الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال
[1625]
عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَن ابتَاعَ نَخلًا بَعدَ أَن تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلَّذِي بَاعَهَا،
ــ
الزكاة من هذا النوع. ويكون مالكه من الأغنياء الذين (1) يجب عليهم مواساة الفقير. وهو الذي لا نصاب له، فقصر المرفق على من هو من نوع الفقراء مناسب لتصرف الشرع. وبهذا قال الشافعي، إلا أنه قال: لا أفسخ البيع في مقدار خمسة أوسق، وأفسخه فيما فوقها.
قلت: والأولى فسخه؛ لأن الأصل منعه؛ لأنه مزابنة، ولم يتحقق الرافع للمنع. وقد تقدَّم: أن مالكا يشترط في جواز بيع العرية من معريها أن تُقَوَّم بالخرص عند الجداد. وهو قول جل أصحابه. ولم يجيزوه بالنقد. وزعم بعضهم: أن ذلك جاء في الحديث. ولم أقف عليه في شيء من كتب الحديث مع طول بحثي عنه. ومثل هذا الشرط لا يثبت إلا بالسمع، فكأنَّ عند مالك سمع ولم يبلغنا، والله تعالى أعلم.
تنبيه: العرية عندنا مستثناة من أصول ممنوعة: من المزابنة، والغرر، ومن ربا التفاضل، والنَّساء، ومن الرجوع في الهبة. والذي سوَّغها ما فيها من المعروف، والرفق، وإزالة الضرر. كما قدَّمناه، والله تعالى أعلم.
(10)
ومن باب: من ابتاع نخلًا بعد أن تُؤَبَّر
(قوله: من ابتاع نخلًا بعد أن تُؤَبَّر فثمرتها للذي باعها) أبار النخل، وتأبيره: تلقيحه، وتذكيره. وهو: أن يجعل في النخلة فحالة، وعند ذلك تثبت
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثمرتها بإذن الله تعالى. يقال: أَبَرتُ النخلة، أبُرها بكسر الباء وضمها، فهي مأبورة. ومنه قولهم:(خير المال مهرة مأمورة، أو سكَّة مأبورة)(1).
ويقال: أبرت النخل - مشدَّدًا - تأبيرًا. وهي مؤبَّرة، كقوِّمت الشيء تقويمًا، وهو مقوَّم. ويقال: تأبَّر الغسيل: إذا قبل الإبار. قال الراجز:
تَأَبَّرِي يا خَيرَةَ الغَسِيل
…
إِذ ضَنَّ أهلُ النَّخل بالفُحُول
ويقال: ائتبرت؛ إذا سألت غيرك أن يأبُرَ لك نخلك، أو زرعك. قال (2):
وَلِيَ الأصل الذي في مثله
…
يُصلِح الآبِرُ زَرعَ المؤتَبر
هذا إبار ثمر النخل، وإبار كل ثمر بحسب ما جرت العادة بأنه إذا فعل به ثبت ثمره وانعقد. ثم قد يعبَّر به عن ظهور الثمرة وعن انعقادها، وإن لم يفعل فيها شيء. ومن هنا اختلف أصحابنا في إبار الزرع. هل هو ظهوره على الأرض، أو إفراكه (3)، وإذا تقرَّر هذا، فظاهر هذا الحديث يقتضي بلفظه: أن الثمرة المأبورة لا تدخل مع أصولها إذا بيعت الأصول إلا بالشرط. ويقتضي دليل خطابه: أن غير المأبورة داخلة في البيع. وهو مذهب مالك، والشافعي، والليث (4). وذهب أبو حنيفة: إلى أن الثمرة للبائع قبل الإبار وبعده. وقال ابن أبي ليلى: الثمرة للمشتري قبل الإبار وبعده. وهذا القول مخالف للنص الصحيح، فلا يلتفت إليه. وأما أبو حنيفة فالخلاف معه مبني على القول بدليل الخطاب، فهو ينفيه. وخصمه يثبته. والقول بدليل الخطاب في مثل هذا ظاهر؛ لأنه لو كان حكم غير
(1) رواه أحمد (3/ 468)، وانظر: أطراف مسند الإمام أحمد رقم (2776)، ومجمع الزوائد (5/ 258).
