الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه
[1585]
عَن المَعرُورِ بنِ سُوَيدٍ قَالَ: مَرَرنَا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيهِ بُردٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثلُهُ، فَقُلنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ، لَو جَمَعتَ بَينَهُمَا كَانَت حُلَّةً، فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَينِي وَبَينَ رَجُلٍ مِن إِخوَانِي كَلَامٌ، وَكَانَت أُمُّهُ أَعجَمِيَّةً، فَعَيَّرتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَقِيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ. قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَن سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، هُم إِخوَانُكُم، جَعَلَهُم اللَّهُ تَحتَ
ــ
(7)
ومن باب: إطعام المملوك
قد تقدَّم تفسير (الحُلَّة).
(قوله: كان بيني وبين رجل من إخواني) يعني به: عبده. وأطلق عليه أنه من إخوانه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إخوانكم خولكم) ولأنه أخ في الدِّين.
و(قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذرٍّ: (إنك امرؤ فيك جاهلية) أي: خصلة من خصالهم، يعني بها: تعيير عبده بأمه. فإن الجاهلية كانوا يعيِّرون بالآباء والأمهات، وذلك شيء أذهبه الإسلام بقوله تعالى:{إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم} وبقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله أذهب عنكم عبية (1) الجاهلية، وفخرها بالآباء. الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب) (2).
(1) أي: الكِبْر.
(2)
رواه أبو داود (5116)، والترمذي (3955). وانظر: الترغيب والترهيب (4370).
أَيدِيكُم، فَأَطعِمُوهُم مِمَّا تَأكُلُونَ، وَأَلبِسُوهُم مِمَّا تَلبَسُونَ، وَلَا تُكَلِّفُوهُم مَا يَغلِبُهُم، فَإِن كَلَّفتُمُوهُم فَأَعِينُوهُم.
وفي رواية: بَعدَ قَولِهِ: (إِنَّكَ امرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ) قَالَ: قُلتُ: عَلَى حَالِ سَاعَتِي مِن الكِبَرِ، قَالَ: نَعَم.
ــ
و(قول أبي ذر: على حال ساعتي من الكبر) استبعاد منه أن يبقى فيه شيء من خصال الجاهلية مع كبر سنِّه، وطول عمره في الإسلام، فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء ذلك عليه زال استبعاده، ووجب تسليمه لذلك القول وانقياده.
و(قوله: فأطعموهم مِمَّا تأكلون، وألبسوهم مِمَّا تلبسون) أي: من نوع ما تأكلون وما تلبسون. وهذا الأمر على الندب؛ لأن السَّيد لو أطعم عبده أدنى مما يأكله، وألبسه أقل مما يلبسه - صفةً ومقدارًا - لم يذمَّه أحدٌ من أهل الإسلام؛ إذ قام بواجبه عليه، ولا خلاف في ذلك فيما علمته. وإنما موضع الذمِّ: إذا منعه ما يقوم به أوده، ويدفع به ضرورته، كما نصَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوتهم). وإنما هذا على جهة الحض على مكارم الأخلاق، وإرشادٌ إلى الإحسان، وإلى سلوك طريق التواضع حتى لا يرى لنفسه مزية على عبده؛ إذ الكل عبيد الله، والمال مال الله، ولكن سَخَّر بعضهم لبعض، وملَّك بعضهم بعضًا؛ إتمامًا للنعمة، وتقعيدا (1) للحكمة.
و(قوله: ولا تكلّفوهم ما يغلبهم) أي: لا تكلفوهم ما لا يطيقونه. وهو نهيٌّ، وظاهره التحريم.
و(قوله: فإن كلفتموهم فأعينوهم) أي: إن أخطأتم فوقع ذلك منكم، فارفعوا عنهم ذلك؛ بأن تعينوهم على ذلك العمل، فإن لم يمكنكم ذلك فبيعوهم؛ كما جاء في الرواية الأخرى:(ممن يرفق بهم).
(1) في (ل 1): تنفيذًا.
وفي رواية: فَإِن كَلَّفَهُ مَا يَغلِبُهُ فَليَبِعهُ.
وفي أخرى: فَليُعِنهُ.
رواه أحمد (5/ 161)، والبخاريُّ (30)، ومسلم (1661)(38) و (39)، وأبو داود (5157)، وابن ماجه (3690).
[1586]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ: عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لِلمَملُوكِ طَعَامُهُ وَكِسوَتُهُ، وَلَا يُكَلَّفُ مِن العَمَلِ إِلَّا مَا يُطِيقُ.
رواه أحمد (2/ 247)، ومسلم (1662).
[1587]
وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا صَنَعَ لِأَحَدِكُم خَادِمُهُ طَعَامَهُ، ثُمَّ جَاءَ بِهِ وَقَد وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، فَليُقعِدهُ مَعَهُ فَليَأكُل، فَإِن كَانَ الطَّعَامُ مَشفُوهًا قَلِيلًا، فَليَضَع فِي يَدِهِ مِنهُ أُكلَةً أَو أُكلَتَينِ، يَعنِي لُقمَةً أَو لُقمَتَينِ.
ــ
و(قوله: للمملوك طعامه وكسوته) أي: يجب ذلك له على سيده، كما قال في حديث أبي هريرة:(يقول عبدك: أنفق علي، أو بعني)(1) وهذا لا يختلف فيه. والقدر الواجب من ذلك ما يدفع به ضرورته، وما زاد على ذلك مندوب إليه.
و(قوله: فليُقعِده معه) أمرٌ بتعليم التواضع، وترك الكبر على العبد. وهذا كان خلقه صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يأكل مع العبد، ويطحن مع الخادم، ويشاركه في عمله، ويقول:(إنما أنا عبدٌ آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد)(2).
و(المشفوه): الذي تكثر عليه الشِّفاه، أو تغلب عليه الشِّفاه عند أكله لِقلتِه.
(1) رواه أحمد (2/ 524) بنحوه.
(2)
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 21).