الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}
[1413]
عن ابنُ عباس قال: نَزَلَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمرِ مِنكُم فِي عَبدِ اللَّهِ بنِ حُذَافَةَ بنِ قَيسِ بنِ عَدِيٍّ السَّهمِيِّ؛ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ.
رواه البخاري (4584)، ومسلم (1834)، وأبو داود (2624)، والترمذيُّ (1672)، والنسائيُّ (7/ 154 - 155).
ــ
(7)
ومن باب قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}
قول ابن عباس بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية كلام غير تام، وتتمته (1) أن عبد الله بن حُذَافَةَ أمرهم بأمر فخالف بعضهم وأَنِفَ، على عادة العرب أنهم كانوا يأنفون من الطّاعة، قال الشافعي: كانت العرب تأنف من الطّاعة للأمراء، فلمَّا أطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بطاعة الأمراء. وقال أبو العالية: نزلت الآيةُ بسبب عمَّار بن ياسر (2)؛ خرج في سرية أميرهم خالد بن الوليد، فأجار عَمَّار رجلًا فأبى خالد أن يُجِيزَ أمانَهُ، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأجاز أمان عَمَّار ونهى أن يُجار على الأمير.
قلت: وقول ابن عباس أشهر وأصح وأنسب، وعلى هذا فأولو الأمرِ في الآية هم الأمراء، وهو أظهر من قول من قال هم العلماء - قاله الحسن
(1) في (ج) و (ج 2): وتتميمه.
(2)
انظر الدر المنثور (2/ 574).
[1414]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن أَطَاعَنِي فَقَد أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَن يَعصِنِي فَقَد عَصَى اللَّهَ،
ــ
ومالك، وله وجه؛ وهو أن الأمراء شرطهم أن يكونوا آمرين بما يقتضيه العلم، وكذلك كان أمراءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحينئذ تجب طاعتهم، فلو أمروا بما لا يقتضيه العلم حَرُمَت طاعتهم، فإذًا: الحكم للعلماء والأمرُ لهم بالأصالة، غير أنهم لهم الفتيا من غير جبر، وللأمير الفتيا والجبر.
وهذان القولان أشبه ما قيل في هذه الآية.
وقوله: {فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية، تنازعتم اختلفتم، وأصله التجاذب والتعاطي، ومنه سُمِّي المستقيان متنازعين؛ لأنهما يتجاذبان الدّلو بالحبل، ولا شك أن المواجه بهذا الخطاب الصحابة.
وعلى هذا فالمراد بقوله {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ؛ أي: انتظروا أن يُنزل الله فيه قرآنًا أو يبيّن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّة.
وقيل: المراد الصحابة وغيرهم. والمعنى: أنَّ المرجع عند التنازع كتاب الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم قاله قتادة.
وقوله ذلك خير؛ أي الردُّ إلى كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم خير من الردّ إلى التحكّم بالهوى، وخير للمفاضلة التي على منهاج قولهم: العسل أحلى من الخل. ومنه قوله تعالى: {أَصحَابُ الجَنَّةِ يَومَئِذٍ خَيرٌ مُستَقَرًّا وَأَحسَنُ مَقِيلا} وخير هنا بمعنى الواجب؛ أي: ذلك الواجب عليكم. وتأويلًا أي مآلًا ومرجعًا - قاله قتادة وغيره.
وقوله من أطاعني فقد أطاع الله، هذا مُنتَزَعٌ من قوله تعالى:{مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَد أَطَاعَ اللَّهَ} وذلك أنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا كان مُبَلِّغًا أمر الله وحُكمَهُ وأمر الله بطاعته؛ فمن أطاعه فقد أطاع أمر الله ونفّذ حكمه.
وَمَن يُطِع الأميرَ فَقَد أَطَاعَنِي، وَمَن يَعصِ الأميرَ فَقَد عَصَانِي.
وفي رواية: ومن أطاع. . . ومن عصى أميري. . . .
رواه أحمد (2/ 244 و 342)، والبخاريُّ (2957)، ومسلم (1835)(32 و 33)، والنسائي (7/ 154)، وابن ماجه (3).
[1415]
وعَنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَلَيكَ السَّمعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسرِكَ وَيُسرِكَ، وَمَنشَطِكَ وَمَكرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيكَ.
رواه أحمد (2/ 381)، ومسلم (1836).
ــ
وقوله ومن أطاع الأمير - أو أميري - فقد أطاعني، وَوَجهُهُ أنّ أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو مُنَفِّذٌ أَمرَهُ، ولا يتصرف إلا بأمره، فمن أطاعه فقد أطاع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فكل من أطاع أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله. فينتج أنَّ مَن أطاع أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، وهو حق صحيح، وليس هذا الأمر خاصَّا بمن باشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بتولية الإمارة، بل هو عام في كل أمير للمسلمين عدل، ويلزم منه نقيض ذلك في المخالفة والمعصية.
وقوله وعليك السَّمع والطَّاعة بالنصب على الإغراء، ويلزم منه الوجوب.
ولا خلاف في وجوب طاعة أمراء المسلمين على الجملة، وسيأتي تفصيله.
والمنشط والمكره مصدران، ويعني بذلك أنَّ طاعة الأمير واجبة على كل حال، سواء كان المأمور به موافقًا لنشاط الإنسان وهواه أو مخالفًا.
وقوله وأَثَرَةٍ عليك رويناه بفتح الهمزة وفتح الثاء المثلثة، ورويناه
[1416]
وعَن أَبِي ذَرٍّ قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي أَوصَانِي أَن أَسمَعَ وَأُطِيعَ، وَإِن كَانَ عَبدًا حبشيا مُجَدَّعَ الأَطرَافِ.
رواه مسلم (1837)، وأبو داود (431)، والترمذيُّ (136)، والنَّسائيُّ (2/ 75).
* * *
ــ
أيضًا بضم الهمزة وإسكان الثاء، وكلاهما بمعنى؛ والمعنى: أنّ الطاعة للأمراء واجبة وإن استأثروا بالأموال دون الناس، بل وعلى أشد من ذلك؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال لحذيفة: فاسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك (1).
وقوله وإن كان عبدًا حبشيًّا مجدَّع الأطراف، الجَدعُ: القطُع - وأصله في الأنف. والأطراف: الأصابع.
وهذا مبالغة في وصف هذا العبد بالضعة والخسّة؛ وذلك أن العبد إنما تنقطع أطرافه من كثرة العمل والمشي حافيًا، وهذا منه صلى الله عليه وسلم على جهة الإغياء على عادة العرب في تمكينهم المعاني وتأكيدها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: من بنى مسجدًا لله ولو مثل مِفحَصِ قطاةِ بنى الله تعالى له بيتًا في الجنَّة (2)، ومفحص قطاة لا يصلح لمسجد، وإنما هو تمثيل للتصغير على جهة الإغياء، فكأنَّه قال: أصغر ما يكون من المساجد. وعلى هذا التأويل لا يكون فيه حجة لمن استدل به على جواز تأمير العبد فيما دون الإمامة الكبرى، وهم بعض أهل الظاهر فيما أحسب، فإنه قد اتُّفِقَ على أن الإمام الأعظم لا بُدَّ أن يكون حرًّا على ما يأتي بنص أصحاب مالك، على أن القاضي لا بُدَّ أن يكون حرًّا.
قلت: وأمير الجيش والحرب في معناه، فإنها مناصب دينية يتعلّق بها تنفيذ
(1) رواه مسلم (1847).
(2)
رواه ابن حبان (1611)، والبيهقي في السنن (2/ 437).