المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

[1417]

عَن يَحيَى بنِ حُصَينٍ قَالَ: سَمِعتُ جَدَّتِي تُحَدِّثُ أَنَّهَا سَمِعَت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَخطُبُ فِي حجة الوَدَاعِ، وَهُوَ يَقُولُ: وَلَو استُعمِلَ عَلَيكُم عَبدٌ يَقُودُكُم بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا.

رواه أحمد (4/ 69)، ومسلم (1838)(37)، والنسائي (7/ 154).

[1418]

وعَن ابنِ عُمَرَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: عَلَى المَرءِ المُسلِمِ السَّمعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَن يُؤمَرَ بِمَعصِيَةٍ، فَإِن أُمِرَ بِمَعصِيَةٍ فَلَا سَمعَ وَلَا طَاعَةَ.

رواه البخاري (7144)، ومسلم (1839)، وأبو داود (2626)، والترمذي (1707)، والنسائي (7/ 160)، وابن ماجه (2864).

ــ

أحكام شرعية، فلا يصلح لها العبد لأنه ناقص بالرِّقِّ مَحجُورٌ عليه لا يستقل بنفسه، ومسلوبُ أهليةِ الشهادة والتنفيذ فلا يصلح للقضاء ولا للإمارة، وأظن أنَّ جمهور علماء المسلمين على ذلك.

وقد ورد ذكر العبد في هذا الحديث مطلقا، وقد قيَّده بالحديث الآتي بعد هذا الذي قال فيه: ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله (1).

(8)

ومن باب: إنما تجب طاعة الإمام ما لم يأمر بمعصية

قوله على المرء المسلم السَّمع والطاعة ظاهر في وجوب السمع والطّاعة للأئمة والأمراء والقضاة، ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية، فإن أمر

(1) هو الحديث (1417).

ص: 38

[1419]

وعَن عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً وَاستَعمَلَ عَلَيهِم رَجُلًا مِن الأَنصَارِ، وَأَمَرَهُم أَن يَسمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا،

ــ

بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولًا واحدًا، ثم إن كانت تلك المعصية كفرًا وَجَبَ خَلعُه على المسلمين كلهم، وكذلك لو ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين كإقام الصلاة وصوم رمضان وإقامة الحدود ومَنَع من ذلك، وكذلك لو أباح شرب الخمر والزنا ولم يمنع منها لا يختلف في وجوب خَلعِهِ، فأمَّا لو ابتدع بدعة ودعا النَّاس إليها فالجمهور على أنه يُخلَع.

وذهب البصريون إلى أنه لا يُخلَع تمسُّكًا بقوله عليه الصلاة والسلام: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان (1)، وهذا يدلّ على استدامة ولاية المتأوّل وإن كان مبتدعًا، فأمَّا لو أمر بمعصية مثل أخذ مال بغير حق أو قتل أو ضرب بغير حق فلا يطاع في ذلك ولا ينفذ أمره، ولو أفضى ذلك إلى ضرب ظهر المأمور وأخذ ماله؛ إذ ليس دم أحدهما ولا ماله بأولى من دم الآخر ولا ماله، وكلاهما يحرم شرعًا؛ إذ هما مسلمان، ولا يجوز الإقدام على واحد منهما لا للآمر ولا للمأمور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (2) كما ذكره الطبري، ولقوله هنا: فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.

فأمَّا قوله في حديث حذيفة اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك (3) فهذا أمر للمفعول به ذلك للاستسلام والانقياد، وترك الخروج عليه مخافة أن يتفاقم الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك.

ويحتمل أن يكون ذلك خطابًا لمن يُفعل به ذلك بتأويل يسوّغ للأمير بوجهٍ يظهر له ولا يظهر ذلك للمفعول به، وعلى هذا يرتفع التعارض بين الأحاديث ويصحّ الجمع، والله تعالى أعلم.

وقول عليٍّ واستعمل عليهم رجلًا من الأنصار ظاهر في أنه ليس

(1) رواه مسلم (1709)(42).

(2)

رواه أحمد (1/ 409) من حديث عبد الله بن مسعود.

(3)

رواه مسلم (1847)(52).

