المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(9) باب في اشتراط الصداق في النكاح وجواز كونه منافع - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(9) باب في اشتراط الصداق في النكاح وجواز كونه منافع

وفي رواية: أَنَظَرتَ إِلَيهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَاذهَب فَانظُر إِلَيهَا فَإِنَّ فِي أَعيُنِ الأَنصَارِ شَيئًا.

رواه أحمد (2/ 299)، مسلم (1424)(74) و (75)، والنسائيُّ (6/ 69).

* * *

(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

[1477]

عَن سَهلِ بنِ سَعدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: جَاءَت امرَأَةٌ إِلَى

ــ

في الغزو. فبعثه، فأصاب حاجته ببركة النبي صلى الله عليه وسلم.

و(قوله: فإن في عيون الأنصار شيئًا) قال أبو الفرج الجوزي: يعني: شيئًا زرقًا، أو صِغَرًا، وقيل: رَمَصًا.

(9)

ومن باب: اشتراط الصَّداق في النكاح

هذه الترجمة يدلُّ على صحتها قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحلَةً} وقوله تعالى: {أَن تَبتَغُوا بِأَموَالِكُم} وقوله تعالى: {وَمَن لَم يَستَطِع مِنكُم طَولا} الآية. وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (هل عندك شيء تصدقه إيَّاها؟ ) إلى قوله: (التمس ولو خاتَمًا من حديد). ولا اختلاف في اشتراطه؛ وإن اختلفوا في مقدار أصله، وفي نوعه على ما يأتي بيانه، إن شاء الله تعالى.

ص: 127

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئتُ أَهَبُ لَكَ نَفسِي، فَنَظَرَ إِلَيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأسَهُ، فَلَمَّا رَأَت المَرأَةُ أَنَّهُ لَم يَقضِ فِيهَا شَيئًا جَلَسَت فَقَامَ رَجُلٌ مِن أَصحَابِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِن لَم يَكُن لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجنِيهَا فَقَالَ: فَهَل عِندَكَ مِن شَيءٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: اذهَب إِلَى أَهلِكَ، فَانظُر هَل تَجِدُ شَيئًا؟ فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا وَجَدتُ شَيئًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: التمس وَلَو خَاتِمًا مِن حَدِيدٍ فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ:

ــ

و(قولها: جئت أهب لك نفسي) أي: أُحكِّمُك فيها من غير عوضٍ. وكأنَّ هذه المرأة فهمت جواز ذلك من قوله تعالى: {وَامرَأَةً مُؤمِنَةً إِن وَهَبَت نَفسَهَا لِلنَّبِيِّ} وقد ذهب معظم العلماء: إلى أنَّ ذلك مخصوصٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ} وقد دلَّ على هذا المعنى من هذا الحديث قول الرُّجُل للنبي (1) صلى الله عليه وسلم: (إن لم يكن لك حاجة بها زوّجنيها). ولم يقل: هَبهَا لي.

واختلفوا في النكاح: هل ينعقد بلفظ الهبة، ويكون فيه صداق المثل، أو لا ينعقد بها وإن سمى فيه مهرًا؟ وإلى الأول ذهب مالك، وأبو حنيفة، والجمهور. وبالثاني قال الشافعي.

و(قوله: فصعَّد النظر فيها، وصوَّبه، ثم طأطأ رأسه) أي: نظر أعلاها، وأسفلها مرارًا. و (طأطأ) أي: خفض وأَطرق. وهذا دليل على جواز نظر الخاطب إلى المخطوبة، وتأمُّله ما لاح من محاسنها؛ لكن وعليها ثيابها، كما قال مالك.

و(قوله: التمس ولو خاتَمًا من حديد) تمسَّك به من لم ير للصَّداق حدًّا.

(1) ساقط من (ع).

ص: 128

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهم جَمعٌ كثير من الحجازيين، والشاميين؛ قالوا: يجوز النكاح بكل ما تراضى به الزوجان، أو مَن العقدُ إليه، مما فيه منفعة، كالسَّوط، والنعل، ونحوه. وبعضهم قال: بما له بال. وقالت طائفة أخرى: لا بُدَّ أن يكون أقله محدودًا. وحملوه على أقل ما تقطع فيه يد السَّارق، وعلى الطريقة القياسية. وتحريرها: أن يقال: عضو آدمي مُحتَرَم. فلا يُستباح بأقل من كذا. قياسًا على يد السارق. ويمكن أن (1) يكون تحريره على وجه آخر. وتوجيه الاعتراضات عليه والانفصالات، مذكور في مسائل الخلاف. غير أن هؤلاء اختلفوا في أقل ما تُقطع فيه يد السَّارق، فاختلفت لذلك مذاهبهم هنا. فذهب مالك: إلى أن أقل ذلك ربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الورق. وقال ابن (2) شبرمة: أقل ذلك خمسة دراهم. وقال أبو حنيفة: أقله عشرة دراهم. وكذلك قال النخعي في أحد قوليه، وفي آخر: كره أن يتزوج بأقل من أربعين درهمًا. وقد اعتذر بعض المالكية عن قوله صلى الله عليه وسلم: (التمس ولو خاتَمًا من حديد) بأوجه:

