المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(13) باب كيفية اللعان ووعظ المتلاعنين - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(13) باب كيفية اللعان ووعظ المتلاعنين

(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

[1562]

عَن سَعِيدِ بنِ جُبَيرٍ قَالَ: سُئِلتُ عَن المُتَلَاعِنَينِ فِي إِمرَةِ مُصعَبٍ أَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا؟ قَالَ: فَمَا دَرَيتُ مَا أَقُولُ، فَمَضَيتُ إِلَى مَنزِلِ ابنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ فَقُلتُ لِلغُلَامِ: استَأذِن لِي قَالَ: إِنَّهُ قَائِلٌ فَسَمِعَ صَوتِي فقَالَ ابنُ جُبَيرٍ؟ قُلتُ: نَعَم قَالَ: ادخُل فَوَاللَّهِ مَا جَاءَ بِكَ في هَذِهِ السَّاعَةَ إِلَّا حَاجَةٌ فَدَخَلتُ فَإِذَا هُوَ مُفتَرِشٌ بَرذَعَةً مُتَوَسِّدٌ وِسَادَةً حَشوُهَا لِيفٌ قُلتُ: أَبَا عَبدِ الرَّحمَنِ المُتَلَاعِنَانِ أَيُفَرَّقُ بَينَهُمَا؟ قَالَ: سُبحَانَ اللَّهِ

ــ

قولي مالك. ويتمسَّكون أيضًا بمطلق قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرمُونَ أَزوَاجَهُم} الآية.

ومشهور مذهب مالك: أنَّه لا لعان في القذف المجرد، ويحدّ حتى ينصَّ على الزنا. وهو قول الليث، وأبي الزناد، والبَتِّي، ويحيى بن إسماعيل. والصحيح: أنَّه لا متمسَّك في هذا الحديث على أن مطلق الرمي موجب للِّعان؛ لأنه وإن كان قد سكت في هذه الطريق عن صفة (1) الرَّمي، فقد ذكره في رواية أخرى مفصَّلًا، وأنَّه نفى حملها. وأمَّا الآية فمتمسكهم بها واضحٌ. ولا خلاف في صحة اللَّعان في ادعاء رؤية الزنا، وفي نفي الحمل على الجملة، والله تعالى أعلم.

(13)

ومن باب: كيفية اللِّعان

(قوله: إنَّه قائل): هو اسم فاعل من: قال، يقيل؛ إذا نام (2) في كِنَّه وقت القائلة.

(1) في (ع): موجب.

(2)

في (ج 2): قام.

ص: 294

نَعَم إِنَّ أَوَّلَ مَن سَأَلَ عَن ذَلِكَ فُلَانُ بنُ فُلَانٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيتَ لَو وَجَدَ أَحَدُنَا امرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيفَ يَصنَعُ؟ إِن تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمرٍ عَظِيمٍ، وَإِن سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثلِ ذَلِكَ قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَم يُجِبهُ، فَلَمَّا كَانَ بَعدَ ذَلِكَ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلتُكَ عَنهُ قَد ابتُلِيتُ بِهِ فَأَنزَلَ اللَّهُ عز وجل هَؤُلَاءِ الآيَاتِ فِي سُورَةِ النُّورِ: وَالَّذِينَ يَرمُونَ أَزوَاجَهُم فَتَلَاهُنَّ عَلَيهِ وَوَعَظَهُ، وَذَكَّرَهُ وَأَخبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنيَا أَهوَنُ مِن

ــ

و(قوله: أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان) هو -والله أعلم: عويمر العجلاني المُتقدِّم الذكر.

و(قوله: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به) ظاهر هذا: أنَّه خطابٌ من السَّائل للنبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا لم يجبه، فأخبره بوقوع ذلك له، ليحقق عنده: أنه مضطر إلى المسألة فيجيبه كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. وقد جاء في الأم من حديث ابن عباس (1) قال: ذكر التلاعن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم بن عدي في ذلك قولًا، ثم انصرف، فأتاه رجل من قومه يشكو إليه: أنه وجد مع امرأته رجلًا. فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا لقولي. فذهب (2) به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث. وهذا نصٌّ في أن المبتلى به عاصم من جهة: أنه امتُحن بوقوع ذلك برجل من قومه، فعظم عليه ذلك، وشق عليه، حتى تكلّف سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك المسألة القبيحة، ورأى أن ذلك كالعقوبة له؛ لَمَّا تكلَّم في اللعان قبل وقوعه، والله تعالى أعلم.

وأما ابتلاء السَّائل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فإنما هو: وجوده الرجل مع أهله، فهو ابتلاء آخر (3) غير ابتلاء عاصم.

و(قوله: ووعظه، وذكَّره) هذا الوعظ، والتذكير كان منه صلى الله عليه وسلم قبل اللَّعان.

(1) صحيح مسلم (1497)(12).

(2)

في (ل 1) و (ج 2): فذهبت.

(3)

في (ج 2): فهي قضية أخرى.

ص: 295

عَذَابِ الآخِرَةِ قَالَ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا كَذَبتُ عَلَيهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا، وَأَخبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنيَا أَهوَنُ مِن عَذَابِ الآخِرَةِ قَالَت: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَربَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِن الصَّادِقِينَ وَالخَامِسَةُ أَنَّ لَعنَةَ اللَّهِ عَلَيهِ إِن كَانَ مِن الكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالمَرأَةِ فَشَهِدَت أَربَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِن الكَاذِبِينَ،

ــ

وينبغي أن يتخذ سُنة في وعظ المتلاعنين قبل الشروع في اللعان. ولذلك قال الطبري: إنه يجب على الإمام أن يعظ كل من يحلّفه، وذهب الشافعي إلى أنه يعظ (1) كل واحد بعد تمام الرابعة وقبل الخامسة؛ تمسُّكًا منه بما في البخاري من حديث ابن عباس في لعان هلال بن أمية؛ أنَّه صلى الله عليه وسلم وعظها عند الخامسة (2).