ص: 39

فَأَغضَبُوهُ فِي شَيءٍ، فَقَالَ: اجمَعُوا لِي حَطَبًا. فَجَمَعُوا، ثُمَّ قَالَ: أَوقِدُوا نَارًا. فَأَوقَدُوا، ثُمَّ قَالَ: أَلَم يَأمُركُم رسول الله صلى الله عليه وسلم أَن تَسمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالَوا: بَلَى! قَالَ: فَادخُلُوهَا! قَالَ: فَنَظَرَ بَعضُهُم إِلَى بَعضٍ فَقَالَوا: إِنَّمَا فَرَرنَا إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن النَّارِ! فَكَانُوا كَذَلِكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا رَجَعُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرُوا ذَلِكَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لَو دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعرُوفِ.

وفي رواية: فَأَرَادَ نَاسٌ أَن يَدخُلُوهَا، وَقَالَ الآخَرُونَ: إِنَّما فَرَرنَا مِنهَا! فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَن يَدخُلُوهَا: لَو دَخَلتُمُوهَا لَم تَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ. وَقَالَ لِلآخَرِينَ قَولًا حَسَنًا،

ــ

عبد الله بن حُذَافة؛ فإنه مهاجريٌّ وذلك أنصاريٌّ، فافترقا. وقضية عبد الله بن حُذَافة هي التي ذكر منها ابن عباس رضي الله عنهما طرفًا كما تقدَّم، فلا معنى لقول من قال: إن هذا الذي حكى عنه عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه هو عبد الله بن حُذَافة. وكذلك لا معنى لقول من قال: إنَّ ذلك الأمير إنما أمرهم بدخول النار ليختبر طاعتهم له. وقد قال في هذه الرواية: إنهم أغضبوه. وقال: وسكن غَضَبُهُ عليهم، فأراد عقوبتهم بذلك. وهذه نصوص في أنه إنما حمله على ذلك غضبه عليهم.

وقوله لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة ظاهر في أنه تَحرُمُ الطاعةُ في المعصية المأمور بها، وأنَّ المطيع فيها يستحق العقاب.

وقوله للآخرين قولًا حسنًا يدلّ على مدح المصيب في المجتهدات، كما أنّ القول الأول يدلّ على ذمِّ المقصر المخطئ وتعصيته، مع أنه ما كان تقدّم لهم في مثل تلك النازلة نصٌّ، لكنهم قصروا حيث لم ينظروا في قواعد الشريعة الكلية ومقاصدها المعلومة الجليّة.

ص: 40

وَقَالَ: لَا طَاعَةَ فِي مَعصِيَةِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعرُوفِ.

رواه أحمد (1/ 94)، والبخاري (7257)، ومسلم (1840)، (39 و 45)، وأبو داود (2625)، والنسائي (7/ 109).

* * *

ــ

وقوله إنّما الطاعة في المعروف، إنّما هذه للتحقيق والحصر؛ فكأنه قال: لا تكون الطّاعة إلا في المعروف. ويعني بالمعروف هنا ما ليس بمنكرٍ ولا معصية، فيدخل فيها الطاعات الواجبة والمندوب إليها والأمور الجائزة شرعًا، فلو أمر بجائزِ لصارت طاعته فيه واجبة ولما حَلَّت مخالفتُه، فلو أمر بما زجر الشرع عنه زَجرَ تنزيهٍ لا تحريمٍ فهذا مُشكِلٌ، والأظهر جواز المخالفة تمسَّكًا بقوله إنما الطاعة في المعروف، وهذا ليس بمعروف إلا بأن يخاف على نفسه منه، فله أن يمتثل (1)، والله تعالى أعلم.

تنبيه: هذا الحديث يَرُدُّ حكايةً حُكيت عن بعض مشايخ الصوفية، وذلك أن مريدًا له قال له يومًا: قد حمي التنورُ، فما أصنع؟ فتغافل عنه، فأعاد عليه القول فقال له: ادخل فيه. فدخل المريد في التنور، ثم إن الشيخ تذكّر فقال: الحقوه، كان قد عقد على نفسه ألا يخالفني! فلحقوه فوجدوه في التنور لم تضره النار! وهذه الحكاية أظنها من الكذب الذي كُذِبَ به على هذه الطائفة الفاضلة، فكم قد كَذَبَ عليها الزنا قةُ وأعداءُ الدين، وبيان ما يحقق ذلك أنَّ هذا الشيخ إمّا أن يكون قاصدًا لأمر ذلك المريد بدخول التنور أو لا، فإن كان قاصدًا كان قَصدُهُ ذلك معصيةً، ولا طاعة فيها بنصِّ النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون امتثال المريد لذلك معصيةً، وكيف

(1) ساقط من (ع).