أحدها: بأن ذلك على جهة الإغياء والمبالغة، كما قال:(تصدقوا ولو بظلف محرق)(3).

وفي أخرى: (ولو بفرسن شاة)(4) وليس الظلف والفرسن مما ينتفع به، ولا يتصَّدق به. ومثل هذا كثير.

وثانيها: لعل الخاتم كان يساوي ربع دينار فصاعدًا؛ لأن الصُنَّاع عندهم قليل.

وثالثها: أنَّ أَمرَهُ بالتماس الخاتم لعلَّه لم يكن ليكون كلَّ الصداق، بل ليُعَجّلَهُ لها قبل الدّخول.

(1) من (م).

(2)

ساقط من (ع).

(3)

رواه أحمد (6/ 435)، ومالك في الموطأ (2/ 923)، والنسائي (5/ 81).

(4)

رواه البخاري (6017)، ومسلم (1030)، والترمذي (2131).

ص: 129

لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتِمًا مِن حَدِيدٍ، وَلَكِن هَذَا إِزَارِي. قَالَ سَهلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا تَصنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إِن لَبِستَهُ لَم يَكُن عَلَيهَا مِنهُ شَيءٌ، وَإِن لَبِسَتهُ لَم يَكُن عَلَيكَ مِنهُ شَيءٌ، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجلِسُهُ قَامَ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ

ــ

والذي حمل أصحابنا على تأويل هذا الحديث قوله تعالى: {أَن تَبتَغُوا بِأَموَالِكُم مُحصِنِينَ غَيرَ مُسَافِحِينَ} والدرهم، وأقل منه تافه لا يُقال عليه مالٌ عُرفًا، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها:(لم تكن يد السَّارق تقطع في الشيء التافه) وإن كان يقال على من أخذه خفية: سارق. وهي التي قالت: (لم تكن يد السَّارق تقطع في أقل من ثلاثة دراهم). ففرَّقت بين التافه وغير التافه بهذا المقدار. وهي أعرفهم بالمقال، وأقعدهم بالحال.

و(الإزار): ثوب يُشَدُّ على الوسط. و (الرداء): ما يُجعل على الكتفين. و (اللحاف): ما يُلحَفُ به جميع الجسد.

و(قول سهل: ما له رداء، فلها نصفه) ظاهره: لو كان له رداء لَشَرَكَها النبي صلى الله عليه وسلم فيه. وهذا في وَجه لزومه بُعدٌ؛ إذ ليس في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا في كلام الرَّجل ما يدلّ على شيء من ذلك. ويمكن أن يقال: إن مُراد سهل: أنَّه لو كان عليه رداء مضافًا إلى الإزار؛ لكان للمرأة نصف ما عليه؛ الذي هو إمَّا الرداء، وإمَّا الإزار. ألا ترى تعليله منع إعطاء الإزار بقوله:(إن لبِستَه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبِسَتهُ لم يكن عليك منه شيء) فكأنه قال: لو كان لك ثوبٌ تنفرد أنت بلبسه، وثوبٌ آخر تأخذه هي، تنفرد بلبسه لكان لها أَخذُهُ، فأمَّا إذا لم يكن ذلك فلا.

وفيه ما يدل على أن المهر الأولى فيه أن يكون معجلًا مقبوضًا، وهو الأولى عند العلماء باتفاق. ويجوز أن يكون مؤخَّرًا على ما يدلُّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم:

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(اذهب فقد زوجتكها بما (1) معك من القرآن، فعلِّمها). فإنه قد انعقد النكاح، وتأخر المهر الذي هو التعليم. وهذا على الظاهر من قوله:(بما معك من القرآن)(2). فإنَّ الباء للعِوض، كما تقول: خُذ هذا بهذا؛ أي: عوضًا عنه.

