المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

[1713]

عَن طَلحَةَ بنِ مُصَرِّفٍ قَالَ: سَأَلتُ ابنَ أَبِي أَوفَى: هَل أَوصَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: لَا. قُلتُ: فَلِمَ كُتِبَ، وفي رواية: كيف كتب عَلَى المُسلِمِينَ الوَصِيَّةُ؟ أَو فَلِمَ أُمِرُوا بِالوَصِيَّةِ؟ قَالَ: أَوصَى بِكِتَابِ اللَّهِ.

رواه أحمد (4/ 381)، والبخاري (2740)، ومسلم (1634)، (16 و 17)، والترمذي (2119)، والنسائي (8/ 240).

ــ

يوم القيامة) (1). وقد تقدَّم الكلام على هذا الحديث في كتاب الزكاة. وإنما خصَّ هذه الثلاثة بالذكر في هذا الحديث، لأنَّها أصول الخير، وأغلب ما يقصد أهل الفضل بقاءه بعدهم. والصدقة الجارية بعد الموت هي: الحُبُس، فكان حجة على من ينكر الحُبُس.

وفيه ما يدل على الحضِّ على تخليد العلوم الدينية بالتعليم والتصنيف، وعلى الاجتهاد في حمل الأولاد على طريق الخير والصلاح، ووصيتهم بالدعاء عند موته (وبعد الموت)(2).

(3)

ومن باب: ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم

(قول طلحة لابن أبي أوفى: هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهره: أنه سأله (3): هل كانت من النبي صلى الله عليه وسلم وصيَّةٌ بشيء من الأشياء؛ لأنه لو أراد شيئًا واحدًا لعيَّنه،

(1) رواه أحمد (4/ 357 و 358)، ومسلم (1017)، والترمذي (2675)، والنسائي (5/ 75 - 76)، وابن ماجه (203).

(2)

زيادة من (ل 1).

(3)

من (ج 2).

ص: 555

[1714]

وعَن عَائِشَةَ قَالَت: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا وَلَا دِرهَمًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوصَى بِشَيءٍ.

رواه مسلم (1635)، وأبو داود (2863)، والنسائي (6/ 240)، وابن ماجه (2695).

ــ

فلمَّا لم يقيِّده بقي على إطلاقه. فأجابه بنفي ذلك. فلمَّا سمع طلحة هذا النفي العام قال مستبعدًا: كيف كتب على المسلمين الوصية؟ ومعناه: كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم الوصية، والله تعالى قد كتبها على الناس؟ ! وهذا يدل: على أن طلحة، وابن أبي أوفى كانا يعتقدان الوصية واجبة على كل (1) النَّاس، وأن ذلك الحكم لم ينسخ. وفيه بُعد.

ثم: إن ابن أبي أوفى غفل عمَّا أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم وهي وصايا كثيرة؛ فمنها: أنه قال: (لا يقسم ورثتي دينارًا ولا درهمًا)(2) و (لا نورث ما تركنا صدقة)(3) وقال عند موته: (لا يبقين دينان بجزيرة العرب. وأخرجوا المشركين منها. وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم)(4). وآخر ما وصَّى به - وهو ما يفيض - (5) أن قال: (الصلاة وما ملكت أيمانكم)(6) وهذه كلها وصايا منه ذهل عنها ابن أبي أوفى. وذكر ابن إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته لجماعة من قبائل العرب بجِدَاد أوساقٍ من تمر سهمه بخيبر. ذكره في السيرة. ولم يذكر ابن أبي أوفى من جملة ما وصَّى به النبي صلى الله عليه وسلم إلا كتابَ الله، إمَّا ذهولًا، وإما اقتصارًا

(1) زيادة من (ع).

(2)

رواه مسلم (1760).

(3)

رواه أحمد (6/ 262)، والبخاري (6730)، ومسلم (1758).

(4)

رواه مالك في الموطأ (2/ 892).

(5)

الحديث في سنن ابن ماجه (1625) وقد جاء فيه: "فما زال يقولها حتى ما يفيض بها لسانه".

(6)

رواه أحمد (1/ 78 و 3/ 117 و 6/ 290)، وابن ماجه (2698).

