المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب ما جاء في العمرى - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(4) باب ما جاء في العمرى

(4) باب ما جاء في العمرى

[1733]

عَن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ الأَنصَارِيَّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَعمَرَ رَجُلًا عُمرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَقَالَ: قَد أَعطَيتُكَهَا وَعَقِبَكَ

ــ

الإدلال (1) والانبساط بحكم أنها كأمه من جهة الحضانة والتربية والكفالة، ومسامحة النبي صلى الله عليه وسلم لها في ذلك على جهة الإكرام لها والقيام بحقها، ومع ذلك فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسوسها ويتلطف بها إلى أن أخذ منها ما ليس لها وأعطاها ما كان لها مُستَرضِيًا لها ومطيِّبًا قلبها على كرم خلقه وحُسن محاولته صلى الله عليه وسلم.

وفيه دليل على أن ما وُهِبَت منفعته فإذا انقضت وَجب ردُّ الأصل، ولا خلاف فيه.

(4)

ومن باب: العمرى

(قوله: أيُّما رجل أعمر عُمرى له ولعقبه) العمرى في اللغة: هي أن يقول الرَّجل للرَّجل: هذه الدار لك عمري أو عمرك. وأصلها من العمر؛ قاله أبو عبيد. وقال غيره: أعمرته الدَّار جعلتها له عمره. وقال الحربي: سمعت ابن الأعرابي يقول: لم يختلف العرب أن هذه الأشياء على ملك أربابها: العمرى، والرُّقبى، والسُّكنى، والإطراق، والمنحة، والعرية، والعارية، والأفقار. ومنافعها لمن جعلت له.

قلت: وعلى هذا: فالعُمرى الواردة في الحديث حقها أن تحمل على هذا. فتكون: تمليك منافع الرَّقبة مدة عمر من قُيِّدت بعمره، فإن لم يذكر عقبًا؛ فمات المُعمَرُ رجعت إلى الذي أعطاها ولورثته. فإن قال: هي لك ولعقبك؛ لم ترجع إلى الذي أعطاها إلا أن ينقرض العَقِبُ.

(1) في (ع) و (م): الدلال.

ص: 592

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعلى هذا: فيكون الإعمار بمعنى الإسكان؛ إذا قيّده بالعمر، غير أن الأحاديث التي جاءت في هذا الباب تقتضي بحكم ظاهرها أنَّها تمليك الرَّقبة على ما هي مسرودة في الأصل، فاختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

أحدها: ما تقدَّم، وهي أنها تمليك منافع الرَّقبة. وهو قول القاسم بن محمد، ويزيد بن قُسَيط، واللَّيث بن سعد، وهو مشهور مذهب مالك، وأحد قولي (1) الشافعي. وقال مالك: وللمُعمِر أن يُكريها ولا يُبعِد، وله أن يبيعها من الذي أعطاها، لا من غيره.

وثانيها: أنها تمليك الرَّقبة ومنافعها، وهي هبة مبتولة. وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأصحابهما، والثوري، والحسن بن حيّ، وأحمد بن حنبل، وابن شبرمة، وأبي عبيد؛ قالوا: من أعمر رجلًا شيئًا حياته فهو له حياته، وبعد وفاته لورثته؛ لأنه قد ملك رقبتها. وشرط المعطي الحياة أو العمر باطل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبطل شرطه، وجعلها بتلةً. وسواء قال: هي لك حياتك، أو: هي لك ولعقبك بعدك.

وثالثها: إن قال: عمرك؛ ولم يذكر العقب كان كالقول الأول. وإن قال: هي لك ولعقبك؛ كان كالقول الثاني. وبه قال الزهري، وأبو ثور، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابن أبي ذئب، وقد روي عن مالك. وهو ظاهر قوله في موطأ يحيى بن يحيى.

فأهل القول الأول تمسَّكوا بأصل اللغة، وعضدوا ذلك بما رواه ابن القاسم (2) عن مالك قال: رأيت محمدًا وعبد الله ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو

(1) في (ع) و (ج 2): أقوال.

(2)

انظر الموطأ (2/ 756).