و(قوله: علِّمها) نصٌّ في الأمر بالتعليم. والمَسَاقُ يشهد بأنَّ ذلك لأجل النكاح. ولا يُلتفت لقول من قال: إن ذلك كان إكرامًا للرَّجل بما حفظه من القرآن؛ فإن الحديث يُصَرِّح بخلافه. وقول المخالف: إن الباء بمعنى اللام، ليس بصحيح لغةً، ولا مساقًا. وكذلك لا يُعَوّل على قول الطحاوي والأبهري: إنَّ ذلك كان (3) مخصوصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم كما كان مخصوصًا بجواز الهبة في النكاح لأمور:

أحدها: مساق الحديث. وهو شاهد لنفي الخصوصية.

وثانيها: قول الرَّجُل: زوجنيها، ولم يقل: هبها لي.

وثالثها: قوله صلى الله عليه وسلم: (اذهب، فقد زوجتكها بما معك من القرآن، فعلِّمها).

ورابعها: إن الأصل التمسُّك بنفي الخصوصية في الأحكام.

وفي هذا الحديث من الفقه: جواز اتخاذ خاتم الحديد. وقد أجازه بعض السلف، ومنعه آخرون لقوله صلى الله عليه وسلم فيه:(حلية أهل النار)(4). ورأوا أن المنع هو المتأخر عن الإباحة.

وفيه ما يدلّ على جواز كون الصَّداق منافع. وبه قال الشافعي، وإسحاق، والحسن بن حَيٍّ، ومالك في أحد قوليه. وكرهه أحمد، ومالك في القول الثاني. ومنعه أبو حنيفة في الحُرِّ، وأجازه في العبد، إلا أن تكون الإجارة تعليم القرآن، فلا يجوز بناءً على أصله في: أنَّ تعليم القرآن لا يؤخذ عليه

(1) في (ع): على ما.

(2)

ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(3)

في (ج 2): إن معنى جَعْل تعليم القرآن كان. . .

(4)

رواه أبو داود (4223)، والترمذي (1786)، والنسائي (8/ 172).

ص: 131

فَدُعِيَ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِن القُرآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّدَهَا. قَالَ: تَقرَؤُهُنَّ عَن ظَهرِ قَلبِكَ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: اذهَب فَقَد مُلِّكتَهَا بِمَا مَعَكَ مِن القُرآنِ.

ــ

أجر. والجمهور على جواز ذلك. أعني: على جواز كون الصَّداق منافع.

وهذا الحديث ردٌّ على أبي حنيفة في منعه أخذ الأجر على تعليم القرآن. ويردُّ عليه أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)(1). وسيأتي.

وقول الرَّجُل: معي سورة كذا، وسورة كذا) عدَّدَها. فقال:(اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن، فعلِّمها) يدلُّ على أن القَدر الذي انعقد به النكاح من التعليم معلومٌ؛ لأن قوله: (بما معك) معناه: بالذي معك. وهي السور المعدَّدة المحفوظة عنده التي نصَّ على أسمائها. وقد تعيَّنت المنفعة، وصَحَّ كونها صداقًا، وليس فيه جهالة. وقد روى هذا النسائي من طريق عِسلِ بن سفيان، وهو ضعيف. وذكر فيه:(فعلِّمها عشرين آية). وهذا نصٌّ في التحديد، غير أن الصحيح ما تقدَّم.

و(قوله: فقد ملكتكها) وفي الرواية الأخرى: (زوّجتكها). وقع في مختصر شيخنا المنذري لكتاب مسلم: (اذهب فقد ملكتها) قال: وروي: (مُلِّكتَهَا) وروي: (ملكتكها) وروي: (زوجتكها). قال أبو الحسن الدارقطني: رواية من قال: (ملكتها) وَهمٌ، ورواية من قال:(زوجتكها) الصواب. وَهُم أكثرُ وأحفظُ. وقال غيره: (مَلَّكتُكَهَا): كلمة عَبَّر بها الراوي عن: زَوَّجتُكَهَا. وقد رواه جماعة فقالوا: (زوجتكها)(2) دليلٌ على أنَّ كل صيغةٍ تقتضي التمليك مطلقا تجوز عقد النكاح عليها، وهو مذهب أبي حنيفة، وحاصل مذهب مالك. قال ابن القصَّار: يصح النكاح بلفظ الهبة، والصَّدقة، والبيع إذا قصد به النكاح، ولا يصحّ بلفظ الرَّهن،

(1) رواه البخاري (5737).

(2)

ساقط من (ع) و (ج) واستدركناه من (ج 2).

ص: 132