و(قوله: فبدأ بالرَّجل) إنَّما بدأ به لأنه القاذف، فيدرأ الحدَّ عن نفسه، ولأنه هو الذي بدأ الله تعالى به. فإذا فرغ من أيمانه تعيَّن عليها: أن تُقابل أيمانَه بأيمانها النافية لِما أثبته عليها، أو الحدُّ. وهذا مما أجمع عليه العلماء.

و(قوله: فشهد أربع شهادات) أي: حلف أربع أيمان. وهذا معنى قوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِم أَربَعُ شَهَادَاتٍ} ؛ أي: يحَلفُ أربع أيمان. والعرب تقول: أشهد بالله؛ أي: أحلف. وكما قال شاعرهم:

فَأَشهدُ عِندَ اللهِ أَنِّي أُحبُّها

فهذا لَها عِندِي فَمَا عندَهَا لِيَا؟

وهذا مذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: هي شهادات محقَّقة من المتلاعنين على أنفسهما.

وانبنى على هذا الخلاف في لعان الفاسقين والعبدين. فعند الجمهور يصحُّ، وعند أبي حنيفة لا يصحُّ. وربما اُستَدَل لأبي حنيفة بما رواه

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(2)

انظر صحيح البخاري (4747).

ص: 296

وَالخَامِسَةُ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيهَا إِن كَانَ مِن الصَّادِقِينَ ثُمَّ فَرَّقَ بَينَهُمَا.

وفي رواية: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلمُتَلَاعِنَينِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ

ــ

أبو عمرو من حديث عمرو بن شعيب مرفوعًا: (لا لعان بين مملوكين ولا كافرين)(1). وبما رواه الدارقطني من هذا المعنى، ولا يصح منها كلها شيء عند المحدِّثين.

واختلفوا في الألفاظ التي يقولها المتلاعنان. وأولى ذلك كله ما دلَّ عليه كتاب الله تعالى. وهو: أن يقول الرجل: أشهد بالله لقد زنيتِ. أو: لقد رأيتُها تزني، أو: أن هذا الحمل ليس مني، أو: هذا الولد - أربع مرات - ثم يخمس فيقول (2): لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم تقوم هي فتقول: أشهد بالله لقد كَذَبَ عليَّ فيما رماني به. أو: إن هذا الحمل منه، أو: هذا الولد ولده، ثم تُخَمِّسُ بأن تقول: غضب الله عليها إن كان من الصادقين. وقد زاد بعض علمائنا في اليمين: بالله الذي لا إله إلا هو. ومشهور مذهبنا: أنه إن لاعنها على رؤية الزنا: نصَّ على ذلك، كما ينصُّه شهود الزنا، فيقول كالمِروَدِ (3) في المكحلة. وكل ذلك منهما وهما قائمان.

و(قوله: ثم فرَّق بينهما) دليل لمالك ولمن قال بقوله: على أن الفرقة تقع بنفس فراغهما من التعانهما. وقد ذكرنا الخلاف في ذلك.

(1) رواه ابن ماجه (2071)، والدارقطني (3/ 163 و 164)، والبيهقي (7/ 396، 397) بنحوه.

وقال الإمام الغماري في: "الهداية في تخريج أحاديث البداية"(7/ 137): لم أجده بهذا اللفظ.

(2)

ما بين حاصرتين ليس في الأصول، واستدرك من عندنا لتمام المعنى.

(3)

المِرْود: الميل من الزجاج أو المعدن يُكتحل به.

ص: 297

أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيهَا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي؟ قَالَ: لَا مَالَ لَكَ إِن كُنتَ صَدَقتَ عَلَيهَا فَهُوَ بِمَا استَحلَلتَ مِن فَرجِهَا، وَإِن كُنتَ كَذَبتَ عَلَيهَا فَذَاكَ أَبعَدُ لَكَ مِنهَا.

رواه أحمد (2/ 11 و 42)، والبخاريُّ (5311)، ومسلم (1493)(4 و 5)، وأبو داود (2257)، والترمذيُّ (1202)، والنسائي (6/ 177).

* * *

ــ

و(قوله في حديث ابن عمر: (أحدكما كاذب) ظاهره أنه بعد الملاعنة، وحينئذ يحقق الكذب عليهما جميعًا. وقال بعضهم: إنما قاله صلى الله عليه وسلم قبل اللعان تحذيرًا لهما، ووعظًا. ورجح بعضهم الأول (1).

و(قوله: لا سبيل لك عليها) دليل لمالك ولمن قال بقوله في تأبيد التحريم، فإن ظاهره النفي العام. وقد ذكر الدارقطني زيادة في حديث سهل بعد قوله:(ففرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما) وقال: (لا يجتمعان أبدًا)(2). وقال أبو داود عن سهل: (مضت سنَّة المتلاعنين: أن يفرَّق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدًا)(3). قال مالك: وهي السُّنة التي لا اختلاف فيها عندنا.

* * *

(1) ما بين حاصرتين مستدرك من (ج 2).

(2)

رواه الدارقطني (3/ 275).

(3)

ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

ص: 298