الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(28) باب المقام عند البكر والثيب
[1523]
عَن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أَقَامَ عِندَهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ: إِنَّهُ لَيسَ بِكِ عَلَى أَهلِكِ هَوَانٌ إِن شِئتِ سَبَّعتُ لَكِ، وَإِن سَبَّعتُ لَكِ سَبَّعتُ لِنِسَائِي.
ــ
واختلف نفاة القول بالقافة في حكم ما أشكل، وتُنُوزِع فيه. فقال أبو حنيفة: يلحق الولد بهما، وكذلك بامرأتين. وقال محمد بن الحسن: يلحق بالآباء وإن كثروا، ولا يلحق إلا بأم واحدة. ونحوه قال أبو يوسف. وقال إسحاق: يقرع بينهم. وقاله الشافعي في القديم. ويُستدل على هذا بما خرَّجه أبو داود من حديث عليّ رضي الله عنه وذلك أن ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد، فأتت بولد فترافعوا إلى عليّ، وكلهم يدّعي الولد لنفسه، فأقرع عليّ بينهم، فألحقه بالذي طارت عليه القرعة. وكان عليّ باليمن، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه (1). وسنده صحيح.
(28)
ومن باب: المقام عند البكر والثيب
(قوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: إنه ليس بك على أهلك هوان) الضمير في (إنه) للأمر، والشأن. و (ليس بك) أي: لا يتعلّق بك، ولا يقع بك. و (أهلك): يريد به نفسه. وكل واحد من الزوجين أهل لصاحبه. و (الهوان): النقص، والاحتقار. وإنما قال لها ذلك حين أخذت بثيابه تستزيده من المقام عندها، فاستلطفها بهذا القول الحسن. ثم بعد ذلك بيَّن لها وجه الحكم بقوله:(للبكر سبع، وللثيب ثلاث) وهذا تقعيد للقاعدة، وبيان لحكمها. وهو حجة للجمهور على أبي حنيفة حيث
(1) رواه أبو داود (2269).
زاد في رواية: وَإِن شِئتِ ثَلَّثتُ ودُرتُ. قَالَت: ثَلِّث.
وفي أخرى: لما أَرَادَ أَن يَخرُجَ أَخَذَت بِثَوبِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِن شِئتِ زِدتُكِ وَحَاسَبتُكِ بِهِ لِلبِكرِ سَبعٌ، وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ.
رواه مسلم (1460)(41)(42)، وأبو داود (2122).
ــ
يقول: لا يختص بذلك واحدة منهن، بل يقضي لسائر نسائه بمثل ذلك، تمسُّكًا منه بمطلق الأمر بالعدل بينهن. ولا يتم له ذلك؛ لأنه مخصّص بهذا الحديث وشبهه.
وقد يقال: إذا كان الحكم: أن للثيب ثلاثًا، وللبكر سبعًا؛ فكيف خيرها بين التسبيع والتثليث؟ ثم إن اختارت التسبيع سبّع لنسائه، وسقط حقها من الثلاث.
ويجاب عن ذلك: بأن ظاهر قوله: (للثيب ثلاث، وللبكر سبع) أن ذلك حق للزوجة. وهو أحد القولين عند مالك رحمه الله في هذا. فإذا رضيت بإسقاطه سقط، فكأنه عرض عليها: أنها إن اختارت السبع سقط حقها من الثلاث.
وقد اختلف؛ هل لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يسبع للثيب أم لا؟ فذهب مالك فيما ذكر عنه ابن الموَّاز: إلى أنه ليس له أن يسبع. وكأنَّه رأى أن ذلك كان من خصوصيَّات النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قد ظهرت خصوصياته في هذا الباب كثيرًا.
وقال ابن القصَّار: إذا سبع للثيب سبع لسائر نسائه؛ أخذًا بظاهر هذا الحديث. ولا يدلّ عنده على سقوط (1) الثلاث لها. وكأنه تمسك بالرواية التي قال لها فيها: (إن شئت زدتك وحاسبتك) وكل هذا منه صلى الله عليه وسلم عمل بالعدل بين أزواجه، ومراعاة له.
وهل كان ذلك منه - أعني القسم - على جهة الوجوب، كما هو على غيره بالاتفاق، أو هو مندوب إلى ذلك، لكنه أخذ نفسه بذلك رغبة في تحصيل الثواب، وتطييبًا لقلوبهن، وتحسينًا للعشرة على مقتضى خُلُقه الكريم، وليُقتدى به في ذلك؟ قولان لأهل العلم.
مستند القول بالوجوب: التمسَّك بعموم القاعدة الكلية في وجوب العدل
(1) في (ع): إسقاط.
[1524]
وعَن أَنَسٍ قَالَ: مِن السُّنَّةِ أَن يُقِيمَ عِندَ البِكرِ سَبعًا قَالَ خَالِدٌ: وَلَو شِئتُ قُلتُ: رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
رواه مسلم (1460)(45).
* * *
ــ
بينهن، وبقوله:(اللهم هذه قسمتي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك، ولا أملك)(1) يعني: الحب، والبغض.
ومستند نفيه: قوله تعالى: {تُرجِي مَن تَشَاءُ مِنهُنَّ وَتُؤوِي إِلَيكَ مَن تَشَاءُ وَمَنِ ابتَغَيتَ مِمَّن عَزَلتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيكَ} وقد تقدَّم التنبيه على الخلاف في تأويلها. ولم يختلف في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم ممن له زوجات: أن العدل عليه واجب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة، وشقه مائل، أو ساقط)(2) ولقوله تعالى: {وَلَن تَستَطِيعُوا أَن تَعدِلُوا بَينَ النِّسَاءِ وَلَو حَرَصتُم فَلا تَمِيلُوا كُلَّ المَيلِ فَتَذَرُوهَا كَالمُعَلَّقَةِ} وسيأتي القول (3) في كيفية القسم.
و(قوله: من السُّنة أن يقيم عند البكر سبعًا) ظاهره الرفع عند جمهور الأصوليين؛ لأنه إنما يعني به سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد دلّ على الرفع هنا قول خالد: (لو شئت قلت: رفعه) وقد تقدَّم قوله صلى الله عليه وسلم: (للبكر سبع، وللثيب ثلاث). والرفع فيه منصوصٌ عليه.
وقد اختلف في هذا الحكم؛ هل هو لكل بكر وثيب؟ وإن لم يكن للزوج غيرها، أو إنما يكون ذلك إذا كان له غيرها. على قولين عندنا.
قال أبو عمر: أكثر العلماء على أن ذلك واجب لها؛ كان عند الرجل زوجة أم لا؛ لعموم الحديث.
وقال غيره: معنى الحديث فيمن له زوجة غير هذه؛ لأن من لا زوجة له مقيم مع هذه.
(1) رواه أبو داود (2134)، والترمذي (1140)، والنسائي (7/ 64).
(2)
رواه أبو داود (2133)، والترمذي (1141)، والنسائي (7/ 63).
(3)
في (ع): الكلام.