الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة
[1427]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: مَن خَرَجَ مِن الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الجَمَاعَةَ فَمَاتَ فمِيتَته جَاهِلِيَّةً، وَمَن قَاتَلَ تَحتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغضَبُ لِعَصَبَةٍ أَو يَدعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَو يَنصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتلَته جَاهِلِيَّةٌ،
ــ
(12)
ومن باب: إثم من خلع يدا من طاعة
قوله من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية، يعني بالطاعة طاعة ولاة الأمر، وبالجماعة جماعة المسلمين على إمام أو أمر مجتُمِعُ عليه، وفيه دليل على وجوب نصب الإمام وتحريم مخالفة إجماع المسلمين، وأنَّه واجب الاتباع. ويُستَدلُ بظاهره من كَفَّر بخرق الإجماع مطلقا.
والحق التفصيل، فإن كان الإجماع مقطوعًا به فمخالفته وإنكاره كفر، وإن كان مظنونًا فإنكاره ومخالفته معصية وفسوق، ويعني بميتة الجاهلية أنهم كانوا فيها لا يبايعون إمامًا ولا يدخلون تحت طاعته، فمن كان من المسلمين لم يدخل تحت طاعة إمام فقد شابههم في ذلك، فإن مات على تلك الحالة مات على مثل حالهم مرتكبًا كبيرةً من الكبائر ويخاف عليه بسببها ألَاّ يموت على الإسلام.
وقوله ومن قاتل تحت راية عمّية رويته بكسر العين وتشديد الميم والياء، ويقال بضم العين، قال بعضهم: العَمِّية الضلالة. وقال أحمد بن حنبل: هو الأمر الأعمى كالعصبية لا يستبين ما وُجهُهُ. وقال إسحاق: هذا في تهارج القوم وقتل بعضهم بعضًا، كأنَّه من التعمية وهو التلبيس.
وقوله يغضب لعصبة أو ينصر عصبة، هكذا رواية الجمهور بالعين والصاد المهملتين من التَّعصُّب، وقد رواه العذري بالغين والضاد المعجمتين من
وَمَن خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَنَحَاشَ عِن مُؤمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهدٍ عَهدَهُ فَلَيسَ مِنِّي وَلَستُ مِنهُ.
ــ
الغضب، والأوَّل أصحّ وأبيَن، ويَعضُدُهُ تأويلُ أحمد بن حنبل المتقدم. ولرواية العذري وَجهٌ، وهو: أنّه يريد به الغضب الذي يحمل عليه التعصب.
وقوله ومن خرج على أُمَّتي يضرب بَرَّها وفاجرها، البَرُّ: التقي، والفاجر: المُسيء.
وفيه دليل على أن ارتكاب المعاصي والفجور لا يخرج عن الأمة.
وقوله ولا ينحاش عن مؤمنها؛ أي يجانب ولا يميل، يُقال: انحاش إلى كذا؛ أي: انضم إليه ومال. وفي الرَّواية الأخرى ولا يتحاشى من المحاشاة بمعنى ما تقدَّم.
وقوله ولا يفي لذي عَهدٍ بعهده يعني به عَهد البيعة والولاية.
وقوله فليس مني ولستُ منه، هذا التَّبَرِّي ظاهره أنه ليس بِمُسلم، وهذا صحيحٌ إن كان معتقدًا لحِلِّيَّة ذلك، وإن كان معتقدًا لتحريمه فهو عاصٍ من العصاة مرتكب كبيرة فأمره إلى الله تعالى، ويكون معنى التَّبَرِّي على هذا أي ليست له ذمّة ولا حرمة، بل إن ظُفِر به قُتِل أو عُوقب بحسب حاله وجريمته، ويحتمل أن يكون معناه: ليس (1) على طريقتي ولست أرضى طريقته - كما تقدم أمثال هذا.
وهذا الذي ذكره في هذا الحديث هي أحوال المقاتلين على المُلك والأغراض الفاسدة والأهواء الركيكة وحمية الجاهلية، وقد أبعَدَ مَن قال إنهم الخوارج؛ فإنهم إنما حملهم على الخروج الغيرة للدِّين لا شيء من العصبية والملك، لكنهم أخطؤوا التأويل وحَرَّفوا التنزيل.
(1) من (ج 2).
وفي رواية: وَمَن قُاتِلَ تَحتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغضَبُ لِلعَصَبَةِ وَيُقَاتِلُ لِلعَصَبَةِ فَلَيسَ مِني. وفيها: ولَا يَتَحَاشَ مُؤمِنِهَا.
رواه أحمد (2/ 296)، ومسلم (1848)(53 و 54)، والنسائي (7/ 123)، وابن ماجه (3948).
[1428]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ، عَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن كَرِهَ مِن أَمِيرِهِ شَيئًا فَليَصبِر عَلَيهِ، فَإِنَّهُ لَيسَ أَحَدٌ مِن النَّاسِ يخَرَجَ مِن السُّلطَانِ شِبرًا فَمَاتَ عَلَيهِ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً.
رواه أحمد (1/ 275)، والبخاري (7053)، ومسلم (1849)(56).
[1429]
وعَن نَافِعٍ قَالَ: جَاءَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ إِلَى عَبدِ اللَّهِ بنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِن أَمرِ الحَرَّةِ مَا كَانَ مَنَ يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: اطرَحُوا لِأَبِي عَبدِ الرَّحمَنِ وِسَادَةً. فَقَالَ: إِنِّي لَم آتِكَ لِأَجلِسَ؛ أَتَيتُكَ لِأُحَدِّثَكَ
ــ
وعبد الله بن مطيع كان أميرًا على المدينة عند قيام ابن الزبير على يزيد بن معاوية في جماعة من أبناء المهاجرين والأنصار وبقية من مشيختهم وجمع من الصحابة، وعلى يديه كانت وقعة الحرَّة في الجيش الذي وَجَّه به يزيد بن معاوية لحربهم فهزموا أهل المدينة وقتلوهم واستباحوها ثلاثة أيام، وقُتِل فيها عدة من بقية الصَّحابة من أبناء المهاجرين والأنصار، وعطلت الصلاة والأذان في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأيام - قاله القاضي عياض. وقال غيره من أهل التاريخ: إن الذي وجهه يزيد بن معاوية إلى المدينة وكانت على يديه وقعة الحرَّة هو مسلم بن عقبة المرّي، والله تعالى أعلم.
وتحديثُ ابن عمر ابن مطيع بالحديث الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إنَّما كان ليبين له أنه لم ينكث بيعةَ يزيد ولم يخلعها من عنقه مخافة هذا الوعيد الذي تضمنه هذا الحديث، والله تعالى أعلم.