ص: 556

[1715]

وعَن الأَسوَدِ بنِ يَزِيدَ قَالَ: ذَكَرُوا عِندَ عَائِشَةَ: أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا، فَقَالَت: مَتَى أَوصَى إِلَيهِ؟ فَقَد كُنتُ مُسنِدَتَهُ إِلَى صَدرِي أَو قَالَت حَجرِي فَدَعَا بِالطَّستِ، فَلَقَد انخَنَثَ فِي حَجرِي وَمَا شَعَرتُ أَنَّهُ مَاتَ، فَمَتَى أَوصَى إِلَيهِ؟ .

رواه أحمد (6/ 32)، والبخاري (2741)، ومسلم (1636)، وابن ماجه (1626).

ــ

عليه؛ لأنه أعظمُ وأهمُّ من كل ما وصَّى به. وأيضًا: فإذا استوصى النَّاس بكتاب الله، فعملوا به قاموا بكل ما أوصى به. والله تعالى أعلم.

وأما (قول عائشة رضي الله عنها: (ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء) فإنَّها أرادت في شيء من أمر الخلافة، بدليل الحديث المذكور.

ثانيا: إنهم لما ذكروا: أن عليًّا كان وصيًّا قالت: ومتى أوصى إليه؟ وذكرت الحديث.

وقد أكثرَ الشِّيعةُ والرَّوافض من الأحاديث الباطلة الكاذبة، واخترعوا نصوصًا على استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا، وادعوا أنَّها تواترت عندهم. وهذا كلُّه كذبٌ مركبٌ. ولو كان شيء من ذلك صحيحًا، أو معروفًا عند الصحابة يوم السَّقيفة لذكروه، ولرجعوا إليه. ولذكره عليٌّ مُحتجًّا لنفسه، ولما حل أن يسكت عن مثل ذلك بوجه، فإنَّه حق الله، وحق نبيه صلى الله عليه وسلم وحقه وحق المسلمين. ثم ما يعلم من عظيم علم عليّ رضي الله عنه وصلابته في الدين، وشجاعته يقتضي: ألا يتَّقِي أحدًا في دين الله، كما لم يتِّق معاويةَ، وأهل الشام حين خالفوه، ثم: إنه لما قُتِل عثمان ولَّى المسلمون باجتهادهم عليًّا. ولم يذكر هو، ولا أحدٌ منهم نصًّا في ذلك. فعُلم قطعًا كذب من ادعاه. وما التوفيق إلا من عند الله.

و(قولها: ولقد انخنث في حجري) انخنث: مال؛ تعني: حين مات. والمخنَّث من الرجال: هو الذي يميل ويتثنى تشبُّهًا بالنساء. واختناث السقاء: هو

ص: 557

[1716]

وعَنِ ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ: يَومُ الخَمِيسِ، وَمَا يَومُ الخَمِيسِ؟ ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ دَمعُهُ الحَصَى، فَقُلتُ: يَا ابنَ عَبَّاسٍ، وَمَا يَومُ الخَمِيسِ؟ قَالَ: اشتَدَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ فَقَالَ: ائتُونِي أَكتُب لَكُم كِتَابًا لَا تَضِلُّون بَعدِي. فَتَنَازَعُوا

ــ

إمالةُ فمه بعضه على بعض وتليينه ليُشربَ منه. والحَجر هنا: هو حَجر الثوب. وفصيحة بفتح الحاء، ويقال بكسرها. فأمَّا الحَجر على السَّفيه: فهو بالفتح لا غير، وهو بمعنى: المنع. فأما الحِجر -بالكسر - فهو: العقل. ومنه قوله تعالى: {لِذِي حِجرٍ} والحرام، ومنه قوله تعالى:{حِجرًا مَحجُورًا} (1).

وقوله يوم الخميس! وما يوم الخميس؟ ! تعظيم وتفخيم لذلك اليوم على جهة التفجع على ما فاتهم في ذلك من كتب كتاب لا يكون معه ضلالٌ، وهو حقيقٌ بأكثر من ذلك التفجُّع، وهذا نحو قوله تعالى:{الحَاقَّةُ * مَا الحَاقَّةُ} و: {القَارِعَةُ * مَا القَارِعَةُ} وهذا المعنى الذي همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابته يحتمل أن يكون تفصيل أمور مهمَّةٍ وقعت في الشريعة جملية فأراد تعيينها، ويحتمل أن يريد به بيان ما يرجعون إليه عند وقوع الفتن، ومن أولى بالاتباع والمبايعة. ويحتمل أن يريد به بيان أمر الخلافة وتعيين الخليفة بعده - وهذا أقربها، والله تعالى أعلم.

