المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٤

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(14) كِتَاب الإِمَارَةِ وَالبَيعَةِ

- ‌(1) بَاب اشتِرَاطِ نَسَبِ قُرَيشٍ في الخِلافَةِ

- ‌(2) باب في جواز ترك الاستخلاف

- ‌(3) باب النهي عن سؤال الإمارة والحرص عليها وأن من كان منه ذلك لا يولاها

- ‌(4) باب فضل الإمام المقسط وإثم القاسط وقوله كلكم راع

- ‌(5) باب تغليظ أمر الغلول

- ‌(6) باب ما جاء في هدايا الأمراء

- ‌(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}

- ‌(8) باب إنما الطاعة ما لم يأمر بمعصية

- ‌(9) باب في البيعة على ماذا تكون

- ‌(10) باب الأمر بالوفاء ببيعة الأول ويضرب عنق الآخر

- ‌(11) باب يصبر على أذاهم وتؤدَّى حقوقهم

- ‌(12) باب فيمن خلع يدا من طاعة وفارق الجماعة

- ‌(13) باب في حكم من فرَّق أمر هذه الأمة وهي جميع

- ‌(14) باب في الإنكار على الأمراء وبيان خيارهم وشرارهم

- ‌(15) باب مبايعة الإمام على عدم الفرار وعلى الموت

- ‌(16) باب لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وعمل صالح

- ‌(17) باب في بيعة النساء والمجذوم وكيفيتها

- ‌(18) باب وفاء الإمام بما عقده غيره إذا كان العقد جائزا ومتابعة سيد القوم عنهم

- ‌(19) باب جواز أمان المرأة

- ‌(15) كتاب النكاح

- ‌(1) باب الترغيب في النكاح وكراهية التبتل

- ‌(2) باب ردّ ما يقع في النفس بمواقعة الزوجة

- ‌(3) باب ما كان أبيح في أول الإسلام من نكاح المتعة

- ‌(4) باب نسخ نكاح المتعة

- ‌(5) باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وما جاء في نكاح المحرم

- ‌(6) باب النهي عن خِطبَةِ الرجل على خِطبَةِ أخيه وعن الشغار وعن الشرط في النكاح

- ‌(7) باب استئمار الثيب واستئذان البكر والصغيرة يزوجها أبوها

- ‌(8) باب النّظر إلى المخطوبة

- ‌(9) باب في اشتراط الصَّداق في النكاح وجواز كونه منافع

- ‌(10) باب كم أصدق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه؟ وجواز الأكثر من ذلك والأقل والأمر بالوليمة

- ‌(11) باب عِتق الأمةِ وتزويجها وهل يصح أن يجعل العتق صداقا

- ‌(12) باب تزويج زينب ونزول الحجاب

- ‌(13) باب الهدية للعروس في حال خلوته

- ‌(14) باب إجابة دعوة النكاح

- ‌(15) باب في قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) الآية وما يقال عند الجماع

- ‌(16) باب تحريم امتناع المرأة على زوجها إذا أرادها، ونشر أحدهما سر الآخر

- ‌(17) باب في العزل عن المرأة

- ‌(18) باب تحريم وطء الحامل من غيره حتى تضع، وذكر الغيل

- ‌أبواب الرضاع

- ‌(19) باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة

- ‌(20) باب التحريم من قِبَل الفحل

- ‌(21) باب تحريم الأخت وبنت الأخ من الرضاعة

- ‌(22) باب لا تُحرِّم المَصَّةُ ولا المَصَّتان

- ‌(23) باب نسخ عشر رضعات بخمس، ورضاعة الكبير

- ‌(24) باب إنما الرَّضاعة من المَجَاعة

- ‌(25) باب في قوله تعالى: (والمحصنات من النساء)

- ‌(26) باب الولد للفراش

- ‌(27) باب قبول قول القافة في الولد

- ‌(28) باب المقام عند البكر والثيب

- ‌(29) باب في القَسم بين النساء وفي جواز هبة المرأة يومها لضرتها

- ‌(30) باب في قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ}

- ‌(31) باب الحث على نكاح الأبكار وذوات الدين

- ‌(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس

- ‌(33) باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ومداراة النساء

- ‌(16) كتاب الطلاق

- ‌(1) باب في طلاق السنة

- ‌(2) باب ما يُحِلُّ المطلقة ثلاثًا

- ‌(3) باب إمضاء الطلاق الثلاث من كلمة

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}

- ‌(5) باب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ الحَيَاةَ الدُّنيَا} الآية

