَخَلَ عَلَيهَا بِغَيرِ إِذنٍ قَالَ: فَقَالَ: وَلَقَد رَأَيتُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطعَمَنَا الخُبزَ، وَاللَّحمَ حِينَ امتَدَّ النَّهَارُ، فَخَرَجَ النَّاسُ، وَبَقِيَ رِجَالٌ يَتَحَدَّثُونَ فِي البَيتِ بَعدَ الطَّعَامِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاتَّبَعتُهُ، فَجَعَلَ يَتَبَّعُ حُجَرَ نِسَائِهِ يُسَلِّمُ عَلَيهِنَّ، وَيَقُلنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيفَ وَجَدتَ أَهلَكَ؟ قَالَ: فَمَا أَدرِي أَنَا أَخبَرتُهُ أَنَّ القَومَ قَد خَرَجُوا، أَو أَخبَرَنِي قَالَ: فَانطلق حَتَّى دَخَلَ البَيتَ
ــ
حديثها، فلمَّا أخبرها قالت:(حتى أؤامر ربي) أي: أستخيره، وأنظر أمره علي على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلمَّا وَكَلَت أمرَها إلى الله، وصحَّ تفويضُها إليه؛ تولّى الله تعالى إنكاحها منه صلى الله عليه وسلم ولم يحوجها إلى وليٍّ يتولى عقد نكاحها؛ ولذلك قال تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيدٌ مِنهَا وَطَرًا زَوَّجنَاكَهَا} ولما أعلمه الله تعالى بذلك؛ دخل عليها بغير وليٍّ (1)، ولا تجديد عقد، ولا تقرير صداق، ولا شيء مما يكون شرطًا في حقوقنا، ومشروعًا لنا. وهذا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم اللاتي لا يشاركه فيها أحدٌ بإجماع المسلمين.
و(قوله: ولقد رأيتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمنا الخبز واللحم حين (2) امتد النهار) أي: ارتفع واشتدَّ ضحاؤه. وهذه الوليمة التي أولم فيها بالشاة، كما جاء في الرواية الأخرى. وفي خروجه من البيت، وترك المتحدثين على حالهم، ولم يهجُهم: ما يدلُّ على كرم أخلاقه، وحسن معاملته، وكثرة حيائه، وإن يتحمل فيه مشقةً ومخالفةَ مقصده.
(1) في (ج 2): إذن.
(2)
في (ع): حتى.
فَذَهَبتُ أَدخُلُ مَعَهُ، فَأَلقَى السِّترَ بَينِي وَبَينَهُ، وَنَزَلَ الحِجَابُ، قَالَ: وَوُعِظَ القَومُ بِمَا وُعِظُوا بِهِ.
وفي رواية: فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤذَنَ لَكُم} إلى قوله: {إِنَّ ذَلِكُم كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا}
رواه أحمد (3/ 195)، ومسلم (1428)(87 م)، والنّسائي (6/ 79).
ــ
ودورانه على حجر نسائه تفَقُّد لأحوالهن، وجبر لقلوبهن، واستدعاء لما عندهنّ من أحوال قلوبهن؛ لأجل تزويجه؛ ولذلك استلطفنه بقولهن: كيف وجدت أهلك يا رسول الله؟ ! وصدور مثل هذا الكلام عنهن في حال ابتداء اختصاص الضرة الداخلة به يدلُّ على قوة عقولهن، وصبرهن، وحسن معاشرتهنَّ، وإلَاّ فهذا موضع الطيش والخفة للضرائر، لكنَّهنَّ طيِّبَات لطيِّبٍ.
و(قوله: ونزل الحجاب، ووُعِظ القوم بما وعظوا به) يعني: أنَّه نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤذَنَ لَكُم} الآية، كما جاء في الرواية الأخرى.
و{نَاظِرِينَ} منتظرين. و {إِنَاهُ} : وقتَ نضجه، وهو مقصورٌ، وفيه لغات. يقال: إنًا، وأنًا - بكسر الهمزة وفتحها -، وإناء: بالمد والهمز.
{وَلا مُستَأنِسِينَ لِحَدِيثٍ} من الأنس بالشيء، وهو معطوف على {نَاظِرِينَ}
{وَاللَّهُ لا يَستَحيِي مِنَ الحَقِّ} ؛ أي: لا يمتنع من بيانه، وإظهاره.
و(المتاع): ما يُتمتَّعُ به من العواري والجواري.
و{أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ} ؛ أي: أنقى للشهوة، والرَّيب، وتقولات المنافقين، وأذاهم.
و(قوله: {وَمَا كَانَ لَكُم أَن تُؤذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزوَاجَهُ مِن بَعدِهِ أَبَدًا} ؛ أي: ما ينبغي، ولا يحل، ولا يجوز شيء من ذلك بوجهٍ من الوجوه.
[1484]
وعنه قَالَ: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَولَمَ عَلَى امرَأَةٍ مَا أَولَمَ عَلَى زَينَبَ فَإِنَّهُ ذَبَحَ شَاةً.
وفي رواية: قال ثابت: ثمَ أَولَمَ؟ قَالَ: أَطعَمَهُم خُبزًا وَلَحمًا حَتَّى تَرَكُوهُ.
رواه البخاريُّ (5168)، ومسلم (1428)(90)، وأبو داود (3743)، وابن ماجه (1908).
* * *
ــ
ويقال: إن هذه الآية نزلت لَمَّا قال بعضهم - وقد تكلَّم مع زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم: لأتزوجنَّ بها بَعدَه؛ فأنزل الله الآية. وقد حكي هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة. وحاشاهم عن مثله. وإنما الكذب في نقله. وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الجُهَّال.
وقد صرَّح أنس في هذا الحديث بأن الحجاب إنما نزل بسبب ما جرى.
وقد جاء في الصحيح: أن عمر رضي الله عنه كان قد ألَحَّ على النبي صلى الله عليه وسلم في أن يحجب نساءه. وكان يقول له: (احجب نساءك، فإنهن يراهن البَرُّ والفاجر). وكان يقول لسودة إذا خرجت: (قد عرفناك (1) يا سودة) حرصًا على الحجاب؛ فأنزل الله تعالى آية الحجاب. ولا بُعدَ في نزول الآية عند اجتماع هذه الأسباب كلّها، والله تعالى أعلم.
* * *
(1) في (ج 2): رأيناكِ.