وقوله ائتوني أكتب لكم كتابًا لا تضلون بعده، لا شك في أن ائتوني أمرٌ وطلبٌ توجَّه لكل من حضر، فكان حق كل من حضر المبادرةُ للامتثال، لا سيما وقد قرنه بقوله لا تضلُّون بعده، لكن ظهر لعمر ولطائفة معه أن هذا الأمر

(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).

ص: 558

وَمَا يَنبَغِي عِندَ نَبِيٍّ تَنَازُعٌ، وَقَالَوا: مَا شَأنُهُ، أَهَجَرَ؟ استَفهِمُوهُ.

ــ

ليس على الوجوب وأنَّه من باب الإرشاد إلى الأصلح (1)، مع أن ما في كتاب الله يرشد إلى كل شيء، كما قال تعالى:{تِبيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ} ومع ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوجع، فكره أن يتكلَّف من ذلك ما يشق ويثقل عليه، فظهر لهم أن الأوَّلى ألا يكتب، وأرادت الطائفة الأخرى أن يكتب متمسِّكة بظاهر الأمر واغتنامًا لزيادة الإيضاح ورفع الإشكال، فيا ليتَ ذلك لو وقع وحصلَ! ولكن قدَّر الله وما شاءَ فعل.

ومع ذلك فلا عتب ولا لوم على الطائفة الأولى؛ إذ لم يعنفهم النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذمَّهم، بل قال للجميع: دعوني، فالذي أنا فيه خير، وهذا نحو مِمَّا جرى لهم حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: لا يصلين أحدٌ العصر إلا في بني قريظة (2)، فتخوَّف ناسٌ فوت الوقت فصلُّوا دون بني قريظة، وقال آخرون: لا نصلِّي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت! قال: فما عنف واحدًا من الفريقين. وسبب ذلك أن ذلك كله إنَّما حمل عليه الاجتهاد المسوَّغ والقصد الصالح، وكل مجتهد مصيب أو أحدهما مصيب والآخر غير مأثوم بل مأجور - كما قررناه في الأصول.

وقوله وما ينبغي عند نبي تنازع؛ أي اختلاف، هذا إشعار بأن الأولى المبادرة إلى امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يتوقف في شيء منه إذا فهم مقصوده ولم يُشكل منه شيء، كيف لا وهو المبلِّغ عن الله أحكامه ومصالح الدنيا والدين!

وقوله أهجرَ؟ استفهموه، كذا الرِّواية الصحيحة في هذا الحرف أهَجَرَ؟ بهمزة الاستفهام، وهَجَرَ بالفتح بغير تنوين على أنَّه فعل ماض، وقد رواه بعضهم أهُجُرًا بفتح الهمزة وبضم الهاء وتنوين الراء على أن يجعله مفعولًا

(1) في (ع): إلى الأوْلى.

(2)

رواه البخاري تعليقًا (2/ 53)، ومسلم (1770).