- ‌(6) باب إيلاء الرَّجل من نسائه وتأديبهن باعتزالهن مدة

- ‌(7) باب فيمن قال: إن المطلقة البائن لا نفقة لها ولا سكنى

- ‌(8) باب فيمن قال: لها السكنى والنفقة

- ‌(9) باب لا تخرج المطلقة من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا إن اضطرت إلى ذلك

- ‌(10) باب ما جاء أن الحامل إذا وضعت حملها فقد انقضت عدتها

- ‌(11) باب في الإحداد على المَيِّت في العدة

- ‌(12) باب ما جاء في اللِّعَان

- ‌(13) باب كيفية اللِّعان ووعظ المتلاعنين

- ‌(14) باب ما يتبع اللِّعان إذا كمل من الأحكام

- ‌(15) باب لا ينفى الولد لمخالفة لون أو شبه

- ‌(17) كتاب العتق

- ‌(1) باب فيمن أعتق شركًا له في عبد وذكر الاستسعاء

- ‌(2) باب إنما الولاء لمن أعتق

- ‌(3) باب كان في بريرة ثلاث سنن

- ‌(4) باب النهي عن بيع الولاء وعن هبته وفي إثم من تولى غير مواليه

- ‌(5) باب ما جاء في فضل عتق الرِّقبة المؤمنة وفي عتق الوالد

- ‌(6) باب تحسين صحبة ملك اليمين، والتغليظ على سيده في لطمه، أو ضربه في غير حد ولا أدب، أو قذفه بالزنا

- ‌(7) باب إطعام المملوك مما يأكل ولباسه مما يلبس، ولا يكلف ما يغلبه

- ‌(8) باب في مضاعفة أجر العبد الصالح

- ‌(9) باب فيمن أعتق عبيده عند موته وهم كل ماله

- ‌(10) باب ما جاء في التدبير وبيع المُدَبَّر

- ‌(18) كتاب البيوع

- ‌(1) باب النهي عن الملامسة، والمنابذة، وبيع الحصاة، والغرر

- ‌(2) باب النهي عن أن يبيع الرجل على بيع أخيه، وعن تلقي الجلب، وعن التصرية، وعن النجش

