الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(27) باب بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب
[1680]
عن فَضَالَةَ بنَ عُبَيدٍ الأَنصَارِيَّ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِخَيبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ، وَهِيَ مِن المَغَانِمِ تُبَاعُ، فَأَمَرَ
ــ
(27)
ومن باب: بيع القلادة فيها خرز وذهب بذهب
(قوله: أُتِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها خرز وذهب تباع من الغنائم). كان بيع هذه القلادة بعد قَسم الغنيمة، وبعد أن صارت إلى فَضَالة في سهمه، كما قال في رواية حَنَش؛ ولأن الغنيمة لا يتصرف في بيع شيء منها إلا بعد القِسمة.
وأمره صلى الله عليه وسلم بتفصيل القلادة وبيع الذهب على انفراده: إنما كان لأن المشتري أراد أن يشتريها بذهب؛ لقوله بعد هذا: (الذهب بالذهب وزنًا بوزن) أو يكون قد وقع البيع بذهب، كما جاء في الرواية الأخرى التي قال فيها: إنه اشتراها باثني عشر دينارا، ففصَّلها، فوجد فيها أكثر من اثني عشر دينارًا، ففسخ النبي صلى الله عليه وسلم البيع بقوله:(لا تباع حتى تُفَصَّل) ووجه هذا المنع في هذه الصورة: وجود المفاضلة بين الذهبين، فإنَّه إن كان مساويًا للآخر، فقد فضله من صار إليه الذهب، والعَرَضُ بالعَرَض، وإن لم يكن متساويًا فقد حصل التفاضل في عين أحد الذهبين، كما قال في رواية الاثني عشر دينارًا. وهذا قول الجمهور.
وقد شذَّ أبو حنيفة، ومن قال بقوله، وترك مضمون هذا الحديث فقال: إذا كان الذهب المنفرد أكثر من الذهب المضموم إليه السلعة جاز، بناء منه على جعل السِّلعة في مقابلة الزائد من الذهب. واعتذر عن الحديث: بأنه إنما فسخ ذلك لأن الذهب المنفرد كان أقل، فلو كان أكثر جاز. وهذا التأويل فاسد بدليل الحديث الأول، فإنَّه صلى الله عليه وسلم لما رأى القلادة قد عرضت للبيع بالذهب أمر بتفصيلها، وبيَّن حكم القاعدة الكلية بقوله:(الذهب بالذهب وزنًا بوزن) ولم يلتفت إلى التوزيع الذي قال به أبو حنيفة.
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي القِلَادَةِ فَنُزِعَ وَحدَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزنًا بِوَزنٍ.
رواه مسلم (1591)(89)، وأبو داود (3351)، والنسائي (7/ 279).
ــ
وقد غفل الطَّحاوي في تأويل ذلك الحديث، حيث قال: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لئلا يُغبَن المسلمون في المغانم عمَّا (1) ذكرناه: من أن هذا البيع إنما كان بعد القسمة، ولو سلَّمنا أنها كانت قبل القِسمة لكان عدوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك المعنى إلى قوله:(الذهب بالذهب وزنًا بوزن) ضائعًا، لا معنى له؛ لأنه كان يلزم منه أن يعدل عن علَّة الحكم في وقت الحاجة إلى بيانه، وينطق بما ليس بعلَّة ولا يُحتاج إليه، بالنسبة إليه في تلك الواقعة.
ومن الناس من زاد على أبي حنيفة في الشذوذ، وهو حمَّاد بن أبي سليمان، فقال: يجوز بيع الذهب بالذهب الذي معه السِّلعة مطلقا، ولم يُفرَّق بين المنفردة والمضموم إليها السلعة في الأقل ولا الأكثر. وهذا طرح للحديث بالكلية، ولم يعرِّج على القاعدة الشرعية. فأما لو باع القلادة التي فيها الذهب بفضة، فذلك هو البيع والصَّرف، ولا يجوز عند مالك؛ لاختلاف حكم البيع والصرف، وسدًّا للذريعة. وهذا ما لم يكن أحدهما تابعًا للآخر، فإن كان ذلك جاز إلغاء للتَّبعيَّة.
وقال أشهب: إنَّه يجوز البيع والصَّرف مطلقا، وكل ما ذكرناه إنَّما هو فيما يمكن تفصيله. فأمَّا ما لا يمكن ذلك فيه، إما لتعذره حِسًّا، أو لأنَّه يؤدي إلى إتلاف مالية: فذلك إمَّا أن يكون ممنوع الاتخاذ، فلا يجوز فيه إلا المصارفة على اعتبار التبعية على ما ذكرناه آنفًا. وأما ما يجوز اتخاذه؛ كالسَّيف، والمصحف، والخاتم، وحلي النساء: فيجوز عندنا بيع ذلك كلِّه، بخلاف ما فيه من العين؛
(1) في (ل 1): كما.
[1681]
وعنه قَالَ: اشتَرَيتُ يَومَ خَيبَرَ قِلَادَةً فِيهَا اثنَا عَشَرَ دِينَارًا، فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ، فَفَصَّلتُهَا فَوَجَدتُ فِيهَا أَكثَرَ مِن اثنَي عَشَرَ دِينَارًا، فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا تُبَاعُ حَتَّى تُفَصَّلَ.
رواه مسلم (1591)(90)، وأبو داود (3352)، والترمذي (1255).
[1682]
وعَن حَنَشٍ الصنعاني قَالَ: كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بنِ عُبَيدٍ فِي غَزوَةٍ، فَطَارَت لِي وَلِأَصحَابِي قِلَادَةٌ فِيهَا ذَهَبٌ وَوَرِقٌ وَجَوهَرٌ، فَأَرَدتُ أَن أَشتَرِيَهَا، فَسَأَلتُ فَضَالَةَ بنَ عُبَيدٍ فَقَالَ: انزِع ذَهَبَهَا فَاجعَلهُ فِي كِفَّةٍ، وَاجعَل ذَهَبَكَ فِي كِفَّةٍ، ثُمَّ لَا تَأخُذَنَّ إِلَّا مِثلًا بِمِثلٍ، فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلَا يَأخُذَنَّ إِلَّا مِثلًا بِمِثلٍ.
رواه مسلم (1591)(92)، وأبو داود (3353).
* * *
ــ
ناجزا مطلقا من غير فصل بين قليل ولا كثير؛ لأن ذلك إما صرف، وإما بيع، والتبع مُلغى. وإما بجنس ما فيه من العين: فيجوز إذا كان فيه من العين الثلث فدون؛ عند مالك، وجمهور أصحابه، وكافة العلماء إلغاءً للتبعية؛ ولأن ذلك قد يضطر إليه. ومنع ذلك الشافعي، وأحمد، وإسحاق، ومحمد بن عبد الحكم. وروي عن جماعة من السلف؛ منهم: عمر، وابن عمر رضي الله عنهما؛ اعتبارًا بوجود المفاضلة بين الذهبين، وأبو حنيفة وحمَّاد على أصليهما المذكورين.
و(قول فضالة: اشتريت يوم خيبر قلادة فيها اثنا عشر دينارًا) كذا وقع هذا اللفظ عند كافة الشيوخ: (فيها اثنا عشر دينارًا). وقد سقط هذا اللفظ عند ابن عيسى، وابن الحذَّاء، واتصل قوله:(قلادة) بقوله: (فيها خرز وذهب) وهذا