الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي أخرى: فَهُوَ بِخَيرِ النَّظَرَينِ، بعد أن يحلبها، إِن شَاءَ أَمسَكَهَا، وَإِن شَاءَ رَدَّهَا، وَصَاعًا مِن تَمرٍ، لَا سَمرَاءَ.
وفي أخرى: صاعًا مِن طعام لَا سَمرَاءَ.
رواه أحمد (2/ 242)، والبخاري (2151)، ومسلم (1524)(23 و 25 و 26)، وأبو داود (3445)، والترمذي (1251)، والنسائي (7/ 253)، وابن ماجه (2239).
* * *
(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل
[1607]
عَن ابنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن ابتَاعَ طَعَامًا، فَلَا يَبِعهُ حَتَّى يَستَوفِيَهُ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: وَأَحسِبُ كُلَّ شَيءٍ مِثلَهُ.
ــ
و(قوله: لا سمراء) هو معطوف على (صاعا) وهمزته للتأنيث، فلذلك لم تصرف. و (السَّمراء): قمحة الشام. والبيضاء: قمحة مصر. وقيل: البيضاء: الشعير. والسمراء: القمح مطلقا. وإنما نفاها تخفيفًا، ورفعًا للحرج، وهو يشهد لقول مالك.
(5)
ومن باب: النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض
(قوله صلى الله عليه وسلم: (من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه) وفي أخرى: (حتى يكتاله). وروى أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: نهى
وفي أخرى: مَن ابتَاعَ طَعَامًا، فَلَا يَبِعهُ حَتَّى يَكتَالَهُ.
رواه أحمد (2/ 111)، ومسلم (1525)(29 و 31)، وأبو داود (3496)، والنسائي (7/ 286).
[1608]
ومثله عن أبي هريرة قَالَ طَاوُسٍ: فَقُلتُ لِابنِ عَبَّاسٍ: لِمَ؟ فَقَالَ: أَلَا تُرَاهُم يَتَبَايَعُونَ بِالذَّهَبِ وَالطَّعَامُ مُرجَأٌ.
رواه مسلم (1525)(31).
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدٌ طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه (1). وبظاهر هذا الحديث قال مالك. غير أنَّه ألحق بالشراء جميع المعاوضات، وحمل الطعام على عمومه - ربويًا كان أو غير ربوي - في مشهور الروايتين عنه. وروى ابن وهب عنه تخصيصه بما فيه الرِّبا من الأطعمة. ورأي ابن حبيب وسحنون: أنه يتعدى إلى كل ما فيه حق توفية، فحذفا خصوصية الطعام، وكذلك فعل الشافعي، غير أنَّه لم يخصَّه بما فيه حق توفية، بل عدَّاه لكل مشترى. وكذلك فعل أبو حنيفة غير أنه استثنى من ذلك العقار، وما لا ينقل. وقال: يجوز بيع كل شيء قبل قبضه عثمان البَتِّي، وانفرد به.
فحجة مالك رحمه الله تعالى للمشهور عنه: التمسك بظاهر الحديث، وعضده بما ذكره في موطئه (2): من أنه مجمع عليه بالمدينة، وأنه لا خلاف عندهم في منعه وقصره على ما بيع بكيل، أو وزن من الطعام، تمسكًا بدليل خطاب الأحاديث المتقدّمة.
ثم اختلف أصحابه: هل هذا المنع شرع غير معلل بالعينة، وإليه أشار مالك في موطئه (2)، حيث أدخل هذا الحديث في باب العينة، وهو
(1) رواه أبو داود (3495).
(2)
انظر الموطأ (2/ 640).
[1609]
وعَن ابنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَبتَاعُ الطَّعَامَ، فَيَبعَثُ عَلَينَا مَن يَأمُرُنَا بِانتِقَالِهِ، مِن المَكَانِ الَّذِي ابتَعنَاهُ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ.
رواه أحمد (2/ 15)، والبخاريُّ (2167)، ومسلم (1527)، وأبو داود (3494)، والنسائي (7/ 287)، وابن ماجه (2229).
ــ
الذي عنى ابن عباس حيث قال: (يتبايعون بالذهب، والطعام مُرجَأٌ). وأمَّا الشافعي: فإنما حذف خصوصية الطعام لما صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من نهيه عن ربح ما لم يضمن؛ خرَّجه الترمذي (1) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فهذا اللفظ قد عم الطعام وغيره. ولقول ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله.
قلت: ويعتضد مذهب الشافعي بما رواه الدارقطني من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه؛ أنه قال: يا رسول الله! إني أشتري فما يحل وما يحرم علي؟ قال: (يا ابن أخي! إذا ابتعت شيئًا فلا تبعه حتى تقبضه)(2). وروى أبو داود من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السِّلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. ومتمسَّكات مالك والشافعي تبطل قول عثمان البَتِّي.
و(قول ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله) وفي الأخرى: (جزافًا - وأنهم كانوا - يُضرَبُون في أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم)(3) دليل لمن سوَّى بين الجزاف في المكيل من الطعام في المنع من بيع ذلك حتى يقبض،
(1) رواه الترمذي (1234)، وهو عند أحمد (2/ 175)، وابن ماجه (2188).
(2)
رواه الدارقطني (3/ 9).
(3)
رواه أبو داود (3499).
[1610]
وعنه قَالَ: رَأَيتُ النَّاسَ فِي عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ابتَاعُوا الطَّعَامَ جِزَافًا يُضرَبُونَ فِي أَن يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِم، وَذَلِكِ حَتَّى يُؤوُوهُ إِلَى رِحَالِهِم.
