الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(32) باب مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله فإذا دخل فالكيس الكيس
[1532]
عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، فَلَمَّا أَقبَلنَا تَعَجَّلتُ عَلَى بَعِيرٍ لِي قَطُوفٍ، فَلَحِقَنِي رَاكِبٌ خَلفِي،
ــ
لأجل الجهاز على الأصح عندنا، على أصلنا؛ إذ قد كان المقصود من الجهاز في حكم التبع لاستباحة البضع، كمن اشترى سلعتين، فاستُحِقَّ الأدنى منهما، فإنَّه إنما ينقض البيع في قدر المستحقَّة خاصة.
قال القاضي: وإذا تقرر: أن للزوج حق الاستمتاع؛ فإن مكنته من ذلك؛ أي: من الاستمتاع بالجهاز (1)، وطابت نفسها به كان له ذلك، وإن منعته، فله مقدار ما بذل من الصَّداق. وعلى هذا في إجبارها على التجهيز بصداقها. فألزمها ذلك مالك، ولم يجز لها منه قضاء دينٍ، ولا نفقة في غير جهازها؛ إلا أن تنفق اليسير من الكثير. وقال الكوفيون: لا تُجبر على شيء، وهو مالها، تفعل فيه ما تشاء، والله أعلم.
(32)
ومن باب: مَن قَدم من سفر فلا يعجل بالدخول على أهله
(قوله: فلما أقفلنا) كذا لابن ماهان. ووجه الكلام: قفلنا -ثلاثيًّا -، يقال: قفل الجند من مبعثهم؛ أي: رجعوا، وأقفلهم الأمير، وقَفَلَهُم أيضًا. وتحتمل الرواية أن تكون بفتح اللام؛ أي: أقفَلَنَا النبي صلى الله عليه وسلم وتحتمل أن تكون اللام ساكنة. ويكون معناه: أقفل بعضنا بعضًا. ورواه ابن سفيان: (أقبلنا) بالباء المنقوطة بواحدة، من الإقبال.
و(القطوف): هو البعير البطيء المشي، المتقارب الخطو؛ قاله الخليل
(1) ما بين حاصرتين مستدرك من (ج 2).
فَنَخَسَ بَعِيرِي بِعَنَزَةٍ كَانَت مَعَهُ، فَانطلق بَعِيرِي كَأَجوَدِ مَا أَنتَ رَاءٍ مِن الإِبِلِ، فَالتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا يُعجِلُكَ يَا جَابِرُ؟ قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهدٍ بِعُرسٍ فَقَالَ: أَبِكرًا تَزَوَّجتَهَا أَم ثَيِّبًا؟ قَالَ: قُلتُ: بَل ثَيِّبًا قَالَ: هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟ . قَالَ: فَلَمَّا قَدِمنَا المَدِينَةَ ذَهَبنَا لِنَدخُلَ فَقَالَ: أَمهِلُوا حَتَّى نَدخُلَ لَيلًا (أَي عِشَاءً) كَي
ــ
وغيره. قال الثعالبي: إذا كان الفرس يمشي وثبًا وثبًا؛ فهو قطوف، فإن كان يرفع يديه ويقوم على رجليه؛ فهو شبوب، فإن كان يلتوي برأسه حتى يكاد يسقط عنه راكبه؛ فهو قموص، فإذا كان مانعًا ظهره؛ فهو شموس.
و(العَنَزَةُ): عصا مثل نصف الرمح (1)، أو أكثر، وفيها: زُجٌّ؛ قاله أبو عبيد. قال الثعالبي: فإن طالت شيئًا؛ فهي النيزك، ومِطرَدٌ، فإذا زاد طولها وفيها سنان عريض؛ فهي ألة وحربة.
و(قوله: فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء) أي: كأسرع بعير تراه من الإبل. وهذا من بركات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كراماته.
و(قوله: أمهلوا حتى ندخل ليلًا) أي: ارفقوا.
و(الشَّعِثَة): المتغيرة الحال والهيئة. و (تَستَحِدَّ): تستعمل الحديدة؛ يعني به: حلق الشعر. و (المَغِيبة): هي التي غاب عنها زوجها. يقال: أغابت المرأة، فهي مغيبة - بالهاء -، وأشهدت: إذا حضر زوجها. فهي: مُشهِد - بغير هاء -.
وفي هذا من التنبيه على رعاية المصالح الجزئية في الأهل، والإرشاد إلى مكارم الأخلاق، وتحسين المعاشرة ما لا يخفى. وذلك: أن المرأة تكون في حالة غيبة زوجها على حالة بذاذة، وقلة مبالاة بنفسها، وشعث. فلو قَدِمَ الزوج عليها وهي في تلك
(1) في (ع): الذراع.
تَمتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وَتَستَحِدَّ المُغِيبَةُ قَالَ: وَقَالَ: فإِذَا قَدِمتَ فَالكَيسَ الكَيسَ! .
رواه أحمد (3/ 375)، والبخاري (2097)، ومسلم (715)(57).
* * *
ــ
الحال ربما نفر منها، وزَهِدَ فيها، وهانت عليه. فنبَّه على ما يزيل ذلك، ولا يعارض قوله:(حتى ندخل ليلًا) نهيه في الحديث الآخر عن أن يطرق الرَّجل أهله؛ لأن ذلك إذا لم يتقدَّم إليهم خبره؛ لئلا يستغفلهم، ويرى منهم ما يكرهه. وقد جاء هذا مبيَّنًا في الجهاد؛ إذ قال:(كان لا يطرق أهله ليلًا)(1) وكان يأتيهم غدوًّا وعشيًّا. وقد جاء في حديث النهي عن الطروق التنبيه على علَّة أخرى. وهي: أنه لا يطرقهم يتخوَّنهم، ويطلب عثراتهم. وهو معنى آخر غير الأول. وينبغي أيضًا: أن يجتنب الطروق لأجل ذلك.
و(قوله: فإذا قدمت فالكَيس الكَيس). قال ابن الأعرابي: الكَيس: الجماع، والكَيس: العقل. فكأنه جعل طلب الولد عقلًا. ومنه الحديث: (أي المؤمنين أكيَس)(2) أي: أعقل.
* * *
(1) رواه أحمد (3/ 125)، والبخاري (1800).
(2)
رواه ابن ماجه (4259).