ص: 593

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ابن حزم، وعبد الله يعاتب محمدًا - وهو يومئذ قاض - يقول له: ما لك لا تقضي بحديث ابن شهاب في العُمرى؟ فقال: يا أخي! لم أجد النَّاس عليه، وأباه الناس. قال مالك: ليس عليه العمل، ولوددت: أنه مُحِي. وعضدوه أيضًا بأن قالوا: الأصل بقاء ملك المعطي للرَّقبة بإجماع، ولم يرد قاطع بإخراجه عن يده قبل الإعمار (1)، وتأولوا جميع تلك الظواهر الواردة في الباب.

وأما أهل القول الثاني: فظواهر الأحاديث معهم، غير أنَّهم لا يُسلَّم لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبطل شرط العمر؛ لأنَّه لو أبطله لبطلت العمرى بالكليَّة، ولامتنع إطلاق ذلك الاسم عليها، ولم تبطل؛ لأن الأصل في شروط المسلمين صحتها وبقاؤها بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(المسلمون على شروطهم)(2) ذكره أبو داود وغيره عن أبي هريرة.

فإن قيل: هذا من الشروط التي قد أبطلها الشرع بقوله: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل)(3)، قلنا: لا نسلّم: أنَّه ليس في كتاب الله؛ لأن كتاب الله هنا يراد به: حكم الله؛ بدليل السبب الذي خرج عليه الحديث المتقدَّم. وقد تقدَّم في العتق. ثم يلزم على هذا إبطال المنحة، والإفقار، والعارية، فإنَّها كلها عطايا بشروط، وليست كذلك باتفاق. فإن قيل: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن أبي ذئب في موطئه من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه قضى فيمن أعمر عُمرى له ولعقبه: فهي بتلةٌ لا يجوز للمعطي فيها شرط، ولا مثوبة. وهذا صريح في إبطال الشرط. فالجواب: إنا لا نسلم: أن هذا الشرط المنهي عنه هو نفس الإعمار في قوله: هي لك عمرك؛ لأنه لو كان كذلك لبطلت حقيقة العمرى، كما قلناه، ولأنه لو بطل ذلك لبطل قول المعطي: هي لك سنة من عمرك، ولم يبطل بالاتفاق، فلا تبطل. والجامع بين الصورتين: أن كل واحد منهما إعطاء ذكر فيه العمر. وقد قال

(1) زيادة من (ج 2).

(2)

رواه البخاري (3/ 187) تعليقًا، وأبو داود (3594).

(3)

رواه أحمد (6/ 213)، والنسائي (6/ 164 - 165)، وابن ماجه (2521).

ص: 594

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم (1). ومما يتمسكون به قوله صلى الله عليه وسلم: (لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث) فقد صيَّرها ملكًا؛ لأنه لا يورث عن الإنسان إلا ما كان يملك. ويجابون عن ذلك: بأن اللفظ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من قول أبي سلمة بن عبد الرحمن؛ كما قد رواه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، وذكر الحديث المتقدِّم، فلما فرغ قال: قال أبو سلمة: (لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث). ولئن سلم ذلك؛ فإنما جاء ذلك من حيث ذكر العقب، فيكون فيه حجة لأهل القول الثالث، لا للثاني.

وأما أهل القول الثالث، فكأنهم أعملوا الاسم فيما لم يذكر فيه العقب، وتركوا مقتضاه، حيث منع منه الشرع. وكأنهم جمعوا بين الاسم والأحاديث التي في الباب. وقد شهد لصحة هذا رواية من قال عن جابر: إنَّما العُمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبك. فأمَّا إذا قال: هي لك ما عشت: فإنها ترجع إلى صاحبها. قال: وبه كان الزهري يُفتي. ثم ما ورد من الروايات مطلقا فإنه مقيد بهذا الحديث. غير أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم انتهى عند قوله: (هي لك ولعقبك) وما بعده من كلام الزهري، على ما قاله محمد بن يحيى الذهلي. وهو مما انفرد به معمر عن الزهري. وخالفه في ذلك سائر من رواه عن الزهري من الأئمة الحفاظ، كالليث، ومالك، وابن أخي الزهري، وابن أبي ذئب. ولم يذكروا ذلك. .