ص: 41

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تظهر الكراماتُ على العصاة في حال معصيتهم؟ ! فإنَّ الكرامةَ تدلُّ على حُسن حال من ظهرت على يديه وأنه مطيع لله تعالى في تلك الحالة مع جواز أمر آخر يكون في المستقبل، وإن كان ذلك الشيخ غير قاصدٍ لذلك ولا شاعرٍ بما صدر عنه فكيف يحلُّ للمريد أن يُلقي نفسه في النار بأمر غلطٍ لا حقيقةَ له؟ ! ثم هذا المريد عاصٍ بذلك الفعل، ولا يظهر على العاصي كرامةٌ في حال ملابسته للمعصية، ولو جاز ذلك لجاز للزَّناة وَشَرَبَةِ الخمر والفَسَقَة أن يدَّعوا الكرامات وهم ملابسون لفسقهم، هذا ما لا يجوز إجماعًا، وإنما تُنسب الكراماتُ لأولياء الله وهم أهل طاعته لا إلى أولياء الشيطان، وهم أهل الفسق والعصيان.

والأولى في هذه الحكاية وأشباهها مما لا يليق بأحوال الفضلاء والعلماء الطعن على الناقل لا على المنقول عنه، والله تعالى أعلم.

فإن قيل: إن الشيخ لم يكن قاصدًا لإدخال المريد نفسه النار، وإنما صَدَر ذلك منه على جهة التأديب والتغليظ لكونه أكثر عليه من السؤال، فكأنَّه قَطَعَهُ عمَّا كان أولى به في ذلك الحال، والمريد لصحة اعتقاده في شيخه وللوفاء بما جعل له عليه من الطاعة وترك المخالفة ولاعتقاده أنه لا يأمره إلا بما فيه مصلحة دينية، ثم إنه قد صحَّ توكّل هذا المريد على الله تعالى وصِدقِه في حاله، فيحتمل (1) له من مجموع ذلك أن الله تعالى ينجيه من النار ويجعل له في ذلك مخرجًا.

والجواب أن يقول مَن يُجوّز الإقدام على تلك الحالة بتلك القيود المذكورة يلزمُه أن يُجوز ما هو محرّم إجماعًا، بيانُ ذلك أنه لو قال له على تلك الحال (2) بتلك القيود اقتل فلانًا المسلم، أو: ازن بفلانة، أو: اشرب الخمر -

(1) في (ج 2): فحصل.

(2)

في (ج 2): الجهة.

ص: 42

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يجز الإقدام على شيء من ذلك بالإجماع، ولو كانت له تلك القيود كلها. ولا فرق بين صورة الحكاية المذكورة وبين هذه الصور التي ذكرناها؛ إذ الكل مُحرَّمٌ قطعًا، وإن جُوِّزَ انخراق العادة في أن النار لا تحرق والسيف لا يحز الرقبة والمدية لا تقطع الحلق، لكن هذه التجويزات لا يُلتفت إليها ولا تُهَدُّ القواعدُ الشرعية لأجلها، فلو أقدم على شيء من تلك الأمور لأجل أمر هذا الشيخ لكان عاصيًا، فكذلك إذا ألقى نفسه في النار، ولا فرق.

ثم نقول: إنَّ التوكل على الله لا يصحّ مع المخالفة والمعصية، وذلك أن التوكل على الله تعالى هو الاعتماد عليه والتفويض إليه فيما يجوز الإقدام عليه أو فيما يخافُ وقوعه أو يُرتجى حصوله، وقد يُفضِي التوكّل بصاحبه إلى ألا يخاف شيئًا إلا الله ولا يرجو سواه؛ إذ لا فاعل على الحقيقة إلا هو، وهذه الحالة إنما تثمرها المعرفة بالله تعالى وبأحكامه وملازمة الطاعة والتقوى والتوفيق الخاص الإلهي.

وعلى هذا فمن المحال حصول هذه الحالة مع المعصية والمخالفة، والصحيح ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دخلوها ما خرجوا منها، وهذا هو الحق المبين ولو كره أكثر الجاهلين.

ومن نوع هذه الحكاية حكاية أبي حمزة الذي وقع في البئر، ثم جاء قوم وغطّوا البئر وهو في قعره ساكت لم يتكلم؛ متوكلًا على الله تعالى، إلى أن غطّوا البئر وانصرفوا - وللكلام في هذا موضع آخر.

* * *

ص: 43