ــ
ورأى: أن قبض الجزاف نقله. وبه قال الكوفيون، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وداود. وهم على أصولهم في منعه في كل شيء إلا ما استثني حسب ما تقدم، وحمل مالك رحمه الله هذه الأحاديث على الأولى والأحبِّ، فلو باع الجزاف قبل نقله جاز؛ لأنه بنفس تمام العقد، والتخلية بينه وبين المشتري صار في ضمانه، ولدليل الخطاب في قوله صلى الله عليه وسلم:(من ابتاع طعامًا بكيل)(1) وما في معناه. وإلى جواز ذلك صار البتِّيّ، وسعيد بن المسيب، والحسن، والحكم، والأوزاعي، وإسحاق على أصولهم.
فرع: ألحق مالك رحمه الله بيع الطعام قبل قبضه بسائر عقود المعاوضات كلّها، فمن حصل له طعام بوجه معاوضة؛ كأخذه في صلح من دم، أو مهر، فلا يجوز له بيعه قبل قبضه. واستثنى من ذلك الشركة والتولية، والإقالة (2). وقد روي عنه منعه في الشركة. ووافقه الشافعي، وأبو حنيفة في الإقالة خاصة.
قلت: والذي أوجب استثناء هذه الأربعة العقود عند مالك أنها عقود؛ المقصود بها: المعروف، والرِّفق، لا المشاركة، والمكايسة، فأشبهت القرض. وأولى من هذا: مرسلان صحيحان، مشهوران:
أحدهما: قال سعيد بن المسيب في حديث ذكره -كأنَّه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا بأس
(1) من حديث أبي داود (3495).
(2)
انظر الموطأ (2/ 649).
وَقال عُبَيدُ اللَّهِ بنِ عُمَرَ، إنَّ أَبَاهُ كَانَ يَشتَرِي الطَّعَامَ جِزَافًا فَيَحمِلُهُ إِلَى أَهلِهِ.
رواه أحمد (2/ 7)، والبخاريُّ (2131)، ومسلم (1527)(37 و 38)، والنسائي (7/ 287).
[1611]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِمَروَانَ: أَحلَلتَ بَيعَ الرِّبَا؟ فَقَالَ مَروَانُ: مَا فَعَلتُ. فَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: أَحلَلتَ بَيعَ الصِّكَاكِ، وَقَد نَهَى
ــ
بالتولية، والإقالة، والشرك في الطعام قبل أن يستوفى. ذكره أبو داود (1) وقال: هذا قول أهل المدينة.
وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج، قال: أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا مستفاضًا بالمدينة قال:(من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه، ويستوفيه إلا أن يشرك فيه، أو يوليه، أو يقيله)(2).
قلت: وينبغي للشافعي، وأبي حنيفة أن يعملا بهذين المرسلين. أما الشافعي: فقد (3) نصَّ على أنه يعمل بمراسيل سعيد. وأما أبو حنيفة: فإنه يعمل بالمراسيل مطلقا، كمالك.
وقول أبي هريرة لمروان: (أحللت بيع الصكاك! ) إنكار منه عليه، وتغليظ. وهذا (4) نصٌّ في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يفتي على الأمراء وغيرهم. وهو ردٌّ على من جهل حال أبي هريرة، وقال: إنه لم يكن مفتيًا. وهو قول باطل
(1) رواه أبو داود في المراسيل (198).
(2)
رواه عبد الرزاق (14257).
(3)
في (ع): فإنه.
(4)
في (ع) و (ج 2): وهو.
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن بَيعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُستَوفَى قَالَ: فَخَطَبَ مَروَانُ النَّاسَ فَنَهَاهم عَن بَيعِهَا. قَالَ سُلَيمَانُ بن يسار: فَنَظَرتُ إِلَى حَرَسٍ يَأخُذُونَهَا مِن أَيدِي النَّاسِ.
رواه أحمد (2/ 349)، ومسلم (1528)(40).
* * *
ــ
بما يوجد له من الفتاوى، وبالمعلوم من حاله؛ وذلك: أنَّه كان من أحفظ الناس لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وألزم الناس للنبي صلى الله عليه وسلم ولخدمته حضرًا، وسفرًا. وأغزرهم علمًا.
و(الصكوك): جمع صَك. وهي: التواقيع السُّلطانية بالأرزاق. وهذا البيع الذي أنكره أبو هريرة للصُّكوك إنما هو بيع من اشتراه ممن رزقه، لا بيع من رزقه؛ لأن الذي رزقه وصل إليه الطعام على جهة العطاء، لا المعاوضة. ودليل ذلك ما ذكره مالك في الموطأ (1)، قال: إن صكوك الجار خرجت للناس في زمن مروان من طعام الجار، فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم قبل أن يستوفوها، وذكر الحديث في الموطأ أيضًا: أن حكيم بن حزام ابتاع طعامًا أمر به عمر بن الخطاب (2) للناس، فباع حكيم الطعام قبل أن يستوفيه، فبلغ ذلك عمر، فردَّه، وقال: لا تبع طعامًا ابتعته قبل أن تستوفيه (3).
فإن قيل: فما في الموطأ يدل على فسخ البيعتين: بيع المعطى له، وبيع المشترى منه؛ إذ فيه: أن مروان بعث الحرس لينتزعوا الصكوك من أيدي الناس، ولم يفرق. فالجواب ما قد بينه بتمام الحديث، حيث قال: ويردُّونها إلى من ابتاعها. وكذلك فعل عمر بحكيم، فإنه ردَّ الطعام
(1) انظر الموطأ (2/ 641).
(2)
في (ع) و (ل 1): عمر بن عبد العزيز، وما أثبتناه من الموطأ (2/ 641).
(3)
رواه مالك في الموطأ (2/ 641).