قلت: والذي يظهر لي، وأستخير الله في ذكره: أنَّ حديث جابر في العُمرى رواه عنه جماعة، واختلفت ألفاظهم اختلافًا كثيرًا، ثم رواه عن كل واحد من تلك الجماعة قوم آخرون. واختلفوا كذلك. ثم كذلك القول في الطبقة الثالثة. وخلط فيه بعضهم بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منه، فاضطرب، فضعفت الثقة به، مع ما ينضاف إلى ذلك من مخالفته للأصل المعلوم المعمول به: من أن الناس على شروطهم

(1) انظر الموطأ (2/ 756).

ص: 595

مَا بَقِيَ مِنكُم أَحَدٌ، فَإِنَّهَا لِمَن أُعطِيَهَا، وَإِنَّهَا لَا تَرجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا مِن أَجلِ أَنَّهُ أَعطَى عَطَاءً وَقَعَت فِيهِ المَوَارِيثُ.

رواه مسلم (1625)(20)، وأبو داود (3553)، والترمذي (1350)، والنسائي (6/ 275).

[1734]

وعنه، قَالَ: إِنَّمَا العُمرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَن يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشتَ، فَإِنَّهَا تَرجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا. قَالَ مَعمَرٌ: وَكَانَ الزُّهرِيُّ يُفتِي بِهِ.

وفي رواية: قَالَ عليه الصلاة والسلام: العُمرَى لِمَن وُهِبَت لَهُ.

ــ

في أموالهم، كما قال القاسم بن محمد، وكما دلَّ عليه الحديث المتقدم في الشروط. وينضاف إلى ذلك: أن الناس تركوا العمل به؛ كما قال محمد بن أبي بكر. فتعيَّن تركه، كما قال مالك: ليته مُحِي. ووجب التمسك بأصل وضع العُمرى، كما تقدَّم، وبالأصل المعلوم من الشريعة: من أن الناس على ما شرطوه في أعطياتهم. وهُذا (1) القول الأول، وليس على غيره معوَّل. وإذا تقرر ذلك فلنبين وجه ردِّ تلك الروايات إلى ما قررناه.

فأمَّا قوله: (وإنها لا ترجع إلى صاحبها، من أجل: أنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث). فيعني به: أنه لما جعلها للعقب؛ فالغالب أن العقب لا ينقطع، فلا تعود لصاحبها لذلك.

وأمَّا قوله: (وقعت فيه المواريث) فإن سلَّمنا أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم فمعناه - والله أعلم -: أنَّها لما كانت تنتقل للعقب بحكم تلقيهم عن مورِّثهم، ويشتركون في الانتفاع بها أشبهت المواريث، فأطلق عليها ذلك.

(1) في (ع) و (ج 2): وهو.

ص: 596

وفي أخرى: أَمسِكُوا عَلَيكُم أَموَالَكُم وَلَا تُفسِدُوهَا، فَإِنَّهُ مَن أَعمَرَ عُمرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ.

وفي أخرى: جَعَلَ الأَنصَارُ يُعمِرُونَ المُهَاجِرِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَمسِكُوا عَلَيكُم أَموَالَكُم.

وفي أخرى: قَالَ عليه الصلاة والسلام: العُمرَى جَائِزَةٌ.

ــ

وأمَّا قوله: (أمسكوا عليكم أموالكم، ولا تفسدوها) فإنه من باب الإرشاد إلى الأصلح؛ لأن الإعمار يمنع المالك من التصرف فيما يملكُ رقبته آمادًا طويلة، لا سيما إذا قال: هي لك ولعقبك؛ فإن الغالب: أنها لا ترجع إليه، كما قررناه. ولا يصح حمل هذا النهي على التحريم؛ لأنَّه قد قال في الرِّواية الأخرى:(العمرى جائزة لمن وهبت له)(1) أي: عطيَّة جائزة، ولأنها من أبواب البر، والمعروف، والرفق. فلا يمنع منه. وقول ابن عباس: لا تحِلُّ العُمرى ولا الرُّقبى؛ محمول على ذلك، فإنه قال إثر ذلك: فمن أعمر شيئًا فهو له، ومن أرقب شيئًا فهو له (2). فقد جعلهما طريقين للتمليك. فلو كان عقدهما حرامًا كسائر العقود المحرَّمة لأمر بفسخهما.