- ‌(3) باب لا يبع حاضر لباد

- ‌(4) باب ما جاء: أن التصرية عيب يوجب الخيار

- ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

- ‌(6) باب بيع الخيار، والصدق في البيع، وترك الخديعة

- ‌(7) باب النهي عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها

- ‌(8) باب النَّهي عن المزابنة

- ‌(9) باب الرُّخصة في بيع العَرِيَّةِ بخرصها تمرا

- ‌(10) باب فيمن باع نخلًا فيه تمر، أو عبدا وله مال

- ‌(11) باب النَّهي عن المحاقلة والمخابرة والمعاومة

- ‌(12) باب ما جاء في كراء الأرض

- ‌(13) باب فيمن رأى أن النهي عن كراء الأرض إنما هو من باب الإرشاد إلى الأفضل

- ‌(14) باب المساقاة على جزء من الثمر والزرع

- ‌(15) باب في فضل من غرس غرسًا

- ‌(16) باب في وضع الجائحة

- ‌(17) باب قسم مال المفلس، والحث على وضع بعض الدين

- ‌(18) باب من أدرك ماله عند مُفلس

- ‌(19) باب في إنظار المُعسِر والتجاوز عنه ومطل الغني ظلم، والحوالة

- ‌(20) باب النَّهي عن بيع فضل الماء، وإثم منعه

- ‌(21) باب النهي عن ثمن الكلب، والسنور، وحلوان الكاهن، وكسب الحجام

- ‌(22) باب ما جاء في قتل الكلاب واقتنائها

- ‌(23) باب في إباحة أجرة الحجَّام

- ‌(24) باب تحريم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام

- ‌أبواب الصرف والربا

- ‌(25) باب تحريم التفاضل والنساء في الذهب بالذهب والورق بالورق

- ‌(26) باب تحريم الرِّبا في البُرِّ والشعير والتمر والملح

- ‌(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب

- ‌(28) باب من قال: إن البُرَّ والشعير صنف واحد

- ‌(29) باب فسخ صفقة الربا

- ‌(30) باب ترك قول من قال: لا ربا إلا في النسيئة

- ‌(31) باب اتِّقاء الشبهات ولعن المقدم على الربا

- ‌(32) باب بيع البعير واستثناء حملانه

- ‌(33) باب الاستقراض وحسن القضاء فيه

- ‌(34) باب في السلم والرهن في البيع

- ‌(35) باب النَّهي عن الحكرة، وعن الحلف في البيع

- ‌(36) باب الشفعة

- ‌(37) باب غرز الخشب في جدار الغير، وإذا اختلف في الطريق

- ‌(38) باب إثم من غصب شيئًا من الأرض

- ‌(19) كتاب الوصايا والفرائض

- ‌(1) باب الحث على الوصية وأنها بالثلث لا يتجاوز

- ‌(2) باب الصدقة عمَّن لم يوص، وما ينتفع به الإنسان بعد موته

- ‌(3) باب ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عند موته

- ‌(4) باب ألحقوا الفرائض بأهلها، ولا يرث المسلم الكافر

- ‌(5) باب ميراث الكلالة

- ‌(6) باب من ترك مالًا فلورثته وعصبته

- ‌(7) باب قوله عليه الصلاة والسلام: لا نورث

- ‌(20) كتاب الصَّدقة والهِبَة والحَبس

- ‌(1) باب النهي عن العود في الصدقة

- ‌(2) باب فيمن نحل بعض ولده دون بعض

- ‌(3) باب المنحة مردودة

- ‌(4) باب ما جاء في العمرى

- ‌(5) باب فيما جاء في الحُبس

- ‌(21) كتاب النذور والأيمان

- ‌(1) باب الوفاء بالنذر، وأنه لا يرد من قدر الله شيئا

- ‌(2) باب لا وفاء لنذرٍ في معصية، ولا فيما لا يملك العبد

- ‌(3) باب فيمن نذر أن يمشي إلى الكعبة

- ‌(4) باب كفارة النذر غير المسمى كفارة يمين، والنهي عن الحلف بغير الله تعالى

- ‌(5) باب النهي عن الحلف بالطواغي، ومن حلف باللات فليقل: لا إله إلا الله

- ‌(6) باب من حلف على يمين فرأى خيرًا منها فليكفر

- ‌(7) باب اليمين على نية المستحلف والاستثناء فيه

- ‌(8) باب ما يخاف من اللجاج في اليمين، وفيمن نذر قربة في الجاهلية

الفصل: ‌(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

وفي أخرى: فَهُوَ بِخَيرِ النَّظَرَينِ، بعد أن يحلبها، إِن شَاءَ أَمسَكَهَا، وَإِن شَاءَ رَدَّهَا، وَصَاعًا مِن تَمرٍ، لَا سَمرَاءَ.

وفي أخرى: صاعًا مِن طعام لَا سَمرَاءَ.

رواه أحمد (2/ 242)، والبخاري (2151)، ومسلم (1524)(23 و 25 و 26)، وأبو داود (3445)، والترمذي (1251)، والنسائي (7/ 253)، وابن ماجه (2239).

* * *

(5) باب النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض أو ينقل

[1607]

عَن ابنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن ابتَاعَ طَعَامًا، فَلَا يَبِعهُ حَتَّى يَستَوفِيَهُ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: وَأَحسِبُ كُلَّ شَيءٍ مِثلَهُ.

ــ

و(قوله: لا سمراء) هو معطوف على (صاعا) وهمزته للتأنيث، فلذلك لم تصرف. و (السَّمراء): قمحة الشام. والبيضاء: قمحة مصر. وقيل: البيضاء: الشعير. والسمراء: القمح مطلقا. وإنما نفاها تخفيفًا، ورفعًا للحرج، وهو يشهد لقول مالك.

(5)

ومن باب: النهي عن بيع الطعام قبل أن يقبض

(قوله صلى الله عليه وسلم: (من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه) وفي أخرى: (حتى يكتاله). وروى أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: نهى

ص: 375

وفي أخرى: مَن ابتَاعَ طَعَامًا، فَلَا يَبِعهُ حَتَّى يَكتَالَهُ.

رواه أحمد (2/ 111)، ومسلم (1525)(29 و 31)، وأبو داود (3496)، والنسائي (7/ 286).

[1608]

ومثله عن أبي هريرة قَالَ طَاوُسٍ: فَقُلتُ لِابنِ عَبَّاسٍ: لِمَ؟ فَقَالَ: أَلَا تُرَاهُم يَتَبَايَعُونَ بِالذَّهَبِ وَالطَّعَامُ مُرجَأٌ.

رواه مسلم (1525)(31).

