الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها
[1442]
عن عَائِشَةَ قَالَت: كَانَت المُؤمِنَاتُ إِذَا هَاجَرنَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُمتَحَنَّ بِقَولِ اللَّهِ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المُؤمِنَاتُ يُبَايِعنَكَ عَلَى أَن لَا يُشرِكنَ بِاللَّهِ شَيئًا وَلَا يَسرِقنَ وَلَا يَزنِينَ. . . إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَت عَائِشَةُ: فَمَن أَقَرَّ بِهَذَا مِن المُؤمِنَاتِ فَقَد أَقَرَّ بِالمِحنَةِ، وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَقرَرنَ بِذَلِكَ مِن قَولِهِنَّ قَالَ لَهُنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ــ
(17)
ومن باب: بيعة النساء والمجذوم
يُمتَحَنَّ: يُختَبَرن. والامتحان: الاختبار.
وقوله {وَلا يَقتُلنَ أَولادَهُنَّ} (1) قال بعض المفسرين: بالوأد والإزلاق (2).
قلت: واللفظ أعم مما ذكره؛ إذ يتناوله وغيره.
وقوله: {وَلا يَأتِينَ بِبُهتَانٍ يَفتَرِينَهُ بَينَ أَيدِيهِنَّ وَأَرجُلِهِنَّ} ، قيل في البهتان هذا: إنه السِّحرُ. وقيل: النميمة. وقيل: الولد من غير الزوج بالالتقاط أو الزنا فتنسبه إلى الزوج. وقيل: النياحة وخَمش الوجه وشق الجيب والدعاء بالويل. قال الكلبي: هو عام في كل أمرٍ.
قلت: وهو الصحيح؛ لعموم لفظ البهتان فإنَّه نكرة في سياق النهي. ونسبته إلى ما بين الأيدي والأرجل كناية عما يفعل بجميع الأعضاء والجوارح من البهتان بين الأيدي والأرجل لأنهما الأصل في أعمال الجوارح.
(1) هي تتمة الآية رقم (12) من سورة الممتحنة.
(2)
الإزلاق: الإسقاط والإجهاض.
انطلقنَ فَقَد بَايَعتُكُنَّ. وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّت يَدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَدَ امرَأَةٍ قَطُّ، غَيرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالكَلَامِ. قَالَت عَائِشَةُ: وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
رواه البخاري (4891)، ومسلم (1866)(88)، والترمذيُّ (3303).
ــ
وحكى أهل التفسير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة جلس على الصَّفا وبايع النساء، فتلا عليهنَّ الآية، فجاءت هند - امرأة أبي سفيان - متنكرة، فلمَّا سمعت {وَلا يَسرِقنَ} قالت: قد سرقت من مال هذا الشيخ. قال أبو سفيان: ما أصبت فهو لك. ولَمَّا سمعت {وَلا يَزنِينَ} قالت: وهل تزني الحرَّة؟ فقال عمر: لو كانت قلوب نساء العرب على قلب هند ما زنت امرأة منهنَّ. ولَمَّا سمعت {وَلا يَقتُلنَ أَولادَهُنَّ} قالت: ربيناهم صغارًا فقتلتموهم كبارًا! ولَمَّا سمعت {وَلا يَأتِينَ بِبُهتَانٍ يَفتَرِينَهُ بَينَ أَيدِيهِنَّ وَأَرجُلِهِنَّ} قالت: والله إن البهتان لأمرٍ قبيح، ما تأمر إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. ولما سمعت {وَلا يَعصِينَكَ (1) فِي مَعرُوفٍ} قالت: ما جلسنا هنا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.
والمعروف هنا: الواجبات الشرعية التي يُعَصَّى من تركها.
وقوله تعالى: فَبَايِعهُنَّ؛ أي بالكلام كما فعل، {وَاستَغفِر لَهُنَّ اللَّهَ}؛ أي: سل الله لهن المغفرة فإنه غفور بتمحيق ما سلف رحيم بتوفيق ما ائتُنِفَ.
وما قالته عائشة رضي الله عنها من أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مَسَّت يده يد امرأة إلَاّ امرأة يملكها (2)، وإنّما يبايع النساء بالكلام - هو الحقّ والصدق، وإذا كان
(1) ما بين حاصرتين لم يرد في الأصول واستُدرك من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (18/ 72).
(2)
ما بين حاصرتين ورد في صحيح البخاري حديث رقم (7214).
[1443]
وعَن عَمرِو بنِ الشَّرِيدِ، عَن أَبِيهِ قَالَ: كَانَ فِي وَفدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجذُومٌ، فَأَرسَلَ إِلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّا قَد بَايَعنَاكَ، فَارجِع.
رواه مسلم (2231)، والنسائي (7/ 105)، وابن ماجه (3544).
* * *
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع من ذلك كان غيره أحرى وأولى بالامتناع منه، فيبطل قول من قال: إن عمر كان يأخذ بأيدي النساء عند هذه المبايعة - وليس بصحيح لا نقلًا ولا عقلًا.
وفيه التباعد من النساء ما أمكن، وإن كلام المرأة فيما يحتاج إليه من غير تزيُّن ولا تصنُّع ولا رفع صوت ليس بحرام ولا مكروه.
وقول عائشة رضي الله عنها ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط إلا بما أمره الله تعالى تعني به آية المبايعة المذكورة يتلوها عليهن، ولا يزيد شيئًا آخر من قبله.
وقوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم اذهب فقد بايعناك ولم يأخذ بيده عند المبايعة تخفيف عن المجذوم والناس لئلا يشق عليه الاقتحام معهم فيتأذى هو في نفسه ويتأذى به الناس.
وقد روى الترمذيُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه أكل مع مجذوم فقال: بسم الله توكلًا على الله (1)، وقد جاء عنه في الصحيح أنه قال: فرَّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد (2)، وهذا الخطاب إنما هو لمن يجد في نفسه نفرة طبيعية لا يقدر على الانتزاع منها، فأمره بالفرار لئلا يتشوّش عليه ويغلبه وَهمُهُ، وليس ذلك خوفًا
(1) رواه الترمذي (1817)، وابن ماجه (3542).
(2)
رواه أحمد (2/ 443)، والبخاري (5707).