وأمَّا قوله: (فهي للذي أعمرها حيًّا وميتًا) فيعني بذلك: إذا قال: هي لك ولعقبك؛ فإنَّه ينتفع بها في حياته، ثم ينتقل نفعها إلى عقبه بعد موته. وهذه الرواية وإن وقعت هنا مطلقة؛ فهي مقيدة بالروايات الأخر التي ذكر فيها العقب، لا سيما والرَّاوي واحد، والقضية واحدة. فيحمل المطلق منها على المقيَّد قولًا واحدًا، كما قررناه في الأصول.

و(قوله: إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يقول: هي لك ولعقبك؛ أي: أمضى جوازها وألزمه دائمًا على ما ذكرناه.

(1) قوله: لمن وُهبتْ له: ليست في التلخيص.

(2)

رواه النسائي (6/ 270).

ص: 597

رواه أحمد (3/ 294)، ومسلم (1625)(23 و 26 و 27)، وأبو داود (3555)، والنسائي (6/ 274).

[1735]

وعن أَبي الزُّبَيرِ، عَن جَابِرٍ قَالَ: أَعمَرَت امرَأَةٌ بِالمَدِينَةِ حَائِطًا لَهَا ابنًا لَهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ وَتُوُفِّيَت بَعدَهُ، وَتَرَكَ وَلَدًا، وَلَهُ إِخوَةٌ بَنُونَ لِلمُعمِرَةِ، فَقَالَ وَلَدُ المُعمِرَةِ: رَجَعَ الحَائِطُ إِلَينَا، وَقَالَ بَنُو المُعمَرِ: بَل كَانَ لِأَبِينَا حَيَاتَهُ وَمَوتَهُ، فَاختَصَمُوا إِلَى طَارِقٍ مَولَى عُثمَانَ، فَدَعَا جَابِرًا فَشَهِدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالعُمرَى لِصَاحِبِهَا، فَقَضَى بِذَلِكَ طَارِقٌ ثُمَّ كَتَبَ إِلَى عَبدِ المَلِكِ فَأَخبَرَهُ ذَلِكَ، وَأَخبَرَهُ بِشَهَادَةِ جَابِرٍ، فَقَالَ عَبدُ المَلِكِ: صَدَقَ جَابِرٌ، فَأَمضَى ذَلِكَ طَارِقٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ الحَائِطَ لِبَنِي المُعمَرِ حَتَّى اليَومِ.

رواه مسلم (1625)(28).

* * *

ــ

و(قوله: وأمَّا إذا قال: فهي لك ما عشت) فإنها ترجع إلى صاحبها، فإن كان من قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو نصٌّ فيما اخترناه. وإن كان من قول الرَّاوي؛ فهو أقعد بالحال، وأعلم بالمقال.

تنبيه: القائلون: بأن العمرى تمليك الرقبة؛ فرَّقوا بينها وبين السُّكنى. فلو قال: أسكنتك حياتك. فإذا مات رجعت إلى صاحبها (1). إلا الشَّعبي: فإنه سوَّى بينهما، وقال في السَّكنى: لا ترجع إلى صاحبها بوجه. وهو شاذٌّ لا يعضده نظر، ولا خبر. فإن العمرى عند القائلين: بأنها تمليك الرَّقبة، خارجة عن القياس. وإنما صاروا إليه من جهة ظواهر الأخبار، فلا تقاس السُّكنى عليها؛ لأن الخارج عن القياس لا يُقَاس عليه كما قررناه في الأصول. ولا خبر فيه، فلا يصار إليه. والله تعالى أعلم.

(1) في (ع): صاحبه.

ص: 598