الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية
[1757]
عَن أَبي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ لَأَن يَلَجَّ أَحَدُكُم بِيَمِينِهِ فِي أَهلِهِ آثَمُ لَهُ عِندَ اللَّهِ مِن أَن يُعطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ.
رواه البخاري (6625)، ومسلم (1655).
ــ
(8)
ومن باب: ما يخاف من اللجاج في اليمين
(قوله: والله لأن يلج أحدكم في يمينه (1)) اللجاج في اليمين: هو المضي على مقتضاها؛ وإن لزم من ذلك حرج، ومشقَّة، أو ترك ما فيه منفعة عاجلة، أو آجلة. فإن كان فيه شيء من ذلك فالأولى له: تحنيث نفسه، وفعل الكفارة على ما تقدَّم (2).
و(قوله: آثم له عند الله من أن يعطي ما فرض الله من الكفارة (3)) أي: أكثر إثما. وذلك إنما يكون إذا لزم من المضي في اليمين ترك واجب، هذا ظاهره. ويحتمل ما قدمناه في معنى هذا الحديث. وفيه ما يدل: على أن الكفارة واجبة على من حنث. وهو ظاهر قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} ولا خلاف في ذلك.
(1) الرواية الواردة في التلخيص وصحيح مسلم: (بيمينه).
(2)
جاء في حاشية (م): معنى الحديث: من حلف على إثم وقطيعة رحمه وأهله، وترك برّهم، ولجَّ في ذلك، وآذاهم به، آثمُ له من أن يكفِّر، ويعود إلى جميل العشرة.
(3)
الرواية الواردة في التلخيص ومسلم: (من أن يعطيَ كفارته التي فرض الله).
[1758]
وعَن ابنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَن أَعتَكِفَ لَيلَةً فِي المَسجِدِ الحَرَامِ؟ قَالَ: فَأَوفِ بِنَذرِكَ.
ــ
وقول عمر: (إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة)، وفي الرواية الأخرى:(يومًا في المسجد الحرام). فقال: (أوف (1) بنذرك) ظاهره: لزوم نذر الكافر إذا أوجبه على نفسه في حال كفره؛ إذا كان من نوع القرب؛ التي يوجبها المسلمون، غير أنه لا يصح منه إيقاعه في حالة كفره لعدم شرط الأداء؛ الذي هو الإسلام. فأمَّا إذا أسلم وجب عليه الوفاء. وبذلك قال الشافعي، وأبو ثور، والمغيرة المخزومي، والبخاري، والطبري. ورأوا أن قوله صلى الله عليه وسلم:(أوف بنذرك) على الوجوب. وذهب مالك، والكوفيون: إلى أنَّه لا يلزمه شيء من ذلك؛ لا عتق، ولا صوم، ولا اعتكاف؛ لعدم تصوُّر نيَّة القربة منهم حالة كفرهم. واعتذروا عن ظاهر الحديث: بأن قول عمر: نذرت في الجاهلية. إنما يريد: في أيام الجاهلية، لا أنه كان هو في الجاهلية. ومنهم من قال: إن هذا الأمر على جهة النَّدب.
قلت: والاعتذاران ضعيفان؛ لأنهما خلاف الظاهر من مساق الحديث، ومن ظاهر الأمر. وأما قولهم: لا يلزمهم شيء من نذر تلك القرب؛ لأنه لا تصح نيَّة التقرُّب منهم؛ فقول لا يصبر على السبر؛ لأنا نقول: لا يلزم من كون العبادة لا تصحُّ من المكلَّف إلا أن يكون مخاطبًا بها؛ لأنَّا نجوز التكليف بالمشروط حالة عدم شرطه الممكن التحصيل. كما يؤمر الكافر بالإيمان بالرُّسول حالة عدم معرفة المرسل (2)، والمحدث في الصلاة حالة الحدث، والبعيد عن مكة بالحج. وسر هذا: أنه لما كانت هذه الشروط ممكنة التحصيل للمكلَّف؛ أُمِر بفعل المشروط.
(1) في التلخيص ومسلم: فأوف.
(2)
في (ج 2): معرفته بالرسل.
وفي رواية: إِنِّي نَذَرتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أَن أَعتَكِفَ يَومًا فِي المَسجِدِ الحَرَامِ، فَكَيفَ تَرَى؟ قَالَ: اذهَب فَاعتَكِف يَومًا.
رواه أحمد (1/ 37)، والبخاري (2042)، ومسلم (1656)(27 و 28)، وأبو داود (3325)، والترمذي (1539)، وابن ماجه (2129).
* * *
ــ
ويتضمن ذلك الأمر (1) الأمر بتحصيل ما لا يصح ذلك المشروط إلا به. وهذه مسألة خطاب الكفار بفروع الشريعة. وقد ذكرنا في أصول الفقه: أن الصحيح أنهم مخاطبون بها، وأنه الصحيح من مذهب مالك وغيره من العلماء. وعلى هذا: فيلزم الكافر ما نذره في حال كفره، كما هو الظاهر من حديث عمر رضي الله عنه هذا. وكذلك يلزمه عتق ما أعتق، وصدقة ما تصدَّق به. فإن أسلم صحَّت له تلك الأعمال كلّها، وأُثيب عليها، كما هو الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام:(أسلمتَ على ما أسلفتَ عليه من خير)(2). ومالك - حيث لم يلزمه بشيء - إنما بناه على القول الآخر عنه: في أن الكفار ليسوا مخاطبين بالفروع. والصحيح المشهور من مذهبه، ومذهب أصحابه: أنهم مخاطبون بها. وعلى هذا: يخرج من مذهبه قول آخر في إلزام الكفار ما التزموه من النَّذر والعتق في حالة الكفر. والله تعالى أعلم.
و(قوله: أنه نذر أن يعتكف ليلة) يحتجُّ به من يجيز الاعتكاف بالليل وبغير صوم. ولا حجة له فيه؛ لأنه قد قال في الرواية الأخرى (3): (أنَّه نذر أن يعتكف
(1) في (ل 1): الأصل.
(2)
رواه أحمد (3/ 402)، والبخاري (1436)، ومسلم (123)(195).
(3)
في (ج 2): الأولى.