ص: 559

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بفعل مضمر؛ أي: أقال هُجرًا؟ وقد روي في غير الأم (1) هَجَرَ بلا استفهام، والهجر يراد به هذيان المريض، وهو الكلام الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته، ووقوع مثل هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في حال مرضه أو صحته محال؛ لأن الله تعالى حفظه من حين بعثه إلى حين قبضه عمَّا يُخِلّ بالتبليغ، ألا تسمع قوله تعالى:{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى * إِن هُوَ إِلا وَحيٌ يُوحَى} وقوله تعالى: {إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ؟ وقد شهد له بأنه على صراط مستقيم، وأنه على الحق المبين، إلى غير ذلك. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: خذوا عني في الغضب والرضا، فإني لا أقول على الله إلا حقًّا (2)، ولمَّا علم أصحابه هذا كانوا يأخذون عنه ما يقوله في كل حالاته حتَّى في هذه الحالة، فإنهم تلقَّوا عنه وقبلوا منه جميع ما وصَّى به عند موته، وعملوا على قوله لا نورث ولقوله أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، إلى غير ذلك. ولم يتوقفوا ولا شكُّوا في شيء منه، وعلى هذا يستحيل أن يكون قولهم أَهَجَرَ لشكٍّ عرض لهم في صحة قوله زمن مرضه، وإنَّما كان ذلك من بعضهم على جهة الإنكار على من توقف في إحضار الكتف والدواة وتلكَّأ عنه، فكأنه يقول لمن توقف: كيف تتوقف؟ أتظن أنه قال هذيانًا؟ ! فدع التوقف وقرِّب الكتفَ فإنه إنما يقول الحق لا الهَجَرَ! وهذا أحسنُ ما يحمل ذلك عليه، فلو قدَّرنا أن أحدًا منهم قال ذلك عن شكٍّ عرض له في صحَّة قوله كان خطأ منه، وبعيدٌ أن يقرَّه على ذلك القول من كان هناك ممن سمعه من خيار الصحابة وكبرائهم وفضلائهم، هذا تقديرٌ بعيدٌ ورأيٌّ غير سديد، ويحتمل أن يكون هذا صدَرَ عن قائله عن دهشٍ وحيرةٍ أصابته في ذلك المقام العظيم والمصاب الجسيم كما قد أصاب عمر وغيره عند موته.

(1) انظر هذه الرواية في فتح الباري (8/ 133).

(2)

رواه أحمد (2/ 162 و 192 و 207 و 215).

ص: 560

قَالَ: دَعُونِي، فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيرٌ، أُوصِيكُم بِثَلَاثٍ: أَخرِجُوا المُشرِكِينَ مِن جَزِيرَةِ العَرَبِ،

ــ

وقوله أوصيكم بثلاث نصٌّ في أنه أوصى عند موته، وهو مخصِّصٌ لقول مَن قال: إنه صلى الله عليه وسلم لم يوص بشيء - وقد تقدَّم ذلك.

وقوله أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، يعني بالمشركين اليهود؛ لأنه ما كان بقي مشرك في أرض العرب في ذلك الوقت غيرهم فتعيَّنوا، وقد جاء في بعض طرقه أخرجوا اليهود من جزيرة العرب مفسّرًا.

والجزيرة: فعيلة بمعنى مفعولة، وهي مأخوذة من الجزر وهو القطع، ومنه الجزار والجزارة من الغنم، والجزور من الإبل - كل ذلك راجع إلى القطع.

وسُميَّت أرض العرب بالجزيرة لانقطاعها بإحاطة البحار بها والحرار، وأضيفت إلى العرب لاختصاصهم بها ولكونهم فيها ومنها.

واختلف في حدِّها؛ فقال الأصمعي: هي ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول، وفي العرض من جدِّة وما والاها إلى أطراف الشام. وقال أبو عبيد: هي ما بين حفر أبي موسى الأشعري إلى أقصى اليمن، وما بين رمل يَبرِين إلى منقطع السَّماوة. وقال المخزومي عن مالك: هي مكة والمدينة واليمامة واليمن. وحكى الهروي عنه: المدينة - والأول المعروف عنه، فقال مالك: يخرج من هذه المواضع التي ذكر المخزومي كل من كان على غير دين الإسلام، ولا يمنعون من التردُّد بها مسافرين - وكذلك قال الشافعي، غير أنه استثنى من ذلك اليمن ويضرب لهم أجل ثلاثة أيَّام كما ضربه لهم عمر حين أجلاهم. وقال الشافعي: ولا يدفنون فيها موتاهم، ويلجؤون إلى الدَّفن بغيرها. وقد رأى الطبري أن هذا الحكم ليس خاصًّا بجزيرة العرب؛ فقال: الواجب على كل إمام إخراجهم من كل مصر غلب عليه المسلمون إذا لم يكن من بلادهم التي صولحوا عليها، إلا أن تدعو ضرورة لبقائهم بها لعمارتها، فإذا كان ذلك فلا يدعهم في مصر مع المسلمين أكثر من

ص: 561

وَأَجِيزُوا الوَفدَ بِنَحوِ مَا كُنتُ أُجِيزُهُم. قَالَ: وَسَكَتَ عَن الثَّالِثَةِ، أَو قَالَ أُنسِيتُهَا.