(2)
الشاعر هو طرفة بن العبد.
(3)
أي: قوّته واشتداده.
(4)
سقط من (ع).
إِلَّا أَن يَشتَرِطَه المُبتَاعُ، وَمَن ابتَاعَ عَبدًا فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ، إِلَّا أَن يَشتَرِطَ المُبتَاعُ.
ــ
المؤبر حكم المؤبر لكان تقييده بالشرط لغوًا لا فائدة له. فإن قيل: فائدته التنبيه بالأعلى على الأدنى. قيل له: ليس هذا بصحيح لغة ولا عرفًا. ومن جعل هذا بمنزلة قوله تعالى: {فَلا تَقُل لَهُمَا أُفٍّ} تعين أن يقال لفهمه: أفّ، وتف.
و(قوله: إلا أن يشترطه المبتاع) يعني: الثمر المؤبر لا يدخل مع الأصول في البيع إلا بالشرط. وصحَّ اشتراطه؛ لأنه عينٌ موجودة، يحاط بها، أمن سقوطها غالبًا، بخلاف التي لم تؤبَّر، إذ ليس سقوطها مأمونًا، فلم يتحقق لها وجود، فلا يجوز للبائع اشتراطها، ولا استثناؤها، لأنها كالجنين. هذا هو المشهور عندنا. وقيل: يجوز استثناؤها. وهو قول الشافعي. وخرج هذا الخلاف على الخلاف في المستثنى. هل هو مبقى على ملك البائع، أو هو مشترى من المشتري؟
فرع: لو اشترى النخل وبقي الثمر للبائع؛ جاز لمشتري الأصل شراء الثمرة. قبل طيبها على مشهور قول (1) مالك. ويرى لها حكم التبعية؛ وإن أفردت بالعقد لضرورة تخليص الرقاب. وعنه في رواية: أنه لا يجوز. وبذلك قال الشافعي، والثوري، وأهل الظاهر، وفقهاء الحديث. وهذا هو الأظهر من أحاديث النهي عن بيع الثمار قبل بدوِّ صلاحها.
و(قوله: من باع عبدًا، فمال للبائع إلا أن يشترطه المبتاع) دليل على صحة قولنا: إن العبد يملك، خلافًا للشافعي، وأبي حنيفة، حيث قالا: إنه لا يملك. وقد تقدَّم ذلك. ويلتحق بالبيع في هذا الحكم كل عقد معاوضةٍ، كالنكاح،
(1) في (ج 2): مذهب.
رواه أحمد (2/ 6)، والبخاري (2204)، ومسلم (1543)(80)، وأبو داود (3434)، وابن ماجه (2210 و 2212).
* * *
ــ
والإجارة. فأما العتق فيتبع العبد فيه مالُهُ؛ لما رواه أبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أعتق عبدًا وله مال، فمال العبد له، إلا أن يشترط السَّيد)(1). وقد رواه مالك في الموطأ موقوفًا على ابن عمر (2). ولا يضره التوقيف، فإن المرفوع صحيح السند. وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة، والشافعي، حيث قالا: إن المال في العتق للسيد. فأمَّا في الصدقة والهبة، فهل يتبعه ماله فيهما، أو لا؟ قولان، سببهما تردُّدهما بين البيع والعتق؛ إذ فيهما شَبَهٌ من كل واحد منهما. وذلك: أن الهبة، والصدقة خروج من ملك إلى ملك، فأشبهت البيع، وخروج عن ملك بغير عوض، فأشبهت العتق. والأرجح: إلحاقها بالبيع، وقطعها عن العتق؛ لاختصاص العتق بمعنى لا يوجد في غيره، على ما قد أوضحه أصحابنا في كتبهم. وأما الجناية: فالمال فيها تبع للرَّقبة، فينتقل بانتقالها؛ لأن العبد الجاني إذا كان له مال فالجناية فيه، فإن وسع الجناية بقيت الرقبة لسيده، وإن لم يكن له مال؛ تعلَّقت برقبته، فكأن الرقبة مرجع عند العدم.
* * *
(1) رواه أحمد (3962)، وابن ماجه (2529).
(2)
انظر الموطأ (2/ 775).