ــ

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع أحدٌ طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه (1). وبظاهر هذا الحديث قال مالك. غير أنَّه ألحق بالشراء جميع المعاوضات، وحمل الطعام على عمومه - ربويًا كان أو غير ربوي - في مشهور الروايتين عنه. وروى ابن وهب عنه تخصيصه بما فيه الرِّبا من الأطعمة. ورأي ابن حبيب وسحنون: أنه يتعدى إلى كل ما فيه حق توفية، فحذفا خصوصية الطعام، وكذلك فعل الشافعي، غير أنَّه لم يخصَّه بما فيه حق توفية، بل عدَّاه لكل مشترى. وكذلك فعل أبو حنيفة غير أنه استثنى من ذلك العقار، وما لا ينقل. وقال: يجوز بيع كل شيء قبل قبضه عثمان البَتِّي، وانفرد به.

فحجة مالك رحمه الله تعالى للمشهور عنه: التمسك بظاهر الحديث، وعضده بما ذكره في موطئه (2): من أنه مجمع عليه بالمدينة، وأنه لا خلاف عندهم في منعه وقصره على ما بيع بكيل، أو وزن من الطعام، تمسكًا بدليل خطاب الأحاديث المتقدّمة.

ثم اختلف أصحابه: هل هذا المنع شرع غير معلل بالعينة، وإليه أشار مالك في موطئه (2)، حيث أدخل هذا الحديث في باب العينة، وهو

(1) رواه أبو داود (3495).

(2)

انظر الموطأ (2/ 640).

ص: 376

[1609]

وعَن ابنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَبتَاعُ الطَّعَامَ، فَيَبعَثُ عَلَينَا مَن يَأمُرُنَا بِانتِقَالِهِ، مِن المَكَانِ الَّذِي ابتَعنَاهُ فِيهِ إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ.

رواه أحمد (2/ 15)، والبخاريُّ (2167)، ومسلم (1527)، وأبو داود (3494)، والنسائي (7/ 287)، وابن ماجه (2229).

ــ

الذي عنى ابن عباس حيث قال: (يتبايعون بالذهب، والطعام مُرجَأٌ). وأمَّا الشافعي: فإنما حذف خصوصية الطعام لما صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم من نهيه عن ربح ما لم يضمن؛ خرَّجه الترمذي (1) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فهذا اللفظ قد عم الطعام وغيره. ولقول ابن عباس: وأحسب كل شيء مثله.

قلت: ويعتضد مذهب الشافعي بما رواه الدارقطني من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه؛ أنه قال: يا رسول الله! إني أشتري فما يحل وما يحرم علي؟ قال: (يا ابن أخي! إذا ابتعت شيئًا فلا تبعه حتى تقبضه)(2). وروى أبو داود من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع السِّلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. ومتمسَّكات مالك والشافعي تبطل قول عثمان البَتِّي.

و(قول ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتاع الطعام، فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله) وفي الأخرى: (جزافًا - وأنهم كانوا - يُضرَبُون في أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم)(3) دليل لمن سوَّى بين الجزاف في المكيل من الطعام في المنع من بيع ذلك حتى يقبض،

(1) رواه الترمذي (1234)، وهو عند أحمد (2/ 175)، وابن ماجه (2188).

(2)

رواه الدارقطني (3/ 9).

(3)

رواه أبو داود (3499).

ص: 377

[1610]

وعنه قَالَ: رَأَيتُ النَّاسَ فِي عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا ابتَاعُوا الطَّعَامَ جِزَافًا يُضرَبُونَ فِي أَن يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِم، وَذَلِكِ حَتَّى يُؤوُوهُ إِلَى رِحَالِهِم.

ــ

ورأى: أن قبض الجزاف نقله. وبه قال الكوفيون، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وداود. وهم على أصولهم في منعه في كل شيء إلا ما استثني حسب ما تقدم، وحمل مالك رحمه الله هذه الأحاديث على الأولى والأحبِّ، فلو باع الجزاف قبل نقله جاز؛ لأنه بنفس تمام العقد، والتخلية بينه وبين المشتري صار في ضمانه، ولدليل الخطاب في قوله صلى الله عليه وسلم:(من ابتاع طعامًا بكيل)(1) وما في معناه. وإلى جواز ذلك صار البتِّيّ، وسعيد بن المسيب، والحسن، والحكم، والأوزاعي، وإسحاق على أصولهم.

فرع: ألحق مالك رحمه الله بيع الطعام قبل قبضه بسائر عقود المعاوضات كلّها، فمن حصل له طعام بوجه معاوضة؛ كأخذه في صلح من دم، أو مهر، فلا يجوز له بيعه قبل قبضه. واستثنى من ذلك الشركة والتولية، والإقالة (2). وقد روي عنه منعه في الشركة. ووافقه الشافعي، وأبو حنيفة في الإقالة خاصة.

