الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته
[1710]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَلَم يُوصِ فيه، فَهَل يُكَفِّرُ عَنهُ أَن أَتَصَدَّقَ عَنهُ؟ قَالَ: نَعَم.
رواه مسلم (1630)، والنسائي (6/ 251).
ــ
فيهما واحد. والحاصل منهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم استكثر الثلث، مع أنه أجازه أولًا بقوله. فينبغي أن ينقص منه شيءٌ له بالٌ، وهو غير محدود.
(2)
ومن باب: الصدقة عمَّن لم يوص
(قوله: إن أبي مات وترك مالًا، ولم يوص فيه. فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم) ظاهر قوله: (فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه): أنه علم أن أباه كان فرَّط في صدقات واجبة، فسأل: هل يجزئ عنه أن يقوم بها عنه؛ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: بـ (نعم). وعلى هذا فيكون فيه دليل على أن من قام عن آخر بواجب مالي في الحياة، أو بعد الموت أجزأ عنه، وهذا مما تجوز النيابة فيه بالإجماع، وإنه مما يستحب، وخصوصًا في الآباء؛ فإنَّها مبالغة في برهم، والقيام بحقوقهم. وقد قال صلى الله عليه وسلم:(من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه إن شاء)(1) وقد تقدم في كتاب الصوم. وإذا كان هذا في الصيام؛ كان الحق المالي بذلك أولى. وقيل: إنَّما سأل: هل تكفَّر بذلك خطاياه؟ ولا ينبغي أن يُظَنَّ بصحابي تفريط في زكاة واجبة إلى أن مات. فإن هذا بعيد في حقوقهم. فالأولى به أن يحمل على أنَّه سأل: هل لأبيه أجرٌ بذلك فيكفر عنه به، كما قال السائل الآخر في حق أمه: أفلها أجر؟ ويحتمل أن يكون ذلك في الوقت الذي كانت فيه الوصية واجبة.
(1) رواه أحمد (6/ 69)، والبخاري (1952)، ومسلم (1147).
[1711]
وعَن عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّيَ افتُلِتَت نَفسُهَا وَلَم تُوصِ، وَأَظُنُّهَا لَو تَكَلَّمَت تَصَدَّقَت، أَفَلَهَا أَجرٌ إِن تَصَدَّقتُ عَنهَا؟ قَالَ: نَعَم.
وفي رواية: فَلِي أَجرٌ أَن أَتَصَدَّقَ عَنهَا؟ قَالَ: نَعَم.
رواه البخاري (2760)، ومسلم (1630)(112)، وأبو داود (2881)، والنسائي (6/ 250).
ــ
قلت: وهذا محتمل لا سبيلَ إلى دفعه.
وعلى القول الأول: فإذا علم الوارث أن مورثه فرط في زكوات، أو واجبات مالية، فقال الشافعي: واجب على الوارث إخراج ذلك من رأس المال، كالدَّين. وقال مالك: إن أوصى بذلك أخرج من الثلث. وإلا فلا. وقال بعض أصحابه: إذا علم أنه لم يخرج الزكاة؛ أخرجت من رأس المال؛ وصى بها، أو لم يوص، قاله أشهب. وهو الصحيح؛ لأن ذلك دين الله. وقد قال صلى الله عليه وسلم:(دين الله أحق بالقضاء)(1) أو نقول: هو من جملة ديون الآدميين؛ لأنه حق الفقراء، وهم موجودون، وليس للوارث حق إلا بعد إخراج الدين والوصايا.
و(قوله: إن أمّي افتُلِتَت نفسُها) أي: ماتت فلتة؛ أي: (2) بغتة.
و(افتُلِتَت) تقييده: بضم التاء، وكسر اللام، مبنيًا لما لم يسم فاعله.
(نفسها) مرفوع؛ لأنه مفعول لم يسم فاعله. وقد روي بنصب (نفسها) على أن يضمر المفعول الذي لم يسم فاعله في (افتلتت) وبنصب (نفسها) على المفعول الثاني.
و(قوله: وأظنُّها لو تكلمت تصدقت) ظن ذلك بما علم من قصدها للخير،
(1) رواه أحمد (1/ 239 - 240)، والبخاري (6699)، والنسائي (5/ 116).
(2)
ما بين حاصرتين مستدرك من (ج 2).
[1712]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا مَاتَ الإِنسَانُ انقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَو عِلمٍ يُنتَفَعُ بِهِ، أَو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدعُو لَهُ.
رواه مسلم (1631)، وأبو داود (2880)، والترمذيُّ (1376)، والنسائي (6/ 251).
* * *
ــ
وفعلها للمعروف. وقد روي: أن هذا السائل كان سعد بن عبادة (1)(احتضرت أمه في غيبة سعد) فقيل لها: أوصي! فقالت: إنما المال لسعد، فتوفيت قبل قدومه. فسأل سعد النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
و(قوله: فلها أجر؟ ) وفي الرواية الأخرى: (فلي أجر). لا تناقض بين الروايتين؛ لأنه يمكن أن يكون سأل النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغتين، فأجابه بمجموعهما، غير أنه حدَّث تارة بإحداهما، وتارة بالأخرى، أو يكون من نقل بعض الرواة عنه. ومعنى الجمع بينهما صحيح؛ لأنها يكون لها أجر بما تصدَّق عنها، وله أجرٌ بما برَّها به، وأدخله عليها.
و(قوله: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة. . .) الحديث، هذه الثلاثُ الخصال إنما جرى عملها بعد الموت على من نسبت إليه؛ لأنه تسبب في ذلك، وحرص عليه، ونواه. ثم إن فوائدها متجددة بعده دائمةٌ (2)؛ فصار كأنَّه باشرها بالفعل، وكذلك حكم كل ما سنَّه الإنسان من الخير، فتكرر بعده؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى
(1) في (ع) و (م) و (ل 1): سعد بن أبي وقاص، والمثبت من (ج 2). وانظر: فتح الباري (5/ 389).
(2)
في (م): تتجدد بعده دائمًا.