ــ

ثلاث وليسكنهم خارجًا عنهم، ويمنعهم اتخاذ المساكن في أمصار المسلمين، فإن اتخذوها باعها عليهم، واستدل على ذلك بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: لا تبقى قبلتان بأرض العرب (1)، (2) وبقول ابن عبَّاس: لا يساكنكم أهل الكتاب في أمصاركم. وبإخراج علي رضي الله عنه أهل الذِّمَّة من الكوفة إلى الحيرة. قال: وإنما خصَّ في الحديث جزيرة العرب لأنه لم يكن للإسلام يومئذ ظهور إلا بها.

قلت: وتخصيص الحكم بجزيرة العرب هو قول المتقدمين والسلف الماضين، فلا يُعدَلُ عنه.

ولم يعرِّج أبو حنيفة على هذا الحديث، فأجاز استيطان المشركين بالجزيرة ومخالفة مثل هذا جريرة.

وقوله وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، الوفد جمع وافد، كصحب وصاحب، وركب وراكب. وجمع الوفد: أوفاد، ووفود. والوفادة الاسم وهو القادم (3) على القوم والرسول إليهم، يقال أوفدته أرسلته. والإجازة: العطية. وهذا منه صلى الله عليه وسلم عهدٌ ووصيةٌ لولاة المسلمين بإكرام الوفود والإحسان إليهم قضاء لحق قصدهم ورفقًا بهم واستئلافًا لهم.

قال القاضي أبو الفضل: وسواء في ذلك عند أهل العلم، كانوا مسلمين أو كفارًا؛ لأن الكافر إنَّما يفد في مصالح المسلمين. قال: وهذه سنة لازمة للأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله وسكت عن الثالثة - أو قال: أنسيتها، يريد سعيد بن جبير، قال

(1) لفظة "العرب" ليست في (ج 2).

(2)

رواه أبو داود (3032)، والترمذي (633) بلفظ:"لا تكون قبلتان في بلدٍ واحد".

(3)

في (ل 1): الوافد.

ص: 562

وفي رواية: ائتُونِي بِالكَتِفِ وَالدَّوَاةِ أَو اللَّوحِ وَالدَّوَاةِ أَكتُب لَكُم كِتَابًا لَن تَضِلُّوا بَعدَهُ أَبَدًا. فَقَالَوا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهجُرُ.

[1717]

وعنه قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي البَيتِ رِجَالٌ فِيهِم عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَلُمَّ أَكتُب لَكُم كِتَابًا لَا تَضِلُّونَ بَعدَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَد غَلَبَ عَلَيهِ الوَجَعُ، وَعِندَكُم القُرآنُ، حَسبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، فَاختَلَفَ أَهلُ البَيتِ فَاختَصَمُوا، مِنهُم مَن يَقُولُ قَرِّبُوا يَكتُب لَكُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابًا لَن تَضِلُّوا بَعدَهُ، وَمِنهُم مَن يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكثَرُوا اللَّغوَ وَالِاختِلَافَ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قُومُوا. قَالَ عُبَيدُ اللَّهِ: فَكَانَ ابنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَينَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَينَ أَن يَكتُبَ لَهُم ذَلِكَ الكِتَابَ مِن اختِلَافِهِم وَلَغَطِهِم.

* * *

ــ

المهلِّبُ: هي تجهيزُ جيش أسامة. قال غيره: ويحتمل أن تكون هي قوله لا تتخذوا قبري وثنًا، وقد ذكر مالك في الموطأ ما يدل على ذلك من حديث عمر، فإنه قال فيه: أول ما تكلَّم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاتل الله اليهود؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد! لا يبقين دينان بجزيرة العرب (1).

والكتف هنا يراد به عظم الكتف، فإنهم يكتبون فيها. واللوح من الخشب - وفيه دليل على جواز كتابة العلم والحديث، وهذا وأشباهه ناسخٌ

(1) رواه مالك (2/ 892).

ص: 563