قلت: والذي أوجب استثناء هذه الأربعة العقود عند مالك أنها عقود؛ المقصود بها: المعروف، والرِّفق، لا المشاركة، والمكايسة، فأشبهت القرض. وأولى من هذا: مرسلان صحيحان، مشهوران:

أحدهما: قال سعيد بن المسيب في حديث ذكره -كأنَّه عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا بأس

(1) من حديث أبي داود (3495).

(2)

انظر الموطأ (2/ 649).

ص: 378

وَقال عُبَيدُ اللَّهِ بنِ عُمَرَ، إنَّ أَبَاهُ كَانَ يَشتَرِي الطَّعَامَ جِزَافًا فَيَحمِلُهُ إِلَى أَهلِهِ.

رواه أحمد (2/ 7)، والبخاريُّ (2131)، ومسلم (1527)(37 و 38)، والنسائي (7/ 287).

[1611]

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّهُ قَالَ لِمَروَانَ: أَحلَلتَ بَيعَ الرِّبَا؟ فَقَالَ مَروَانُ: مَا فَعَلتُ. فَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: أَحلَلتَ بَيعَ الصِّكَاكِ، وَقَد نَهَى

ــ

بالتولية، والإقالة، والشرك في الطعام قبل أن يستوفى. ذكره أبو داود (1) وقال: هذا قول أهل المدينة.

وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج، قال: أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا مستفاضًا بالمدينة قال:(من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه، ويستوفيه إلا أن يشرك فيه، أو يوليه، أو يقيله)(2).

قلت: وينبغي للشافعي، وأبي حنيفة أن يعملا بهذين المرسلين. أما الشافعي: فقد (3) نصَّ على أنه يعمل بمراسيل سعيد. وأما أبو حنيفة: فإنه يعمل بالمراسيل مطلقا، كمالك.

وقول أبي هريرة لمروان: (أحللت بيع الصكاك! ) إنكار منه عليه، وتغليظ. وهذا (4) نصٌّ في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يفتي على الأمراء وغيرهم. وهو ردٌّ على من جهل حال أبي هريرة، وقال: إنه لم يكن مفتيًا. وهو قول باطل

(1) رواه أبو داود في المراسيل (198).

(2)

رواه عبد الرزاق (14257).

(3)

في (ع): فإنه.

(4)

في (ع) و (ج 2): وهو.

ص: 379

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن بَيعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُستَوفَى قَالَ: فَخَطَبَ مَروَانُ النَّاسَ فَنَهَاهم عَن بَيعِهَا. قَالَ سُلَيمَانُ بن يسار: فَنَظَرتُ إِلَى حَرَسٍ يَأخُذُونَهَا مِن أَيدِي النَّاسِ.

رواه أحمد (2/ 349)، ومسلم (1528)(40).

* * *

ــ

بما يوجد له من الفتاوى، وبالمعلوم من حاله؛ وذلك: أنَّه كان من أحفظ الناس لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وألزم الناس للنبي صلى الله عليه وسلم ولخدمته حضرًا، وسفرًا. وأغزرهم علمًا.

و(الصكوك): جمع صَك. وهي: التواقيع السُّلطانية بالأرزاق. وهذا البيع الذي أنكره أبو هريرة للصُّكوك إنما هو بيع من اشتراه ممن رزقه، لا بيع من رزقه؛ لأن الذي رزقه وصل إليه الطعام على جهة العطاء، لا المعاوضة. ودليل ذلك ما ذكره مالك في الموطأ (1)، قال: إن صكوك الجار خرجت للناس في زمن مروان من طعام الجار، فتبايع الناس تلك الصكوك بينهم قبل أن يستوفوها، وذكر الحديث في الموطأ أيضًا: أن حكيم بن حزام ابتاع طعامًا أمر به عمر بن الخطاب (2) للناس، فباع حكيم الطعام قبل أن يستوفيه، فبلغ ذلك عمر، فردَّه، وقال: لا تبع طعامًا ابتعته قبل أن تستوفيه (3).

فإن قيل: فما في الموطأ يدل على فسخ البيعتين: بيع المعطى له، وبيع المشترى منه؛ إذ فيه: أن مروان بعث الحرس لينتزعوا الصكوك من أيدي الناس، ولم يفرق. فالجواب ما قد بينه بتمام الحديث، حيث قال: ويردُّونها إلى من ابتاعها. وكذلك فعل عمر بحكيم، فإنه ردَّ الطعام

(1) انظر الموطأ (2/ 641).

(2)

في (ع) و (ل 1): عمر بن عبد العزيز، وما أثبتناه من الموطأ (2/ 641).

(3)

رواه مالك في الموطأ (2/ 641).

ص: 380